أسماء المطوع مؤسسة صالون الملتقى الأدبي:

الروايات تفتح أبواباً وعوالم جديدة

ت + ت - الحجم الطبيعي

أجمل ما يمكن أن يفعله المرء للثقافة والمثقفين هو أن يؤسس صالوناً أدبياً يلتقي بهم وبشكل دوري، وذلك بهدف الارتقاء بالقدرات المعرفية والفكرية، وتنمية روح النقد والذائقة الجمالية ومن أجل الثقافة بشكل عام، لذا أتى «صالون الملتقى الأدبي» لأسماء صديق المطوع التي تفرّغت للعمل الثقافي والفكري والتطوعي، بغية الرقي المجتمعي، وانطلاقاً من كافة قضايا الثقافة، مع عدد من عضوات الملتقى الـ30، والمشاركة المتميزة في معرض أبوظبي الدولي للكتاب منذ عام 2008، ومبادرات عديدة مع مبدعين ومفكرين وأدباء وإعلاميين من كافة أنحاء العالم في حوارات مفتوحة، ليعد ذلك نقلة نوعية لعمل الملتقى تديرها سيدة إماراتية، حيث تفتح الروايات التي يناقشها الملتقى ابواباً وعوالم متعددة، فكان لنا مع أسماء صديق المطوع هذا الحوار:

مشاركات نسائية في إحدى فعاليات «صالون الملتقى الأدبي» | أرشيفية

 

من أبوظبي التي أخذت تنطلق بالمشاريع الثقافية الكبرى وبخطوات رزينة ومدروسة... هل يمكن أن تحدثيننا عن التأثير الثقافي لصالون «الملتقى» على المجتمع القارئ، بعد كل تلك الاجتماعات والمشاركات؟

صالون الملتقى الأدبي تأسس على فكرة القراءة الإلزامية كي تصبح مع الوقت عادة، وبالتالي تتحول إلى شغف معرفي عام، وبالطبع نحن نتحدث عن الرواية التي تعتبر سيدة الصالون لما تحمل بداخلها من كل أجناس الثقافة، من رواية واقعية وخيالية وعلمية وجريمة وتاريخ وعلم اجتماع، وكل ما يخص استشراف المستقبل.

 

نقاش حر

الصالون اختراع إيطالي أنيق منذ القرن الـ16 تبنّاه الفرنسيون سريعاً لتزدهر الصالونات تباعاً وتنتشر عبر العالم، وتتغير مع الوقت من غرف مضيفة إلى صالات ومقاعد، لكن ظل مفهوم الصالون ولم يتغير، وتم تجميع الناس لتبادل الأفكار والفنون والآداب، هل يمكن الحديث حول كيفية السيطرة على الحضور ونقاشهم والوقت، كي يصبح المشروع ملهماً ومفيداً إلى أقصى مراحله؟

الرواية عالم كوني يشمل الواقعية والخيال وكذلك السيرة الذاتية لكل من حفر اسمه في عالم الإبداع، وهذا النوع من الجنس الأدبي يساعد على فتح حلقة للحوار والنقاش، وكي يصبح مشروعنا ملهماً ومفيداً إلى أقصى مراحله، فإننا نناقش دون أن ندخل في اختلافات دينية أو سياسية أو أيديولوجية أو تلك الاختلافات التي تعطي صورة بعيدة عن النقد الأدبي الذي يبني رؤى وأفكاراً ويحد من مساحة الحوار حسب تخصصات القرّاء، لأننا من جنسيات عربية مختلفة ودرجات علمية وعمرية.. التي بدورها تعطي غنى في الحوار والنقاش حول الرواية.

 

أبواب وعوالم

ما الباب الذي فتحه لكِ صالون الملتقى الأدبي كامرأة بعد مرور 19 عاماً، تم خلاله الكثير من الأحداث، أهمها تسجيله في منظمة اليونيسكو ضمن الصالونات الأدبية العالمية المسجلة التي تعدت الخمسين صالوناً في العالم؟

من خلال الروايات تفتحتْ لنا أبواب وعوالم عديدة وجديدة ، خاصة تلك الكتب التي اعتمدت البحث عن المعلومة ومصداقيتها في الرواية، وهذا يزيد من المخزون الثقافي لأن ترددات النقاشات المختلفة حول نفس النص تتسع، وتتوسع لديك مدارك مختلفة لفهم المعنى، أما من ناحية التأثير على المجتمع، فمن الطبيعي لنا التأثير بداية لمن حولنا من الأسرة والأهل والأصدقاء، ومروراً بالتواصل الاجتماعي وانتهاء بالنشر في الصحف ووسائل الإعلام، ليبقى التأثير هو ذاته في نشر فكرة القراءة، خاصة أن دولة الإمارات فَعلَت وأسست قانون القراءة وشهر القراءة.. ومن الطبيعي أن يأخذ كل ذلك نتيجته إلى فكرة زيادة عدد القرّاء بتنوع اهتماماتهم سواء في المجال الأدبي أو العلمي.

