لحظات مريرة عايشها أصحابها وتعلموا منها الكثير

فقدان «المحمول».. كابوس يلاحق أسرى الهواتف

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

أن تجعل حياتك رهناً في يد هاتفك المحمول، فكأنك تسلم رقبتك للمجهول، هذا ببساطة ما يحدث حين تستغني عن ذاكرتك البشرية، لتستعيض عنها بذاكرة «الموبايل»، وتدوِّن قائمة أعمالك ومشروعاتك، وأجندة مواعيدك، وملفاتك الشخصية في طياته، ليضيع كل ذلك لحظة فقدانك إياه، فتفتح مع تلك اللحظة صفحة سوداء، وتعيش كابوساً مزعجاً يقطع الأنفاس.

وبعد أن أصبح الهاتف المحمول جزءاً لا يتجزأ من حياتنا، هل أصبح ممكناً أن نتخيل فقدانه؟

قصص وحكايات عايشها أصحابها، وصفوها بالمأساوية، وعاشوا خلالها لحظات لا يُحسدون عليها، فمنهم من تعطلت أعماله، ومنهم من توقفت حياته، ومنهم من شعر بالضياع والانفصال عن العالم الخارجي.

«البيان» تواصلت مع عدد ممن فقدوا هواتفهم المحمولة، ليؤكدوا أنهم لا يستطيعون العيش بلا موبايل، لافتين إلى أنهم يعتمدون عليه في كل شيء، ومؤكدين أن اللحظات التي مرت عليهم بعد فقدانه كانت صعبة مريرة، ومشيرين إلى أنهم تعلموا دروساً هامة، أبرزها الاحتفاظ بنسخ من كل المعلومات والأرقام التي يحتفظون بها على ذاكرته، وعدم الاعتماد على الإلكترونيات اعتماداً كاملاً، لأنها كالبحر، يصعب عليك الخروج منه في حال جرفك التيار عميقاً إلى الداخل.

شعور مأساوي

فقد مينا كيوان - رئيس قسم العلاقات الإعلامية في شركة «أبكو» العالمية - هاتفه لمدة 24 ساعة، وخلالها فقدت الحياة بريقها في عينيه، فكل أرقام التواصل تبعثرت على عتبة الضياع، فبات إيجاد أصحابها مهمة شبه مستحيلة.

حكاية مينا بدأت حين كان في إحدى الفعاليات، ليبدأ رحلة بحثٍ مضنية باءت بالفشل، وقال: استعنا بالكاميرات في محاولة إيجاده ولم نفلح، لأجد نفسي في موقفٍ لا أُحسد عليه، فجميع الأرقام مخزنة في ذاكرته، ولم تنجح الذاكرة البشرية بالاحتفاظ بشيء منها، إضافة إلى أني أعتمد على الموبايل في عملي بشكل كبير جداً.

وأشار كيوان إلى أن وقت فقدانه لهاتفه تزامن مع أحداث الثورة المصرية، وفي تلك الفترة كان يتواصل مع أفراد أسرته خمس مرات - تقريباً- في اليوم للاطمئنان عليهم، ولكن ضياع هاتفه جعله عاجزاً عن التواصل مع أي منهم، وذلك لعدم حفظه للأرقام، ما أشعره بالقلق الكبير عليهم في ذلك اليوم، واصفاً شعوره بالمأساوي، وقال: عشت حالة قلق كبيرة، وشعرتُ بأني أصبحت عاجزاً عن مواجهة الحياة بدون موبايل، وهو ما علمني درساً مهماً خلاصته أن أحتفظ بنسخة من جميع المعلومات والأرقام والملفات التي أحتفظ بها في الموبايل في مكان آخر، لأعود لها في حال فقدانه مرة أخرى، وألا أعتمد على التكنولوجيا اعتماداً كاملاً حتى لا أقع في مأزق.

مصيبة

وصف الإعلامي أحمد عبدالله فقدان الهاتف المحمول بـ«المصيبة»، لافتاً إلى أن صاحبه يواجه معاناة حقيقية بفقدانه، وقال: لم يعد الهاتف المحمول مجرد وسيلة اتصال بالآخرين، بل أداة للتواصل مع العالم بأكمله، وذلك من خلال مواقع التواصل التي تربط الإنسان بمن حوله، وبالعالم الخارجي.

