مؤسس حساب اليوم العالمي للغة العربية لـ«البيان»

هود العمراني: الفصحى سبيل العرب لبلوغ التقدم المطلوب

ت + ت - الحجم الطبيعي

تستحوذ مختلف موضوعات التنمية والمستقبل وعلاقتها باللغة على اهتمام علماء اللغة «الألسنيين»، ويلاحظ أخيراً أنه باتت تفرد لها دراسات مُتخصّصة وأبحاث مُهمة، تقتفي التطوّر الذي تشهده التنمية نظراً لعلاقتها باللغة، أو ما يعرف بلغة المستقبل، على مستوى دول العالم.

حول هذا التطور المعاصر في مجال اللغة، وعلاقتها بالتنمية والسبيل إلى الارتقاء بها لتكون لغة المستقبل، وتأثير ذلك على المستويين الاجتماعي والاقتصادي للمجتمعات، وعلى وجه التحديد المجتمعات العربية، التقت «البيان» الدكتور هود إبراهيم العمراني، مؤسس حساب اليوم العالمي للغة العربية، في أعقاب مشاركته في ندوة اللغة العربية التي أقامها مركز جمال بن حويرب للدراسات في دبي أخيراً على هامش الاحتفال بيوم اللغة العربية العالمي، ليؤكد أن «الفصحى» هي سبيل العرب لبلوغ المستوى المطلوب من التقدّم على صعد التنمية الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية.

وفيما يلي تفاصيل الحوار..

* اللافت في مشاركتك بندوة اللغة العربية، التي أقامها مركز جمال بن حويرب للدراسات للاحتفال بيوم اللغة العربية العام الجاري، هو اختيارك موضوع «اللغة العربية والتنمية»، لماذا اخترت هذا المحور تحديداً؟

في الواقع، إيماناً مني بالدراسات العلمية المبنية على أساس البحوث الدقيقة في التأثير على السلوك البشري في جميع جوانبه، رأيت أن التفكير في الاستدامة من أهم المرتكزات الاستراتيجية التي أرى أننا يجب أن نسير عليها في مجتمعاتنا المتقدمة المعاصرة.

وقد ذكرت في المحاضرة نماذج لبعض الدول التي استفادت من إعادة تفعيل حالة التنمية الثقافية الوطنية على أساس اللغة الأم التي يتحدث بها المجتمع، ومنها بريطانيا وهولندا وبولندا، وغيرها من الدول التي استطاعت إعادة رسم الهوية للمواطن من خلال اللغة، لذلك وجدت أن هذا الموضوع فيه من الحيوية ما يجب أن يُبيّن، وفيه من النقاط ما يجب أن يتم التركيز عليها وذلك عبر نظرية الاستدامة المبنية على أساس مثلث «الاقتصاد - المجتمع - البيئة».

* إلى أي مدى تعتبر اللغة العربية مؤشراً حضارياً اليوم؟

في الحقيقة، يمكن القول إنه مع اختلاف تعريفات مصطلح حضارة، إلا إنه لا يوجد من يُنكر أن هذه اللغة تُعبّر عن حضارة لقوم عاشوا سابقاً وما زالوا في وقتنا الحاضر يتجاوزون 400 مليون نسمة، لسان يتحدث به أكثر من مليار مسلم حول العالم، «لذلك هي فعلاً تُشكل حضارة». إلى هذا القدر يتفق الجميع ويبقى السؤال مفتوحاً: هل جيلنا الحالي يسير في إبراز هذه الحضارة أو يتغنى بالحضارة السابقة دون وجود لمبادرات وفعاليات ودعم يُعيد هذه الحضارة؟

الجواب يكونُ نعم بكل تأكيد، أن تأتي «اليونسكو» وتتبنى مناسبة اليوم العالمي للغة العربية التي قدمت مشروعها المملكة العربية السعودية يعقبها كلمة لخادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز في زيارته «لليونسكو»، حين كان ولياً للعهد، فيقول في كلمة: «إننا نُثمن خطوة اليونسكو تخصيص يوم عالمي للغة العربية الذي يرمز إلى بقاء قيمتها وأهميتها»، فإن ذلك يدل على أن هُناك توجهاً رسمياً نحو اللغة العربية.

وأن نجد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، يؤسس لجائزة اللغة العربية ويتحدث بدعم للغة العربية، فإن هذا مؤشر على بقاء هذه الروح حية في زمننا، وكذلك أن نرى الكثير من المبادرات العالمية من الجهات الحكومية العربية والجهات الأكاديمية والأندية الأدبية والطلابية.

