«البيان» تحاور الفائز بجائزة «القدس الأدبية 2016»

خليفة الوقيان: الشعر لم يعد ديوان العرب

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يكن لجائزة بحجم «القدس الأدبية» أرفع الجوائز التي يقدمها الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب أن تتجاهل الحضور القوي، والعطاء الكبير للشاعر والمفكر الكويتي الدكتور خليفة الوقيان، فالتألق الذي يحظى به شِعراً وخلقاً، والجرأة التي يمتاز بها حرفه وطرحه، والجوائز التي تقصده ولا يقصدها، ومبادئه الاجتماعية والسياسية، ومواقفه الواضحة والصريحة المتعلقة بالأمة العربية، تنحاز له، لتقول فيه كلمة حقٍّ.

اتجاهه قومي، وتحركاته إبداعية واعية هدفها تعميق الإحساس بالانتماء للأمة والتفاعل مع قضاياها، وفلسطين وجعٌ يعتصر قلبه، ورغم ما أثرى به خزانة الشعر العربي، إلا أنه لا يزال يرى نفسه مجرد تلميذ صغير في مدرسة الشعراء العروبيين الرواد.

«البيان» تواصلت مع الدكتور خليفة الوقيان، في حوار أكد فيه أن الشعر لم يعد ديوان العرب، في ظل منافسة أجناس أدبية أخرى له، وظهور وسائل تواصل حديثة، وعبَّر فيه عن استيائه من إمعان بعض الحكومات العربية في تقييد الحريات وخنق الإبداع، ما جعل الكاتب العربي أسير سلطتين «سياسية ودينية» تتناوبان خنقه، إلا أنه رغم تلك القيود يرفع شعار عدم الاستسلام، إيماناً منه بدور الباحث والمبدع في خدمة قضايا أمته. مع جائزة القدس الأدبية بدأ الحوار..

وقع اختيار اتحاد الأدباء العرب عليك لتكريمك بجائزة القدس الأدبية، ماذا يمثل لك هذا التكريم؟

هذه الجائزة تعني تقدير الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب للاتجاه الفكري الذي أؤمن به، وهو الاتجاه القومي، الذي أرى فيه الطريق إلى خلاص الأمة من أمراضها المعاصرة، الطائفية والقبلية، كما أن هذا التقدير يحملني مسؤولية المضي في هذا الاتجاه مهما كانت المعوقات.

مواجهة

منذ بداياتك في عوالم الشعر وأنت مهموم بقضايا الوطن العربي، فرسالة الماجستير خاصتك كانت بعنوان «القضية العربية في الشعر الكويتي»، فهل حرَّك الشعر يوماً ضمير الأمة العربية؟

نعم كان للشعر دور كبير في استنهاض الهمم وحشد القوى لمواجهة الأعداء، فمنذ عصر ما قبل الإسلام، كان الشعر وسيلة إعلامية بالغة الأهمية لنصرة القبيلة في مواجهة أعدائها، وعلى الرغم من الموقف السلبي للإسلام تجاه الشعر، فقد كان له دوره الكبير في الانتصار للدعوة الجديدة ومواجهة الأعداء، كما استخدمته الطبقة الحاكمة والأحزاب الإسلامية في زمن الدولة الأموية، ثم الدولة العباسية، للدفاع عن مصالحها وقناعاتها، واستمر الحال على هذا النحو حتى العصر الحديث، حيث لعب الشعر دوراً مهماً في مرحلة التحرر الوطني ومقاومة الاستعمار والصهيونية.

وهل لا يزال للقضية العربية اليوم مكان في الشعر العربي؟

نعم، لا يزال الشاعر العربي مهموماً بقضايا أمته، فبعد التحرر من الاستعمار ابتليت الأمة بالاحتلال الصهيوني لفلسطين، كما ابتليت بالأنظمة الديكتاتورية المستبدة، فكان لا بد للشعر أن يترجم نبض المواطن تجاه المخاطر الجديدة.

