نورة النومان: رواية الخيال العلمي الإماراتية قادمة

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يمكن البحث في رواية الخيال العلمي في الإمارات دون أن يأتي اسم الكاتبة نورة أحمد النومان، فرغم عمر هذه الرواية - القصير جدا- قياسا بعمر أجناس أدبية أخرى إلا أن ثمة ما يشير إلى محاولات جادة للعمل على تطويرها محليا من قبل عدد من مؤلفيها الشباب.

وفي هذا الإطار لا تزال تتذكر النقاشات الكثيرة التي ألقي فيها الضوء على هذه الرواية وكانت تتصدى من منظور علمي منظم لما يقال عبر مبادرتها لتقديم صورة واضحة عنها. في سنة 2009 أصدرت روايتها الأولى «أجوان»، عن «دار نهضة مصر» 2012 وتتألف من ثلاثة أجزاء «ماندان» 2014 و«سيدونية» 2016، في حين تعكف اليوم على كتابة الجزء الرابع الأخير منها.

الرواية حائزة على جائزة اتصالات لأدب الطفل، أفضل كتاب لليافعين 2013. كما صدر لها سنة 2010 كتابان مصوران للأطفال هما «القطة قطنة» و«القنفذ كيوي». في حوار «البيان» مع الروائية نورة النومان، أكدت الآفاق التي يحملها هذا الصنف الأدبي، وخصوصاً على مستوى جنس الرواية الإماراتية، فإلى التفاصيل:

علم وخيال

بداية، برأيك ما الفرق بين رواية الخيال ورواية الخيال العلمي، نحن كقراء من الجيل السابق يصعب علينا فهم هذه المصطلحات الحديثة إلى حد ما؟

الواقع أن كل واحدة منها رواية متكاملة الشروط، ولكن رواية الخيال كما تسمى في الغرب «فنتازيا» تشمل القصص الخرافية والعجائبيات، التي تتصف فيها الأحداث بالغرابة وهي لا يمكن لها أن تتحقق ولا يمكن تفسير هذا علمياً، وأعطيك على سبيل المثال روايات «هاري بوتر» الشهيرة. في حين أن رواية أو قصة الخيال العلمي تنظر إلى كل ما هو غريب ومستحيل أو غير معقول على أنه من الممكن أن يحدث إذا تطور العلم.

وهي تقسم إلى أنواع، هناك الـ«سوفت» السهل وأتصور أنني أكتب هذا النوع الذي تكون فيه الحبكة والدراما هي الأساس، بينما الخلفية تستند إلى خيال علمي، وهناك ما يعرف بـ «هارد» وفيه تجد أن الجزء الأكبر من الحبكة مبني على شيء تكنولوجي تقنياً فيه تطور وتفسير معقد علمياً، وهناك الخيال العلمي الفكاهي والخيال العلمي الذي يقدم الرعب ولا يمكن أن ننسى الملحمة وهي أجزاء طويلة.

ولمن يوجه هذا الخيال؟

الحقيقة أنه بالنسبة لقصص الخيال كانت هذه في البداية موجهة للجميع، ثم بعد حوالي عشر سنوات من الآن صار من يقرأ الكتاب يحدد ما إن كان موجها له أم لا، لكن اليوم أصبح الكتاب أكثر ميلا إلى تحديد المراحل العمرية التي يناسبها أي عمل، وأصبح هذا النوع الأدبي أكثر تخصصا.

وبالمناسبة فقد بدأت قراءة رواية الخيال العلمي وأنا في الخامسة عشرة من عمري، وفي ذلك الحين لم تكن مصنفة عمريا لديهم في الغرب، كانت تكتب وتوجه للقارئ بشكل عام وهو من يحدد ما إن كان الكتاب موجه له أم لغيره. ولكن مع الوقت بدأ فرز الكاتب للقارئ إما بسبب أحداث ما أو مفاهيم معينة تحتوي عليها الرواية، والواقع أن رواية الخيال أصبحت متخصصة جدا في الوقت الحالي في الغرب.

