الأديب البحريني فهد حسين لـ«البيان»:

الرواية الخليجية ملزمة برصد قضايانا المجتمعية

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

آراء كثيرة ومتنوعة، سمتها الجرأة والمنهجية، يحلل ويصف معها الناقد والأديب البحريني الدكتور فهد حسين، في حواره مع «البيان»، المشهد الروائي والفكري العام في منطقة الخليج العربي، عارضا للكثير من الجوانب الإشكالية والسمات في مضمون العمل الإبداعي، وداعيا في الوقت نفسه، إلى ضرورة أن تتطرق الرواية الخليجية إلى المسائل والتفاصيل المجتمعية بشتى مساراتها وأوجهها، مثيرة التساؤلات ومفتشة عن الحلول وعارضة لجميع المآخذ، لتلعب بهذا دورا إبداعيا واجتماعيا حياتيا خلاقا.

ما تقييمك لمستوى ومضمون الاشتغال الروائي في الإمارات؟

في البداية واجب علي تقديم الشكر إلى كل من قدم لي دعوة في دولة الإمارات العربية المتحدة، سواء عن طريق اتحاد الأدباء والكتاب، أم الدوائر الثقافية في إمارات الدولة، فهي دعوات تضيف لي زادًا معرفيًا وثقافيًا وتبني لي علاقات اجتماعية واسعة. كما أشكرك على تقييمك لما أطرحه من آراء نقدية تجاه المشهد الأدبي والثقافي الخليجيين.

وفيما تشيرين إليه بخصوص المشهد الروائي الإماراتي، فإنني وعلى الرغم من قراءتي القليلة للمنجز السردي الإماراتي، لكن تبين لي أن الاشتغال الروائي في الإمارات يأخذ أكثر من بعد، ولكنه في العموم، يسير في الطريق الصحيح، وفيه كما أي مشهد روائي آخر، إيجابيات ونواقص.

وبعيدًا عن ذكر الأسماء، فهناك من يكرس جهده السردي عامة والروائي بشكل خاص لبعض الظواهر الاجتماعية التي باتت مكررة في العديد من الأعمال العربية عامة والخليجية بشكل خاص، معتقدًا أن هذا النوع من الموضوعات هو الذي يثير القارئ ثقافيًا ونقديًا، وهو عكس ما يتصور تمامًا، وهذا البعد مهما حاول أن يكشف زيف بعض السلوكيات والممارسات في المجتمع فسيكون محصورًا ولا يستفز القارئ، فتلك أمور عادية ويراها القارئ، وهناك من يحاول أن يجهد نفسه ليقدم عملاً روائيًا يخرج عن النمط التقليدي في تناول الموضوعات، لكنه يفتقد إلى جمالية البناء والتكنيك الفني فيصاب العمل ببعض الترهلات، وهناك ثالث يهندس العمل ويخطط له قبل أن يقدم على الكتابة، وكأنه يهندس منزلا يريد بناءه، بل ليس هندسة العمل الروائي، وإنما يخطط لطبيعة الموضوع الذي يريد تناوله من جهة، وكيفية طرحه وفق مكونات العمل وتقنياته من جهة أخرى، من أجل أن يخرج بفضاء فني وجمالي مشحونًا بالأسئلة التي تحاور القارئ، وهذه الكتابات لا تبحث عن الشهرة السريعة ولا تجلس مكتوفة اليد كسولة العمل، وإنما تأخرها في النتاج والإصدار ناتج عن البحث المضني والترحال في بطون الكتب والمصادر والمكان أيضًا.

سبب

من النادر أن يكتب روائي خليجي، في الوقت الحالي، رواية مدهشة مستقاة من واقعه الذي من المفترض أن يثير في وجدانه وفكره شتى القضايا والأحداث والصور. كيف ترى وتقيم ملامح هذا التكوين الروائي في الخليج العربي؟

كما قلت سابقًا، ما ينطبق على المشهد الروائي الإماراتي ينطبق على الخليجي أيضًا، والمعضلة لا تكمن في النص بقدر ما تكمن في كاتب النص، فلدينا في المنطقة لوثة الشهرة والانتشار والرغبة الجامحة في الإشارة إلى هذا وذاك بالبنان، ولكن للأسف فهذا يضر بالعمل الإبداعي الخليجي.

