الفائزة بجائزة الشيخ زايد للكتاب حصة المهيري لـ«البيان»:

كتاباتي رسالة حب وسلام تدعو للتعايش والتسامح

ت + ت - الحجم الطبيعي

دخلت الكاتبة الإماراتية الشابة حصة المهيري إلى عالم الكتابة للأطفال عبر الانخراط في سلك التعليم، فكان تعاملها مع الصغار محفزاً لإبداعها وداعماً لعطائها الفكري الذي جعل منها خبيرة في شؤون الطفولة، فنتج عن ذلك أن تميزت كتابتها بعمق الطرح لما يحتاج إليه الأطفال، وأضافت للمكتبة العربية عنواناً وقف على منصات التتويج في واحدة من أهم الجوائز العربية «جائزة الشيخ زايد للكتاب» فئة «أدب الطفل والناشئة» في دورة هذا العام 2018.

وقبل أيام من استلامها الجائزة، ضمن الاحتفال الذي تقيمه مؤسسة الشيخ زايد للكتاب بالتزامن مع فعاليات «معرض أبوظبي الدولي للكتاب»، التقت «البيان» الكاتبة حصة خليفة المهيري في حوار حول فوزها، ودور عملها معلمة رياض الأطفال وتأثيره في الكتابة للطفل، وأهمية كل من الأسرة والمدرسة في تنمية القراءة والإبداع لدى الطفل، وأكدت في الحوار أن كتاباتها تهدف إلى ترسيخ حب التعايش والتسامح في نفوس الأطفال، بجانب تعزيز الانتماء والهوية الوطنية في قلوبهم وعقولهم.

كتابك الفائز عبارة عن قصة بعنوان «الدينوراف»، ما الذي أرادت حصة المهيري توصيله إلى القارئ في هذه القصة؟

الدينوراف هي كلمة أطلقتها على كائن خيالي هجين مستوحى من مفردتي «ديناصور» و«زرافة» وقد دمجتهما في كلمة أو اسم واحد هو دينوراف. أما موضوعها فيدور حول قصة ديناصور يخرج من بيضة ليجد نفسه في قن للدجاج وبالتالي يحاول البحث عن عائلته، وهنا يعتمد في البحث على خصائصه وشكله وحجمه وتركيبته الجسمانية وأشياء أخرى أكثر تعقيداً.

في رحلة البحث هذه نجده يصاب بالإحباط في كل مرة أو كل محاولة يقوم بها، ليكتشف أنه لا ينتمي إلى العالم الذي يحيط به، وفي نهاية المطاف يجد نفسه وقد وصل إلى عائلة الزرافة، ليقوم بشيء واحد وهو اللعب مع أبنائها الصغار وفي وقت لاحق تحبه الأم ويشعر بالانسجام مع هذه العائلة التي تقوم بتربيته وتسبغ عليه مشاعر الحب والانتماء كفرد منها.

تتابع حصة: غير أن هدف القصة الأساسي والأهم الذي رغبت في توصيله للقارئ الصغير، وللكبار أيضاً، عبر هذا النص البسيط، هو نفي فكرة الصراع والنبذ بيننا كأشخاص، حيث لا بد من التركيز على مبدأ التعايش وأن من حق كل كائن في أي مجتمع أن ينتمي إلى مجموعة وأن يشعر بالحب والسعادة.

الفائزون في «الشيخ زايد للكتاب » الدورة الماضية | أرشيفية

لغة الطفولة

من خلال اللغة التي استخدمتها، وهي لغة بسيطة ورشيقة وجميلة وسهلة الوصول إلى ذهن ومشاعر الطفل، ربما استنتجنا أنها أهم أدواتك المقصود منها التأثير في هذه الفئة العمرية، هل هذا صحيح؟

في الواقع أنا متخصصة في هذا الخطاب أو اللغة، لتقريب هذا أكثر لقد درست التربية وتخصصت في «الطفولة المبكرة» ثم حصلت على الماجستير في «الإدارة التعليمية»، ثم تكلل هذا كله بعملي معلمة في رياض الأطفال، هذا هو ما يفرض علي أن أكون على اتصال دائم ويومي بالأطفال وفي سن معينة أيضاً، ويحثني على اختيار لغتي لتكون بشكل معين يفهمه الطفل ويتعامل من خلاله.

وثمة شيء آخر ساعدني كثيراً على إتقان هذه اللغة وهو التحاقي بـ«برنامج دبي الدولي للكتابة»، هذا البرنامج أعانني بشكل كبير على أن أشكل صورة متكاملة عن كيفية الكتابة للطفل، كتابة القصة تحديداً، وقد أمدني هذا البرنامج النوعي بالطريقة التي أستطيع من خلالها اختيار وصياغة مفرداتي وتصوراتي أيضاً المتعلقة باختيار موضوعاتي.