وعموما فإن رواية الخيال العلمي تخدم الغرض ذاته الذي تؤديه أية رواية أخرى فهي تلقي الضوء على قضية أو موضوع ولكن في عالم مختلف، بالنسبة لرواية «أجوان» التي كتبتها من الصعب على من لم يقرأها أن يعرف أنها في أساسها تتحدث عن المشردين واللاجئين والإرهاب في عالمنا.

والحقيقة أن هذا لا يتنافى مع أهداف رواية الخيال العلمي منذ ابتكارها وهو محاكاتها للواقع في الأساس، وفي الأساس أتمنى أن نجرب قراءة قصص الخيال العلمي، وإذا قرأنا النوع المناسب منها سنكتشف أغراضها.

محتوى عربي

كيف كانت البداية، وما الذي تهتم به نورة النومان في روايتها؟

بدايتي صراحة كانت لسد حاجة أو ثغرة، أنا كأم شاهدت بناتي يقرأن كتباً باللغة الإنجليزية فصرت أبحث لهن عن كتب مكتوبة بلغتهم العربية، ولكن لم أعثر على شيء فخطرت لي هذه الفكرة، فكرة أن أوجد محتوى عربياً يخاطب فئة اليافعين، ولو كنت تتذكرين فإن هذه الكلمة «يافعين» لم يكن لها وجود في الأدب محلياً.

كان من الضروري أن يوجد محتوى جاذب يخاطب هذه الفئة العمرية، حتى لغوياً. أما الموضوعات التي أهتم بها فهي ما يهم إنسانياً ومحلياً.

في روايتي «أجوان» هناك قضية اللجوء والمشردين واستغلال البشر من أجل تحقيق أجندات خاصة. وقد كانت الأجزاء الأولى هي الأصعب وكنت كمن يقوم بالترجمة من لغة إلى أخرى وهي بالفعل ثغرة وأنا أعترف، وأقول كذلك بأنها ثغرة موجودة بسبب عدم وجود ما يعرف بالمحرر الأدبي في عالمنا العربي.

أما القصة فإن أجوان قد وجدت نفسها هائمة في الفضاء بعدما تعرض كوكبها للغزو، هذه اللاجئة هي بطلة القصة ولدينا في العالم العربي لا توجد أسماء أخرى ولا مشاعر تجاه اللاجئين، أردت من هذا أن يتعاطف معها القارئ.

لقد أصبحت أجوان لاجئة بين عشية وضحاها، ثم تم اختطافها وسرقة طفلها فاستمرت معركتها من أجل الحياة، وهي تضطر لأن تتدرب على القتال لتقتل حتى تصل إلى غايتها وهي تحقيق الاستقرار في حياتها.

كذلك أضفت موضوعات فرعية من الواقع الذي تعيشه منطقتنا كالتطرف الذي يستغل لأغراض سياسية مثلاً وهناك شخصية «الطارق» التي تجسد هذا، تريد أن يكون لها نفوذ فتستغل الفئات المهمشة في المجتمع وتقودها إلى القيام بأعمال تخريبية.

خيال القارئ

كيف ترين علاقة رواية الخيال العلمي بالسينما؟

الحقيقة أن قصص الخيال العلمي في السينما نوع مختلف عنه في كتب الأدب، لأن العمل السينمائي يعتمد على الصورة والصوت والموسيقى وهي في حد ذاتها عنصر الإثارة المهم بالنسبة للسينما، بينما الإثارة في الكتاب تحدثها الكلمة وتفاعلها مع العقل، إن ذهن القارئ يبني القصة كلها وبالتالي فهي تستفز خيال القارئ الذي يبني الأحداث في ذهنه ليملأ الفراغات الموجودة في النص، هناك ما يحرض على الخيال، بينما في الأفلام الغرض الرئيسي دائما هو الترفيه.

