الباحث العماني يونس النعماني لـ«البيان »:

قلهات درة مملكة هرمز استحقت إدراجها في قائمة التراث العالمي

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

مدينة عريقة تتربع شامخة على بعد 20 كم شمال المدينة التاريخية صور، في محافظة جنوب الشرقية بعُمان.. دخلت أخيراً تاريخ التراث العالمي من أوسع أبوابه، وتألقت بسحر جمالها وعبق تراثها على قائمة اليونسكو في اجتماع المنامة الأخير، الذي فازت فيه المدينة بتصنيفها ضمن قائمة التراث الإنساني، بوصفها مركزاً تاريخياً أصيلاً ترك بصماته على جدار التراث الإنسان الخليجي العريق؛ إذ كانت هذه البقعة التاريخية مهداً لمملكة نشأت في منطقة الخليج العربي، وكان لها أثرها في نهضة إنسانية اتسمت بالتنوع والثراء.

وبمناسبة اختيار المدينة ضمن «قائمة التراث العالمي»، حاورت «البيان»، الكاتب والباحث يونس بن جميل النعماني، رئيس قسم الثقافة باللجنة الوطنية العُمانية للتربية والثقافة والعلوم، والذي أكد في حديثه لـ«البيان» أن قلهات استحقت بجدارة إدراجها على قائمة التراث العالمي حيث إنها حاضرة تاريخية مهمة شكلت درة مملكة هرمز و"عاصمتها الثانية"، مبيناً أنها استوفت اثنين من أصل عشرة معايير وضعتها منظمة اليونسكو لإدراجها بالقائمة، إذ أدرجت وفقاً للمعيارين الثاني والثالث.

قيم ثقافية

وأوضح النعماني أن المعيار الثاني يتمثل في أن يشكل الموقع إحدى القيم الإنسانية المهمة والمشتركة لفترة من الزمن، أو في المجال الثقافي للعالم، سواء في تطور الهندسة المعمارية أو التقنية، أو الفنون الأثرية، أو تخطيط المدن، أو تصميم المناظر الطبيعية.. ومن هنا فقد أشارت الأدلة المعمارية إلى المنتجات الخاصة بالمدينة، والتي يتم تصديرها كالتمر، والخيول العربية، فضلاً عن التوابل واللآلئ، كما تدمج المدينة سمات الثقافات المتعددة العالمية من القرون الوسطى، وذلك من خلال النمط المعماري المختلف للمباني نظراً للأصول الثقافية المختلفة لسكانها.

وفي ما يتعلق بالمعيار الثالث، يبين رئيس قسم الثقافة باللجنة الوطنية العُمانية للتربية والثقافة والعلوم، أنه يتعلق بتمثيل الموقع شهادة فريدة أو استثنائية لتقليد ثقافي أو لحضارة ما زالت قائمة أو مندثرة؛ حيث إن مدينة قلهات الأثرية تمثل شهادة فريدة لمملكة هرمز التي ازدهرت بين القرنين الحادي عشر والخامس عشر.

وتقدم المدينة دليلاً استثنائياً على مكانتها كمركز تجاري حيوي ورئيسي، اكتسب أهميته من مكانته السياسية التي اكتسبتها من الموقع الجغرافي المهم.

وكانت المدينة مقر الإقامة الموسمية والملجأ لأمراء هرمز في حالة نشوب أي خلاف أو نزاع، والتي أعطتها لقب «العاصمة الثانية» لمملكة هرمز.. وقد احتفظت الآثار المتبقية من المدينة بأصالتها وبنيتها شبه المكتملة، والتي توفر إمكانات إضافية لفهم أكثر تفصيلاً لأنماط الحياة والتجارة فيها.

عمل متواصل

وعن الجهود التي بذلت في المشوار الطويل الذي قطعته «قلهات» في رحلتها نحو اليونسكو، أوضح يونس بن جميل أن الفريق الوطني من وزارة التراث والثقافة، وكذلك مندوبية سلطنة عُمان لدى اليونسكو، اضطلعوا بجهود مشتركة مع اللجنة الوطنية العُمانية للتربية والثقافة والعلوم، وبالتالي كان هناك من عمل بجد واجتهاد في سبيل وصول ملف موقع قلهات في القائمة التمهيدية لإدراجها ضمن قائمة التراث العالمي، وتم تسجيلها تحت مسمى مدينة قلهات الأثرية Ancient City Of Qalhat .

كنوز

حقائق مثيرة للاهتمام كشفت عنها أعمال التنقيب في قلهات.. هذا ما أكده النعماني في معرض حديثه عن اللقى الأثرية التي وجدت في قلهات، ولعل أبرزها الخزف والقيشاني والقطع الفخارية والجرار الذي جاء من عدة أماكن مثل: هرمز وإيران والصين وفيتنام والهند واليمن وغيرها من الدول، وتعود إلى القرن الرابع عشر والسادس عشر، وأيضاً مراسي السفن الحجرية، وكثير من اللقى التي تم العثور عليها، ولا يستبعد وجود لقى أثرية ذهبية، نتيجة غنى المدينة وازدهارها اقتصادياً، كما جاء وصفها لدى الرحالة مثل ياقوت الحموي والإدريسي وابن بطوطة والرحالة الإيطالي ماركو بولو.. وعليه، من وجهة نظر النعماني، ينبغي التركيز على الزخارف الجميلة، إضافة إلى الأدلة على التواصل الحضاري والثقافي في هذه المدينة العريقة.

كما يوجد سور دفاعي على بُعد 500 متر إلى الجنوب من المدينة، ووجدت مقبرة تحتوي على شواهد أثرية مكتوبة، وعثر كذلك على حوض مائي مزود بقنطرة وأضرحة أخرى صغيرة مع شواهد منقوشة. وضريح بيبي مريم هو أبرز الآثار في مدينة قلهات التاريخية، ويتميز بقوامة المستطيل وقبته الجميلة التي تقوم على القائمة المربعة.

زيارة الرحالة

أشار النعماني إلى أن الرحالة العربي الشهير ابن بطوطة زار قلهات عام 1328م، ودوّن ما رآه في تلك الزيارة من أسواقها الراقية، وأن ثمة مسجداً بنته سيدة تدعى بيبي مريم، علماً أن زيارة الرحالة للمدينة كانت بعد وفاة بيبي مريم التي كان آخر ذكر لها عام 1318م دون الإشارة إلى كيفية موتها. وبيبي مريم كما تذكرها في المصادر التاريخية امرأة مملوكة تركية وزوجة القائد العسكري بهاء الدين إياز.ازدهار

وفي معرض حديثه عن تأسيس المدينة، أوضح النعماني أن اسم «قلهات» ورد في الخريطة المسماة «مسرح من العالم» عام 1564م للإنجليزي أبراهام أورتيليوس، وُجدَ فيها اسم «كالها» أي قلهات، كما وصف ميناءها المستكشف ماركو بولو، ووفقاً للعوتبي فإن مالك بن فهم نزل قلهات قبل التوجه إلى سلّوت بالمنطقة الداخلية، ويقال إن هناك قلهات الساحلية وقلهات الداخلية، واتخذها مالك بن فهم عاصمة له، ثم قتل على يد ابنه «سليمة» الذي هرب إلى فارس وبالتحديد إلى ميناب.

ويشير النعماني إلى أن هناك أدلة أثرية تدل على أن قلهات قد استوطنت منذ الألف الخامسة والألف الرابعة قبل الميلاد.

Email