وذكر أحمد أن الموبايل حين يضيع، يضيع صاحبه معه، مشيراً إلى أنه عاشت لحظات صعبة بدون هاتفه لفقدانه أكثر من مرة، وقال: لهاتفي مكانة خاصة، وفي عملي أستخدمه بشكل كبير، ففي العمل الإعلامي لا يمكن الاستغناء عن الهاتف المحمول، وأغلب أعمالنا تأتي باتصال، وعادة ما تحمل هذه الاتصالات مفاجآت كبيرة.

وأشار أحمد إلى أنه أصبح يحتاط جيداً في حال فقدان هاتفه، إذ يستعين بالبرامج التي يمكنه من خلالها استعادة ملفاته الهامة، وكل المعلومات التي كان يحتفظ بها على ذاكرة هاتفه.

ضياع ووحدة

كانت ساعة عصيبة تلك التي فقدت خلالها رباب الصافي - طالبة جامعية - هاتفها النقال، وعن ذكرياتها في تلك الساعة «السوداء» قالت: كنت في أحد المراكز التجارية، وأردتُ أن أجري اتصالاً هاتفياً، لأفاجأ باختفاء موبايلي، وفي اللحظة التي تأكدتُ فيها أنني فقدته، شعرتُ بأنني ضائعة ووحيدة، ولم أستطع التواصل أو الوصول لأي أحد، وانطلقتُ في جولة بحث استمرت لبضع ساعات، أثمرت عن إيجاده في نهاية المطاف، لتعود لي الروح مرة أخرى.

وأكدت رباب أنه من الصعب جداً تخيُّل حياتنا بدون الهاتف المحمول، وقالت: كل أرقامنا ومواعيدنا وقائمة أعمالنا مخزنة عليه، وشعرتُ لحظة فقدانه بأني تائهة لا أستطيع التواصل مع أحد، وأني منقطعة عن العالم الخارجي.

تهيؤات

وفي مجال عملها، لا مجال للهاتف بأن يضيع ولو دقيقة واحدة، فبفقدانه يتعرض الكثيرون للأذى النفسي والحزن الشديد، هذا ما توصلنا له من خلال حديثنا مع المحامية والمستشارة القانونية سيادة التوني، التي لا يتوقف هاتفها عن الرنين للحظة واحدة، فوراء كل اتصال قصة وحكاية وعَبرة، وقالت: عملي يتعطل بفقدان هاتفي، إذ يتواصل موكليَّ معي باستمرار، يدفعهم إلى ذلك قلقهم على أبنائهم، فأهالي المتهمين يعيشون في حالة قلق دائم على أبنائهم، ما يجعلهم يتواصلون معي من خارج الإمارات وداخلها للاطمئنان على مجرى القضايا، وأحرص كل الحرص على الرد على مكالماتهم لأني أفهم مشاعرهم جيداً.

وذكرت التوني أنها لكثرة انشغالاتها تنسى هاتفها النقال في حالة «الصامت»، وهذا الأمر عذاب بحد ذاته، وقالت: أضع هاتفي على وضعية «الصامت» حين أدخل أي جلسة، فيما أكون بانتظار اتصالات مهمة جداً، وأفاجأ بها في هذا الوقت تحديداً، لأضطر لإعادة التواصل بالجميع مع من تواصل معي مرة أخرى، وذلك لجدية الموضوعات من الجهات الواردة.

وأكدت التوني أن الحياة تتوقف بالنسبة لها في حال نسيت هاتفها النقال، وقالت: أعيش لحظات توتر حقيقية حين أنسى هاتفي، وخصوصاً في المشاوير الطويلة، وتراودني تهيؤات كثيرة حول مكالمات هامة، وأنسج قصصاً وحكايات تجعلني ألوم نفسي على نسياني إياه.

وذكرت أن نسيان شاحن الهاتف مأساة أخرى، وقالت: لو فرغ شحن الهاتف أشعر بأن كارثة حقيقية حدثت، ويزداد الأمر سوءاً بنسيان الشاحن.

استعداد ومواجهة

«حياتنا أصبحت مركبة تقودها الهواتف الذكية»، هذا ما أكدته د. رانيا إبراهيم، رئيس قسم مزاولة المهن الصحية بوزارة الصحة بدبي، لافتة إلى أنها لا تعطي الفرصة لهاتفها النقال بأن يضيع منها، فهي حذرة جداً، وفي حال غلبتها إرادة القدر، تكون مستعدة لمواجهة «المصيبة» قبل وقوعها، وقالت: لا أضع رقبتي تحت سكين هاتفي النقال، فلو فقدته، أستطيع بسهولة الوصول لملفاتي مستخدمة البرامج التي تسمح لي بتخزينها والحصول عليها مرة أخرى باستخدام جهاز آخر.