وما نؤكد عليه دائمًا: على المبدع أن يقرأ كثيرًا ويكتب قليلاً، وبالأخص فئة الشباب التي هي بحاجة إلى القراءة المستمرة الواعية وإلى التواصل المثمر مع الأجيال التي سبقتها، ولكي يستطيع المبدع الشاب أن ينجز عملاً له قيمته الفنية والجمالية فلا بد أن يكرس جهده باحثًا عن البؤر التي يتمكن من الولوج من خلالها إلى القارئ، وألا يكون عمله عاديًا.

ولكي يخرج العمل في ثوب مطرز بالوجدان ومغلف بالقضايا ومحاط بالأحداث والصور ينبغي أن يقرأ الواقع المعيش قراءة الباحث الاجتماعي والعالم الأنثروبولوجي والناقد الثقافي، والمبدع الجمالي صاحب المتخيل، إذا تمكن من ذلك، فمن المرجح أن يثير عمله ما يطرحه.

محط أنظار

المساحات الفارغة هي تلك التي لا تزال تنتظر الرواة للولوج فيها. أين هي تلك المساحات برأيك ليُحدث الروائي فيها تغييرا وتطويرا روائيا جذريا في الخليج العربي، كي يأتي بالوهج الأدبي لها؟

أتصور أن هناك الكثير من القضايا التي لا تزال بحاجة إلى طرح ومناقشة عميقة في المجتمع الخليجي، وخاصة أن هذه المنطقة محط أنظار الدول الكبرى اقتصاديًا واستراتيجيًا، ومن جانب آخر هي منطقة تحتضن العديد من الجاليات المختلفة عن بعضها البعض، دينيًا وطائفيًا وعرقيًا.. ولونًا وفكرًا وتوجهًا وتخصصًا..وغيرها من الاختلافات، لهذا نحن لسنا بحاجة إلى مناقشة هذه الأجناس أو الجنسيات أو الهويات أو العقائد في شكلها المسطح، ولكن نحن في أمس الحاجة إلى إبراز دور المنطقة وشعبها وما يحمله من فكر ووعي وتطلع تجاه العلاقة الاجتماعية والثقافية والإنسانية مع كل هذا الخليط، وفي الوقت نفسه، مناقشة طرائق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والتواصل الثقافي تحت مظلة الاحترام المتبادل والتقدير، كما إننا بحاجة ماسة للدخول إلى حالات الوعي النفسي والاجتماعي والثقافي أيضًا لهذه الجاليات، التي على المبدع أن يكون قريبًا منها لمعرفة كيف تفكر، وكيف تعيش وكيف تمارس حياتها اليومية، وليس عن طريق السماع والفعل غير المباشر.

وهناك موضوعات أخرى لا بد من الولوج إليها عبر الرواية وطرحها بطرائق جديدة غير ما هو مألوف، كتناول التاريخ عامة وتاريخ المنطقة القديم والحديث بشكل خاص، أو تناول حركة المجتمع من خلال بعض الشخصيات التي كان لها تأثير في سيرورة المجتمع في مرحلة من مراحل التاريخ، أو الوقوف على بعض القضايا التي طرحت مجزأة وغير ناضجة، أو فيها التساؤلات والجدل، حيث إن الرواية لم تعد عملاً إبداعيًا وسرديًا متخيلاً فقط، بل إنها عمل ثقافي عام فيه الفكر والتاريخ والفلسفة وعلم الاجتماع واللغة وغير ذلك، وهي فرصة ومساحة ينبغي توظيفها توظيفًا مناسبًا وصحيحًا.

