الطاهر بن جلون لـ«البيان»: صعوبات الحياة جعلتني كاتباً

ت + ت - الحجم الطبيعي

مواهب شتى وخبرات متراكمة اجتمعت في المفكر المغربي الفرنسي الطاهر بن جلون، الذي يعد من الشخصيات الأدبية التي كانت لها بصماتها على عدة مستويات، وقد زارته «البيان» في معرضه الذي أقيم في دبي في أسبوع الفن 2018 بالتعاون مع «معهد العالم العربي» تحت عنوان «تقاطعات ثقافية»، حيث حاورته حول رؤيته ومشروعاته الكتابية الجديدة، إذ أكد أن الصعوبات التي اختبرها ومر بها جعلت منه كاتباً.

يبدو لك الطاهر بن جلون كما لو أنه في استراحة محارب، لكنه في الواقع بعيد مؤقتا عن الكتابة، يقف بين لوحاته وما إن تقترب منه لتلقي عليه سؤالاً حول إبداعه الروائي حتى يبدي نوعاً من التوازن في شرحه الأسباب التي تجعل المبدع يتنقل بين أكثر من هواية، حيث لا شيء يتغير في ذهنه على الرغم مما يقول إنه الفارق بين ممارسات متعددة.

ما صلة القرابة بين الكتابة والرسم، فقط لنتمكن من فصل الكتابة عن الرسم، أو الطاهر بن جلون الكاتب عن بن جلون الفنان؟

بين الكتابة والرسم لا شيء يتغير في ذهني، لكن كيفية التعبير هي التي تختلف، هي في واقع الأمر تلتقي ثم تختلف، وهكذا، فلو نظرتم إلى أدبي فستجدون أنه يتكلم عن مآسٍ كثيرة تقع في العالم من حولنا وفي عالمنا العربي، أستطيع أن أسميها مآسي كثيرة، هكذا أعبر عنها، لكن في الوقت ذاته العالم ليس كله مآسي؛ فهنالك نور وهناك أمل وحرية.. إلى آخره، فكيف يعبر الكاتب وكيف يعبر الفنان عن هذا؟ يمكن القول أنه بالنسبة لي، الكاتب مفصول عن الفنان والفنان أو الفن أكثر مرونة في التعبير وفي التقيد والحرية.

وعلى الرغم من هذا فإن ما يجعلني أحب الاثنين، هو أنه يبدو لي أن ما بين الكتابة والرسم علاقة ودية، وما دمت أنا نفس الكاتب ونفس الرسام، فإذاً لا شيء يتغير في ذهني وفي قيمي، ولكن كيفية التعبير تكون مختلفة، تختلف في الرسم عنها في الكتابة، في الكتابة تكون أدواتك مختلفة، وتشعر بأنه لا بد وأن يكون لديك التزام ككاتب وليس كفنان، يوجد ما يمكن أن يسمى الفرق بين الكاتب والفنان.

تمايز

ما الفرق بين الكاتب والفنان، فالكاتب أيضاً فنان وأنت أوضحت هذا الشيء؟

الكاتب فنان هذا صحيح، لكن أعتقد أن ثمة فرقاً واضحاً، فالكاتب يتكلم، يتكلم مع قارئ، يعطيه القصة، والقصة لها قوانين وقواعد لا بد أن يحترمها ككاتب، بينما في الرسم أظن أن حرية التعبير أكبر.

بدايات «العقاب»

نعود إلى رواية «العقاب» الصادرة عن دار «غاليمار» في 2017، وهي رواية سيرة ذاتية، وآخر أعمالك الروائية، هل كانت الأحداث التي تضمنتها الرواية حافزاً على التغيير في حياتك، بمعنى التوجه نحو عالم أرحب هو عالم الكتابة بشكل أكثر إصراراً على الكتابة وأكثر توسعاً؟ وخصوصاً في أعقاب مغادرتك إلى فرنسا، لقد قذفت بك أحداث «العقاب» إلى عالم آخر، ماذا تقول؟

ما تتحدث عنه رواية «العقاب» هو مرحلة قديمة في حياتي، لقد كان عمري حينها عشرين عاماً عندما وقعت هذه الأحداث التي تعود إلى نصف قرن من الزمان وهي أحداث في ذاكرتي دائماً، ولكن في مكان مغلق عليه من هذه الذاكرة، إلى أن قابلت ناشر غاليمار ليطلب مني أن أسردها، والواقع أنني شرحت له أن هذه الأحداث مؤلمة وليست بتلك الجاذبية لكي يسمعها لكنه أصر على سماعها. إنها وقائع عشتها في مرحلة الشباب، حينها كنت أدرس الفلسفة في كلية الآداب في «الرباط» فتوقفت بسبب ظروف قسرية لحقت بي، ولكي أصبح رجلاً آخر بعدما تعرضت لتلك التجربة.

