لانا شاهين فنانة تجريدية لواقع تراجيدي

ت + ت - الحجم الطبيعي

خرساء تبدو لوحاتها صامتة كما كل الأشياء التي اكتفت بالصمت من فرط الكلام، إلا أنها تنطق جمالاً بالفرح حيناً وبالحزن أحياناً.

وجوه غير مكتملة الملامح تتضمنها هذه اللوحات، إلا أنها في عين ناظريها مكتملة الشعور والحس الفني، بداخل كل لوحة رغبة جامحة ثرية بالدهشة تكاد تفصح عن كل ما يتدفق في وجدان الغزيين من فرح وحزن وصبر وتحدٍ.

الريشة ما زالت ترسم، والألوان لم تجف بعد، فكل جزء من أجزاء هذه المدينة يصلح لأن يكون لوحة تجريدية.

لانا شاهين (22 عاماً) خريجة اللغة الإنجليزية، لم تكن موهبتها وليدة اللحظة، فمذ كان عمرها سبعة أعوام استطاع الأهل اكتشاف هذه الموهبة لديها وتنميتها قدر المستطاع، سواء من الناحية المعنوية أو المادية.

ليكون نتاج ذلك شابة في أوائل العشرينيات تحترف فناً تجريدياً وتعد من القلائل في غزة ممن يحترفون هذا الفن الذي لا يعتمد على التجسيد المباشر للشخصيات والوقائع بقدر تبنيه سلوكاً ذكياً يتميز بقدرة الفنان على رسم الشكل الذي يريده، سواء من الواقع أو الخيال، ليظهر في اللوحة بشكل آخر يشابه الصورة الأصلية أو لا يشابهها، إلا أنه يعكس الحالة المراد إيضاحها بكل عبقرية ووضوح.

تقول لانا شاهين: الداعم الأبرز لي كان أهلي الذين لم يدخروا جهداً يمكنني من مواصلة موهبتي هذه من خلال التشجيع المتواصل وتوفير كل ما يلزمني من أدوات للرسم. أمي وأبي وإخوتي كانوا دائماً فخورين بي، الأمر الذي أوجد بداخلي حافزاً للمضي قدماً نحو حلمي وأن أكون على قدر المسؤولية لهذا الدعم والتحفيز.

وتمضي: تواصلت مع أحد قريباتي في الأردن لتطلعني على حيثيات هذا الفن وخباياه، إضافة لمطالعتي منذ الصغر لفيديوهات عبر الإنترنت توضح ماهية وكيفية رسم هذه اللوحات التجريدية والتعرف إلى كبار المبدعين في هذا المجال، ولأن الموهبة عماد الاستمرارية، ووفق كل هذا استطعت الإلمام بجوانب هذا الفن وتمكنت من رسم هذه اللوحات بهذه الصورة التي نالت رضا من حولي ورضاي.

لوحات تحاكي قضايا الإنسان الفلسطيني خصوصاً، والعربي بشكل عام مجسدة صور معاناته وأفراحه وقضاياه السياسية والاجتماعية.

وعن مواضيع لوحاتها تقول لانا: أستنبط أغلب مواضيعي من الواقع المعاش أو من أي عبارة أو مَثل أو موضوع يخطر ببالي، فكل شيء بوسعه أن يكون مادة للفن التجريدي. ليس لدي قرار مسبق كيف ستكون اللوحة، وأي من الألوان عليّ استخدامها أو عدم استخدامها، بل مجرد البدء في الرسم تتكون لدي حالة ذهنية عن الألوان التي يجب علي الرسم بها أو تلك التي يجب علي تجنبها.

في جامعة أنديانا الأميركية حصلت لانا عام 2016 على فرصة للدراسة هناك فما كان منها إلا أنها عرضت بعضاً من لوحاتها هناك، وقد لاقت رواجاً كبيراً دفع البعض إلى شرائها، وعادت إلى غزة لتقيم أول معرض لها عام 2017، إضافة إلى معرض قادم لها سيحمل عنوان (جنين في رحم سجين). وتقول لانا في سياق ذلك:

أثمن إقبال الناس في غزة على معرضي وحبهم أعمالي، يكفيني أنهم يأتون لمشاركة نجاحي هذا. على الرغم من كل الصعوبات فأنا أقدر ظروف الناس المادية هنا التي تحول دون اقتنائهم أياً من هذه اللوحات، فيكتفون بالمشاهدة وسط أوضاع تحتم عليهم أن يكتفوا بقوت يومهم لا أكثر ولا أقل.

تحاول لانا جاهدة أيضاً إلى جانب لوحاتها الفنية إتمام أول إصدار أدبي لها يحمل عنوان (حكايات جدتي)، مسلطة الضوء على حكايات اللاجئين الذين هُجروا من أراضيهم عام 1948.

Email