الأكاديمي المتخصص عبدالله الكعبي: الآثار.. علم ومنهج قائمان على الدلائل

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يوماً بعد آخر يأخذ الحديث حول الآثار حيزاً بالغ الأهمية مع الاكتشافات المتتالية التي لا تنفك تظهر للعيان في مواقع متعددة من أرض الإمارات، التي شهدت في الأيام القليلة الماضية الاكتشاف الذي فتح آفاقاً جديدة على دراسة تاريخ المنطقة، وذلك باكتشاف علماء الآثار في دائرة الثقافة والسياحة بأبوظبي أقدم مسجد في الدولة، يعود تاريخه إلى أكثر من 1000 عام خلت، في منطقة العين.

من هنا كان حوارنا مع عالم الآثار الإماراتي عبدالله الكعبي، يطوف بنا في تلك المناطق العابقة بأريج الماضي ومآثر الأولين، عبر المواقع الأثرية الموجودة في دولة الإمارات، لاسيما في العاصمة أبوظبي وما حولها من مواقع أثرية، ويصبح الحوار أكثر إتقاناً كون الكعبي أكاديمياً متخصصاً بتلك البقايا المادية التي كانت في الأصل بنياناً لحضارات إنسانية ماضية لم يعد لها وجود في عصرنا الحالي سوى أطلالها.

خطط مدروسة

لدى دائرة السياحة والثقافة في أبوظبي علماء آثار، ولهم التقدير لكونهم ينقبون عن البقايا المادية التي خلفها الإنسان في أرضنا، فهل لنا أن نعرف أكثر عن القادم في البحث والتنقيب؟

تولي دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي اهتماماً كبيراً للبحث الأثري من خلال الفريق المحلي، إضافة إلى التعاون مع جهات خارجية باستقدام الخبراء الأجانب من أجل الكشف عن المواقع الأثرية ودراستها ونشر الأبحاث عنها.

ولدى الدائرة أيضاً، خطط سنوية مدروسة تتعلق بالمواقع التي سوف تتم فيها أعمال المسح والتنقيب الأثري، وخلال الفترة المتبقية من العام الجاري سوف يتم استكمال أعمال التنقيب التي بدأت سابقاً في جزيرة مروح، وصير بني ياس، وموقع هيلي في منطقة العين، فكما هو متعارف عليه في علم الآثار، تحتاج المواقع عدة مواسم حتى يتم الكشف عنها بشكل كامل، وذلك اعتماداً على عدة عوامل، أهمها حجم وطبيعة الموقع، إضافة إلى ذلك سيتم عمل بعض التنقيبات الجزئية في بعض المباني التاريخية الأخرى.

تطور

تغييرات كثيرة شهدتها الدولة من ناحية اكتشافها مناطق آثار جديدة، فهل باعتقادكم أن كل هذه الجذور الراسخة تمنحنا فرصة مناقشة القضايا الإبداعية الاجتماعية منها والأديان القديمة العابرة على أرض الدولة من خلال علم الآثار؟

لقد تطور علم الآثار كثيراً خلال العقود الماضية، وهو من العلوم التي تقوم على أسلوب البحث والتحليل والتحري العلمي، إضافةً إلى أن علم الآثار يرتبط بالعلوم المساعدة الأخرى، وأهمها علم الأنثروبولوجيا، وهذا ما يجعل من المنهج الأثري العلمي يرتكز على الخلق والإبداع في تفسير الكثير من ظواهر حياة الإنسان الاجتماعية والدينية والاقتصادية قديماً من منظور علمي بعيداً عن التأويل، وبالتالي هو منهج علمي كغيره من العلوم يمكن أن يقدم للبشرية الكثير، ويساعد في فهمنا للتغيرات الاجتماعية والمعتقدات الدينية التي مرّ بها الإنسان خلال عصور تاريخية مختلفة.

باب مفتوح

المكتشفات الأثرية الجديدة في الدولة تمنح الأكاديميين الفرصة لطرح نظريات جديدة، وهذا بحد ذاته غِنى، فهل ذلك متاح أم الأمر مرتبط بالدائرة فقط، بأحقيتها في طرح النظريات الأثرية؟

نحن في دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي نتعاون مع الجميع من أكاديميين وخبراء في الآثار، وباب البحث العلمي مفتوح أمام الجميع، ونقوم بشكل دوري بعقد مؤتمرات وندوات وورشات عمل، وندعو كل المهتمين من خبراء وأكاديميين وباحثين لطرح كل ما هو جديد لديهم ومناقشته بشكل علمي ثم نشره لتعود الفائدة على الجميع.