وعلى الرغم من قسوتها إلا أنني اكتشفت شيئاً جديداً، وهو أنك في الحياة يجب أن تكون قوياً، قوياً فكرياً وثقافياً، لقد تجاوزت تلك التجربة وأنا أحسن بكثير مما كنت عليه من قبل، لأنني خرجت منها وبدأت بالكتابة، وأقول بصراحة: إنه لولا تلك التجربة لما أصبحت اليوم كاتباً.

وهذه البداية كانت بكتابة الشعر، أليس كذلك؟

أجل، وقد كتبت أولى قصائدي وأكثرها أثناء معاناتي التي تحدثت عنها آنفاً، ونشرت ديواني الأول في «المغرب» 1970 تحت عنوان «رجال تحت كفن الصمت» وكان مكتوباً باللغة الفرنسية، وللتوضيح فقد نشرت قصائدي في مجلة اسمها «فاس» في المغرب.

إنجازات حقوقية

وهجرتك إلى فرنسا، كيف جاءت؟

جاءت عندما كنت أعمل مدرساً، وكان قد تقرر حذف مادة الفلسفة من المقررات المدرسية التي كنت أدرسها، وتم تعويضها بمادة الفكر الإسلامي، والواقع أنني اعترضت على ذلك لأنني متخصص في الفلسفة وليس في مادة الفكر الإسلامي، فقدَّمت استقالتي من العمل في سلك التدريس وغادرت المغرب إلى فرنسا في شهر سبتمبر سنة 1971.

أهكذا خرجت من ثقافة إلى أخرى، رغم أنك لم تخرج من الواقع حقيقة؟

أجل، على الرغم من أنني كنت قد خرجت من ثقافة إلى ثقافة، إلا أنني كنت متشبثاً بالواقع العربي، الواقع المغربي الذي عشته، وأول عمل قمت به هناك هو أنني حرصت على زيارة العمال العرب الذين كانوا يعيشون مأساة كبيرة ويقيمون هناك بدون عائلاتهم حتى سمح لهم القانون في عهد الرئيس السابق «فاليري جيسكار ديستان» بجلب عائلاتهم إلى فرنسا في سنة 1975.

إذاً هذه الأجواء كان لها تأثير كبير في حياتك بشكل عام، ومنها الإبداعية...

أتصور أنه شيء طبيعي، فقد كان هؤلاء الوافدون يتحدثون معي ويحدثونني عن ظروفهم الحياتية، وحين عملت في أحد المستشفيات التقيت عدداً كبيراً منهم هناك، وقد أثر هذا الاختلاط بهم في تجربتي الكتابية. لقد استفدت من تجربتي هذه في دراسة أجريتها في علم النفس، وأطروحة في مشكلات العمال المهاجرين النفسية، وقد أكون ساهمت في تغيير بعض القوانين المتعلقة بالمهاجرين التي تحققت رسمياً في عام 1975.

بالعودة إلى الفلسفة، ما هي مبرراتك لدراسة هذا العلم؟

حتى قبل دراستها بزمن طويل كانت الفلسفة بالنسبة لي منبعاً لكل الأفكار التي تمنحنا القيم المهمة لكي نكون كرماء فيما يتعلق بكرامة الإنسان، والصحيح أن الفلسفة يجب أن تدرس حتى في المدارس الابتدائية قبل مرحلة الجامعة، تدرس للصغار حتى يتعلم هؤلاء كيف يفكرون، ويتعرفوا فكر من سبقونا إلى هذا العالم.

تجربة اللوموند

كتبت في «لوموند» الفرنسية.. ماذا عن تلك التجربة؟

أجل كتبت مقالات في صحيفة لوموند، بعدما طُلب ذلك مني، وقد تكلمت فيها عن العالم العربي، كنت مبعوثاً خاصاً للوموند، كتبت «ريبورتاجات» عن بلاد زرتها كالعراق ومصر والكويت وأبوظبي والمغرب العربي، وفي الأثناء كنت دائماً حريصاً على أن أفسر هذا العالم، عالمنا العربي والإسلامي للآخرين، وأن أقوم بتقريب الواقع، خاصة في العالم العربي، إلى القارئ في الغرب، فكنت أدلي له بمعلومات يريد أن يعرفها، واستمر ذلك لعدة سنوات.

وفي الوقت ذاته كانت هذه الرحلات والتقارير تزودني بمعلومات كنت أستعملها في كتابتي الأدبية، وإلى هذا الوقت مازلت أكتب في بعض الصحف، منها صحف فرنسية ومغربية وإسبانية، أكتب بالفرنسية وتترجم كتابتي إلى اللغات الأخرى، وبشكل صريح لا أكتب باللغة العربية لأنه ليست لدي القوة الكافية لكي أكتب بها، كل ما هنالك أنني أحترم اللغة العربية كثيراً.

