إبراهيم نصرالله لـ «البيان »: كتبُنا هي نحن.. إنها أحاسيسنا ورؤانا

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعتبر الأديب إبراهيم نصرالله، واحداً من أهم الأدباء الفلسطينيين، وهو من مواليد الأردن 1954 لأبوين فلسطينيين مهجرين من قرية «البريج» في القدس. وتلقى تعليمه في مدارس وكالة الغوث، وعمل في مجال التدريس بالمملكة العربية السعودية، وفي الصحافة في المملكة الأردنية، ومستشاراً ثقافياً لدى مؤسسة «عبدالحميد شومان».

وقد ترجمت أعماله الشعرية والروائية إلى العديد من اللغات، منها: الإنجليزية والروسية والألمانية والسويدية.

ويتحدث الشاعر والروائي إبراهيم نصر نصرالله، في حواره مع «البيان»، عن كتابته ورؤيته واستشرافه للمستقبل، مضيئاً أيضاً، على أهم مشروعين أدبيين عمل عليهما كفلسطيني طويلاً (الملهاة) و(الشرفات).. كما يحكي عن تحوله أخيراً نحو البحث في الواقع العربي الراهن واستشراف مستقبله عبر أعماله الأدبية.

ويشير إلى أنه سعيد وفخور بوصول روايته «حرب الكلب الثانية»، إلى القائمة القصيرة لجائزة «البوكر» في هذا العام، مؤكدا في الوقت نفسه أيضا، أن ما يكتبه الكاتب صورة له.. يعكس أراءه وأحاسيسه ومضمون أفكاره وقيمه. وهو يشير في الوقت ذاته، إلى أن رواية «زمن الخيول البيضاء» استمر يعمل على إنجازها طوال 22 سنة.

فكر التنوع

بداية، ما رأيك في «مهرجان طيران الإمارات للآداب» الذي شاركت في دورته لهذا العام؟

هذه هي المرة الثالثة التي أشارك فيها في مهرجان طيران الإمارات، وهو ما اعتبره من حسن حظي، فمنذ الدورة الأولى شاهدت بداية نمو هذا العمل وميلاده. في الحقيقة هو واحد من أهم المهرجانات ليس العربية فقط وإنما العالمية، لأن ما تجده في هذا المهرجان هو أفكار خلاقة وانفتاح على الأدب العربي والعالمي بطريقة نوعية جديدة.

في الواقع لو أننا نظرنا إلى هذه الأسماء القادمة من قارات الأرض أعتقد أن هذا في حد ذاته إنجازاً لا مثيل له، ثم أن نوعية هذه الفعاليات التي تقام فيه قائمة على فكرة التنوع عوضاً عن فكرة مهرجان الشعر على سبيل المثال، الذي يتحدد في الشعر أو مهرجان الرواية الذي يقتصر نشاطه على الرواية أو القصة وهكذا، إنه مهرجان فكري عام يشارك فيه الروائي وكاتب السيناريو وكاتب قصص الأطفال، ومن هنا، كما أعتقد، تأتي أهمية هذا المهرجان الذي بات يحتضن آداب العالم ويحدث حالة حوار وتفاعل فكري فريدة وعميقة بين مبدعي الحضارات المتنوعة. إنني قخور جدا بهذا المهرجان وبالمشاركة فيه.

كما أود أن أشير أيضا، إلى القيمة الكبيرة لجائزة البوكر العربية، والتي باتت خير محفز للرواية العربية.. ترتقي بها وبمستواها إلى منازل عالية. وأؤكد سروري وفخري بترشح روايتي «حرب الكلب الثانية» إلى القائمة القصيرة للجائزة في هذا العام.

الملهاة الفلسطينية

كنا نتابع بشغف الشاعر الكبير الراحل محمود درويش.. وبعد رحيله صار يبدو كما لو أن الساحة الشعرية والفكرية العربية قبل الفلسطينية قد خلت ممن يهز مشاعرنا أو يجعلنا نشعر بشيء كالقضية الفلسطينية على هذا النحو السابق، ثم جاء إبراهيم نصرالله عبر شعره، عبر روايته وعبر كتاباته، فشعرنا به كما لو أنه قد بدأ يملأ الفراغ، الآن، أنت صاحب «الملهاة الفلسطينية» التي كانت النكبة الفلسطينية تنتظرها حسب النقاد، هل كانت هناك ملهاة من قبل؟

في الواقع، لم يكن بالإمكان، وفي مثل هذا المشروع الأدبي، لكاتب واحد، أن يؤلف ما يطلق عليه الملهاة الفلسطينية، وأيضاً فهذا ليس تقصيراً من الآخرين، وأعتقد أن من كان يمكن له أن يفعل الشيء ذاته هو الأديب الراحل غسان كنفاني، لكنه استشهد ولم يقدر له أن ينجزها، غير أنه بهذا الاتساع ربما أتيح لي من العمر والمثابرة ما يكون قد ساعدني على أن أكتب مشروعاً بهذا الاتساع، يؤرخ لمئتين وعشرين سنة من عمر القضية الفلسطينية، وبعض الفترات مكتوب عنها مرتين أو ثلاث مرات وهي تتناول المرحلة الزمنية ذاتها، ولكن من زوايا مختلفة كما تتناول الشتات الفلسطيني أيضاً من زوايا مختلفة.

