الكاتبة الإماراتية صالحة عبيد لـ« البيان »:

أغير عناويني بحسب النداء الضمني للنص

ت + ت - الحجم الطبيعي

يقودنا الحوار مع الكاتبة صالحة عبيد إلى حيث الذكريات العتيقة المتخيلة بعد إصدارها الروائي الجديد «لعلها مزحة» الذي أطلقته في معرض الشارقة الدولي للكتاب أخيراً.. استثمرنا حوارنا معها للحديث عن «الشخصية الإماراتية» التي غالباً ما ترتبط بنقطتين، ما قبل الطفرة النفطية وما بعدها، دون التأمل بشكل عميق في بعض القفزات التي صنعت الشخصية الإماراتية، كما نتحدث عن مرحلة تقنية العمل والشكل السردي.. وكان هذا الحوار.

موضوع انتقالك في ذاكرة الشارقة بين الماضي والحاضر، ليس سهلاً، لكل هذه الاستعادة وبشكل عمودي، حدثينا عن كيفية تخطيطك لهيكلية الرواية ومساراتها من جيل إلى جيل.

قبل البداية، كان هناك خط زمني ببالي يمتد من الثلاثينيات وحتى الألفية الجديدة بكافة ما في هذا الخط من تحولات وأسئلة مرتبطة بالنواة، وهي المكون الإنساني انتقالاً للمكان، كنت أتأمل كثيراً وأفكر في تلك التحولات الكبرى التي رصدت على هيئة مشاهد سريعة وخاطفة سواء في التعاطي التوثيقي العام أو من خلال الأدب الإماراتي الذي اطلعت عليه في رفضه لتلك التحولات أولاً ثم تقبله لها.

سرد الذات

لكل كاتب مرجعياته الواقعية واللغة المجازية والأساليب الخيالية، لبناء عالمه الإبداعي... فما ينابيع صالحة حين بدأت روايتها «لعلها مزحة»؟

حدث مرة أنني كنت أقرأ لـ«زيجمونت باومان» الحداثة السائلة، بعد فترة يسيرة من قراءة المجتمع السوي لـ«إيريك فروم» وأذكر أنني كنت أدون بعض التحليلات وأقاربها بمشاهدات عامة حولي، جلست مرة لصياغة قصة تلخص ربطاً بين أحد تحليلات «باومان» ومشاهدة من المشاهدات التي دونتها لأجدني أفهم الأمر بشكل أكثر سطوعاً في المراوحة بين المباشرة والمواربة بين الخيال والواقع، ولعل هذا الأمر ألقى بظلاله على «لعلها مزحة» بعض الشيء، أما فيما يتعلق بخط العمل التاريخي، فقد احتجت للتمعن في بعض المراجع التاريخية، مثل «سرد الذات» لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، كان أحد تلك المراجع التاريخية التي استأنست بها إلى جانب استفادتي منها، كونه قدم المكان والتاريخ في هيئة سرد توثيقي وحميم في الوقت ذاته، على الرغم من النهاية المؤلمة للكتاب.

اللؤلؤ والنفط

هناك جملة في روايتك، عن الأبيض كيف مضى والأسود كيف أتى، الثروتان اللؤلؤ والنفط في معناهما الحضوري بين الذهاب والإتيان، بين الإرث والحضور الاسمنتي... كيف تنظرين كروائية لتفسير تلك الدوافع؟

من وجهة نظر منطقية، هي في بعدها العميق مجرد تحولات، تحولات ضرورية للاستمرارية. المجتمعات والأمكنة الثابتة تموت، قد انتصر لداروين هنا وهو يقول إن الكائنات التي استمرت على قيد الحياة هي التي تكيفت مع التغيير وأُسقط ذلك بدوري على المكان وإنسانه. لكن ما يحدث بداخل تلك التحولات في الفترات الانتقالية مرحلة الانسلاخ والتفكك والتحلل التي سيحل محلها شيء آخر عاجلاً أم آجلاً هي المغرية للسرد، هي تلك اللحظات الصاخبة تحت المجهر والتي تملؤنا بالصخب والتناقضات.

