العصف الذهني .. نتاج إبداعي يخلقه الحوار الجماعي
لمشاهدة الغرافيك بالحجم الطبيعي اضغط هنا
حين يتحدث الإبداع، يصمت كل ما عداه، وفي دولة لا تعترف إلا بالصدارة، ولا يناسبها إلا الرقم واحد، أصبحنا ننام ونصحو على مبادرات يومية ترتقي بالفكر والوعي الإبداعي، وتُفعِّل كل الخطط التي من شأنها أن تحقق إنجازات عظيمة، وتأخذ بأيدي أبنائها إلى الأمام، حيث النجاح حليفهم، والتميز رفيقهم.
وها هو العصف الذهني يثبت حضوره، في ظل حرص واهتمام صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، الذي يدعو إليه سموه بفكره المستنير، ليجعل الجميع شركاء في عملية تطوير القطاعات الحيوية بأفكارهم وآرائهم واقتراحاتهم، التي تتحول بفضل الحوار الجماعي إلى أفكار إبداعية تبني إنجازات إضافية، وترسم المستقبل بعيون وعقول مملوءة بالانفتاح والتحضر.
«البيان» تواصلت مع شخصيات مختصة في مجالات علم النفس والأسرة والمجتمع، لإبراز دور العصف الذهني وتأثيراته وانعكاساته على الفرد والمجتمع والمؤسسات.
أفكار متميزة
أشارت مريم محمد الرميثي، مدير عام مؤسسة التنمية الأسرية، إلى أهمية العصف الذهني. وقالت: لا شك أن الحوار المشترك بهدف خلق الأفكار المتميزة وتحقيقها على أرض الواقع، يحتاج إلى عوامل وشروط كي يصل المتحاورون إلى النتيجة المرجوة، وأهم تلك الشروط وضوح الرؤية التي ينطلق منها الحوار، ووجود أرضية مشتركة بين المتحاورين تقوم على الوعي بالأهداف والمسؤولية المجتمعية، والقدرة على الابتكار، ومن هنا فإن تبني جلسات العصف الذهني التي يتم خلالها تداول المقترحات والأفكار، ومناقشتها بالتفصيل، إلى جانب مناقشة التحديات التي يمكن أن تواجه أي مشروع؛ يؤدي إلى بناء صورة شبه كاملة عما تتم مناقشته، كما يسهم في جلائها، وهذا ما نعمل عليه في مؤسسة التنمية الأسرية.
حوار مشترك
ولفتت الرميثي إلى أن قرارات المؤسسة الخاصة ببرامجها ومبادراتها، لا تصدر إلا بعد جلسات حوار ونقاش مطولة واجتماعات عدة، وخصوصاً عندما يكون المشروع المطروح كبيراً، أو عندما تكون المبادرة بحاجة إلى جهود كثيرة، أو بمشاركة عدة جهات خارج المؤسسة، وقالت: نحرص على أن نجتمع بشكل دائم لمناقشة خطط المؤسسة وأعمالها وبرامجها، ولا نفوت فرصة الحوار المشترك، فكل واحد منّا يكمل الآخر، وكل فكرة تأخذها حقها من النضج.
وأوضحت الرميثي أن ما تقوم به مؤسسة التنمية الأسرية هو تقليد في كل مؤسسات الدولة، والسبب في ذلك دفع الحكومة بهذا الاتجاه، وقالت: كلنا يتذكر أول خلوة حكومية، والتي كانت عصفاً ذهنياً شارك فيه كل وزراء الدولة، وعليه اتخذت المؤسسات من خلوات العصف الذهني مساراً لها، لما لها من أثر واضح على سير أعمالها، ثم إن هذا التقليد موجود أصلاً في معظم البيوت، وتمارسه الأسر الواعية بمسؤولياتها، كون النقاش المستمر وطرح الأفكار الجادة في أي شأن يخصها يفضي إلى نتيجة إيجابية حتماً حتى وإن كان هناك اختلاف في الآراء.