تعتقدين أن هذه القضايا تهم اليافعين؟

الواقع أن هناك من يرفض القول إن هذه القصة تخاطب اليافعين، لكن أتصور أن أطفالنا في هذه المرحلة منفتحون على أمور كثيرة ولديهم كم من النضج قد لا نتصوره فلماذا نستهين بعقولهم! صحيح أنهم لا يتواصلون مع الواقع الذي يعيشونه كجزء من هذا العالم، لكن لو استطعنا أن نضعه لهم في قالب آخر كالقصة حينها سيمكنهم المقارنة. أعتقد أن الأدب مهمته أن يجعلنا نتعاطف مع الآخر وهو ما يسمونه بـ«التقمص العاطفي»، لكن أحب أن اسميه «الاستشعار» الذي نولد به وأتصور أن أطفالنا بحاجة إلى تعزيزه.

تجربة إماراتية

ماذا عن موقع روايتي الخيال العلمي والخيال في عالمنا العربي؟

هناك 22 دولة عربية تكتب هاتين الروايتين وهناك أسماء معروفة، لكن أنت لا تستطيع أن تقيم هذا الإنتاج لأنه في بدايته، حيث يبدأ من ستينيات القرن المنصرم ومن الأسماء التي تميزت الكاتب نهاد شريف من مصر ويعتبر الأب المؤسس لرواية الخيال العلمي العربية وطيبة الإبراهيم من الكويت وأميمة خفاجي و د. «أشرف فقيه» من المملكة العربية السعودية، لكن من وجهة نظري فإن رواية الخيال العلمي العربية لم تخرج من الجاذبية الأرضية، لماذا لا نبتعد قليلاً وتصبح خياراتنا عوالم أخرى قد لا تشبهنا.

وفي الإمارات ؟

أتصور أن التحدي عربي شامل وهو أنه لا يوجد لدينا ما يقيس مدى استهلاك أو جودة المنتج الثقافي بطريقة علمية، لكن هناك في الغرب مؤسسات تشرف على هذه العملية من خلال قياس المبيعات سنوياً لكي يتبين مقدار ما يباع من الكتب الورقية وغيرها، ومدى رواج أي نوع من الكتب، وهذا يغذي قطاع النشر بالمعلومات.

لكنّ هناك جمالاً رغم هذه القتامة؟

متفائلة بمستقبل رواية الخيال العلمي، وعلى مستوى الإمارات هي قادمة، فالجمال في الخيال العلمي هو استشرافه للمستقبل، بدأ بالسؤال ما الذي يحدث الآن، وما هي تبعاته؟ وهناك من الأمور ما لم يحدث من قبل، لديك على سبيل المثال الذكاء الاصطناعي هذا موجود الآن ولا يمكن التنبؤ بمشكلاته، وموضوع الترجمة الآلية واحد منها خاصة لو أخذنا في الاعتبار أن اللغة أكثر من مجرد كلمات، اللغة ثقافة فكيف ستترجمها الآلة؟ والخيال العلمي يمكنه أن يستغل لحماية البشرية، هناك مثلاً قانون عدم التدخل الذي يمنع التدخل في طرق تطور الحياة في المجتمعات، هي أمور أخلاقية مناوئة لما قام به المستعمر الأوروبي مثلاً عندما تدخل في حياة المجتمعات البدائية في أفريقيا وغيرها لتباد تلك المجتمعات.

إضاءة

نورة أحمد النومان، كاتبة إماراتية، متخصصة بأدب الخيال العلمي، تخرجت من جامعة الإمارات، كما تحمل شهادة ماجستير في الترجمة من الجامعة الأميركية في الشارقة، من مؤلفاتها رواية «أجوان»، كما نشرت تكملة لها في كتابين باسم «ماندان» و«سيدونية»، ولها أيضاً «القطة قطنة»، و«القنفذ كيوي».

 

Email