الحضور الثقافي العربي في أوروبا.. حذر وآفاق واعدة

الجذور العربية ضاربة في تاريخ المجتمع الغربي وآفاق التطور واعدة ومستمرة | من المصدر

ت + ت - الحجم الطبيعي

ازدادت وتيرة الهجرة العربية إلى أوروبا في السنوات الأخيرة، نتيجة لحالة عدم الاستقرار في بعض الدول والتي أدت إلى هجرة عدد كبير من العرب إلى أوروبا وباقي دول العالم، وهذا بدوره فرض على أولئك المهاجرين واقعاً معيشياً فرض عليهم إقامة أنشطة وفعاليات ثقافية واجتماعية لتعريف الغرب بثقافة المهاجرين، ومساعدتهم في الحفاظ عليها. وحول هذا الموضوع التقينا مجموعة من أبرز الناشطين العرب الذين يترأسون مؤسسات هامة في النرويج وهولندا ولندن.

من نشاطات جمعية موزاييك

 

محاضرات ومهرجانات

الدكتور حماد عاشور، عالم فيزياء مغربي مقيم في النرويج، وقد حدثنا عن جمعية موزاييك الثقافية الإنسانية المرخصة من الحكومة النرويجية فقال: «تأسست جمعية موزاييك عام 2008 والهدف منها نشر الثقافة بصورة عامة، وتركز على موضوعات التعددية واحترام الآخر والتعايش السلمي».

لا يوجد للجمعية أي توجه سياسي أو ديني، والأنشطة التي تقوم بها الجمعية تتركز على محورين: يتمثل الأول في إقامة محاضرات تتعلق بمواضيع اجتماعية ثقافية، ترتبط بموضوع اندماج المهاجرين في المجتمعات الغربية مع المحافظة على الثقافة العربية، وأهمية التعليم، وتم استضافة عدد كبير من الباحثين والكُتاب والمفكرين من الشرق الأوسط.

ومن المغرب العربي، ومن الأسماء التي حاضرت في هذه الجمعية نذكر: د. سليم نزال من المغرب، د. جعفر الصاحب من العراق، حواس محمود من سوريا، د. علي الإدريسي من المغرب، د. لمياء الراضي وهي سفيرة المغرب في النرويج، وتم استضافة محاضرين وباحثين وشعراء نرويجيين وبريطانيين وأميركيين مقيمين في النرويج.

ويضيف حماد عاشور: «أما المحور الثاني فيرتبط بالمشاركة في عدة مهرجانات تقام في أوسلو ومنها مهرجان الفيلم العربي في أوسلو، وهو مهرجان سنوي يستقطب أفلاماً من الدول العربية من الشرق العربي وشمال إفريقيا، وله صدى إعلامي كبير، حيث يتم فيه عرض الأفلام ثم تقديم ندوات حوارية ونقاشية حول الأفلام المعروضة، وهي غالباً تتناول قضايا اجتماعية وثقافية وسياسية، ويتم تقديم ندوات حول هذه الأفلام بعد عرضها ويجري نقاش كبير مع بعض مخرجي هذه الأفلام الذين يحضرون في مكان العرض وهو أوسلو العاصمة، ويستمر المهرجان ثلاثة أيام».

حماد عاشور: دور رائد للمهرجانات بتعزيز التقاليد

 

وهناك مهرجانات محلية في عدة أماكن بأوسلو، وفيها تشارك عدة دول عبر مؤسسات تمثل دولها الأساسية لكنها تقيم في النرويج، وعدد الدول التي تشارك في هذه المهرجانات يقارب 30 دولة، والمهرجانات المحلية هذه تقام كي تعرف هذه المؤسسات المشاركة بثقافة بلدانها الأصلية، وكل مؤسسة تقوم بنصب خيمة في ساحة عامة أو شارع كبير ويتم تحت ظلالها عرض المنتجات الثقافية والتراثية لبلدانها من أكل وموسيقى خزف وألبسة شعبية فولكلورية.

ويشير عاشور إلى أن موزاييك تعمل أيضاً في المجال الإنساني، إذ تقدم خدمات كثيرة في هذا المجال، وعلى سبيل المثال في عام 2017 تم إرسال 500 دراجة هوائية لأطفال يسكنون بعيداً عن مدارسهم في المغرب.