في الواقع هو مشروع من مشاريع الحياة بالنسبة لي، وقد كنت وفياً له إلى آخر الحدود، كما أنني سعيد بما حققه وأهم سعادة بالنسبة لي هو ذلك الأثر الذي تركه في قرائه الشباب. صحيح أن لدينا مستويات عمرية كثيرة بعضها يعرف كثيراً عن فلسطين، ولكن الشباب كانوا يريدون أن يلمسوا ويعيشوا فلسطين، أن تنقلهم الروايات ليعيشوا أيضاً الماضي الفلسطيني، وحقيقة ما حدث أن هذا الإقبال الواسع من الشباب على مشروع الملهاة الفلسطينية بشكل ملاحظ هو في الواقع إنجاز يعوض، ومهما تعبت فإن الرسالة قد وصلت.

تخطيط

أتصور أن مشروع «الملهاة» كان عملاً شاقاً بالنسبة لك...

أجيبك، أولاً المشروع، أي مشروع هو بالفعل مشروع مرهق، كما أنني أقول لنفسي دائماً إنه لم تكن هنالك رواية كتبتها من قبل ولم أفكر فيها، ولم أعمل لها ولم أخطط لها أو تكون لها ملفاتها فكل رواية أعمل عليها تقريباً خمس سنوات، تعرفين رواية «زمن الخيول البيضاء» عملت على 22 سنة والرواية الأخيرة الثلاثية التي ستصدر في الفترة المقبلة استغرق العمل عليها هذه المدة الطويلة من الوقت، وهذه الثلاثية ستكون جزءاً من الملهاة الفلسطينية، كل عمل يحتاج إلى جهد.

الحاضر والمستقبل

روايتك الآن، المرشحة لجائزة الـ«بوكر» العربية التي تحمل عنوان «حرب الكلب الثانية» هل هي جزء مكمل للمشروع، أم تحول؟

هناك تحول ولكن رواية «حرب الكلب الثانية» جزء من مشروع «الشرفات»، الذي نشرت منه خمس روايات، هذا المشروع يتأمل الواقع العربي بوجوهه المتعددة، وقد جاءت الرواية لتتأمل الوضع العربي في المستقبل لتقول لنا كيف وإلى أين نحن ذاهبون، هي رواية تنطلق من الحاضر وتحذر من المستقبل الذي نعيش على عتباته عملياً ونعيشه اليوم في الواقع العربي وعشناه في الواقع في السنوات القليلة الماضية، في صورة هذا العنف وظواهر القتل وتلك الصورة القبيحة من سفك الدماء ورفض الآخر والرغبة في إبادته فقط لكونه مختلفاً، وذلك بفعل فكر وممارسات تيارات محددة أمتنا هي براء منها في الأصل.

هذه الرواية تذهب إلى هناك وقد كانت رواية مرهقة بالفعل بالنسبة لي أثناء كتابتها نتيجة اعتبارات ومسائل كثيرة تحيط بها وتضبط سيرورتها، وذلك بدءا من لأجواء التي تتحرك فيها الشخصيات، وأنا أتحرك فيها. وبالتالي فقد كنت أشعر أحياناً بأنني من الصعب أن أتحرك.. وكان يدوم ذلك الانغماس والاتحاد من قبلي في عوالم ما أدبج إلى أن أنتبه إلى أنني أكتب، أما الشخصيات التي تتحرك فعليك أن تخرج أنت وتسير عكسها.

التجربة الشعرية

وشعرياً، هلا حدثتنا عن تجربتك في المجال؟

شعرياً صدر لي ديوان في الربيع الماضي عنوانه «الحب شرير» وهو ديوان أيضاً مختلف عما قبله، وبالنسبة لي فأنا لم أكتب مجموعة كاملة مكرسة كلها للحب، كالعادة توجد قصيدة أو اثنتان أو ثلاث أو أربع قصائد عن الحب فقط، وألفت هنا إلى أن الشاعر العربي الراحل «نزار قباني» هو الأستاذ في قصائد الحب.

هذا الديوان في الواقع مكرس للتأمل في الحب والغوص في مداراته، إنه تأمل علاقة حب بين البشر ولكن في استعارة الذئب والذئبة، لقد كان طموحي أن أكتب مسرحية شعرية يمكن أن تقدم على المسرح بطريقة موسيقية غنائية وبالتالي فإن هذا الشكل مختلف عن أي شكل آخر أو أي ديوان شعري، سواء على مستوى السيرة أو الملحمة أو على مستوى البناء الروائي.