حاجات

يتفوق الخطاب النقدي في دول المغرب العربي على الخطاب الروائي. أين تضع وتصنف النقد الخليجي في العالم العربي، بوصف النقد دراسة ونظرية؟

ربما أختلف معك بعض الشيء، واتفق في الآخر، نحن في منطقة الخليج العربي باتت علاقتنا مع النص النقدي المغاربي (المغرب –الجزائر –تونس)، أكثر من علاقتنا بالنص السردي، ويعود هذا في اعتقادي إلى عدة أمور، منها: حاجة المنطقة إلى دراسات نقدية حداثية جديدة.. فمنطقة المغرب العربي لديها هذا الأمر بحكم اتصالها وقربها من منابع التفكير النقدي والحداثي الغربي، حاجة الدرس الجامعي لهذا المنجز أكثر من حاجته إلى النص الإبداعي، فعل الانتشار عند العديد من دور النشر التي ترى أهمية نشر المنجز النقدي أكثر من المنجز الروائي.

لكن، ورغم ذلك، فالرواية المغاربية لها وقعها في منطقة الخليج العربي، وبات لدينا أسماء كرستها المؤتمرات والملتقيات والندوات والمسابقات والصحافة والإعلام في المنطقة، بل بعض أسماء المغرب العربي معروفة أكثر من بعض كتاب المنطقة، مثل: الطاهر بن جلون، الطاهر وطار، واسيني الأعرج، إبراهيم الكوني.

أمر صعب

غالبية الحكايات السردية أصبحت ترتبط ببعضها وتتشابه، عن طريق تغيير الرواة الطريقة الفنية لهذا السرد والتعبير المغاير له، هل تعد ذلك، كناقد، قصة نجاح أم إبداع؟

المسألة هنا تأخذنا إلى مقولة الجاحظ (المعاني مطروحة في الطريق)، ذاك في الدراسات النقدية القديمة.. أو مفهوم التناص في الدراسات النقدية الحديثة، أي مهما حاولت أن تبحث عن قضية غير مطروقة أو لم يتطرق لها أحد، فهذا أمر صعب للغاية؛ لأنه مهما حاولت أن تقول فالكاتب لن يستطيع جرد كل ما كتب أو لم يكتب عن قضية ما، ولكن الجوهر هنا هو ليس تناول القضية أو الموضوع والحديث إن كان جديدًا أم قديمًا، وإنما كيفية طرحه، وكيفية تناوله، وكيفية بنائه وكيفية صياغة أسئلته.

وهنا أعود بك إلى هندسة البيت، فالبيت منذ وجد الإنسان على الأرض يسكنه كونه مكانا يحميه ويؤويه، ولا يستطيع المرء حتى هذه اللحظة الخروج عن ذلك، غير أن الشكل وفنية البناء وجمالية التخطيط والمساحة وغيرها من الأمور، هي التي تعطي الفوارق بين هذا وذاك من البيوت. طبعا بمقدورنا أن نقيس ذلك في العمل الإبداعي أيضًا.

هل أنت قلق على تقصير الصحف في الخليج العربي بشأن تخصيص صفحات للنقد، وبالأخص عن رواياتنا المحلية المكتوبة، مقارنة بما تنشره من أخبار عن الروايات المترجمة؟

أنا قلق جدًا، فالصحافة في المنطقة عمومًا لا تهتم بالكاتب الخليجي إلا فيما ندر، لذلك يتم اللجوء إلى عالم الشبكة العنكبوتية للنشر والتواصل، وليت هذه المسألة تناقش في بعض المحافل الخليجية الثقافية.

واقع ونجاح

اللغة الإنجليزية مهيمنة على عالم الأدب كلغة مشتركة، وبالتوازي مع ظهور ما يسمى بالرواية الدولية، وهي روايات مرتبطة بأسماء بارزة، مثل: سلمان رشدي وأورهان باموك، فمن برأيك من أدباء الخليج العربي ممكن أن يأخذ بزمام أمر «الرواية الدولية» منطلقاً من قضايانا الإنسانية المحلية ليطرحها أدبًا؟

لا أستطيع إعطاء اسم معين، ولكن العمل الإبداعي هو الذي يفرض نفسه على الساحة المحلية والعربية والعالمية، وقد خطت دولة الإمارات العربية باتجاه وصول الرواية العربية إلى العالمية، عن طريق جائزة البوكر. فالرواية الفائزة تترجم إلى لغات أخرى إذ تسعى بعض دور النشر إلى ذلك، ولكن أؤكد أن العمل القيم في موضوعه وتناوله وطرحه ومعالجته ولغته، سيكون عملاً خالدًا ويفرض نفسه على اللغات الأخرى.