كما تعمل الجمعية مع جمعيات ومنتديات أخرى بشكل مشترك ومنسق، ولها تعاون مشترك مع الاتحاد النسائي العربي الذي تترأسه الفلسطينية امتثال النجار، ومع منتدى الرافدين الثقافي، كما أن للجمعية نشاطات مشتركة مع جمعيات نرويجية أخرى.

امتثال النجار في إحدى الفعاليات بأوسلو

 

غربتان

محمد الضمداوي، رئيس منتدى الرافدين الثقافي في أوسلو، يحدثنا قائلاً: «للمثقف غربتان: الأولى عندما يترك وطنه ومرتع صباه ويقلع جذوره ليغرسها في أرض أخرى، إلا أن هذا الوطن الذي غادره مضطراً يبقى يعيش فيه روحياً، والثانية عندما يجد نفسه وهو في خضم ثقافة مختلفة تماماً عن ثقافته، وهو يعتبر أمياً في ثقافة تلك الدولة التي هاجر إليها، فيكون أمام خيارين: إما أن يتقوقع على نفسه ويعيش في عزلته التي يختارها مضطراً كإجراء وقائي للمحافظة على ثقافته وتقاليده أو أن ينفتح على هذه الثقافة والتقاليد الجديدة كي يستطيع أن يندمج بالمجتمع الجديد، ولكن دون أن يفقد هويته الثقافية والحضارية التي اكتسبها خلال الأعوام السابقة، عندما كان يعيش في بلده الأم، لذا نرى أن هذه الإشكالية عانى منها ويعاني معظم المثقفين العرب الذين هاجروا إلى أوروبا والنرويج التي استضافت نخبة طيبة من المثقفين العرب، ومن هنا كانت مبادرة نخبة من المثقفين العراقيين في مملكة النرويج وبمباركة وتعاون شخصيات ثقافية عربية، لعقد سلسلة من اللقاءات والاجتماعات ناقشت فيها إمكانية قيام كيان فكري ثقافي عراقي، من أجل تأطير واحتضان القابليات الفكرية العراقية المبدعة في النرويج، ويكون مقرّه في العاصمة النرويجية أوسلو، وبدأ المنتدى منذ أوائل عام 2014 بنشاطات ثقافية منوعة كل شهر، من أمسيات شعرية مفتوحة، ومحاضرات ثقافية وتاريخية وفعاليات فنية واجتماعية، وقد لاقت هذه النشاطات ترحيباً ومشاركة من كل المثقفين العراقيين والعرب، الذين تفاعلوا مع هذه النشاطات الشهرية للمنتدى، حيث وجدوا فيها فسحة وفرها منتدى الرافدين الثقافي لكل المثقفين، مع العلم أن المنتدى يعتمد بتمويل نشاطاته على تبرعات أعضائه، كما أن وزارة الإعلام النرويجية توفر لنا قاعات مجانية لإقامة نشاطاتنا.

هوية وطنية

وفي أوسلو أيضاً التقينا الناشطة الفلسطينية امتثال النجار التي تعتبر السيدة الفلسطينية الأكثر نشاطاً في العاصمة أوسلو، وهي تقيم وتشارك بفعاليات عديدة فلسطينية وعربية وعالمية، ثقافية واجتماعية.. تقول امتثال: «باعتباري فلسطينية أعيش في المهجر أحاول أن أحافظ على ثوابتنا الوطنية، وتراثنا من مأكولات وأزياء؛ حتى نذكّر الجيل الجديد دائماً بأصولنا وعروبتنا، ونتمسك بهويتنا، ومن هنا جاءت فكرة الجمعية الفلسطينية للمرأة في النرويج، التي من خلالها نستطيع أن نشارك ونقيم أنشطتنا الفلسطينية ونخدم المرأة الفلسطينية من خلالها، كما بإمكاننا من خلالها أيضاً التعرف على الجمعيات النسائية النرويجية والاستفادة من خبراتها، بحيث نشارك هذه الجمعيات وتشاركنا نشاطاتنا، وتتعرف علينا وعلى ثقافتنا، ولدينا تطلع إلى مشاركة شخصيات نسائية عربية من دول مختلفة، وتم إنشاء الاتحاد النسائي العربي لخدمة النساء العربيات وغير العربيات لتسهيل عملية اندماجها في المجتمع النرويجي، وتعريفها بالقوانين النرويجية؛ فالمرأة القادمة حديثاً إلى دول المهجر بحاجة إلى مساعدات معنوية وأيضاً لأن تتفهم كيفية التعامل مع المجتمعات الجديدة، ونحن في الاتحاد نحاول أن نكون قدوة حسنة لهؤلاء النسوة».

