رحيل أحمد زويل خسارة للعِلم والعالم

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

خسر العالم بوفاة العالم العربي الدكتور أحمد زويل، الذي ولد في مصر 1946 وحصل على جائزة نوبل في الكيمياء 1999، واحداً من أبرز رواد العلم والابتكار ودعاة الحوار بين الحضارات، لكن خسارة العالم العربي فيه أكبر بكثير، خاصة وأنه ظل قريباً من بلده، محباً لعروبته فحصد بذلك شعبية واسعة في المحافل العربية.

وأتيح للجمهور في الإمارات، فرصة لقائه والاستماع إلى مشاركاته ومداخلاته مرتين بدعوة من «نادي دبي للصحافة». الأولى عام 2000، حيث ألقى محاضرة بعنوان «مستقبل العلم والتكنولوجيا في الوطن العربي» والتي قال فيها كما نشرت إحدى الصحف حينها: «حان الوقت لأن يسهم العرب من جديد في تقدم البشرية والإنسانية، بعد أن أسهم علماء العرب والمسلمون من قبل في تقدم العالم ودُرست نظرياتهم واكتشافاتهم في كل أنحاء الدنيا».

والمرة الثانية عام 2010 لدى إلقائه كلمة الافتتاح الرسمي للدورة التاسعة لأعمال منتدى الإعلام العربي، حيث قال إن «ثورة الإعلام خلال السنوات الـ10 أو الـ20 المقبلة هي الإعلام الشخصي الذي سيعتمد على الكاتب الجيد أو المذيع الجيد، وصاحب الأسلوب الجيد الذي يناقش قضايا مهمة بموضوعية، والذي سيكون هو الهدف الرئيس للمتلقي فرّق بين تلقي المعلومات وامتلاك المقومات التي تمكن الشعوب من تحويل تلك المعلومات إلى معرفة تمكنهم من بناء نهضة معرفية وعلمية».

رصيد جوائزه

جدير بالذكر أن الدكتور زويل منح عشرات الجوائز العلمية المرموقة أبرزها جائزة نوبل منفرداً للكيمياء عام 1999، لإنجازاته الرائدة في «علم الفيمتو»، حيث جعل من الممكن للمرة الأولى في التاريخ رصد حركة الجزيئات عند نشوئها والتحامها ببعضها، والوحدة الزمنية التي تلتقط فيها الصورة هي «فيمتوثانية» جزء من المليون من البليون من الثانية.

ومكنته شمولية معرفته وثقافته من لفت انتباه البيت الأبيض، ليعينه الرئيس الأميركي باراك أوباما في المجلس الاستشاري الرئاسي عام 2009، كأول مبعوث علمي للولايات المتحدة إلى دول الشرق الأوسط. كما تجاوز عدد جوائزه الدولية الثلاثين إلى جانب الأوسمة و50 درجة فخرية في مجالات العلوم والفنون والفلسفة والقانون والطب والآداب الإنسانية.

كتاب سيرته

وفي رصيد هذا العالم الكبير 600 مقالة و16 كتاباً، إلى جانب مشاركته في تطوير بحث جديد رباعي الأبعاد عن الإلكترون الميكروسكوبي. ومن أبرز كتبه سيرته الذاتية «رحلة عبر الزمن: خطوات الحياة إلى جائزة نوبل» بالإنجليزية الذي نشره عام 2002.

ويستعرض في كتابه الذي يضم 334 صفحة رحلته من دمنهور الكائنة على دلتا مصر وميناء الإسكندرية إلى شمس جنوب كاليفورنيا بالتفصيل، ولتبدو تجاربه بمثابة دروس حياتية منذ طفولته وحتى حصوله على جائزة نوبل. ويحكي عن تأثير ثورة العلوم في الزمن المعاصر سواء في العالم الأول أو الدول النامية.

