عبدالله النعيمي لـ«البيان»:

دعم محمد بن راشد سر نجاح «تحدي القراءة»

ت + ت - الحجم الطبيعي

سنوات ثلاث مرت على ولادة «تحدي القراءة العربي»، إحدى «مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية» التي رسمت لنفسها خطاً بيانياً تصاعدياً لم يقف عند حدود، وشكلت نهضة ثورية معرفية حفزت إلى ممارسة القراءة، وأحيت في أمة «اقرأ» روح الشغف بالعلم والمعرفة، حتى باتت جائزتها الأغلى والأرقى على كل المستويات، فأبرزت عملاقاً كامناً في نفوس أجيال الأمة العربية، ينتظر من يحفزه لينطلق في فضاء الإبداع والنهل من بحر المعرفة الذي لا ينضب.

وقد كان لـ «البيان» هذا الحوار مع عبدالله النعيمي، مدير مشاريع في «مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية»، المنسق التنفيذي لمشروع تحدي القراءة العربي، والذي أكد أن النجاح الذي تحقق لتلك المبادرة المعرفية الفريدة ما كان ليتحقق لولا الدعم اللامحدود الذي خصصه لها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، مشيراً إلى أن المشروع في طريقه للانطلاق نحو العالمية ولكن من بوابة لغة الضاد.

أحرز تحدي القراءة نجاحاً كبيراً رغم قصر عمره.. ما العوامل وراء هذا النجاح؟

عوامل عدة أسهمت في نجاح «تحدي القراءة العربي»، في مقدمتها بالتأكيد الدعم الكبير الذي خصصه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، لهذا المشروع المعرفي الأكبر من نوعه عربياً، المعني بتثقيف النشء بأهمية المطالعة لبناء مجتمعات معرفية. وبالطبع، هناك الحماسة والشغف الكبيران اللذان أظهرهما الطلاب العرب من مختلف المراحل الدراسية، بوصفهم المستهدفين في التحدي.

من العوامل الأخرى التي أسهمت في نجاح «تحدي القراءة العربي» هو حرصنا في مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية، المظلة الأكبر التي يندرج التحدي تحتها، على توفير كل أشكال الدعم الفني واللوجستي والمادي، وكافة التسهيلات اللازمة لتشجيع الطلبة والمدارس على المشاركة في التحدي.

كذلك، من العوامل الحاسمة في هذا الخصوص، والتي كان لها كبير الأثر في إنجاح التحدي حرص المدارس، تحت مظلة وزارات التربية والتعليم في الدول المشاركة، على تقديم كافة التسهيلات وكل أسباب الدعم لتشجيع طلبة المدارس على المشاركة، (وثمة مدارس نجحت في تسجيل جميع طلبتها في التحدي) وحرصها على مواكبة التحدي بأنشطة قرائية غنية من خلال تنظيم المهرجانات ومعارض الكتب المدرسية وفعاليات القراءة خارج الدوام المدرسي، إلى جانب حرص آلاف المشرفين والمشرفات على دعم الطلبة المشاركين ومتابعة سير عملية القراءة ومساعدتهم على اختيار الكتب المناسبة.

بل وتوفير هذه الكتب في حال لم تكن موجودة في مكتبة المدرسة، ومساعدتهم على تلخيص الكتب ومراجعة الملخصات معهم وإعدادهم لخوض التصفيات المرحلية والنهائية على مستوى الدول والوقوف إلى جانبهم طوال مراحل المشاركة.

كذلك، يجب ألا نغفل هنا عاملاً حيوياً له أكبر الأثر في إنجاح «تحدي القراءة العربي»، يتمثل في تفاعل المجتمع المحلي مع التحدي وحرص كافة الأطراف ذات الصلة على توفير كل أشكال الدعم، ضمن مقاربة أحالت التحدي إلى نشاط مجتمعي لا يقتصر على الطالب والمدرسة، وإنما يشمل الأسرة، كبيئة حاضنة بالمعنى المعنوي، وكذلك مؤسسات المجتمع المحلي من مكتبات ومراكز ثقافية وجهات رسمية في الدول المعنية أظهرت، ولا تزال، حرصاً على أن تكون طرفاً فاعلاً في هذا النشاط المعرفي والثقافي.

طفرة قرائية

ما الذي كشفته لكم الدورتان السابقتان من التحدي في ما يخص مستوى الوعي القرائي في العالم العربي؟

على مدى عقود طويلة راجت مقولات من نوع: أن العرب لا يقرؤون، وأن ثمة خصومة بين المواطن العربي والكتاب، وأن المكتبة مكان طارد أو شبه مهجور في المجتمعات العربية وأن الكتاب سلعة بائدة، وما إلى ذلك من مفاهيم كرست عداوة شديدة بين المطالعة وبين الأجيال العربية، خاصة النشء.