 

«ثقافة ثالثة»

المثقفون والفنانون عادة يشكلون العمود الفقري للمجتمع، وقد أصبحوا الآن يقلدون «الثقافة الثالثة» الجديدة، وهو شكل من أشكال النقاش في جميع التخصصات بعد الثقافة الأولى والثانية، وهما العلوم الإنسانية أو العلوم الطبيعية.. فأي شكل من أشكال الثقافة يتبناه الملتقى لمناقشته؟ ولم يسلط الضوء على الصالون الأدبي أكثر من الصالونات الطبية مثلاً؟

نحن تجاوزنا الشكل التخصصي أو ما يسمى «الثقافة الثالثة» وكل المجالات، أما الاهتمام بالصالون الأدبي أكثر، فالملاحظ أن الأطباء أخذوا منحى الأدب، بمعنى أن الطبيب أخذ يكتب الروايات الأدبية وهناك أمثلة كثيرة في عالمنا العربي مثل الروائي علاء الأسواني كونه طبيباً ويكتب رواية، ومحمد منسي قنديل وغيرهما كثير في الساحة الثقافية.. وبالتالي الأدب للجميع.

 

يشاع أنه «بشكل عام» تنعدم الثقافة بين الفقراء جداً والأغنياء جداً، بسبب أساليب العيش المحاطة بكليهما، فهل برأيك كسيدة مطلعة ومثقفة.. التراكم الحاصل لطريقة المحادثة بلباقة والأسلوب وفن العيش والأدب كلها نتاج الطبقة المتوسطة؟

المعرفة التراكمية نابعة من محبة وصدق ومثابرة للحراك الثقافي، والإنسان في هذه المجتمعات المنفتحة يريد أن يكون له دور فعّال بحيث يساعد على هذا الحراك الثقافي ومن أية طبقة كان، ونحن بانتسابنا لأحد نوادي «اليونسكو»، لهو شرف ومسؤولية للمثابرة والالتزام في لقاءاتنا الدورية مرتين في الشهر. ويهمني أن أشير في ماراثون القراءة وجهودنا القرائية قبل معرض الكتاب، فإنه يتسنى لنا الحوار مع ضيوف الملتقى ومعرض كتاب أبوظبي، ليثري النقاش والحوار مع الكُتاب والمثقفين حول المواضيع التي تطرح في البرنامج، وبالتالي يشاركنا كل القراء، ولا أعتقد أن الطبقة الاجتماعية أو المالية تؤثر في مستوى الاطلاع.

 

معايير

هل المعايير فضفاضة عندما يتعلق الأمر باختيار دعوة المؤلفين والمبدعين؟ أم أنه مشروع شجاع لتجربة يجب أن تثبت جدارتها من الإمارات إلى العالم؟

مشاركتنا كل عام لها سمة مختلفة عن سابقتها، فهناك مستوى للعمل الأدبي الذي يحكمنا، سواء في الرواية الإماراتية أو الخليجية أو العربية أو الأجنبية بشرقها وغربها، أو هل الروائي مؤرخ أو طبيب أو جغرافي أو غير ذلك.

 

شخصية متكاملة

برأيك وخلال السنوات الماضية التي تم فيها نقاش أجمل الآداب من المحلية إلى العالمية.. كيف تجدين المنتج الفكري للمرأة؟

دعيني أقول إن النص الأدبي هو المهم، بغض النظر عن الكمية وجنس الكاتب أو ثقافته أو أصله، ولقد قرأنا الكثير من النصوص كتبها رجل بلسان امرأة، المهم هو المبدع أن تكون له القدرة على تمثيل الشخصية المتكاملة والعميقة، بحيث تشبه الإنسان الذي يعرفه الناس والأدب النسوي مثل يوسف السباعي في روايته «إني راحلة» والروائي ماريو فارغاس يوسا في روايته «شيطانات الطفلة الخبيثة»، وياسمينة خضراء هذا الرجل الذي كتب باسم زوجته، ورواية «ذاكرة الجسد» لأحلام مستغانمي، ولهذا في رأيي الأدب لا يرتبط بالكمية ولا بالنوع وإنما بالإبداع.

 

مذاق الروايات

ما أهم كتاب ناقشه الملتقى منذ تأسيسه؟ أخبرينا عنه.