انغماس ونضال

نشعر دوماً أن دورك أكبر من دور شاعر، أنت مهموم بالثقافة والوطن، هل هذا تمرد الشعراء أم وعي المواطن؟

أنا مواطن قبل أن أكون شاعراً أو باحثاً، وأحسب أن دور المبدع، الشاعر والروائي والمسرحي والفنان التشكيلي لا ينبغي أن يقتصر على كتابة القصيدة أو الرواية أو المسرحية أو العمل التشكيلي، بل لا بد له من الانغماس في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية، والنضال في سبيل تحقيق القناعات التي يؤمن بها.

فلسطين وجعٌ يعتصر قلبك، وكنتَ دائماً مع نضال الأمة من أجل تحريرها، ما الذي جعل جرحك غائراً أكثر من غيرك من مبدعي الكلمة؟

أستطيع الزعم أني اطلعت على نسبة كبيرة مما نشره الشعراء العرب عن قضية فلسطين عند إعداد دراستي «القضية العربية في الشعر الكويتي» قبل أربعة عقود، وكان تفاعل الشعراء العرب بعامة، وشعراء الخليج والجزيرة العربية بخاصة مع القضية الفلسطينية لافتاً للنظر، وأنا مجرد تلميذ صغير في مدرسة الشعراء العروبيين الرواد أمثال سليمان العيسى وأحمد السقاف وعبدالله أحمد حسين وإبراهيم العريض، وقبلهم خالد الفرج وصقر الشبيب وعبد اللطيف النصف.

هوية مُغيَّبة

قلت سابقاً إن أهم ما يتعرض له الوطن العربي تغييب هويته، لافتاً إلى أن العجلة تدور إلى الأسوأ، ألا ترى أن نظرتك سوداوية متشائمة لوطننا العربي، أم أن واقع أوطاننا هو السيئ لهذه الدرجة؟

لا، لست سوداوياً في النظر إلى واقع الأمة وإن كان واقعها مؤلماً، بل أني أعيب على المتشائمين والسوداويين إشاعتهم ثقافة اليأس والإحباط وتثبيط الهمم، وأرى أنهم يخدمون أعداء الأمة حين يرسخون في عقل المواطن الشعور باليأس، ولكن ما حذرت منه فيما يتعلق بتغييب هوية الأمة، هو أمر واقع تمارسه بوعي أو بغير وعي بعض الجماعات الأصولية، التي تحارب انتماء المواطن إلى أمته العربية، وتجعله معلقاً بين السماء والأرض، أو منتمياً إلى أمة غير قائمة على أرض الواقع، هي الأمة الإسلامية، ولذلك نجد المؤمن بأفكار هذه الجماعات مستعداً لقبول تكليفه بالحرب في أفغانستان أو الشيشان أو البوسنة، انطلاقاً من فكرة أن العالم الإسلامي - وليس الوطن العربي - وطنه وميدان جهاده.

هناك إجماع بين المثقفين والأدباء على أن معظم الحكومات العربية لا تفتح المجال لحرية الإبداع، فالقلم مُحارَب في وطننا العربي، ما تعليقك؟

في الوقت الذي تتدفق فيه المعرفة عن طريق وسائل التواصل الحديثة، تمعن معظم حكوماتنا العربية في التضييق على حرية البحث العلمي والإبداع، وتقييد الحريات أحد أهم أسباب تخلفنا عن ركب التطور، والكاتب العربي يعيش محنة الوقوع بين فكيّ سلطتين تتناوبان خنقه، السلطة السياسية الممثلة بالحكومات، والسلطة الدينية التي تمارسها أحزاب الإسلام السياسي، وتكاد تكون حكومات موازية، تمارس سلطات لا تخوِّلها الدساتير بممارستها، وعلى الرغم من تلك القيود، أرى أننا مطالبون بعدم الاستسلام لهاتين السلطتين الجائرتين، إذا كنا نؤمن بدور الباحث والمبدع في خدمة قضايا أمته.

انتماءات مُتجذِّرة

اختلف العرب على اختيار مرشح عربي واحد لليونيسكو، كيف تنظر لهذا الأمر في ظل فرصة حقيقية نادرة قد لا تتكرر في عالمنا العربي؟

لو كنا نؤمن بأننا ننتمي إلى أمة واحدة بحق، لما كان هناك خلاف بشأن من يمثلنا في المحافل الثقافية أو الاقتصادية أو الرياضية أو غيرها، ولكن تجذُّر الانتماءات الإقليمية أو القطرية، يجعل كل كيان سياسي يشعر أنه أمة قائمة بذاتها.

