الفائز بفئة «العمود الصحافي» في جوائز الصحافة العربية

ناصر الظاهري: أحب حرق المراحل وتقديم المختلف

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

لمع اسم الكاتب والمخرج الإماراتي ناصر الظاهري، عند الإعلان عن الفائزين بجائزة الصحافة العربية للعام 2017 في مايو الماضي، وقد اعتبر الظاهري«إن الجائزة هي اعتراف بالكاتب الإماراتي، خاصة أن «العمود الثامن» نذر نفسه للوطن وللإنسان».

وخلال حوار أجرته معه «البيان» تحدث عن الصـــعوبات التي تواجهه خلال الكتابة اليومية، وقال أحب حرق المراحل وتقديم المختلف والعميق، وكشف عن خفايا أخرى من تجربته الإبداعية المـــتعددة باعتباره كاتباً للقصة القصيرة ومخرجاً ومصوراً وروائياً، وما يجمع بين كل هؤلاء هو روح الإبداع التي يتحلى بها الظاهري، فالقصة قد يختزلها بصورة، والتاريخ الطويل قد يختصر بفـــيلم، حقق له الكثير من الجوائز.

سألنا ناصر الظاهري:

كيف تنظر إلى جائزة العمود الصحافي في جوائز الصحافة العربية؟

الجائزة هي تتويج لجهود 15 عاماً من الكتابة اليومية، الكتابة المغايرة في الطرح، حينما تذهب الكتابة اليومية بعيداً في العالم، وعميقاً في الوطن، ومغايرة في الأسلوب، حينما تتماهى الكتابة الصحفية في الكتابة الأدبية، وهو اعتراف بكتّاب العمود الصحافي من المواطنين، فهي المرة الأولى التي تذهب فيها جائزة هذه الفئة للإمارات، وهي في الوقت نفسه تعني مزيداً من الثقل على الكاتب نحو الالتزام بالمهنية، والتميز، وطرح المختلف في سباق يومي يتطلب الجديد والمفيد والمدهش والممتع، وذاك كان تحدي «العمود الثامن» على الدوام، ووعد صاحبه.

عمود متجدد

ما الأسباب التي تقف وراء نجاح واستمرارية «العمود الثامن»؟

لقد وعدت القراء أن العمود اليومي فيه شيء من المتعة والإدهاش والمعرفة وأحياناً الفكاهة، عمود خفيف بخفة جناح الطائر، وبارد كغيمة واعدة، وحاضر يليق بفنجان قهوة الصباح، فيه ذاك التفرد في الطرح، وأن الوطن هو قبلة «العمود الثامن» منه المبتدأ، وله المنتهى، وأن الإنسان الحر والكريم غايته، لا شيء يحده، ولا شيء يمنعه، لا جنس ولا دين، ما دام الإنسان يسعى للعيش الكريم والتسامح والتحضر والمنفعة الإنسانية، وتسيّره قيم الحق والخير والجمال.

لمن لا يعرف لماذا اخترت اسم «العمود الثامن»؟

القصة تعود للثاني من ديسمبر عام 1996 حينها انطلقت صحيفة «الاتحاد» بشكلها الفني والتحريري الجديد، وكانت الصفحة تقسم إلى ثمانية أعمدة إخراجياً، فاستقررت على تسمية زاويتي بالصفحة الأخيرة «العمود الثامن»، رغم أن اليوم تغيرت نمطية الإخراج بالصحف، وما عادت الأعمدة ثمانية، لكني ما عدت أتفاءل إلا به، فالرقم ثمانية من الأرقام المحببة لنفسي، لقد أتعبني كثيراً، لكنه قدم لي الكثير.. الكثير.