هي كثيرة ولا أستطيع ذكر رواية عن غيرها، فكل رواية لها مذاقها الخاص من ناحية الموضوع أو الأسلوب الفني لبناء الرواية أو اللغة، الخيال، السيرة الذاتية، البعد التاريخي مع بث الروح في الشخوص مع جزء من خلق الكاتب لأن الروائي غير المؤرخ يكتب عن الجانب المسكوت عنه، أي يكتب عن غير المنتصرين مثل رواية «مدن الملح» لعبدالرحمن منيف، وروايات أمين معلوف، وواسيني الأعرج، وإبراهيم الكوني، وجمال الغيطاني... وغيرهم الكثير الذين كتبوا الروايات التاريخية، وتجربة الأستاذ نجيب محفوظ في فن الرواية الاجتماعية الذي أرّخ الوضع الاجتماعي في مصر، وقد مرَّ صالون الملتقى بتجربة القراءة المتخصصة حول جغرافية معينة مثل أميركا اللاتينية ودول المغرب العربي.

 

دعوات

معظم الصالونات الثقافية الحديثة هي في الغالب حصرية إن لم تكن الدعوة قائمة، برأيك هذه الدائرة المغلقة في مجموعة صغيرة وفي مكان فاخر، ما الذي سيضيفونه للفكر العام؟

سؤالك يطرح سؤالاً، هل المعرفة ترف أم ضرورة؟ بالطبع مع زحمة وظروف الحياة من الصعب التزام الصالونات الأدبية التي لها دور إيجابي مباشر على الشخص، لكن يبقى أن يتمتع القارئ بذائقة أدبية وكذلك فن الحوار والنقاش.

نبقى عند مشاركتنا في معرض أبوظبي فإننا نختار ثيمة خاصة لصالون الملتقى، كي يتسنى لنا أن نجذب جمهوراً من القراء، وإتاحة فرصة للتنوع المعرفي والفكري، خصوصاً أن قاعدة الجمهور متنوع في معرض الكتاب، لكن هذا يختلف عن لقاءاتنا الحميمية الدورية حول الرواية، ويختلف عن لقاءاتنا مع الكوكبة الكبيرة من الكُتاب والمفكرين الذين بوجودهم يختلف مفهوم أُسلوب المحاضرة، فلا يكون تواصل مباشر بين الكاتب والقارئ.

فلا ننكر أن دور القارئ مُهم لأنه في الحوار المباشر مع الكاتب حيث تصبح الفائدة للطرفين بمعنى أن الكاتب يسمع النقد الانطباعي من قُرائه، وهذا يساعده في أن النصّ وصل للجمهور، ويستفيد القارئ في تطوير فن الحوار والنقاش والاستماع مع روائي آخر حتى لو كان العكس.

 

ظاهرة صحية

تتغذى الصالونات الأدبية والثقافية من دعوة المفكرين لا الجمهور، فهل حين بدأتِ بتأسيس الملتقى كنتِ بين التحدي للتوقعات الاجتماعية لهذه الفكرة الكلاسيكية؟ أم كنتِ تتحدثين مع ذاتك عن أمل جديد، وعن نوع جديد من استقلالية الروح والعقل؟

انتشار الصالونات والمجالس الأدبية في مجتمع الإمارات هو بحد ذاته ظاهرة صحية، ويصنع أجمل أمل، وكذلك الصالونات المتخصصة حسب ميول الأفراد، ولا ننسى أنه مع انتشار التواصل الاجتماعي ساعد على ترويج الثقافة المختصرة، ونحن نعلم أنها لا تبني وعياً فكرياً عميقاً، بقدر ما تساعد على وصول المعلومة، وهذا جميل وفعّال فهي بحد ذاتها راقية؛ لأنها من جهة تزيد من المحصول الفكري المتنوع، ومن جهة أخرى تعتمد على المتلقي كيف يزيد من عمق المعرفة عن طريق القراءة العميقة المتخصصة ليستثمر وعيه، خاصة بعد أن أصبح الكتاب متوافراً أكثر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وبات من السهل وصول الفرد له.

 

شكل ثقافي

المثقفون والفنانون عادة يشكلون العمود الفقري للمجتمع، وقد أصبحوا الآن يقلدون الثقافة الجديدة التي تسمى «الثقافة الثالثة»، وهو شكل من أشكال النقاش في جميع التخصصات بعد الثقافة الأولى والثانية وهما العلوم الإنسانية أو العلوم الطبيعية.. فأي شكل من أشكال الثقافة يتبناه الملتقى لتناقشه؟