غلاف القصة الفائزة ــ من المصدر

البيت أولاً

بالنسبة لأدب الطفل نجد أنه مهم جداً في مكانين هما البيت والمدرسة التي تتعاملين معها بشكل يومي ومباشر بحكم كونك مدرِّسة، فما رأيك بهذا الارتباط؟

دور الوالدين يسبق دور المعلمة في المدرسة فهما المعلم الأول للطفل، وأذكر هنا بعض الدراسات التي تشير إلى أن الأطفال الذين يحظون برعاية آبائهم بالنسبة للقراءة يكونون الأفضل دراسياً من غيرهم؛ بسبب اكتسابهم الكثير من المفردات اللغوية المتنوعة، وكذلك المعلومات التي تعزز وتنمي ثقافتهم بشكل عام، فالطفل لا يمكن له أن يستمتع بالقراءة إذا لم يتعود على ذلك من البيت. أنا في الحقيقة أطالب بأن يكون لكل من الأب والأم دور كبير في القراءة في المنزل، بل وتشجيع فعّال لأطفالهم على القراءة.

هدف

هل تلاحظين في مجتمعنا المحلي والعربي تشجيعاً للأطفال من قبل الأسرة؟

سابقاً لم يكن ثمة اهتمام في عالمنا العربي بهذه الجزئية، ولكن ثمة حراك مجتمعي شامل في دولة الإمارات على سبيل المثال للنهوض بدور القراءة والتشجيع على التعاطي مع أدب الطفل بهدف الإعداد لجيل قادم قارئ؛ فـ«برنامج دبي الدولي للكتابة» مثلاً يعد من أقوى البرامج التي تهيئ المشتركين لإنتاج أدب مناسب للطفل. كذلك «جائزة الشيخ زايد للكتاب»، والورش التي يقدمها «مهرجان طيران الإمارات للآداب»، كلها برامج تكمل بعضها بالنسبة لتأهيل كتاب في مجال أدب الطفل.

هذه البرامج تقدمها الدولة بكثافة لتدريب وتأهيل كتّاب أدب الأطفال وهي متوافرة على نطاق واسع، ولكن ما البرامج التي يمكن تقديمها للآباء، للبيت لكي يتم التواصل من خلالها مع الطفل، في الحقيقة أريد رأيك كمعلمة مؤهلة في مجالك؟

بالطبع، الأم والأب، كما تعلمون، مسؤولان عن توفير ما يلزم لأبنائهما، أي إن عليهما أن يسعيا لذلك بشكل شخصي؛ فهذه الأشياء لن تأتي ولن تتحقق وحدها. وبالنسبة لي أقترح أن يكون المعلم أو المعلمة هو أول من يتجه إليه هؤلاء، والسبب يعود إلى أن المعلمين على دراية بخصائص الطفل وحاجاته.

والشيء الثاني الذي أقترحه هو أن يكون ثمة دعم للآباء ثقافياً وتعليمياً ونفسياً، بحيث يتم إرشادهم للكيفية التي يتم من خلالها تنمية موهبة الطفل وتلبية احتياجاته. وفي الواقع فإننا فيما يتصل بالأجيال القادمة نلاحظ أنها تعتمد اعتماداً شبه كلي على التكنولوجيا، وبالتالي فإن علينا أن نلتفت لهذا الشيء.

أساس

بالفعل، نحن في زمن التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، ومن تقدَّم لهم برامج القراءة هم من الأجيال الشابة والأطفال الصغار الذين هم في الواقع جل تعاملها مع التكنولوجيا، إذاً، كيف يمكن الاستفادة من هذه الأشياء في تثقيفهم، أعني التواصل معهم وتشجيعهم على القراءة بنفس هذه الأدوات؟

كخطوة أساسية، أتصور أن على الأم والأب أو من يتولى رعاية الطفل أن يكون على دراية بالتعامل مع التكنولوجيا، ثم يأتي دور التفكير في كيفية لفت انتباه أطفالهم إلى هذه الأدوات على النحو الصحيح الذي يولد الفائدة، ومن هنا ستأتي المتعة أيضاً. كما يتوجب على الآباء أن يستمروا في ممارسة القراءة بصوت مسموع دون توقف وبخاصة في مرحلة مبكرة، فهذا -كما قلنا- سيعزز لديه حب القراءة، وسيكبر على ذلك، ولو لاحظت هنا فإن القراءة لن تكون منفرة؛ إذ إن الطفل لا يتعلمها كدرس بل كشيء أو لعبة ممتعة. وهنا يأتي دور الآباء في اختيار موضوعات يحبها الطفل وتشغل حيزاً من اهتمامه، فعلى سبيل المثال: لو كان طفلك يحب السيارات فلماذا لا تبدأ بقصة عن السيارات؟ أو كان يحب الحيوانات لماذا لا تبدأ بقصة عن الحيوانات؟

مفردات

هل تعتقدين أن قراءة أدب الأطفال هي السبب في تطوير موهبة القراءة عموماً؟

أعتقد أن هذا الشيء صحيح؛ فقراءة الأدب منذ الصغر تعد تجربة شديدة التأثير. لو تحولت القراءة إلى عادة فلن يتمكن الإنسان من تركها بسهولة، ومنذ البداية فإن هذه القراءة تثري ثقافة الطفل بما يكتسبه من مفردات إضافية في كل مرة، وما يكتسبه من ملكة على مستوى الخيال.