تبادل خبرات
وطبقت جمعية الإمارات لمتلازمة داون، منهج العصف الذهني من خلال إقامة جلسات مع أسر متلازمة داون، وعن ذلك تحدثت نوال الحاج ناصر عضو مجلس إدارة الجمعية رئيس قسم تنمية المهارات بالجمعية، فقالت: انطلقنا من مبادرات صاحب السمو نائب رئيس الدولة، بدعوة أسر ذوي متلازمة داون المسجلة بالجمعية للوقوف على احتياجاتهم ومقترحاتهم، ولإجراء نقلة نوعية في تفاعل الأعضاء مع الجمعية مستفيدين في الوقت ذاته من تقنيات العصر الحديثة وخاصة تقنيات التواصل الاجتماعي، وأسهم العصف الذهني في نشر ثقافة التعامل مع فلذات الأكباد من ذوي متلازمة داون، وفي تحقيق المزيد من تبادل الخبرات الحياتية.
وعن الفائدة التي حققتها جلسات العصف الذهني. قالت: ساهمت في إحداث نقلة نوعية في تفاعل وتعامل وأداء أسر ذوي متلازمة داون الأعضاء في الجمعية وتفعيل مشاركاتهم الاجتماعية والتربوية.
وأشارت نوال إلى أن العصف الذهني يعد أفضل طريقة عالمية لتبادل الأفكار بين المجموعات حول موضوع محدد ومن شروطه احترام جميع الأفكار، وإتاحة الفرصة للجميع للتعبير عن أفكارهم وآرائهم مهما اختلفت أو كانت غير تقليدية، ومعظم المشاريع الدولية المتقدمة تأتي من خلال جلسات العصف الذهني بأفكار غير دارجة، ويتبادل الأفراد الأفكار كلها دون استثناء، ويبحثون في أفضل الطرق لتوفير افضل الحلول لكافة التحديات التي تواجههم.
عقول مفكرة
ذكرت مريم الشحي، مرشدة اجتماعية ورئيسة مفوضية مرشدات رأس الخيمة، أن العصف الذهني يثمر عن عقول مفكره في جميع النواحي، لافتة إلى أن الأفكار التي تنتج عن هذه الخطوة إبداعية درجة أولى، وقالت: العصف الذهني بذرة زرعها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، ويرويها كل من آمن بها وسعى نحوها للنهل من معينها العميق بعقله ووجدانه، بهدف الارتقاء بنفسه ومجتمعه ووطنه.
وأشارت إلى أن العصف الذهني يساهم في زيادة المدركات الشخصية، وتنمية المهارات واستثمارها بفعالية، للخروج بمخرجات تنعكس بشكل إيجابي على المجتمع والمؤسسات والأفراد.
وعن فوائد العصف الذهني. قالت: أبرز فوائده تتمثل في التفكير الجماعي الذي يثمر عن إنتاج جماعي، ويساهم في تداول الأفكار وتبادل الخبرات، وبفضله تتحول الفكرة الصغيرة إلى إنجاز كبير، وانعكاسات ذلك نلمسها في الإنتاجية. ولفتت الشحي إلى ضرورة تطبيق طريقة العصف الذهني في جميع المراحل بمختلف المؤسسات لتطوير وتحسين مخرجاتها، وقالت: يجب أن يكون العصف الذهني سياسة فعلية في كل المؤسسات يتم التعامل معها بجدية، وتقييم أهدافها، وألا تكون مجرد فعالية شكلية، وذلك لضمان إنتاج مخرجات قوية.
أركان الإبداع
علاقة وثيقة تربط بين العصف الذهني والإبداع، تحدث عنها الدكتور أحمد النجار، أستاذ علم النفس في جامعة الإمارات، فقال: للإبداع 3 أركان، أولها الطلاقة وهي انسياب المعلومات من الذهن دون قيود، وثانيها المرونة وهي القدرة على التنقل بين الأفكار دون قيود، وثالثها الأصالة وتعني أن تكون الفكرة جديدة.