أصبحنا اليوم نختلف عن فترة بداياتنا للملتقى؛ لأننا كنا نعتمد على الدول العربية من مصر وسوريا ولبنان والمغرب، فقد كانت مكتباتنا فقيرة بعناوينها الجيدة، أما اليوم ومع الجوائز التي تقدمها الإمارات، فإنها ساعدت على نشر الرواية العربية المكتشفة، وبشكل واسع مثل جائزة «البوكر» العربية التي سهلت على القرّاء قراءة القائمة القصيرة، وبالطبع جائزة الشيخ زايد للكتاب، وجائزة العويس للإبداع، وجائزة سلطان بن علي العويس العالمية، وجائزة الشيخ سلطان القاسمي، ودور مؤسسة الشيخ محمد بن راشد للمعرفة لتشجيع القراءة والتحدي، وكذلك اختصار الكتب في دقائق، وهناك «كلمة» في أبوظبي التي تقوم بنشاط جبار في ترجمة الأدب والفكر العالمي، وجائزة الرواية الإماراتية وغيرها، كلها ساهمت في تشجيع القراءة وكذلك الإبداع من الكتاب في كل مجالات المعرفة، وطبعاً سن قانون القراءة وشهر القراءة خلق نوعاً من التنافس الجميل لجعل القراءة عادة في شرائح المجتمع.

 

فكر تنويري

المجتمع الإماراتي من أكثر المجتمعات التقاءً بين أفرادها وعائلاتها، لكننا بحاجة ماسّة للحياة الفكرية في تلك التجمعات المتواصلة، أن تصبح جزءاً من ثقافتنا، نبدأ بطرح الأسئلة ثم البحث عنها... فما المشروع الذي يجب أن يقوم برأيك، لينتشر هذا الفكر التنويري كما انتشرت فكرة الطاقة الإيجابية في مجالسنا؟

ميزة الصالونات الأدبية لا تقف عند الانتهاء من القراءة، وإنما مدى تأثيرها علينا، ومن ناحية تجربتنا خرجنا بأفكار كثيرة، مثل العلم البشري، وفكرة تلوين الرواية والمبنية حول الفنان التشكيلي كيف يرسم الرواية كانت تجربة جميلة، وكذلك حياكة الرواية، ونون النسوة، وواحد وثلاثون رواية مسجلة في واحد وثلاثين يوماً في شهر القراءة، والكبسولة الأدبية، والمقص الأدبي، وكذلك إصدار بعض الكتب مثل فكر جمال الغيطاني و«إمبرتو أيكو» وأمين معلوف، وماركيز، وفاطمة المرنيسي، وأمي موزة، وساحل الرواية الخليجية وما قاله السيف للقرطاس ونون النسوة، وأرشيفنا الذي يؤرخ كل الشخصيات الثقافية الذين قابلناهم وحالياً نعمل على إصدار كتاب على مجمل أعمال جنكيز إيماتوف يشارك فيه أصدقاء الملتقى وأعضاء الملتقى وذلك لمئوية الكاتب... ومشاريع لا ولن تنتهي.

 

مكانة خاصة

المرأة الفرنسية التي اشتهرت بصالونها الثقافي وأناقة ملبسها ألهمت سيدات العالم بالشكل الجمالي والروح العالية وعمق الطرح... لكن المرأة العربية والشرقية الغنية بتراثها الملون والغني، طرحت قضاياها كامرأة أكثر من شيء آخر... أين نحن من كليهما؟

المرأة العربية مثل غيرها من نساء لعالم، خصوصاً مع أننا أصبحنا نؤثر ونتأثر بالغير، وفكرة الصالونات موجودة منذ أيّام الأندلس في زمن ولّادة بنت المستكفي والسيدة نفيسة ومي زيادة وغيرهن ممن لهن الفضل في نشر الفكرة بكل جوانبها الفكرية الثرية وجمال المكان والصالونات، وخلق نوعاً من العلاقة الحميمية بين الأعضاء وتتحول كأسرة جميلة تعيش بتضامن وتحسّ بالآخر وفهم الأخر وحتى مع وجود المدونات ووسائل التواصل الاجتماعي والبرامج الثقافية والمحاضرات تبقى الصالونات الثقافية لها مكانة خاصة، فاليوم أصبحت علاقتنا مع المفكرين والكتّاب أكثر ترابطاً ومحبة، مع انتظار إنتاجهم بشغف معرفي كبير.

 

في سطور

ـــ  أسماء صديق المطوع، إماراتية حاصلة على بكالوريوس إدارة الأعمال من جامعة الإمارات العربية المتحدة عام 1987، وعلى ماجستير في الإسلام المعاصر من جامعة زايد عام 2013. ومتفرغة الآن للعمل الثقافي.

ـــ  منذ عام 1998 شكلت أسماء المطوع صالوناً أدبياً تحت مسمى «صالون الملتقى الأدبي» حيث تلتقي مرتين في الشهر لمناقشة عمل من الأعمال الأدبية أو الفكرية أو الثقافية.

ـــ  عضوة أصدقاء جامعة السوربون الباريسية في أبوظبي.

ـــ  مستشارة خاصة للمكتب الإقليمي لمنظمة أطباء بلا حدود - أبوظبي.

ـــ سفيرة النوايا الحسنة، منظمة أطباء بلا حدود.

Email