فهذا يدل على اعتزاز باللغة العربية، ولا ننسى أننا نجد حرصاً عالمياً لأبناء المهجر على بقاء اللغة الأم في موقعها لدى الأجيال المتتابعة، فهم يستخدمونها، كما يحرصون على تعلمها وإجادتها من خلال دورات اللغة العربية والحصص التخصصية في المعاهد والجامعات في مختلف أرجاء العالم، وهذا بالطبع يدل على رفعة الحس بالهوية المرتبطة باللغة العربية.

إذن فاللغة العربية لديها سمات للمؤشر الحضاري في وقتنا الحاضر، وهو عكس ما يمكن أن نتصوره، نعم توجد تحديات ومنها توحيد الجهود بين المعنيين باللغة وتنشيط الحوار بين المجامع اللغوية العربية لتسريع عملية خدمة اللغة بما يتماشى والتطورات الدولية وتطلعات الجيل الشبابي، غير أن ذلك لا ينفي عن اللغة العربية صفة أن لديها مؤشراً حضارياً.

لغة المستقبل

* أنت تتحدث عن اللغة العربية الفصحى، وفي الوقت ذاته ترى أن هذه اللغة يجب أن تكون لغة المستقبل، في نظرك كيف يمكن أن يحدث ذلك؟

حسب ما نراه، فإن اللغة الفُصحى هي الحد المتفق عليه بين كل الدول العربية، ففيها من وضوح اللفظ والمعنى ما يجعلها محل اتفاق بين المتحدثين بها، وأنا بشكل شخصي لا أميل صراحة إلى أن نجعل الفصحى لغة أو مستوى خاصاً بالمعنيين بالحقل اللغوي أوالمثقفين فقط، فهي حق للجميع، هي كذلك، والتحدث بها يُعطي متانة للفكر وبناء للعقل، كما يعطي ذلك التنوع في مفرداتها، ولتماشيها مع التطورات العصرية، بدليل استحداثها للكلمات والاشتقاقات. إن تركيز هذا المفهوم في عقل الإنسان العربي المنتمي لهذه اللغة يؤسس لجيل يرى فيها لغة مستقبلية بالفعل.

* هل أنت ضد تعلم لغة أخرى؟

الواقع أنني بكل تأكيد مع الانفتاح على اللغات العالمية الأخرى ولا أدعو أبداً لعدم تعلم هذه اللغات المهمة، ولديّ تجربة شخصية على مستويين حتى أبين فكرتي.

فأنا متخصص في طب الأسنان ودراستي كانت باللغة الإنجليزية وأعرف بعضاً من لغات أوروبا بحكم المعيشة والاحتكاك هُناك، وفي الوقت نفسه فإنني محتاج للإجابة والتوضيح على مستوى التخصص للمرضى من الوطن العربي، وهذا يتطلب مني الإلمام باللغة العربية ومصطلحاتها حتى أتمكن من إيصال المعلومة العلمية بشكل واضح ودقيق لا لبس فيه، لذلك أنا مُهتم باختيار لغة واضحة موحدة يفهمها الجميع.

المستوى الآخر من التجربة الشخصية حدثت لدى ابنتي زهراء، وهي من مواليد أستراليا وعاشت معي هناك قرابة عام ونصف العام ثم انتقلت معي إلى بولندا، لتدخل «الحضانة - الروضة - المدرسة» لتتعلم باللغة البولندية والإنجليزية فقط، فكانت لي خطوة معها ألا تتحدث في البيت إلا باللغة العربية الفصحى وقد نجح الأمر كثيراً، بل إنها لم تفهم أن هُناك مستوى من اللغة العربية يطلق عليه «اللهجات» المختصة بالمناطق إلا حين عودتها إلى السعودية معي وقد وعت ذلك الآن، لكنها سابقاً لم تكن تواجه أي مشكلة في التواصل مع أي عربي من أي منطقة كان.

وبالعودة للسؤال فإنه من المعلوم علمياً أن معرفة اللغات تسهم في تنشيط العقل والتفكير وتساعد على قراءة الأفكار من مصادرها مباشرة بكل وضوح وفهم، إلى هذا الحد يعتبر تعلم اللغات الأخرى مهماً.

* وما رأيك في استخدام اللهجات المحلية، هل أنت ضدها؟

كلا، يجب أن تبقى اللهجات على ما هي عليه لأنها خرجت من رحم اللغة الأم، أنا فقط أقول إن اللغة الأم الفصحى هي لغة المستقبل للجميع لأنها اللغة المستخدمة من الجميع بكل وضوح، ولذا فإن لها الأولوية كما أنها السبيل الأكيد لبلوغنا نحن العرب المستوى المطلوب من التقدم على صعيد التنمية الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية.