قيمة تاريخية

مع التنمية الكبيرة التي تشهدها الدولة، بالمقابل الاكتشافات الأثرية المتعددة التي لا مكان محدداً لها، خاصة إذا اكتشفنا أثراً مهماً بين عمائر حديثة ومكلفة، حينها هل تفضل الدائرة أن تأخذ الأرض الأثرية التي لا يمكن تجاهلها؟ أم تكتفي بمجرد الحديث عن الأثر دون الضرر بالعمارة الحديثة فوقها؟

تولي الدائرة اهتماماً خاصاً بالحفاظ على المواقع الأثرية والثقافية، بحكم أن فقدان أي جزء من الأثر هو فقدان قيمة مهمة قد تضيف قيمة تاريخية كبيرة للمجتمع البشري، ولذلك تم إصدار قانون الآثار الذي أعطى الغطاء القانوني للحفاظ على المواقع الثقافية تحت أي ظرف كان، وقمنا بالتعاون مع دائرة التخطيط العمراني والبلديات باستحداث نظام شهادات عدم الممانعة الثقافية، حيث يُلزم كل المطورين والمستثمرين بضرورة الحصول أولاً على تصريح عدم ممانعة قبل البدء بتنفيذ المشاريع على أرض الواقع.

خطة ثقافية

هل لنا معرفة الموعد الرسمي لعرض المسجد المكتشف في العين على المهتمين من المرتادين والسياح؟

المسجد الأثري المكتشف أصبح جزءاً من المنطقة المحيطة بالمسجد المقام حديثاً، وهو مسجد صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة حفظه الله، وتم وضع خطة ثقافية لإدارة الموقع وعرضه أمام الجمهور، بحيث تعرض أهم الأجزاء الرئيسة المكتشفة التي تتضمن المسجد وقنوات الفلج، إضافة إلى المباني الطينية المكتشفة في الموقع، وذلك بأساليب حديثة ومبتكرة، وسيتم فتح الموقع للجمهور بالتزامن مع افتتاح المسجد الحديث.

دلائل أثرية

بعض الاكتشافات تحيل إلى اكتشافات أخرى، من حيث المعمار وسلوك الإنسان، مع دراسة الصناعة والروابط التجارة والمفاهيم الدينية، لكنْ ثمة أمور يتساءل القارئ عنها دائماً، وهو كيف يتم تحديد الموقع قبل المسح والتنقيب؟

هناك عادة أدلة أثرية تكون ظاهرة للعيان في المواقع، ما يشير إلى أهمية هذا الموقع من ناحية تاريخية، مثل وجود تكوينات صخرية أو بقايا جدران على السطح، إضافة إلى وجود كسر الفخار أو الكسر الزجاجية أو بعض كسر العظام أو قطع العملة ومواقد النار، وغيرها مما يساعد على الاشتباه بوجود موقع أثري، كما أن لون التربة الداكن أيضاً الذي يختلف عن المنطقة المحيطة يُعطي دلائل أخرى تساعد في التعرف إلى المواقع.

المنطقة الشرقية

زادت الاكتشافات الأثرية في الإمارات، تلك التي تعود إلى الفترات الإسلامية، لنلاحظ أن الحظوة للفترة العباسية وخلافتها أكثر من الفترة الأموية، أو حتى العثمانية المتأخرة، كما في مبنى مدينة جميرا الأثرية في القرن العاشر الميلادي، والفخاريات في رأس الخيمة (جلفار) المستوردة من العراق في الزمن العباسي، ومسجد «البدية» العائد إلى نهاية الفترة العباسية.. بماذا نفسّر ذلك إن نظرنا إلى الوراء؟

تعد المنطقة الشرقية من شبه الجزيرة العربية موقعاً استراتيجياً، ولها أهميتها التاريخية على مر العصور الزمنية، كما ساعدها موقعها على ساحل الخليج العربي على تكوين علاقات تجارية بحرية عزّزت من التبادل التجاري بين مدن دولة الإمارات الواقعة على الساحل مع الأقاليم الأخرى البعيدة مثل العراق وغيرها.

وبالتأكيد المنطقة ازدهرت خلال الفترات الإسلامية لقربها من مراكز الخلافة في الجزيرة العربية والشام والعراق.

نُبذة

يشغل عبدالله الكعبي مدير وحدة المسح الأثري والحفريات الإنقاذية في إدارة البيئة التاريخية بدائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي، وهو متخصص في علم الآثار من جامعة «برادفورد» في المملكة المتحدة، له مشاركات في العديد من التنقيبات الأثرية في الإمارات، كما أنه عضو الفريق الوطني للتنقيب الأثري في الدولة.

شارك في تنقيبات جزيرة مروح عام 2009، وجزيرة صير بني ياس، وجزيرة السعديات، وجزيرة دلما، وموقع مستوطنة العصر العباسي، وموقع هيلي في مدينة العين، وموقع مستوطنة العصر العباسي، كما عمل مع الفريق البريطاني - الجورجي في التنقيب بأحد المواقع الأثرية في جورجيا، وله إسهامات عدّة في مجالات المسح والتوثيق.

Email