فما الذي فعلناه لتقويم الوضع؟ وهل توجد مبادرة على نطاق عربي اختبرت هذه المقولات فعلياً أو سعت إلى نقضها؟ أعتقد أن «تحدي القراءة العربي» كمبادرة عربية أسهم في وضع هذه المقولات على المحك.

ويمكن القول إنه خلال السنوات الثلاث الماضية استطاعت أن تحدث طفرة ملموسة في تعزيز الوعي بأهمية القراءة في المجتمعات العربية.. هذه المشاركة التي تشهد زيادة مطردة، من دورة لأخرى، تظهر بجلاء أن هناك عطشاً للمعرفة، وأن العلاقة بين المواطن العربي والكتاب يمكن أن تُبنى على أسس مستدامة في حال توافر الحافز. فعلياً، نجح «تحدي القراءة العربي» في تشجيع ملايين الشباب العرب كي يتفاعلوا مع أكبر حراك ثقافي من نوعه، خاصة النشء، أي الأطفال والفتيان في سن المدرسة.

بناء تصاعدي

لماذا التركيز على النشء هنا؟ ما الهدف من جعل تحدي القراءة العربي موجهاً لطلبة المدارس؟

مشروع «تحدي القراءة العربي» ينطلق من رؤية كرسها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، تسعى إلى غرس ثقافة القراءة لدى النشء تحديداً، بحيث يمكن الاستثمار في هذه الفئة العمرية معرفياً بنجاح، من خلال وضع الأسس الصحيحة منذ الصغر، خاصة في سنوات التأسيس أو التكوين الأولى التي يظل تأثيرها طويل المدى.

إن القراءة عادة حميدة، والعادات التي نكتسبها من الصغر تترسخ مع الوقت، وتتحول إلى دعائم متينة، ثابتة، نستطيع مواصلة البناء عليها مستقبلاً، بصورة معرفية تصاعدية، ما يخلق إرثاً ثقافياً تراكمياً، على مستوى الفرد والمجتمع.

مسؤولية الأسرة والمدرسة

لدينا فائزان في تحدي القراءة العربي: الطالب محمد جلود، من الجزائر، الذي انتزع لقب الدورة الأولى من التحدي، والطالبة عفاف شريف، من فلسطين، التي توِّجت في الدورة الثانية. هل هناك خطة لتبنيهما على المستوى الثقافي المعرفي، أو أي خطط مستقبلية بشأنهما، أم أن التواصل مع أوائل التحدي ينتهي بإعلان اللقب؟

دورنا في «تحدي القراءة العربي» أن نكون محفِّزين وداعمين وأن نزرع بذور القراءة ونغرس الشغف للمعرفة ونرعاه ونوفر كل الأسباب والعوامل التي تكفل إيصال الكتاب ليستقر بين يدي الطالب، وتسخير كافة الإمكانات: المدرسية والمجتمعية ككل، لتوجيه الطالب ومساعدته على تبني القراءة المعرفية كأسلوب حياة يطبقه في حياته لاحقاً.

والقراءة التي نحن بصددها هي القراءة التي تقوم على الفهم والاستيعاب والقدرة على بناء الأفكار وتطوير قدرات تحليلية. هذا هو الأساس الذي نسعى إلى وضعه، بحيث يستطيع الطالب أن يبني عليه لاحقاً. القراءة شغف يمكن غرس نواته لدى الشخص، وعلى الشخص تنمية هذا الشغف.

بعد «تحدي القراءة العربي»، فإن مسؤولية الأسرة أن تتابع رعاية الغرس الذي زرعناه مع الأبناء، وكذلك مسؤولية المدرسة أن تواصل تنمية هذا الشغف وإذكاءه ومكافأته.

ومن جانبنا، في «تحدي القراءة العربي»، وفي إطار مشاريعنا القرائية والمعرفية، نحرص على توفير الدعم الفني والمعرفي للمدارس من خلال تزويدها بالكتب، حيث كان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، قد أطلق حملة «أمة تقرأ» في رمضان 2016، كأكبر حملة من نوعها لجمع 8 ملايين كتاب وتوزيعها على مكتبات المدارس في مختلف أنحاء الوطن العربي.

كذلك، تبنت «مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية» مشروعاً لدعم دور النشر الإماراتية، بحيث ترفد نتاجاتها المكتبات العامة والمكتبات المدرسية في الوطن العربي، وغير ذلك من حملات ومبادرات ومشاريع تهدف إلى إثراء الواقع الثقافي والمعرفي في الوطن العربي على أكثر من صعيد.

ثمة نقطة مهمة هنا أود التأكيد عليها أن الجزء الرئيسي من المكافأة المادية التي ينالها الفائز الأول في «تحدي القراءة العربي» يتم رصدها لمواصلة دراسته الجامعية، وهذا بحد ذاته شكل من أشكال المتابعة؛ فالدراسة الأكاديمية تسير جنباً إلى جنب بموازاة القراءة المعرفية المنهجية.