حضور ميداني

* إلى أي مدى تُعوّل على شريحة الشباب في النهوض باللغة العربية، بمعنى أن يستخدموها أداة تنمية وسط منافسة لغات أخرى قادمة بقوة إلى عالمنا العربي؟

أعتقد أن هذا السؤال واسع والإجابة عليه تحتاج عملية مسح كبيرة على مستوى الوطن العربي الذي يغلب على تركيبته الحالية الشباب، ومع ذلك فإنني أعتقد أن المبادرة تأتي من القرار السيادي السياسي، فهو الموجه الأول الداعي لتطبيق ذلك.

وكما هو معروف فإن الشباب لديه الحَمَاسة لخدمة مجتمعه ويرى أن التنافسية مع الآخر من مجتمعات أخرى، تكون على أساس الحضور الميداني، ولكن هذا الحضور الميداني ما لم يكن على أساس اختيار لغة واضحة تدعم جميع توجهات الشباب العربي فإن ذلك سيؤدي إلى تراجع الحماسة نحو اللغة العربية، ولذلك أجد أن الشباب لديه القابلية والحماسة لكنه يحتاج إلى الدعم والتوجيه في حقيقة الأمر.

دورات لغوية

* ما طبيعة الإجراءات العملية التي يمكن اتخاذها في هذا الصدد من جانبنا حكومات وأفراداً؟

على مستوى الحكومات، فإن الإقرار والتشديد على أن اللغة العربية هي لغة الدولة والمجتمع هو الأساس، ثم يمكن فرض مجموعة من الأنظمة كما هو معمول به في بعض الدول من قبيل: كتابة اللوحات التجارية باللغة العربية، مع لغة أخرى لو أحب ذلك صاحب المنشأة، وقائمة الطعام يجب أن تكون بلغة مزدوجة بين العربية وغيرها، وفرض دورات لغوية على العمالة الوافدة التي ترغب بالعمل في الدولة العربية، وتحقيق مستوى لغوي أدنى على الأقل للتحدث بها بوضوح.

أما على مستوى المجامع اللغوية، فإن الملاحظ هو غياب أو بطء التنسيق فيما بينها، وأعتقد أن الوقت حان لتوحيد الجهود لتقديم التنازلات لإعادة إحياء النشاط بشكل فعّال، وعلى مستوى الأفراد فإن تداول اللغة العربية والحرص على تفعيل هذا التداول بشكل واضح يؤدي إلى رفعة المجتمع بحول الله تعالى.

* نود التعرف إلى مشروعاتك الشخصية في هذا الجانب، وأنت صاحب مبادرات عملية في الواقع.

بدايةً، لديّ حساب قُمتُ بتأسيسه عام 2014، وهو حساب يحمل اسم اليوم العالمي للغة العربية، وعبر هذا الحساب أقوم بالتغريد بالفرائد اللغوية التي تلفت نظر الشباب، كما أقوم بعمل تصاميم مناسبة للذوق الشبابي، حيثُ بدأت سلسة من تصاميم مترادفات الأسماء في اللغة العربية، ومنها: أسماء الأسد، أسماء الناقة، أسماء الحية، أسماء الثعلب، أسماء يوم القيامة، أسماء التراب، أسماء لمترادفات العسل، أسماء الزعفران، أسماء اللبن، أسماء العقل.

وكذلك مترادفات مفردة المطر، وأسماء الثلج، وتصميم ساعات اليوم في اللغة العربية، وغيرها من تلك التي يتبين انتشارها في الإنترنت، ويمكن قياس ذلك بعمل بحث في موقع «غوغل» الصور، فتجد هذه النماذج موجودة في أول صفحة وإذا قمت بتحميل الصورة عبر الموقع نفسه والبحث بالصورة فإنك تجد حجم تداول التصميم في فضاء الإنترنت.

هذه التصاميم وغيرها تصلني عبرها رسائل إيجابية كثيرة، كما أنها تطبع وتنشر على مستوى المدارس، ما يسهم في لفت أنظار الطلبة إلى جمالية اللغة العربية.

السيرة الذاتية

هود إبراهيم عبدالمحسن العمراني

طبيب جراحة الفم والأسنان... درجة البكالوريوس

متخرج في جامعة «لوبلن» الطبية في بولندا

دبلوم في اللغة الإنجليزية من جامعة الإمام محمد بن سعود

دبلوم حاسب آلي قسم الشبكات من مركز «نيوهورايزون» للتقنية

مهتم باللغة العربية...

المشرف المؤسس لحساب اليوم العالمي للغة العربية (@arabic_day)

 مشارك بدعوة رسمية في الاحتفالية المقامة في مقر الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو»، وذلك أعوام 2014 و2015 و2016 و2017 و2018

Email