وتضيف امتثال النجار: «شاركنا في العديد من النشاطات، كما أننا نظمنا نشاطات خاصة بالمرأة، تسهم في عملية الاندماج مع المؤسسات النرويجية النسائية، ونشاطاتنا تستهدف النساء اللواتي هن بحاجة ماسّة إلى مثل هذه الاحتياجات.

وكان لنا عدة نشاطات مميزة عبر فعالية (تعالي نحكي) وهي تفتح المجال للمرأة لطرح المشكلة بوجود متخصصين من عدة أماكن متعددة للإجابة عن أسئلتها، سواءً كانت هذه الأسئلة ذات طابع قانوني أو اجتماعي أو طبي أو نفسي، ومن أبرز المشاركات أيضاً مشاركتنا في جميع الأنشطة العربية والثقافية التي تقام في النرويج الخاصة بفلسطين أو الخاصة بالإخوة العرب على حد سواء، ونشجع الطلائع الجديدة، ونمد يد العون لمن هو بحاجة إلى مساعدة، علماً بأن عملنا تطوعي، ونحن نسعد به، كما أن الشعب النرويجي يتضامن مع القضية الفلسطينية، وهو محب لأن يتعرف على الثقافات المختلفة، لذا فإننا نعمل على إقامة مهرجانات خاصة بالأطفال ليتعرفوا على ثقافات الشعوب المختلفة».

المثقف المهاجر

ومن ساحة النرويج الثقافية انتقلنا إلى دول أوروبية أخرى، استضفنا منها شخصيات ثقافية لها حضور الثقافي وبصمات لافتة في تعريف المجتمعات الأوروبية بالثقافة العربية؛ فكانت مثالاً على أن الوجود العربي على تلك الأرض ليس لجوءاً وبحثاً عن لقمة العيش وحسب، إنما هو ثقافة عريقة يحملها العربي إلى شعوب العالم، لننقل هذه الثقافة الضاربة في جذور التاريخ.

وفي هذا الإطار تحدثت إلينا الكاتبة والإعلامية السورية المقيمة في هولندا ماجدولين الرفاعي، وهي رئيسة المؤسسة العربية الأوروبية للسلام، إذ تقول: «يبقى اللجوء خياراً صعباً على كل أحد، فحب الوطن يسكن قلب كل إنسان، ولكن قد تضطر الإنسان ظروف قاهرة إلى مغادرة وطنه واللجوء، وهذا ما حدث لنا، إذ إن الأوضاع التي خلفتها الأزمة في سوريا دفعت الكثير إلى مغادرة البلاد بحثاً عن أوضاع معيشية أفضل، ومهما كانت الصعوبات والتحديات فإننا أثبتنا أننا شعب لا ينكسر، لذلك راح كل منا يسعى إلى إثبات هويته، وخاصة الثقافية منها، من خلال التواصل مع الآخر، وباعتباري كاتبة وصحفية وناشرة سورية تركت في سوريا عملي كرئيسة تحرير تنفيذية لجريدة الصوت ومديرة دار «تالة» التي تركتُ في مستودعاتها آلاف الكتب، دون أن أتمكن من حمل ولو القليل، ولا حتى مؤلفاتي الخاصة بي، لذلك قمت في هولندا برفقة بعض الأصدقاء بتأسيس منظمة أطلقنا عليها اسم «المؤسسة العربية الأوروبية للسلام» هدفها الاهتمام بالمثقف المهاجر وإظهار قدراته ومواهبه أمام المجتمع الأوروبي، الذي بدأ يتفاعل مع مقدرات ومواهب شعوبنا العربية التي تحاول بعض وسائل الإعلام تهميشها وإظهارها بمظهر المشرد الذي لا يهمه إلا البحث عن لقمة العيش، واستطعنا من خلال هذه المؤسسة إقامة مجموعة كبيرة من الأنشطة الثقافية، تعنى بجميع الفنون والمجالات الأدبية والاجتماعية، إضافة إلى طباعة بعض الأنطولوجيات الشعرية بلغات متعددة من منطلق الانفتاح على الثقافات الأخرى».

ماجدولين الرفاعي: نهتم بالمثقف المهاجر لإظهار قدراته

 

وتجدر الإشارة إلى أن أنشطة المؤسسة العربية الأوروبية للسلام لم تقتصر على هولندا وحسب، بل تجاوزتها إلى بلجيكا وفرنسا، بالتشارك مع منظمات عربية أخرى.