ما المشاكل التي قد تواجهك باعتبارك كاتباً لعمود يومي، وكيف تتغلب عليها؟

أهم مشكلة لكاتب العمود اليومي الحقيقي هي اصطياد فكرة اليوم المقبل، خاصة أن هناك التزاماً بمستوى مغاير، وجديد، بمخاطبة فسيفساء من البشر، وعليك أن تكون بمستوى الطرح، ومستوى ثقافاتهم المختلفة، لذا يصبح هم البحث والقراءة والسفر والتأمل، هماً يصاحبك منذ أن تنتهي من كتابة العمود، وحتى كتابة آخر، فهو أشبه بالصداع اليومي الجميل والمحبب، خاصة حين تجد ردة فعل الناس، سواء أكانوا معك أو ضدك.

ومن المشكلات الصغيرة الأخرى، أن يفهمك الناس وفق تصوراتهم، ومثلما يريدون أن يفهموا، دون أن يكبدوا أنفسهم عناء التأمل والتفكير العميق واستشراف ما بين السطور أو ينظرون للأمور بمفهوم شخصي ومنفعي دون حساب الهم الوطني، والمنفعة العامة.

بين القصة والرواية

تكتب القصة منذ زمن طويل، لماذا رافقك هذا الجنس الأدبي طويلاً رغم تنقلك بين أكثر من حالة إبداعية؟

تبقى القصة أهم جنس أدبي وأصعبه، وفيها أجد نفسي كثيراً، وهي من الأنواع الأدبية التي بدأت تتوارى لصالح الرواية، واليوم أفرح كثيراً إن وجدت كتاباً في القصة عربياً أو أجنبياً، رغم الندرة في هذا المجال، فلم يعد الوقت وقت الثمانينيات والسبعينيات وحتى الستينيات، حيث كانت القصة متسيدة مع الشعر، لكن هناك القليل من المخلصين لهذا الفن في أرجاء العالم، فالقصة والحكاية هي الأساس، ولا ندري ربما تعود لتفرض حضورها من جديد في عصر يحتاج للتركيز والاخـــتصار والتكثيف، وتلك اللمعة السريعة التـــي تقدمها القصة فقط.

انتقلت من القصة إلى الرواية، فما الذي دفعك لكتابة الرواية؟

التجربة العمرية والثقافية، فالرواية هي اليوم الكتابة الموازية للإنسان والمكان مع الكتابة التاريخية، والغالب عليها الصفة الرسمية، فالتاريخ عادة يكتبه المنتصر، والرواية مهمتها، وهي ليست الوحيدة، نبش الأسئلة، وإظهار الصوت الآخر، فدموع المنهزم أيضاً يراد من يكتب عنها، وليس صرخات الفرح والنصر وحدها، والرواية هي الوعاء الذي يمكن أن يستوعب حركة الزمن، والأحداث المختلفة، والرجّات التي تهز المجتمعات، الرواية فن عظيم.

رغم أن الكثير من الكتّاب الناشئة يستسهلون امتطاء صهوتها، لكنهم لا يصلون لمبتغاهم ووجهتم، ضائعين بمسالك دروبها، وتعقد نهجها، فلا يقدمون ولا يؤخرون بإنتاجهم السريع والمتسرع إلا مزيداً من استهلاك الورق، والإضرار بالشجر، برأيي لا يمكن أن تكتب رواية حقيقية إلا بعد اكتمال سن النضج وبلوغ الأربعين من تلمس المعرفة والحكمة ومعنى الأديان، وضجيج الأسئلة الكونية.

عالم من صور

أقمت معرضك الفوتوغرافي الأخير، بعنوان «خلف ظلالهم البيضاء»،وكيف ساعدتك رؤيتك ككاتب في التقاط الصور؟

التصوير الفوتوغرافي، هواية حد الاحتراف، وهي رفيقة قديمة، فما لا أستطيع قبضه بالقلم، تظهره العدسة بجمالها وتربصها للمشهد، وصوري في حقــيقتها قصص قصيرة أخرى، حيث العمق والتعابير المخفية والنهايات المفتوحة، وأكثر ما تشدني هي الوجوه الإنسانية واستنطاق الجماد، والقبض على لحظات ساخنة من الزمن وتجميدها في إطار يمكن أن يقرأه الجميع فالصـــورة لغة عالمية.