44 دولة

ما المفاجآت التي سنراها في الدورة الثالثة من تحدي القراءة العربي؟

- حالياً، يخوض الطلبة العرب التصفيات النهائية لتحدي القراءة العربي على مستوى دولهم، والأرقام المتوافرة لدينا تشير إلى أن حجم المشاركة في تحدي هذا العام غير مسبوق، فهناك أكثر من مليون ومئة ألف طالب سجلوا رسمياً في «تحدي القراءة العربي»، من 52 ألف مدرسة في 44 دولة، 30 منها أجنبية في أول مشاركة رسمية هذا العام للطلاب العرب المقيمين في دول المهجر؛ وهو ما يؤكد أن الغرس الذي زرعه «تحدي القراءة العربي» في دورتيه الأولى والثانية بدأنا نجني ثماره.

هل كانت هناك أي نقاط ضعف في الدورتين الأولى والثانية تعملون على تلاشيها في الدورة الثالثة من التحدي؟

في كل دورة نسعى إلى التعامل مع توسع تحدي العربي بكفاءة وفاعلية بما يكفل تحقيق المصلحة العامة. وبالتأكيد نكتسب من دورة لأخرى خبرة متزايدة في آلية المتابعة والتنسيق والتوجيه بين لجنة «تحدي القراءة العربي» في دبي وبين الجهات المعنية في الدول المشاركة، سواء على مستوى وزارات التربية والتعليم أو المديريات والمناطق التعليمية في المحافظات والولايات أو على مستوى المدارس نفسها.

لغة الضاد

تتسع قاعدة مشاركة الدول الأجنبية في التحدي، هل يمكن أن يتسع نطاق التحدي ليشمل قراءة الكتب الإنجليزية، ويتحول مسمى المشروع لتحدي القراءة العالمي يوماً؟

من البداية، رسالة تحدي القراءة العربي هي غرس ثقافة القراءة لدى النشء باللغة العربية، من باب إعادة الاعتبار للغة الضاد وإحياء الاهتمام بها، وتعزيز مكانتها التنافسية وسط لغات العالم، وجعلها لغة فكر وتعبير وإبداع لدى الشباب العربي.

وهذا العام، توجهنا إلى الطلبة العرب المقيمين في المهجر، من خلال إتاحة الفرصة لهم للمشاركة بصورة رسمية، بعدما لمسنا رغبة الآلاف منهم بأن يكونوا جزءاً من هذا الحراك الثقافي العربي الأصيل. فقد تحول تحدي القراءة العربي إلى مشروع عريض يجمع ملايين الطلبة والشباب العرب أينما كانوا.

ومع الوقت وفي المدى المنظور، نسعى من خلال التحدي إلى تنشيط سوق النشر العربي لرفد المكتبات العربية، العامة والمدرسية والأسرية، بمنتج قرائي نوعي يجتذب الأطفال والفتية في المرحلة العمرية من 6 إلى 18 عاماً. نحن نتطلع إلى أن يصبح التحدي عالمياً ولكن من بوابة اللغة العربية.

اهتمام الأسرة الإماراتية بمشاركة أبنائها في الأنشطة القرائية

عن النتائج التي فاجأ التحدي بها القائمين على مشروعه على مستوى الإمارات ، وخطط تنمية مستوى الطلبة في الدولة ودفعهم لحصد مراكز متقدمة في التحدي خلال الدورات المقبلة، قال عبدالله النعيمي: في الدورة الأولى سجل طلبة الإمارات حضوراً لافتاً، وشهدت مشاركتهم في الدورة الثانية زيادة تفوق الضعف، محققين نتائج طيبة على مستوى الدولة.

ليس هذا فقط، بل نجحت الطالبة الإماراتية حفصة الظنحاني، في احتلال الترتيب الثالث في «تحدي القراءة العربي» في دورته الثانية على مستوى الوطن العربي، وهذه نتيجة مبشرة، خاصة وأن الأرقام المتوافرة لدينا حالياً تؤكد أن مشاركة الإمارات في تحدي هذا العام لافتة.

لكن وبعيداً عن الأرقام، فإننا نتطلع من المؤسسات التربوية، خاصة مدارس الدولة في القطاعين العام والخاص، أن تمارس دورها في تشجيع وتحفيز ودعم الطلبة للمشاركة والتميز في التحدي. كما بدأنا نلمس اهتماماً متزايداً من الأسرة الإماراتية في دعم أبنائها وبناتها ومشاركتهم الأنشطة القرائية، وهو أمر نأمل أن يتواصل وأن يكتسب زخماً أكبر مع الوقت.

Email