وأشارت رانيا إلى أن الهواتف الذكية اليوم تواكب توجهات الحكومة الذكية في الإمارات، ما جعل التطبيقات الذكية تفرض حضورها، لتتم المعاملات من دفع فواتير وتواصل مع المؤسسات المختلفة بشكل ذكي.

أداة تواصل

ولم تمر الساعة التي فقد فيها محمد رائد - طالب جامعي - هاتفه المحمول مرور الكرام، بل كانت الساعة التي لا ينساها أبداً، وعن ذلك قال: بعد إحدى المحاضرات، تفقدتُ هاتفي فلم أجده، وشعرتُ بالضيق والانزعاج، فكل أرقام أفراد أسرتي وأصدقائي مخزنة فيه، إلى جانب اعتمادي الكبير عليه كدليل للطريق، وأحتفظ بجدول أعمالي ومحاضراتي على الأجندة المخصصة لذلك، وهو ما جعلني أشعر بالضياع لفقدانه، ولكن الأمر لم يستمر طويلاً، إذ وجدته بعد ذلك، وشعرت أن الحياة عادت من جديد.

وذكر محمد أن الهاتف المحمول أصبح جزءاً لا يتجزأ من حياتنا، وأن الكثيرين يقضون أغلب ساعات يومهم بصحبته، وقال: هو ليس مجرد وسيلة اتصال، بل أداة تواصل مع المجتمع بأكمله، فمن خلال الميزات التي يمتلكها، والخدمات التي يقدمها أصبح اعتمادنا عليه كبيراً جداً، وأصبحنا نتعامل مع العالم من خلاله.

تحت الوسادة

تحدث شعبان إبراهيم، الصحافي في الإعلام الأمني في القيادة العامة لشرطة أبوظبي، عن مدى تعلق ابنه أحمد شعبان «متلازمة داون» بهاتفه، لافتاً إلى أن «الموبايل» جزء لا يتجزأ من حياته، وقال: لا مجال للمزاح مع أحمد بخصوص هاتفه، فارتباطه الكبير به يجعله يقلب البيت رأساً على عقب لو فقده أو ضاع منه، وفي إحدى المرات نسي هاتفه في المنزل ونحن في طريقنا من دبي إلى العين، فلم يستطع البقاء هادئاً للحظة واحدة، وكان يستعير هاتف والدته تارة، وهاتفي تارة أخرى، حتى عاد هاتفه إلى أحضانه.

وأشار إلى أن أحمد لا ينام إلا والهاتف تحت وسادته، وقال: لم يعد ممكناً أن يمر الوقت على أحمد دون «موبايل»، وقد قررنا في إحدى المرات استبدال هاتفه بآخر، وعشنا خلال تلك الفترة الزمنية القصيرة عذاباً لا يوصف.

وأشار إلى ابنه يمتلك مهارة كبيرة في التواصل عبر المواقع المختلفة، وأصبح الـ«واتساب» محطته التي يركن فيها نفسه طوال اليوم، فمن خلالها يستعرض مهاراته في التصوير الفوتوغرافي، ويرسل لأصدقائه وعائلته آخر إبداعاته في عالم التصوير.

وذكر أن طاقة الأشخاص من ذوي متلازمة داون كبيرة، وهو ما يجعل ردود أفعالهم قوية، وقال: لا يقبل أحمد أن نحذف أي فيديو من تصويره، ولو فعلنا ذلك، يكون يومنا «أسود».

ذاكرة بديلة

قالت د. رانيا إبراهيم: استعضنا عن ذاكرتنا بذاكرة الموبايل، فأصبحت الأرقام جميعها مخزنة في الهاتف، وفي حال فقدناه ولم نكن مستعدين لذلك، نفقد جميع أرقام التواصل، كما أن استخدام الهاتف النقال لم يعد قاصراً على الاتصال بالآخرين، بل هو عبارة عن أجندة مواعيد، ودليل الطريق الذي يعتمد عليه الكثيرون في الوصول لوجهاتهم المختلفة، ووسيلة تواصل مع العالم الخارجي، وغيرها.

Email