وما يجعل الكتاب شيقاً للقارئ، تباين أدواره في السرد فتارة الفيلسوف أو المؤرخ، وتارة أخرى المستشار السياسي أو الاقتصادي، كذلك تناوله حياته العلمية والإنسانية وتحولاتهما، بـأبعاد تأملية ورؤية تحليلية عميقة. كذلك موازنته بين العالمين اللذين ينتمي إليهما أميركا ومصر، وتأكيده على أوجه التناغم بين الحضارتين على الرغم من اختلافهما. كما يرفض النظرة العامة السائدة حول تمحور الصراع بين المدنية والأديان، ويقترح مجموعة من المبادرات التي تحمل صفة الاستدامة في عالم من لا يملكون.

 

مفكرون وسياسيون: عالِم كبير انحاز إلى الإنسانية جمعاء

أكد العديد من المفكرين ومشاهير السياسة والثقافة في مصر أن المجتمع الدولي كله فقد عالماً كبيراً برحيل د. أحمد زويل الحائز على جائزة نوبل الدولية في الكيمياء، مشيرين إلى أن الفقيد أضاف إلى البشرية والعلم الكثير.

وقالوا في تصريحات متفرقة، بعضها عبر الفيسبوك وتويتر، إن زويل حصل على اعتراف العالم متوجاً بنوبل وبقي داعياً إلى العدل الاجتماعي وحق الأجيال الناشئة في تعليم عصري يمكّنهم من صنع المستقبل. ويقول الكاتب والباحث والمؤرخ وزير الثقافة المصري حلمي النمنم، إن «زويل ابن لتجربة التعليم المصري المتميزة في مرحلة الستينات، ورغم مكانته العلمية الرفيعة في الولايات المتحدة الأميركية فإنه لم ينس وطنه يوماً».

أما الكاتبة والشاعرة فاطمة ناعوت فقالت: «كان أحد العقول النيّرة التي أهدتها مصر الثرية للبشرية، فطوبى لمصر وطوبى لهداياها».

أراح ضميره

المفكر د. مصطفى الفقي علق على رحيل زويل بقوله «ربما أصاب أو أخطأ، لكنه تعرض لحملات داخلية وتركوا قيمته العلمية ومكانته الكبيرة، واهتمامه بالسياسة كان سلبياً عليه».

فيما قال الدكتور فاروق الباز، عضو المجلس الاستشاري للرئاسة المصرية، إن زويل قام بعدد كبير من الأشياء التي أراحت ضميره، وكان مستمراً في دعم الشباب، حيث كان رمزاً مشرفاً لمصر والعالم العربي أمام العالم بأكمله.

في حين قال السياسي المصري عمرو موسى إن زويل عالم مصري عظيم، أضاف إلى البشرية والعلم الكثير، وآماله لمصر كانت كبيرة.

مدينة زويل

ويوضح رئيس جامعة القاهرة د. جابر نصار أن خبر وفاة أحمد زويل كان فاجعة، مضيفاً أنه كان عبقرياً ودائماً ما يثير النقاش والحوار حول القضايا العلمية والاجتماعية المختلفة، مطالباً بوجوب أن نحقق حلمه بإنشاء مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا تخليداً لذكراه واسمه.

وهو الرأي الذي اتفق معه وزير الثقافة الأسبق د. جابر عصفور، حيث أعرب عن أمنياته كذلك بأن تستكمل أكاديمية زويل للعلوم والتكنولوجيا عملها، وقال: «أدعو الرئيس السيسي شخصياً أن يأخذ على عاتقه استكمال مدينة زويل للبحث العلمي».

تقدير وطني

تعتبر «مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا» مؤسسة تعليمية بحثية ابتكارية مستقلة وغير نفعية والتي أسسها العالم الدكتور أحمد زويل، إحدى مبادراته لأبناء بلده، بمفهوم الاستدامة الذي ينادي به. ورأت النور فكرة هذه المدينة عام 1999، ووضع حجر أساسها على أرض الواقع عام 2000 وبعد العديد من المعوقات، قامت رئاسة الوزراء بتسمية المشروع مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا ووصفته بـ «مشروع مصر القومي للنهضة العلمية».

Email