والطفل كذلك يكتسب الثقافة على مستوى مجتمعي وكوني، وبالنسبة لقصة «الدينوراف»، واسمحوا لي أن أعطيكم مثالاً عليها، هي تتضمن رسالة بسيطة تقول: إننا مهما اختلف العالم من حولنا فإنه يمكننا أن نتعايش.. أن نتأقلم مع محيطنا.. أن نكون متسامحين، متعاطفين، واعين لما يحدث من حولنا. الآن تخيل لو أن طفلك اكتسب واحداً من هذه الأفكار فقط في كل مرة يقرأ فيها كتاباً فهو في النهاية سيعزز ثقافته الشخصية.

كما أن أدب الطفل بما يحتوي عليه من شخصيات وما تحمله هذه الشخصيات من مشاعر لا بد وأن يؤثر في القارئ وبالتالي ينمي ذكاءه العاطفي من خلال استخدام مشاعره في علاقاته مع الآخرين، كذلك فهو يحسن شعوره بالانتماء، لاسيما الانتماء للمجتمع من حوله، إضافة إلى تعلم الطفل عن اختلافاته واحترام اختلافات الآخرين والاحتفاء بها، وهو ما يعزز لديه السلوك الحضاري الأخلاقي.

قدرات استيعاب

أنت كمعلمة كيف أثرت هذه التجربة في كتابتك للطفل؟

الحقيقة أن علاقتي اليومية بالأطفال قد أثرت في كتابتي لقصص الأطفال، هذه العلاقة اليومية تزودني بالأفكار التي أكتب حولها القصص، في العادة تحدث أمامي مواقف معينة وهي مواقف مصغرة لما يحدث في الحياة اليومية لدى الكبار، وفي هذه الحالة أحاول البحث عن حلول لهذه المشكلات، والواقع أن دراستي تساعدني على التعرّف إلى ما يحتاج إليه الطفل وما هي الطريقة المناسبة للتعامل معه لكي يصل إلى هدفه.

الآن، في قصة «الدينوراف» أسعى إلى توصيل الأفكار التي تحتوي عليها بشكل غير مباشر، وقد لاحظت أنهم يحبون الحيوانات، وهم يثيرون العديد من الأسئلة بالمناسبة، وهذا شيء جيد. والواقع أن الطفل في هذه السن المبكرة قادر على أن يستوعب الكثير وأن يتعلم الكثير، ونحن نعده للمستقبل لكي يستخدم هذه المهارات على نطاق أكبر.

جميل، وأنت على عكس التوقعات لعبت لعبة أجمل، وهي أن هذا الطفل «الدينوراف» لم يصل إلى أمه في النهاية، ولكنه وصل إلى بيئة تحتضنه هي عائلة الزرافة، واستطاع أن يشعر بالحب والأمان، لقد التقى بشيء إنساني، أكثر إنسانية في معناه، هذه مفارقة تستحق من أجلها قصتك الفوز بالجائزة، فما هي التفاصيل؟

بالفعل، لقد كانت قصة تجريبية في الواقع، جربتها على تلاميذي قبل أن أقدمها للجائزة، وقد لاحظت إيجابية ذلك من ردود فعل الأطفال على القصة بعد قراءتها لهم، وهو ما أتى على عكس التوقعات، التوقعات التي كانت تقول لي «أنت ستحبطين هؤلاء الأطفال لأنهم في النهاية لن يصلوا إلى شيء»، لقد كنت أسأل التلاميذ باستمرار: ما الذي يعجبهم؟ فكانوا يقولون لي: «الزرافة»، ثم أسالهم: ولماذا الزرافة؟ فيردون: لأنها احتضنت هذا الديناصور وأشعرته بالحب والحنان.

إن الطفل قادر على اختيار ما يناسبه وعلى القيام بالنقد والتحليل طالما نحن نساعده على أن يذكر ما يعجبه وما لا يعجبه في الحياة، ولا يقتصر الأمر على ذلك فقط بل إنه يصل إلى ذكر السبب، هذا في الواقع هدفنا من القراءة للطفل.

