دبي تنافس نفسها وتستفيد من خبرات الآخرين

فريدة العوضي: عمارتنا القديمة مدروسة لخدمة الإنسان

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

«الحياة عمارة، والعمارة مرآة الحياة»، هذه المقولة للمهندس المعماري الأميركي الشهير ليو مينغ بيّه «1927»، تعكس جوهر الحوار الذي أجرته «البيان» مع مهندسة التصميم الداخلي، فريدة قمبر العوضي - صاحبة شركة سنمار للعمارة، ورئيسة اتحاد مصممي الديكور المحترفين في دبي، حول تحولات فنون العمارة في دبي، وجمعها في العقدين الأخيرين بين هوية العمارة المحلية والمعاصرة.

والمفاجأة التي لم تكن في البال، أن يتحول الحوار بتلقائية موضوعية من بنية العمارة الخارجية إلى بنية عمارة الإنسان الداخلية، التي تعادل في أهميتها وجمالياتها وتصاميمها وقيمتها، روائع الأعمال الخالدة.

سر الشرفة

بدأت فريدة رحلتها في الحديث بين زمنين لتقول: «لطالما كنا نتساءل في مرحلة ما بعد النفط، عن أسباب وجود الشرفة التي لا محل لها من الإعراب في حياتنا آنذاك في تصاميم الفلل والأبنية. واكتشفت بعد سفرتي الأولى إلى بيروت، ومشاهدة العمارة، دوافع وجودها ضمن سياق جغرافية الطبيعة، وبالتالي، ربط العمارة بثقافة المكان والحضارة والبيئة التي تنتمي إليها».

الصحن الداخلي

وتعود إلى الزمن الأسبق لتلك المرحلة قائلة: «كانت العمارة التقليدية قبل اكتشاف النفط، مدروسة، وكل ما في تفاصيلها محسوب بدقة لخدمة حياة السكان. كانت البيوت حينها تحمل خصوصيتها، لتشكل عالم الأسرة الداخلي، من محورة صحن الدار، إلى الغرف التي تحيط به. وبدخول المكيفات، تغير أسلوب حياتنا، ليتحول البيت إلى كتلة مركزية مع الاستغناء عن الفناء. وبذا، أدخلنا أسلوباً جديداً من العمارة من خارج بيئتنا الصحراوية ذات المياه القليلة، التي كنا في ما مضى نعتمد تدوير استهلاكها في البيوت. وبفضل حكمة قادتنا والمشاريع التي تبنوها، توفرت المياه، ليتم استغلالها في الزراعة بوفرة».

رؤية مستقبلية

وتصل فريدة إلى الماضي القريب، وزمن ناطحات السحاب، لتقول: «يعكس بناء برج مركز دبي التجاري العالمي، الذي شيد عام 1979، رؤية المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم المستقبلية، بهدف إنشاء مقر تجاري للشركات العالمية. وإن بدا المركز بأدواره الـ 39، إنجازاً قائماً بحد ذاته حينها، فإنه لم يكن سوى بداية لنظرة حكامنا المستقبلية، والتأسيس لمرحلة جديدة من العمارة لناطحات السحاب التي توازي مثيلتها في كبرى مدن العالم، ضمن مفهوم منظومة اقتصادية متكاملة لمخطط المدينة، عبر تهيئة البنية التحتية للمستثمرين واستقطابها».

علاقة الاغتراب

وتعود إلى الحاضر الذي يشمل 10 سنوات إلى الوراء، وتقول بعد لحظات تأمل: «وسرعان ما أدرك المهندسون، سواء في الخارج أو الداخل، علاقة الاغتراب بالمكان، التي تفرضها العمارات الشاهقة الارتفاع. وبالتالي، بدأت العودة إلى مفهوم النسبة والتناسب، وأهمية قرب الإنسان من الطبيعة ونفسه. شكل هذا التحول دافعاً للاستفادة من بيئة المكان، وحلول العمارة القديمة المعنية بكل تفصيل، كما يتجلى في أبنية حي الفهيدي التاريخية، بما في ذلك استخدام عناصر الخامات القديمة الصديقة للبيئة».

وهنا تبتسم وتقول: «دبي تنافس نفسها. ومن أسرار تقدمها، أنها لا تعتمد بالضرورة على التجريب، بل تستفيد من خبرات وتجارب الآخرين، لتدرسها وتعدلها بما يوازي ويلائم منظومة البلد. ونحن اليوم أكثر تفاؤلاً من أي وقت مضى، حيث لدينا أجيال من أبنائنا المهندسين الذين نعتمد عليهم في إحياء فنون العمارة الإسلامية بكل جمالياتها وقيمتها، بمفهوم الاستدامة، التي تعتمد على أحدث التقنيات المتقدمة، وصولاً إلى وسائل تحكم الإنسان ببيته عن بعد».

نفخر بأجيالنا

«ونحن نفخر بأن أجيال اليوم تفكر في البناء والإبداع والابتكار، بفضل ما زرعه شيوخنا في نفوس صغارنا وشبابنا من إرسالهم في بعثات إلى احتضان قدراتهم ومساعدتهم على صقل مهاراتهم، لتكون جزءاً من هويتهم وهوية مجتمعنا. وهنا، نصل إلى بنية عمارة الإنسان الداخلية، التي تعتمد في هندسة بنائها على الأم ربة البيت، التي لها أن تفخر بدورها الريادي الذي يؤسس لمستقبل البلد».

الدور الأكبر

وتركز على دور الأم في بنيان عمارة المجتمع قائلة: «دورها في الزمن الحاضر، الأخطر والأهم، فنحن نعيش حياة أكثر تعقيداً من أي وقت مضى، خاصة بوجود قنوات التواصل الاجتماعية وغيرها. لذا، نجد أن مسؤوليتها مضاعفة، مقارنة بالأجيال السابقة، فمن جهة الإشراف، ومن جهة أخرى التحكم بزمن الأبناء، كيلا يكونوا رهينة مستلبة للتكنولوجيا ومؤثراتها».

جوهر الدين

ويتداعى الكلام لنصل إلى مفاصل بنية الروح في الزمن الراهن، لتقول: «علينا أن نغرس في أطفالنا ما يحميهم من غسل عقولهم، كالمحبة والتسامح والإيثار، وتقبل الاختلاف إلى الانفتاح على العالم. فالدين فطرة ومنطق، والأخلاق جوهر الدين، هي من سيحمي مستقبلهم. فما نبنيه في أرواحهم وعقولهم، وما نزرعه من إحساس بالمسؤولية تجاه من حولهم، كفيل بتحصينهم من أي مؤثرات خارجية».

Email