وصوري تبحث عن الوجوه الإنسانية الضائعة والحاضرة، المنكسرة والمتفائلة، عدسة كاميرتي قد تقف عند قدم كرسي قديم ووحيد بحديقة عامة، لحظات تساقط الثلج والهجر من العشاق، قد تنحني لتقبل برعم زهر يريد أن يصرخ بوجه الحياة، قد تسبر أخاديد الزمن على وجه عجوز صيني أو تبحث عن قدم متسخة من التعب والركض نحو الرزق الحلال، فصوري إن لم تكن نابضة بالحياة، وعشق أطيافها الملونة، فلا تنتمي لي.

فيلمك الأول «سيرة الماء والنخل والأهل» منحك الحصول علــى جوائز عدة فما الذي استطاع فيلمك قوله بشكل مختلف عن الرواية والقصة؟

رغم أن مشروع تخرجي كان فيلماً سينمائياً عن «الجراد الأصفر» يحكي عن الهجمة الشرسة للعمالة الوافدة. بقيت السينما من أحلامي المؤجلة على الرغم من أنها تلحّ عليّ وتؤرقني دائماً، بسبب ابتعادي للعمل بالمجال الإعلامي والأدبي، حتى استطعت توفير المادة الأدبية والمالية لعمل سينمائي مميز، كان بالإمكان الدخول بمستوى متواضع، ولكنني أحب حرق المراحل.

وتقديم المختلف والعـــميق، فكان هذا الفيلم الطـــويل الذي يحكي سيرة الماء والنخل والأهل وثقافة الإمارات بعيداً عن الطرح الهزيل والتقرير التلفزيوني الممل والعمل الفني الناقص، هو إنتاج ضخم على كل المستويات، وبإمكانيات فنية عالية، رغم اعتماده إنتاجياً علي فقط.

رافقني فريق فني هولندي طوال مدة التصوير التي استغرقت سنة ويزيد، ومن ثم الأعمال الفنية الإنتاجية التي استغرقت ستة شهور وأكثر في هولندا وألمانيا، خلال هاتين السنتين تتبعت خطى الأولين والباقين من أقصى منطقة حدودية عند الربع الخالي إلى رؤوس الجبال إلى بحر عُمان إلى مناطق هجرها التاريخ في سلسلة هندسة الأفلاج في العين، وما يتبعها من أساطير، مشّطنا أرض الإمارات من جهاتها الأربع، كنت أبحث عن الحكايات، ومكنونات هذه الأرض.

وقدرت أن أصنع منه فيلماً بمقاييس عالمية، عرض حتى الآن في 17 مهرجاناً دولياً من كندا وأميركا إلى إندونيسيا إلى روسيا مروراً بأوروبا، لقد كانت جائزة «أفضل مخرج» في مهرجان دبي الفاتحة، وفأل السعد، بعده حصل الفيلم على جائزة «أفضل فيلم أجنبي» في مهرجان كوبنهاغن.

وجائزة «الامتياز» من ثلاثة مهرجانات في أميركا، وجائزة «أفضل مخرج» في مهرجان تورنتو بكندا، وجائزة «أفضل مخرج» في مهرجان برشلونة، وجائزة «أفضل فيلم للحفاظ على الثقافة» بدعم من الأمم المتحدة من «المهرجان الدولي لمبادرة السلام العالمي» في كان، وغيرها، وهو مرشح للعرض بمهرجانات دولية قادمة، كانت رسالة الفيلم: كلمة شكر وعرفان للآباء والأجداد نتوج بها رؤوسنا، وطوق من وصايا نعلقه على صدور أبنائنا.