ثقل السؤال

في الذاكرة الروائية العالمية، يموت الرواة حزناً، وقلة منهم يموت مستقراً أو راضياً.. فما تفسيرك لذلك؟

أظنه ثقل السؤال، نبدأ الحكاية بثقة من أدرك السر، لننتهي منها أمام ربكة من وجد السر يكبر والكلمات تكثر. نستمر لاهثين حتى النهاية. يدرك بعضنا أن الحقيقة قد تكون وجهة نظر ويفشل البعض في ذلك فينتهي للحزن الأبدي.

ذكاء الصياغة

لِمَ يرى الروائي أن الأنسب في كتابة الرواية ودخول عوالمها السردية لا تكون إلا من خلال التراجيديا؟

أعتقد أن الفكرة والذكاء في صياغتها هو الذي سيمنحها تلك النكهة اللاذعة على جانبين، تراجيديا أو كوميديا أو غيرها.

الجدوى

هل الأصداء أثرت في صالحة الروائية، لدرجة تفكيرها أو قرارها، في تكرار التجربة أو الابتعاد عنها؟

موضوع الابتعاد غالباً لا يكون مرتبطاً بالآراء بقدر ما هو مرتبط بسؤال الجدوى. ما الجدوى وكل ما قد نقوله قد لا يضيف جديداً منذ الحرف الأول الذي كتب في تلك السنوات البعيدة، ما الجدوى؟ لكنه شغب الرفض، يجعلني أعود لأحاول من جديد!

اختيار العناوين أصعب من الكتابة، وتبدو مؤرقة للبعض، ليستسلم في النهاية لأي عنوان مقترح... ماذا عنكِ يا صالحة؟

قد أذهب لتغيير العناوين بناءً على نداء النص الضمني وأحياناً بناءً على آراء تأملت في العمل وأبدت رأيها الدقيق أكثر.

طائر حر

يتضح لنا من مقالاتك المبدعة أن في دواخلك شخصية ناقدة، فهل تنصتين لحركات وسكون تعابيرك في العمل الروائي بوصفه إبداعاً حراً لا يلتفت إلى أي نوع من المراقبة النقدية؟

أظن أن الطائر أي طائر لو كان يراقب نفسه محاولاً تفسير أو مراقبة عملية طيرانه لكان انتهى للتهاوي. أحب أن أرى الكتابة عندما تبدأ كحالة تحليق حر.

هروب

في عالم الطقوس، إلى أين تهرب صالحة مع قلمها لإنجاز إبداعها وجنونها، وهل العزلة ضرورية إلى هذا الحد ومحرضة على الكتابة؟

لا يهم طالما الرغبة موجودة والفكرة ناضجة، ومتى ما نضجت الفكرة أحاول أن أمنهج عملية الكتابة إلى مشروع كتابي، بأن أضع لنفسي خطة زمنية للبدء والنهاية وخطة قراءة وبحث لرفد العمل وهكذا.

بطاقة تعريفية

صالحة عبيد حسن، كاتبة وروائية إماراتية، من أعمالها: المجموعات القصصية: «زهايمر»، و«ساعي السعادة»، و«الحياة على طريقة زوربا»، و«رسائل»، و«خصلة بيضاء بشكل ضمني»، ورواية «لعلها مزحة» (2018). حصدت على العديد من الجوائز، منها: جائزة «التبادل الإماراتي الإيطالي في القصة القصيرة» (2013)، وجائزة «العويس» للإبداع (2016)، وجائزة «الإمارات» للشباب (2017). كما أنها عضو مؤسس لمجموعة «نون الشباب» في ندوة الثقافة والعلوم، وعضو بهيئة تحرير مجلة «بيت السرد» التابعة لاتحاد كتاب وأدباء الإمارات.

Email