رائعة حمدان بن محمد الشعرية الجديدة تنبض بالمحبة والجمال

ت + ت - الحجم الطبيعي

إن سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، هو شاعر الحب والغزل، وصاحب الأسلوب الأمثل، وما يكتبه يذوب رقة وجمالاً وعذوبة وإحساساً.

وسموّه عندما يكتب قصائده العاطفية بهذا الحس المرهف والعواطف الدفّاقة، يأسر القلوب ويعكس جوهر ملكاته وأحاسيسه كشاعر مجيد .

نعم، إنني اليوم أمام قصيدة عملاقة في الألفاظ، عملاقة في المعاني، هي في الحب غنية بالعاطفة، وفي الفكر مُشبعة بالخيال، وفي الطبيعة مُفعمة بالجمال.

وإنني أبصم للقراء بالعشر أن شاعرنا العملاق يعيش زمن أولئك الشعراء العمالقة أمثال عمر بن أبي ربيعة، وقيس بن الملوّح، وكُثيّر عزّة، وجميل بثينة.

نقاء

يتميّز سمو الشيخ حمدان بن محمد في شعره أنه يكتب من أعماق قلبه ووجدانه، فهو لا يتكلف لا في هواه ولا في كلماته، لذا فإنك لو التقيت به لوجدت الحفاوة نفسها، والمحبة نفسها هي التي تلمسها في أشعاره.

من أجل ذلك فإنه وشعره يدخلان شغاف القلب من أول نظرة، ولا يخرجان منه أبداً، لأن ظاهره كباطنه وباطنه كظاهره، صفاء في صفاء ونقاء في نقاء، وولد من أسرة كريمة عريقة في الصفاء والنقاء.

لذا فإنني أنبّه قراء شعره وعشَّاق أدبه والمعجبين بأسلوبه وأقول لهم: خذوا حِذْركم؛ فإنكم قد تقعون في شباك غرامه وعاطفته وأسلوبه، وإذا وقعتم فيه فلا أنتم تستطيعون الخلاص، ولا هو يريد الخلاص منكم، لأنه كما قال الشاعر:

أنا من أهوى ومن أهوى أنا

                          نحن روحان حللنا بدنا

وإذا لم تصدقوني فاقرأوا معي قصيدته هذه:

ما عَـنّه صْدود وَصل الزين ما عَـنّـه

                      لو كان قاسي وقلبي مِرتـجي عَطـفه

رموشه سيوف مـوتٍ جات مِسْتَـنّـه

                     منها عروقي وَرا الاضـلاع مِنْـشَطفه

يا نـاويٍ تخطف القلب اش تَبي منّه

                         تـراه بَيْـموت لو حاوَلـت في خَطـفه

القـلب مثل الزهَــر لازم تَعَــرف انّــه

                         يـمـوت في كَـف قَـطّـافه بَعَد قَـطفه

إيحاءات

ما أرقّ هذه العاطفة التي أملت هذه الكلمات العذبة التي تشبه قطرات الشهد أو قطرات الماء الزُّلال عند انسيابها.

وفي الوقت نفسه تشبه سحر رموشه وجاذبيّته حدّ السيف الذي يأخذ طريقه إلى النفاذ منذ أول ضربة، فلا يعطي الفرصة لتفاديه، والحب أوله نظرة أو كما قال شوقي:

نظرة فابتسامة فسلام

                  فكلام فموعد فلقاء

هذه الأبيات من غير شك أوصلت الرسالة إلى كل المحبوبين والمحبين، وأعلنت للملأ وأمام الملأ بأن الحب داء وبلاء، ولا علاج له إلا مبادلة الحب بحب مثله أو أشد، وإلا فمن الحب ما قتل.

ثم إن الأبيات غنية بالمعاني الجميلة، زاخرة بالإيحاءات البليغة التي يفهم منها بكل وضوح إصرار المحب على تعلّقه بالمحبوب، فلا يندم المحب على حبه بل على المحبوب أن يتوب من صدّه عن المحب. ثم يقول الشاعر الفتيّ العملاق:

إلطـف تَرى فـي كِـتاب الله والسنّـه

                       من تاب يَكسيه رَب البيت من لُطْفَه

والكِـبر صَاحِـبْه ماهو يدخـل الجنّـه

                       كيف يْتكـبّر وهو مـخلوق من نُـطفه

سِكَـنت فـي خافقي والله له الـمِنّــه

                       قم وَلّع الشوق في الخفّاق والاّ اطْفَه

تواضع

وفي هذه الأبيات نرى الشاعر يوجّه المحبوب المصرّ على الصدود والهجران إلى تحكيم الكتاب والسنة، ومراجعة النفس الأمّارة بالسوء، ويبيّن له في البداية أن هذا الصدّ والإعراض رغم تذلّل المحب، ظاهرة غير صحية، ودليل على كبرياء المحبوب.

والكبرياء صفة ممقوتة في الإنسان، وفي الدين غير محمودة العواقب، ففي الحديث القدسي يقول الله تبارك وتعالى: «الكبرياء ردائي والعظمة إزاري، فمن نازعني في واحدٍ منهما ألقيته في النار».

فلماذا إذاً الكبر في حين أن التواضع هو الذي يرفع مقام الإنسان:

تواضع تكن كالنجم لاح لناظر

                       على صفحات الماء وهو رفيع

ولا تك كالدخّان يعلو بنفسه

                         على طبقات الجوّ وهو وضيع

وبالمناسبة فإن بين المحبين تسقط الحُجب والألقاب، وفي الأمثال: عند الألفة تسقط شروط الكلفة، أو بين الأحباب تسقط شروط الآداب.

وممّا يُروى أن الملكة فكتوريا عندما انخطبت أو ارتبطت بزوجها، جاءت إلى زوجها تزوره، فطرقت الباب فقال زوجها من بالباب؟ قالت أنا الملكة فكتوريا، قال الزوج: آسف لا أعرف أحداً من الملكات.

قالت أنا فكتوريا حبيبتك، قال نعم.. نعم الآن عَرفتك، مرحباً بحبيبتي، ثم فتح لها الباب.

وإنني أفهم من البيت الأخير أنّ لشاعرنا المحب الموقف الحازم أحياناً، بدليل أنه أعطى المحبوب بطاقة الإنذار الأخير، فهو رغم تعلُّقه بمحبوبه وأنه لا انفكاك له منه، إلا أنه وضعه بين نارين أحلاهما مرّ، فطلب منه أن يكون صريحاً: يحب أو لا يحب، على حد قول الشاعر العربي المثقب العبدي قديماً:

فإمّا أن تكون أخي بصدق

                       فأعرف منك غثي من سميني

وإلا فاطّرحنـــي واتخـــــــذني

             عـــــــدواً أتّقيــــــــــك وتتّقينـــــــــــي

شكراً لسمو الشيخ حمدان بن محمد صاحب القلب النقي، والحب الصادق، والأدب الراقي، على هذه القصيدة الرقيقة، ولعلها تفتح قلوباً عُمياً أو آذاناً صُمّاً، وإن كان الشاعر يقول:

إذا لم يكن صفو الوداد طبيعة

                       فلا خير في ودّ يجيء تكلفا

Email