دعم

هل لديك مشاريع سينمائية للمستقبل؟

هناك أكثر من مشروع سواء تسجيلي أو روائي، لكن العمل السينمائي يحتاج لإمكانيات مادية باهظة، ودعم لوجيستي وإنتاجي، وهنا ما عليك إلا الاعتماد على الإنتاج المشترك مع جهات أجنبية تقتنع بفيلمك وما يمكن أن تقدم أو تعتمد على نفسك في الإنتاج، أما مؤسساتنا المختصة بالسينما ودعم الإنتاج المحلي فلديها مشاريعها، ورؤيتها التي يصعب علينا فهمها، وفهم تفكير خبرائها الأجانب، وتحتاج هذه المؤسسات أن تتنازل من عليائها لتعترف بأن الفرد يمكن أن يتخطى المؤسسة، ويقدم أفضل منها، وبميزانية أقل منها.

كيف تنعكس التعددية في نتاجك الإبداعي على إبداعك؟

جميعها محفزة، وكلها تدعم بعضها بعضاً، وأجد نفسي في التعدد ما دام هناك طاقة، وفسحة من الوقت، مشكلتنا الأساسية بني الإنسان أن يومنا لا يتسع لأكثر من 24 ساعة، والمهتم تجده يركض خلف الوقت، ويتمنى لو يسبقه.

رسائل قصيرة

وصف ناصر الظاهري اختياره عناوين أعماله الإبداعية بالرسائل القصيرة التي تصل للناس دون طرق الباب، أحياناً العنوان يأتي قبل العمل، ومرات أثناءه، وكثيراً بعد الانتهاء منه، وأحياناً يستعصي ليأخذ وقته ومداه، ثم يلمع كبرق خاطف، وتقول هذا هو، العنوان عندي هو اختصار للعمل الإبداعي في كلمات قليلة، وأحياناً بلغة شاعرية، ثم أن العناوين هي التي يحملها القارئ أو المشاهد في ذاكرته، ويذهب.

قوس قزح

قال ناصر الظاهري عن مشاريعه المقبلة، إنه لديه روايتان قيد الانتهاء وإعادة الكتابة، والإعداد لفيلم روائي تجريبي، وآخر فيلم تسجيلي،هذا مرهون بأشياء كثيرة، تبقى الأحلام مشروعة، ومشرعة أبوابها، وعلينا أن لا نساعد الريح على إغلاقها، فهي التي تمنحنا ذلك الشيء الذي يمكن أن نطلق عليه سعادة، ويمكنها أن تعضدنا لكي نقف في وجه التعب والحياة، ونلونها بألوان قوس قزح.

إضاءة

*الأديب والمخرج ناصر الظاهري حاصل على شهادة البكالوريوس في الإعلام والأدب الفرنسي من جامعة الإمارات عام ‬1984. *أصدر كتابه الأول عام ‬1981، متضمناً إبداعات تدور حول بعض اليوميات في العين.

ونشر قصته الأولى عام ‬1986، بعنوان «حسون الحواي». * أصدر عدداً من المجموعات القصصية والروايات ومنها: عندما تدفن النخيل، خطوة للحياة خطوتان للموت. ورواية بعنوان «الطائر بجناح أبعد منه» و تُرجم عدد من قصصه إلى الإنجليزية والروسية والفرنسية. *عمل سابقاً مدير تحرير مجلة «درع الوطن» ومدير تحرير جريدة «الاتحاد» ورئيس اتحاد كتاب وأدباء الإمارات. وغير ذلك.

* أقام عدة معارض فوتوغرافية شخصية ومشتركة في كل من: أبوظبي، بغداد، القاهرة، المغرب، وإيطاليا. * يكتب عموداً يومياً في صحيفة الاتحاد، بعنوان «العمود الثامن» وأصدر عدداً من المقالات في كتب خاصة، وهي: «على سفر نذهب بعيداً.. نذهب عميقاً، ما تركه البحر لليابسة، العمود الثامن، وحصل أخيراً على جائزة «العمود الصحافي».

* حصل فيلمه الأول «سيرة الماء والنخل والأهل» على جوائز محلية وعالمية.

Email