بكل صراحة هل لا يزال الشعر ديوان العرب؟

لا، لم يعد الشعر - كما كان من قبل - ديوان العرب، فقد نافسته أجناس أدبية أخرى كالرواية، كما نافسته وسائل التواصل الحديثة.

عمت الفوضى الشعرية مواقع التواصل الاجتماعي، وأطلق كثيرون على أنفسهم لقب «شعراء» وهم لا يعرفون الفرق بين الخاطرة والشعر.. ما تعليقك؟

الفوضى والتطفل والادعاءات الكاذبة ظاهرة طبيعية موجودة في كل زمان ومكان، وعبر وسائل الاتصال الحديثة والتقليدية، ولو نظرنا حولنا، سنجد هناك من يدَّعون الإحاطة بالعلوم الشرعية، ويُفتون في أكثر المسائل تعقيداً، يُحللون ويُحرِّمون، ويبيحون قتل الإنسان بجرأة عجيبة، وإذا سألت عن حصيلتهم العلمية وجدتها لا تتجاوز ما يسمعون من دروس دينية تلقوها في الديوانيات، أو في مقرات اللجان التابعة للأحزاب السياسية الدينية، أما الشعر فيبدو أن له بريقاً خاصاً يجذب غير ذوي الاختصاص والقدرة، فيغرقون في بحوره، ولعل قصيدة النثر التي تحللت من قيود العروض، كانت عاملاً مهماً في إغراء من لا علاقة لهم بالشعر لكتابة ما يخطر ببالهم من ثرثرات، ظناً منهم أنهم دخلوا في زمرة الشعر، والمشكلة أن وسائل النثر المُعتبرة من دور نشر وصحافة وإذاعة وتلفزيون، لا تتردد في نشر أعمال لا تمت للشعر بصلة، الأمر الذي يغري غير ذوي الموهبة بتقليدها، أي أن الأمر لا يقتصر على النشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي لا تخضع للتقويم. وفي مراحل سابقة كان المسؤولون عن المجلات الثقافية والصفحات الثقافية في الجرائد، يقومون بدور مهم في نقد التجارب الإبداعية، وتوجيه المبتدئين وتنبيههم إلى أخطائهم بهدف تلافيها، ولكن هذا الدور لم يعد قائماً الآن.

يقال إنك لم تمسك العصا من الوسط يوماً، في إشارة إلى انحيازك الدائم إلى الحق، هل إمساك العصا من المنتصف ذكاء، أم حيلة جادة لتحقيق مصالح شخصية؟

أعتقد أن الناس يمتلكون قدرات متفاوتة في مواجهة الباطل والانتصار على الحق، ويعود ذلك لظروفهم الاجتماعية والاقتصادية وتكوينهم الثقافي، وبرأيي، ليس هناك من يرغب في الانتصار للباطل أو مهادنته، غير أن تلك الظروف قد تدفع بعضهم إلى المهادنة، أو إمساك العصا من منتصفها، وإلى جانب ذلك يبقى للضعف الإنساني دور هنا، فالترهيب والترغيب عاملان مؤثران في تغيير القناعات، فكم من مُدَّعٍ للنضال أغراه بريق الكرسي، فانقلب على عقبيه، وكم من مناضل حقيقي أرهقه الترهيب فاضطر إلى الاستسلام، وعلينا أن نتفهم ظروف الطرفين، ونلتمس لهما الأعذار، فهما نتاج ظروف اجتماعية واقتصادية وثقافية أمْلت عليهم سلوكهم.

ما أهم القضايا التي تشغلك اليوم؟

القضايا التي تشغلني اليوم هي ذاتها التي شغلتني منذ بدأت الكتابة، وهي واقع الأمة العربية من جهة، وقضايا العدل والحرية للإنسان من جهة أخرى.