وذكر النجار أن الطلاقة والمرونة تحتاجان إلى حرية لا تحدها القيود من أي جانب، والبيئة المناسبة لذلك هي بيئة العصف الذهني، التي تشبه البيئة الزراعية التي تنبت فيها الأفكار الجديدة، وقال النجار: كلما جعلنا بيئة العصف الذهني مناسبة لإخراج الأفكار المبتكرة، نكون كمن جهَّز أرضاً زراعية خصبة، لإنبات زرع وثمار على أعلى جودة.
تحفيز
وأشار النجار إلى أن الاهتمام بالعصف الذهني يساعد على توفير العوامل التي تحفز الأفكار على الانسياب من أذهاننا متنقلةً بحرية، وقال: حينما دعا صاحب السمو حاكم دبي إلى تفعيل العصف الذهني، ذكر 3 قواعد (لاءات) أساسية: هي ألا ننتقد الفكرة وصاحبها، وألا نلغي الفكرة، وألا نحقر الرأي الآخر، وإنما يجب الاستماع للآخر، وأن نضيف ونعدل على فكرته، ونبحث لها عن طريقة للتطبيق.
وتحدث النجار عن أهمية تطبيق العصف الذهني في المؤسسات الحكومية، ما يساعد في إخراجها من الهيكلية التي تقيدها، لتسمح للأفكار الإبداعية بأن تضيف فكراً جديداً وفاعلاً، يضيف إنجازات ونجاحات أكبر للأفراد والمجتمع والمؤسسات.
مشاركة
سلبيات تنتقص فعالية الفريق
لتجنب السلبيات فيما يتعلق بجلسات العصف الذهني، يجب الانتباه إلى فعالية الفريق المشارك، إذ يحدث أن يطغى أعضاء الفريق الاجتماعيين على الأشخاص الانطوائيين، كما قد يتردد بعض الأشخاص في مشاركة أفكارهم مع الآخرين لتجنب التعرض للنقد، ويشعر البعض بأنهم لا يتمتعون بخبرة كافية لمشاركة أفكارهم مع الآخرين.
وقد يعلم قائد الفريق جيداً الأهداف التي يرغب بتحقيقها، وبالتالي يدفع كافة أعضاء الفريق لتبني أفكاره الخاصة، الأمر الذي يؤدي إلى إجراء جلسات عصف ذهني بطريقة خاطئة، ما يستدعي التحضير لإجراء جلسات عصف ذهني فعّالة والتفكير مسبقاً في تقديم أفكار واقتراحات متميزة، ما يساعد على الحصول على أفكار ونتائج أفضل في هذه الجلسات. كما يتعين على كل عضو في الفريق مشاركة أفكاره الخاصة مع الآخرين قبل جمع الأفكار ومناقشتها.
جلسة
«ثلاثية الحياة الهانئة» تواصل اجتماعي فعال
أقامت جمعية الإمارات لمتلازمة داون، أخيراً، جلسة عصف ذهني تحت شعار «ثلاثية الحياة الهانئة»، دعت من خلالها أسر ذوي متلازمة داون المسجلة بالجمعية، للوقوف على احتياجاتهم ومقترحاتهم، ولإجراء نقلة نوعية في تفاعل الأعضاء مع الجمعية، مستفيدين في الوقت ذاته من تقنيات العصر الحديثة، خاصة مواقع التواصل الاجتماعي «تويتر» و«واتساب» وغيرها، وتم تقسيم أولياء الأمور لأربع مجموعات تواصل عبر برنامج «واتساب»، حسب تصنيف الأمم المتحدة لذوي متلازمة داون، من جانب نوعية الاحتياجات حسب المرحلة العمرية، وسميت المجموعة الأولى «الفرحة»، والثانية «الاكتشاف»، والثالثة «الطاقة الإيجابية»، والرابعة «التحدي». وأسهم العصف الذهني للمجموعات في نشر ثقافة التعامل مع الأبناء، وتحقيق المزيد من تبادل الخبرات الحياتية في التعامل معهم، كما أنتج مجموعة مقترحات رائعة أسهمت في تفعيل أنشطة الجمعية.