غياب مقلق

مقصر هو الحراك الأدبي في منطقة الخليج العربي، من وجهة نظر الناقد د.فهد حسين، في التطرق إلى قصص أسفار أهل الخليج العربي وترحالهم، التي اشتهروا بها منذ القدم..كما أنه قلق ومنزعج من غياب السير الذاتية في الخصوص. ويحكي عن ذلك:

هذا موضوع مهم جدًا، وللأسف لم يأخذ مكانته الأدبية والثقافية بالشكل اللائق، على الرغم أن المنطقة تزخر بالعديد من الينابيع الثرة في الصدد، وقد حان الوقت للكتابة عن شخصيات وعائلات بارزة فيها، سيرة وتراجم، لما لها من أهمية تاريخية واجتماعية وتخصصية.. وثم ثقافية، للمجتمع والقارئ العربي.

وبالمناسبة لي كتاب دونت فيه مرحلة تاريخية ثقافية في البحرين بين عامي (2000 - 2010)، كما أعددت كتابًا عن سيرة رئيس (محكمة دستورية) في البحرين، المرحوم إبراهيم حميدان. وأعتقد أنه كلما كان تناول السيرة يأخذ بُعدًا أدبيًا، في الصياغة واللغة، تحول الكتاب إلى كتاب أدبي ليكون أكثر جاذبية وتعاطيًا مع القارئ من كونه كتابًا لسيرة فقط.

مَخرج

فضاءات أخرى يحضر في خضمها الناقد الحصيف

يقول د.فهد حسين بشأن الآراء التي ترى أن النقد الأدبي، وصل إلى حال من التشبع، وكل شيء صار مكرورًا ويدور حول نفسه: لا ألوم أي مبدع أو كاتب يشير إلى هذا، حيث هناك من يقدم عملاً يعتبره نقدًا ولكنه مجرد سرد للحكاية أو تلخيص لها أو إعادة كتابتها، وتخلو هذه الكتابات من البعد النقدي، كما إن التشبع ربما حدث لتكرار الناقد لنفسه فيما يكتب من دون الذهاب إلى تجريب أدواته النقدية على النصوص عبر المدارس النقدية أو النظريات، مكتفيًا بما لديه، وفي الوقت نفسه على النقاد في عصرنا هذا أن يحلقوا في فضاءات نقدية أخرى، إذ إن القارئ هو الناقد أيضًا، وحين يتفوق القارئ العادي على الناقد المتخصص فهذا يعني أن الناقد لا يقرأ ولا يعي ما يدور من حوله والتطورات والتحولات في عالم النقد، إذ كيف أنظر إلى الراوية وأقول إنها عمل ثقافي بامتياز، بينما أنا لا أقرأ في عالم النقد الثقافي؟ كيف أعتبر القارئ هو من يحرك النص، ولا أعي نظرية التلقي والاستجابة؟ حينما نريد نقدًا جديدًا غير مجتر ولا مكرور فعلى الناقد أن يكون حصيفًا.

2003

د. فهد حسين. ناقد بحريني. متخصص في السرد الأدبي من مملكة البحرين. حائز دكتوراه في الأدب العربي الحديث عن رسالته المعنونة «صورة المرأة في الرواية النسوية الخليجية الجديدة»، من معهد البحوث والدراسات العربية في القاهرة.

عضو أسرة الأدباء والكتاب في البحرين، وعضو مجلس إداراتها لأكثر من دورة انتخابية، وهو حاليا الأمين العام للدورة الحالية 2016 - 2018. حصل على الجائزة الثانية في مسابقة «الكتاب المتميز»:(عام 2003)، والتي تنظمها وزارة الثقافة في مملكة البحرين.

ومن إصداراته: «نص في غاية التأويل»، «إيقاعات الذات». «أمام القنديل»: حوارات في تقنية الكتابة الروائية، «بعيدًا عن الضوء»: عن التجربة النسوية في منطقة الخليج العربي، «الرواية والتلقي»، «مرجعيات ثقافية في الرواية الخليجية».

Email