مغربي لا فرانكفوني

ما علاقتك بمصطلح «الفرانكفونية»؟ أتكرهه أم تحبه؟ ولماذا؟

الفرانكفونية مذهب سياسي أكثر منه ثقافياً بالنسبة لي، أعني أن هذا المذهب الفرانكوفوني كان دائماً ينطوي على الالتباس، فهو متعلق بالاستعمار ويعود تاريخه إلى أمد بعيد، أما اللغة الفرنسية فهي لم تتوقف يوماً عند حدود فرنسا، بل هي منتشرة في العالم كله، ولها وجود جميل خارج فرنسا، وحتى في بلدان عربية كلبنان وسوريا والمغرب والجزائر وتونس، وفي سويسرا وكيبك، كل هؤلاء يتكلمون الفرنسية، ولا ننسى أن ثمة دولاً أفريقية يتكلم أهلها ويكتبون بالفرنسية. وبشكل دقيق أنا لست كاتباً فرانكوفونياً، أنا كاتب مغربي باللغة الفرنسية.

30

لو تكلمنا عن جائزة «الغونكور»، وهي التي تعني اعترافاً قوياً بأهمية كتابتك كفرنسي؟

هذا موضوع قديم يزيد عمره على ثلاثين سنة. وقد حصلت عليها عن رواية «ليلة القدر» التي تشكِّل الفصل الثاني من رواية أخرى هي «طفل الرمال»، وقد حاولت فيها أن أكتب شهادة عن وضعية المرأة في العالم العربي والإسلامي في مرحلة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وهي وضعية تأسفت لها كما أتأسف لها اليوم في بعض المجتمعات التي ليس للمرأة فيها كل الحقوق المفترض أن تنالها.

هذا لا يعني أن أوضاع المرأة العربية والمسلمة كلها بهذا الشكل ولكن علينا أن ندرك جيداً أن المرأة هي المحور الرئيسي لكل ما نعيشه في عالمنا العربي الذي تشهد تتعرض المرأة في بعض أجزائه لأحداث مؤسفة، وهو للأسف ما لن يقوله لك الرجال. والحقيقة أننا لو أردنا أن نتعرف على المستوى الحضاري لأي مجتمع فيجب أن نعرف كيف يعامل المرأة، هذا هو القياس الأول بالنسبة لي لكي أقول بأن هذا بلد متخلف أو متحضر.

هنالك عمل مهم هو كتاب «الإسلام كما نشرحه لأولادنا»؟

هذا العمل كتبته في فرنسا، والفرنسيون لا يعلمون في الواقع شيئاً عن الإسلام، فكتبته بصفة موضوعية جداً لا كمناضل عن المعتقدات، بل إني حكيت فيه عن تاريخ النبوة وتاريخ الإسلام، والحضارة الإسلامية، لكي أعطي القارئ الغربي درساً بسيطاً صغيراً، ولكن موضوعه مهم وكبير، يظهر الصورة الحقيقية للإسلام من دون تشويه. ولو جئت للواقع فإن بيننا من الشباب وغيرهم ممن لا يفهمون الإسلام ولديهم مقاييس وأشياء غير واقعية عن الإسلام.

المشكلة أنه عندما تحكم ديننا المصالح بفعل تأثير واستغلال بعض الفئات، تغيب الحقيقة ويزوَّر جوهر الإسلام المنبني على المحبة والتسامح، فيستعمل للسيطرة على عقول الآخرين، وهو ما أعتبره مأساة كبيرة.

سيرة

يعتبر بن جلون أحد أهم الكتاب العرب الذين يكتبون باللغة الفرنسية وتترجم أعمالهم على مستوى العالم إلى العديد من اللغات. وهو من مواليد مدينة فاس المغربية، درس الفلسفة في جامعة الرباط، كما درس علم النفس في فرنسا.

وتتميز أعمال هذا الكاتب باستلهامها الموروث المغربي، الأسطورة، والعجائبية، وهي حائزة على عدد من الجوائز المهمة كجائزة الـ«غونكور». وقد بدأت مسيرته الأدبية في الشعر في المغرب، وأصدر ديوانه الأول هناك تحت عنوان (رجال تحت كفن الصمت). ثم بدأ الكتابة بكثافة بعد مغادرته إلى فرنسا. ومن أعماله الشعرية:

ـــ «رجال تحت كفن الصمت» 1970

ـــ  «في غياب الذاكرة» 1980

ـــ  «ذاكرة المستقبل» أنطولوجيا القصيدة الجديدة في المغرب 1976

 

 

من أهم أعمال الطاهر بن جلون الروائية

 

 

 

 

«طفل الرمال» 1985

 

 

«تلك العتمة الباهرة» 2001

 

 

«العقاب» رواية سير ذاتية 2017

 

 

 

 

في الفكر: «الإسلام كما نشرحه لأولادنا» 2017 كتاب بيداغوغي، تربوي

«ليلة القدر» 1987

«الاستئصال» 2014

«عينان مكسورتان» 2016

جائزة «دبلن للآداب» 2004

جائزة «إمباك الأدبية» 2000

Email