ما تقييمك لإقبال الشباب على القراءة؟

لقد ذكرت سابقاً أننا كجيل من الشباب نعتمد الآن على الإلكترونيات بشكل كبير، وهو ما يمكن أن يشكل صعوبة في تعاملنا مع الكتاب الورقي، إلا أن الأمر ليس بالمستحيل، أعتقد أننا أصبحنا أكثر حظاً في الحصول على برامج كثيرة تقدمها الدولة، ومنها الكتب الموجودة إلكترونياً والتي يستطيع الشباب الاطلاع عليها بسهولة.

إضاءة

حصة خليفة المهيري، كاتبة إماراتية شابة، تعمل في سلك التدريس، تخصص رياض أطفال. حازت «جائزة الشيخ زايد للكتاب» 2017-2018 فرع «أدب الطفل والناشئة» عن قصة «الدينوراف». وهي حاصلة على شهادة البكالوريوس في «الطفولة المبكرة»، وماجستير «سياسة وإدارة تعليمية». وهي بصدد الالتحاق بإحدى الجامعات البريطانية لتحضير درجة الدكتوراه في التربية. صدر لها في قصص الأطفال: «آثار أقدام من هذه؟»، «الدينوراف».

تناغم

من أجواء «الدينوراف»

في ليلة ريبع متقلبة، رياحها قوية، استقرت بيضة كبيرة فوق تل، وتدحرجت إلى أسفله، حتى توقفت بجانب عش الدجاج. عند بزوغ خيوط الشمس الذهبية، فقست البيضة، ليخرج منها رأس كائن أخضر صغير.. لقد كان ديناصوراً! وضع رأسه بجانب ريش الدجاجة الدافئ قائلاً: أمي! التفتت الدجاجة مندهشة وأجابت: أنا لست أمك!

ظل يفكر: أين أمه؟ فرفع رأسه ليرى حيوانات تجري مسرعة، فانضم إليها.. شاهدتهم الزرافة الأم، تساءلت بصوت حنون: من هذا الصديق الجديد؟ أجاب الديناصور بخجل: خرجتُ من بيضة كالدجاج.. ورقبتي طويلة مثلكم، بحثت مطولاً عن عائلتي ولم أجدها... اقتربت الزرافة من الديناصور لتخبره بلطف: أنت يا صغيري ديناصور.. لا تقلق.. نسعد بانضمامك إلينا، فمرحباً بك فرداً جديداً من عائلة الزرافات، ومن اليوم سندعوك «دينوراف».

نصيحة

الإبداع ينضج بالاستمرار

أفادت الكاتبة حصة المهيري، في سياق حديثها عن فوزها بجائزة الشيخ زايد للكتاب، بأن أول ما تتوجه به إلى الكتّاب الشباب هو الاستمرار في الكتابة وعدم التوقف، لأن الإبداع يتدفق بالاستمرار، ولا بد للكاتب من المتابعة في الطريق الذي سلكه كي يصل إلى الغاية التي وضعها نصب عينيه.

أما في مجال الكتابة للطفل بالذات، فقد أوضحت المهيري: إننا نكتب لفئة مهمة وحساسة من المجتمع، وهو ما يتطلب منا التركيز والهدف الواضح العميق، والواقع أن الهدف من ذلك هو أن يحصل الطفل على ما يلبي حاجته من المعرفة والعلم من خلال هذه القصص والأعمال الإبداعية، بحيث يحصل بذلك على الثقافة، والمفردات، واللغة التي تقدم بأسلوب سلس ومناسب للطفل وفي الموضوعات التي يحبها، إضافة إلى السلوكيات الجيدة التي تقدم بصورة رسائل مضمنة في القصة.

تنمية

الأدب ينمي خيال الطفل

قالت الكاتبة حصة المهيري، في معرض حديثها عن قراءة الأدب بالنسبة للطفل وتأثيره في خلق فرصة لتنمية الإبداع لديه: إن أدب الطفل يلعب دوراً رئيسياً في هذا الجانب؛ فالقصص سواء كانت واقعية أم خيالية تنمي موهبة الطفل الإبداعية.

الأدب ينمي خيال الطفل ويحمله على تخيل حبكة خيالية أخرى للقصة، وأنا أؤمن بأن أساس وجود الموهبة الإبداعية لدى الطفل هو الأدب، كالمسرح والموسيقى والرسم؛ فالسيناريو المسرحي والنوتة الموسيقية ما هي إلا شكل من أشكال الكتابة والتأليف، بعد ذلك يتم الاشتغال عليها عملياً فيصبح لها معنى.

وأضافت في هذا الصدد أن قراءة الأطفال عن رسامين وفنانين ومسرحيين ومغنين وغيرهم تثري ثقافتهم في هذه المجالات، وبالتالي تصبح لديهم قابلية لتعلمها، فالقراءة توسع مدارك الطفل وتفتح أفقه.

Email