وتشير ماجدولين إلى أن هذا الامتداد والتشابك جعل من الحركة الثقافية أكثر تنوعاً؛ إذ لم تقتصر المشاركة في الأنشطة على العرب فقط، بل شاركت بها جنسيات مختلفة من هولندا وبلجيكا وتركيا والكاميرون وغيرها من الدول.

وتضيف: «استطعنا بحول الله أن نخلق حالة ثقافية واجتماعية مميزة، وما زلنا نسعى للمزيد والأفضل بعد إزالة العثرات وإيجاد بعض سبل التمويل للرقي بأعمالنا والاستمرار بها، خاصة من الدول العربية التي سعينا جاهدين للتواصل مع سفاراتها للتعاون من أجل فتح المجال أمام الكتاب العرب لترجمة أعمالهم إلى لغات متعددة، وبالتالي إيصال أفكارهم إلى المتلقي الأوروبي الذي بدأ التفكير الجدي بتعلم اللغة العربية، وهذا ما يدفعنا للتفكير بإقامة دورات لتعليم العربية لغير الناطقين بها، وفي المقابل المحافظة على اللغة الأم عند أطفالنا وشبابنا الذين هجروا بلادهم قبل أن تكتمل معارفهم العربية، ومن الأنشطة التي قامت بها المؤسسة العربية الأوروبية للسلام، إضافة إلى الأنشطة الثقافية والفنية: ندوة عن الطلاق بعنوان «المرأة العربية المهاجرة بين الحرية وأشباهها»، مناقشة كتاب «غزة والحركة الوطنية الفلسطينية» للكاتب حسان البلعاوي القائم بأعمال السفارة الفلسطينية في بروكسل، توقيع المجموعة الشعرية متعددة اللغات «عزف على وتر الغياب» وأيضاً توقيع المجموعة الشعرية (ترتيل لقلب البلاد)».

ولم نتوقف عند هولندا وحسب، إنما انتقلنا إلى التواصل والحديث مع مجلة الجديد، وهي مجلة فكرية ثقافية شهرية تصدر عن صحيفة العرب اللندنية، ويرأس تحريرها الشاعر والكاتب السوري نوري الجراح، الذي تحدث إلينا نيابة عنه الروائي والناقد السوري المقيم في بريطانيا هيثم حسين، مستشار تحرير مجلة الجديد اللندنية.

هيثم حسين: نحتفي بالثقافة والأدب ونراهن على وعي القارئ العربي

 

يقول: «حاولت مجلة الجديد منذ انطلاقتها قبل أكثر من ثلاث سنوات أن تواكب اللحظة التاريخية، وتطرح أسئلة الراهن، الماضي، والمستقبل؛ فتحت كثيراً من الملفات، وفسحت المجال للخوض فيها، ومناقشتها، بعيداً عن أي فرض أو إملاء، وسعت إلى تبديد التشويش الذي حاول التعتيم على دور الثقافة والفكر والفن في الارتقاء بالمجتمعات العربية، كما أنها ابتعدت عن الاستقطابات ووضعت الأدب والفكر والفن في الصدارة، فكشفت النقاب عن أسئلة محظورة، يتم التردد في الإجابة عنها أحياناً، كملف الأنوثة المقموعة، ناهيك عن إفساح المجال للحوار والمساجلة، ونقد النقد، والكتابة عن الكتابة، وتلاقي الفنون والأجناس بين دفتي مجلة تراهن على الجديد والمبتكر في عالم يتحفنا كل يوم بجديد».

ويضيف هيثم حسين: «من هنا كان اختيار «فكر حر وإبداع جديد» ليكون شعاراً وبوصلة معاً، وأصدرنا أعداداً خاصة تحتفي بالثقافة والأدب وروادهما؛ فعدد الشهر الماضي تم تخصيصه للاحتفاء بتجربة الشاعر الراحل نزار قباني في ذكرى رحيله العشرين، والعدد الذي تلاه، عدد شهر يونيو الجاري، وهو عن فن الكوميكس عربياً، وكيف يمضي من إثارة المتعة إلى توليد الصدمة. ومن هنا فإن مجلة الجديد تتوجه إلى القارئ العربي في المشرق والمغرب، كما في المهاجر، وتراهن على وعي القارئ، تبحث عن توسيع رقعة التنوير، وتعزيز مكانة الأدب والفكر مهما كانت تحديات الواقع.

Email