الكتابة والذات

المهم بالنسبة لك في أعمال الشاعر والروائي إبراهيم نصرالله أنها تشعرك أحياناً أنها تجسيد لإبراهيم نصرالله، لنفسه، لذاته، هل هذا حقيقي؟

سأقول لك، إن كل عمل نكتبه تكون فيه سيرتنا الذاتية، أعمالنا هي رؤانا ككتاب تظهر بداخل أعمالنا، ورؤيتك هي معنى وجودك أصلاً، ومعنى وجودك في الكتابة ومن ضروريات الكتابة أيضاً، وإذا كنت لا تستطيع أن تطرح رؤيتك فهذا معناه أنك لن تستطيع أن تقدم عملاً أدبياً.

وفي بعض الأعمال أنت تستفيد من حياتك، وبالنسبة لي فإن بعض أعمالي استفادت من حياتي في الطفولة ومن عملي في الصحافة وتجربتي فيها، وهكذا، حينما درست في المملكة العربية السعودية استفدت في كتابة رواية «براري الحمى». إن كل محطة في حياتي مررت بها أثرت وتؤثر في مكون إبداعاتي، إن هذا الأمر اعتبره ذخرا وإثراء لتجربتي الأدبية.

في الحقيقة روايات الملهاة هي روايات كثيرة وفي كل أجزائها ومنها «الخيول البيضاء» تعبير عن أولئك البشر، لقد استفدت من روايات كثيرة، وحينما صعدت جبل «كليمنجارو» مع أطفال فلسطينيين فقدوا أطرافهم عشت هذه التجربة فكتبت رواية «أرواح كليمنغارو».

الواقع أن رؤاي تحضر بصورة أكبر، أو تجربتي تحضر بصورة أكبر هنا مع أنني كشخص أو كشخصية لم أكن في الرواية أصلاً، حضر الآخرون وغبت كشخصية، ولكن بالتأكيد حضرت تجربتي ومشاهداتي.

«..نحن في هذا العالم»

أخيراً، من هو إبراهيم نصرالله، الكاتب.. والإنسان معاً؟

الحقيقة أنه كل ما كتبه ولأن هذا لا يلخص في جملة، أقول بأن كل كتاب كتبته هو لقول شيء ما يفكر فيه إبراهيم نصرالله. القصيدة التي كتبتها سواء كانت للتأمل في الجمال أو الإنسانية أو الوطن، في الحياة بكل أشكالها هي مما أفكر فيه. لقد كانوا يقولون دائماً أن كتبنا هي أبناؤنا والواقع أن كتبنا هي نحن، هي رؤانا وهي أحاسيسنا وهي معيشتنا في هذا العالم وتأثرنا به، وتأثره بنا أيضاً.

اقتباسات

رمزية كبيرة ودلالات عميقة التأثير، حفلت بها أعمال إبراهيم نصرالله، ومن بين ما جاء من عبارات بليغة الأبعاد وثرية الرؤى:

«أيام الهجرة تطول، والعمر ينتهي فجأةً هكذا، كلحظة الانفجار، وينتشر الدويّ...».

«وتأكّد له أن الأشياء التي يحبها يجب أن يسير إليها بنفسه».

«نحن نقف مع فلسطين لا لأننا فلسطينيون أو عرب بل نقف معها لأنها امتحان يومي لضمير العالم».

«أيها الصديق الذي عبرت حصاري كنافذة... كم أرى الأرض من خلالك خضراء!».

مبدع مسكون بقضية وطنه وهموم مجتمعه

محور رئيسي بارز هو الذي تدور في فلكه أعمال إبراهيم نصرالله، ويتمثل في قضية فلسطين ونكبة أهله ومعاناتهم المستمرة.. كما لم يغفل رصد وتناول قضايا متفرقة في مجتمعاتنا العربية، ومن أهم إبداعات إبراهيم نصرالله الشعرية: «الخيول على مشارف المدينة» 1980، «حطب أخضر»1991، «شرفات الخريف» 1996، «مرايا الملائكة» 2001، «عودة الياسمين إلى أهله سالماً» 2011.

وأما على صعيد الرواية، فمن أعماله في الحقل: «براري الحمى» 1985، «مجرد اثنين فقط» 1992، «الشرفات» وتتألف من عدة أجزاء منها «شرفة الهذيان»، تحت شمس الضحى «2004».

وهناك أيضاً: «الملهاة الفلسطينية» والتي تتألف من عدة أجزاء منها «طيور الحذر» 1969، «زيتون الشوارع» 2002، «أعراس آمنة» 2004، «زمن الخيول البيضاء» 2007 وينتظر صدور الأجزاء الثلاثة الأخيرة منها. ورواية الخيول البيضاء، كما تقول عنها الدكتورة سلمى الخضراء الجيوسي، هي «بحق الرواية التي كانت النكبة الفلسطينية تنتظرها ولم تحظَ بها من قبل».

Email