الكاتب زياد عبدالله لـ« البيان»:

الرواية الحديثة مدينة للفن السابع

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يتوقف مداد الكاتب السوري زياد عبدالله عند أحداث روايته الأولى «بر دبي» (2008)، تلك التي وثّق فيها للبشر وأحلامهم، فقد امتد نحو شوارع مدينته اللاذقية التي لعبت دور البطولة في روايته «ديناميت» (2012)، فيما أطل التراث العربي من بين ثنايا كتابه «الإسلام والضحك» (2018)، ذاك الذي طالب القراء في مقدمته بعدم التجهّم عند القراءة، لتأتي روايته «كلاب المناطق المحررة» لتفيض بأدب السخرية السوداء، بعد أن أدخلها في دروب الأدب التجريبي، حيث لا يبدو فيها يكتب عن الحرب، وإنما يكتب الحرب ذاتها، محرراً ذاته من الزمان والمكان، رافعاً بذلك سقف إبداعه، وهو الذي عد في حديثه مع «البيان» أن الرواية الحديثة مدينة للسينما.

في روايته «كلاب المناطق المحررة» يدخلنا عبدالله في أروقة عوالم الأدب التجريبي، وبحرفية بالغة ينجح زياد في تخطي «قذائف» الحرب، وحواجز الخراب التي تخلفها، متخذاً من «المناطق المحررة» تعبيراً مجازياً، للحالة التي عايشها كل أولئك الذين مروا بغبار الحرب، ولكنه في الوقت نفسه، لم يسع في روايته إلى «تسجيل موقف ما»، بحسب تعبيره، حيث لم يقصد بتعبير «المناطق المحررة» طرفاً بعينه.

ويقول: «هذه الرواية تأتي حاملة للكثير من التعابير المجازية، وهو ما يمكن اكتشافه في سياقها».

مجاز

بلغة جزلة قدمت روايتك «كلاب المناطق المحررة» وهي تختلف تماماً عن روايتي «بر دبي» و«ديناميت» وهما يصبان في إطار التوثيق سواء لأحلام البشر كما في الأولى، أو للمدن كما في الثانية، ألم تفكر في تقديم رواية عن الحرب مثلاً؟

الرواية بالعموم هي مجاز، ولم أدخل في سياقها بالتوثيق، ولذلك جاءت خارج إطار الزمان والمكان، وفي الواقع أن الحرب فرضت نفسها على الرواية، من خلال محاولتي تبيان كيف يمكن للإنسان أن يحيا في الحرب.

ما جعل منه سؤالاً مجازياً وعميقاً، ولذلك أعد أن هذه الرواية ساخرة، ولدي إيمان بأن السخرية أحياناً تكون أفضل أدوات مقاومة الواقع، ولا سيما أننا نعيش في عصر بات يفرض علينا إعادة تعريف أدواتنا الإبداعية.

في هذه الرواية، تذهب نحو مناطق جديدة في «حرفتك الأدبية»، إلى أي حد فرض ذلك عليك تغيير طريقتك في السرد الإبداعي؟

هذه المحاولة بدأت بمجموعة قصصية أصدرتها سابقاً تحت عنوان «الوقائع العجيبة لصاحب الاسم المنقوص»، والتي مكنتني من اختبار نوع جديد في الكتابة الأدبية، وأدخلتني في دروب الأدب التجريبي، المختلف تماماً عن الواقعي الذي استعملته في «بر دبي» و«ديناميت»، حيث قدمت حكايات مترابطة بالمكان وبالبشر وأحلامهم، بينما في «كلاب المناطق الجديدة» فالحكاية تتخطى حدود الجغرافية والتاريخ، لذا أشعر بأنها تلامس إحساس أولئك الذين عاشوا في الحرب.

تنفس بحرية

إلى أي حد ساهمت عملية التحرر من المكان والزمان، في منحك فرصة التنفس بحرية، وتحرير روايتك من كل شيء؟

بلا شك أن ذلك لعب دوراً كبيراً، لأن عدم الالتزام بالمكان والزمان، يساهم في تحرير الرواية من كل شيء، ومنح المخيلة فرصة فرض نفسها على العمل، وهو ما ساعدني على الخروج بمجازات جديدة، واستدعاء ما لدي من ذاكرة ومخزون لغوي، لدرجة شعرت معها بـ«لذة الكتابة»، وبتقديري أن الإبداع بحد ذاته هو حرية، وكلما ارتفع سقف الحرية يكون الإبداع أوسع.

هل تعتقد أن الأدب العربي بحاجة إلى نوعية الروايات التجريبية؟

في عالمنا العربي لا يحظى الأدب التجريبي بحضور عال، وبتقديري أن التجريب عامل مهم في تطور الأدب، وإذا انعدم فهذه إشكالية، ويصير اللجوء إلى الروايات المكانية والروايات الآمنة هو الحل، وإذا نظرنا إلى الأدب الأوروبي، يمكن أن نلمس ظاهرة الأدب التجريبي، ما ساعد على ظهور نوعيات جديدة من الكتابة تسعى إلى التجديد في الأدب.

قبل أن تلج في دروب الرواية، امتطيت حصان الشعر، من خلال مجموعة «ملائكة الطرقات السريعة» و«قبل الحبر بقليل»، إلى أي مدى لعب الشعر دوراً في صقل لغتك الروائية والأدبية؟ وهل يجب على الروائي المرور ببحور الشعر؟

الشعر يُمكن الكاتب من معرفة اللغة العربية ويمكنه من أعماقها، ويمنحه حق معرفة معادلاتها والإمساك بمفاتيحها، ورغم أنه لا يجب على الروائي المرور ببحور الشعر، إلا أن دخوله فيه سيغني لغته، ولدينا في العالم نماذج فريدة عديدة شكلت حالة فنية شاملة، ولذلك اعتبر أن الطمع في الحالة الإبداعية هو فضيلة، وبالتالي فإن مرور الروائي بالشعر يمكنه من تقديم رواية متمكنة، تشبه في بنيتها القصيدة، كما في روايات فوكنر مثلاً والتي يمكن اعتبارها قصيدة طويلة.

ويمكنني الادعاء أنني كتبت «كلاب المناطق المحررة» على غرار القصيدة، بلغة محكمة تماماً، إذا حذفت كلمة منها يمكن أن تنسف المعنى بالكامل، وهذا النوع من الكتابة فيه «لذة مختلفة» كونه يسير وفق إيقاع معين، يكشف عن تأثير الكاتب وتأثره أيضاً بما يكتب.

تأثير

ممارستك للنقد السينمائي، هل ساهمت في تشريع أبواب الإبداع أمامك في عملية اختبار الرواية؟

السينما بنيت على الرواية، وهما مرتبطان ببعضهما البعض عضوياً، وأعتقد أن الرواية الحديثة مدينة بشكل كبير إلى السينما، والعكس تماماً، ليس فقط في الحالة الإنتاجية، فالتأثير يمتد نحو المونتاج ونظرياته، والتي أعتقد أن فيها إغناء كبيراً للكاتب، وعندما قدم المخرج السوفييتي سيرجي آيزنشتاين، نظرية المونتاج طبقها على روايات ديكنز، وأثبت أن طريقة تقطيع ديكنز للرواية كانت متوازية، وبناء عليه أصبح لدينا في السينما اللقطة ونقيضها، بحيث يفهم المشاهد ما يحدث، والأمر ذاته ينطبق على الرواية، بأن يقدم الروائي حكايته بطريقة تساعد القارئ على فهمها.

Email