درع الجائزة

سيتم تسليم درع جائزة القدس الأدبية للمفكر والشاعر خليفة الوقيان في افتتاح المؤتمر المقبل للاتحاد العام للأدباء العرب، الذي سينعقد في الجزائر في فبراير 2017، ويعد تكريم الوقيان تكريماً للحركة الأدبية الكويتية، التي خدمت الثقافة العربية، وكان تكريمه بمثابة دافع كبير لمواصلة العطاء والإبداع فيما يقدمه الأدباء في الكويت لخدمة أمتهم العربية. ويعد الشاعر الدكتور خليفة الوقيان أحد مؤسسي المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وأحد المدافعين الدائمين عن الثقافة والفنون، ومسيرة الحركة الثقافية في الكويت، ويتصف شعره بالأصالة قدر اتصافه بالحداثة، وكان حضوره في مختلف المنتديات الثقافية والأدبية محلياً وخارجياً يمثل أحد الوجوه المشرقة للحركة الثقافية في الكويت.

رسائل

سيرة ذاتية حافلة بالنجاحات

يعد الشاعر والمفكر الدكتور خليفة الوقيان من أبرز المهتمين بالقضية الفلسطينية التي تشكل مدينة القدس محورها الرئيس، وله الكثير من المؤلفات الخاصة بتلك القضية، منها كتابه «فلسطين في الشعر الكويتي» الذي طبعه المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب أخيراً بالتعاون مع رابطة الأدباء الكويتيين، بمناسبة اختيار مدينة الكويت عاصمة للثقافة الإسلامية للعام 2016.

وفي دراسته الجامعية التحق بكلية الآداب قسم اللغة العربية بجامعة الكويت، وفي عام 1970 حصل الوقيان على شهادة الليسانس، وفي مايو عام 1974م حصل على درجة الماجستير، وكان موضوعها «القضية العربية في الشعر الكويتي»، وهذه الرسالة كانت أول رسالة توصي الجامعة بطبعها على نفقاتها الخاصة، وفي يونيو عام 1980 حصل على درجة الدكتوراه في اللغة وآدابها، وكانت رسالته بعنوان «دراسة فنية في شعر البحتري»، وقد استطاع الشاعر الوقيان أن يحول أخبار البحتري، وصناعته الشعرية إلى مجموعة من القضايا التي تحتمل الحوار، واختلاف الآراء إلى جانب تحليله لكثير من قصائد الديوان.

مكانة

كنوز شعرية ثمينة

يحظى الشاعر خليفة الوقيان بمكانه ثقافية كبيرة في الإنتاج الإبداعي العربي، وله عدد من المؤلفات والكتب والإصدارات في مختلف جوانب الأدب والشعر، ومن دواوينه «المبحرون مع الرياح» و«تحولات الأزمنة» و«الخروج من الدائرة»، و«حصاد الريح»، و«ديوان خليفة الوقيان»، وغيرها.

وقد تم تكريمه في الدورة 11 من مهرجان الشارقة للشعر العربي تقديراً لمساهماته الشعرية وإثراء الساحة العربية بقصائد تفاعل الجمهور العربي والمحلي معها، وكانت فاعلة في كل المناسبات وشكّلت صورة عن الشعر العربي الثري القادر على التعبير عن حال إنسان المنطقة وعلاقته بنفسه والآخر والحياة، وتعبيراً عن العلاقات والأدوار وعن قوة الشعر العربي الفصيح.

وتقلد الوقيان العديد من المناصب الثقافية والأدبية، أثرى كل منها شعره في جانب ما، كما أضاف هو لها من خلال خبرته الكبيرة.

وخليفة الوقيان أحد مؤسسي رابطة الأدباء الكويتيين، وهو عضو مجلس إدارة مركز الدراسات والبحوث الكويتية، وعضو هيئة تحرير المجلة العربية للعلوم الإنسانية، وعضو هيئة تحرير سلسلة كتب عالم المعرفة، وعضو هيئة تحرير مجلة الثقافة العالمية، وعضو مجلس إدارة المجلة العربية للعلوم الإنسانية جامعة الكويت، وعضو مجلس الجوائز بمؤسسة الكويت للتقدم العلمي.

ــ الكاتب العربي أسير سلطتين «سياسية ودينية» تتناوبان خنقه

ــ القومية طريق خلاص الأمة من أمراضها المعاصرة

ــ تغييب الهوية واقع تمارسه جماعات أصولية تحارب انتماء المواطن لأمته

ــ لست سوداوياً في النظر إلى واقع الأمة رغم كونه مؤلماً

Email