هنري العويط مدير عام مؤسسة الفكر العربي لـ«البيان»:

مبادرة «عام القراءة» خلاقة والحاجة إليها فعلية

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

أكد الدكتور هنري العويط، المدير العامّ لمؤسّسة الفكر العربيّ، في حواره مع «البيان»، أن مبادرة «2016.. عام القراءة»، التي أطلقها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وعزز رسوخها وأفق تأثيرها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، مبادرة خلاقة، وأتت لتعزز دور القراءة والثقافة في عالمنا العربي أجمع.

ويرى العويط أن الحراك الثقافي الإماراتي ثري وله إسهامات كثيرة على مستوى الوطن العربي والعالم، مؤكداً اهتمام الإمارات بالبرامج الفكرية والفنية والمسرحية والمتاحف والمعارض والكتب وتنظيم الفعاليات.

انتهى مؤتمر «فكر 15» الذي تنظمه مؤسسة الفكر العربي بالشراكة مع الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، وخلص إلى نتائج كثيرة مهمة في واقعنا الثقافي العربي. كيف تقيم المؤتمر وفعالياته ونتائجه؟

يصعب على من يتولى إدارة أو تنظيم مؤتمر أن يقيّمه، لسببين، السبب الأول أخلاقي، فليس من المفترض من القائم بالعمل أن يقيّم عمله، لأنه سيرى الأمور كلها بعين الرضا، والأمر الثاني أنه يكون منخرطاً في العمل، ولكن أقول إن المهم الانطباعات عند المشاركين، ودائماً نحن نتطلب المزيد والأحسن والتحسين، ونسعى لذلك، ويمكن أن نقول مثلاً على صعيد التنظيم إنه، في ظني، كان جيداً ولم أسمع شكوى بخصوصه، أما على صعيد الاهتمام الرسمي والمشاركة الرسمية فكان هناك حضور متميز لمسؤولين وأصحاب قرار من أبوظبي ومن الإمارات كافة، ومن دول الخليج العربي ومن العالم العربي، أقصد أنه كانت هناك مشاركة واضحة من شخصيات رسمية.

وكذلك على صعيد المشاركين كنخب فكرية وثقافية ومثقفين وإعلاميين، وهذه السنة كانت المشاركة أكثر كثافة، ولاحظت ذلك في كل الجلسات، فغالباً ما كنت ألاحظ، خلال مشاركاتي في مؤتمرات كثيرة من قبل، أنه بعد الجلسة الافتتاحية الرسمية ينتهي الحدث وتصبح القاعات فارغة، أما في مؤتمر «فكر 15» فشاهدت التزاماً تاماً ورغبة واسعة في الحضور والمشاركة، فلم أجد قاعة إلا وفيها حضور كبير ومميز، فحتى في الجلسات المغلقة كان هناك حضور في الخارج ينتظرون ويتابعون، وهذا ـ بالنسبة إلي ـ يعني أن الموضوعات التي جرى اختيارها للمؤتمر كانت تستجيب لما يدور في عقول وأفكار النخب الثقافية، وأيضاً التزام من الحضور، لأنهم اعتبروا أن ما تتم مناقشته من أفكار وموضوعات يستحق الاهتمام والمتابعة.

أظن أنه كان هناك تجاوب في المؤتمر، صحيح أن الكمال لله وحده، ونحن نحاول ونسجل الملاحظات فيما إذا كانت هناك أشياء معينة، لكي يتم تداركها في المستقبل لتحسين الأداء وتحقيق الغاية المنشودة، لأن غاية المؤتمر نشر المعرفة وتكوينها.

تميز

كيف ترى، كمفكر ومثقف عربي، ماهية الحراك الثقافي في الإمارات؟

- بكل أمانه، ما تضمنه التقرير العربي التاسع للتنمية الثقافية، تحت عنوان: «الثقافة والتكامل الثقافي في دول مجلس التعاون: السياسات؛ المؤسّسات؛ التجليات»، يكشف أن الحراك الثقافي الإماراتي ثري وله إسهامات كثيرة على مستوى الوطن العربي والعالم، فهناك اهتمام من دولة الإمارات العربية بالبرامج الفكرية والفنية والمسرحية والمتاحف والمعارض والكتب وتنظيم الفعاليات والأمسيات الشعرية، والتقرير يقدم صورة واضحة تدل على أن هناك حيوية ونشاطاً وإنتاجاً على صعيد المؤسسات وعلى صعيد الإبداعات، من المؤسسات، سواء منها الحكومية والأهلية، بمعنى التي ليست مبادرات فردية، أي مؤسسات جماعية، ثم على صعيد إسهام الأدباء والمسرحين والشعراء والسينمائيين وإسهامات الروائيين، في إثراء المشهد الثقافي الإماراتي، إذ تلاحظ أن هناك حركة واعدة.

وأريد أن أشيد أيضاً بمبادرة «عام القراءة»، وهي مبادرة موضع تقدير، فهناك حاجة فعلية إلى تلك المبادرة، إذ إن الموضوع يستحق هذا الاهتمام والإشادة لسببين، الأول أن مشكلة القراءة حقيقية في العالم العربي الذي يعاني أساساً عدم القراءة، وثانياً فإنه مع وسائل التواصل الحديثة الذين كانوا يقرأون خفت حماستهم للقراءة، نحن نعاني مشكلة أننا لا نقرأ، وكل مبادرة تعنى بالتشجيع والحث على القراءة هي مبادرة ضرورية ومفيدة ومشكورة وموضع تقدير.

قضية عالمية

الهوية العربية تشكّل واحداً من التحديات الفكرية التي تواجه الباحثين والمفكرين، فهل هناك أزمة هوية في العالم العربي، وهل تعاني الهوية العربية تصدعاً؟ وما دور المؤسسات الفكرية في العلاج؟

طبعاً، توجد أزمة في الهوية على مستوى العالم العربي كله، قضية الهوية أصبحت قضية عالمية، وليست مشكلة دولة أو وطن بذاته، التحديات معروفة.، عندنا العناصر المكونة للهوية، مثلاً اللغة العربية هي أحد العناصر الرئيسة المكونة لهويتنا، ونعرف أن اللغة العربية تتعرض لكثير من التهديدات، أنا مع الانفتاح على اللغات والحضارات الأجنبية، ولكن لا بد من بذل المزيد من الجهود، لكي يكتسب الأطفال والناشئة عندنا مهارات اللغة العربية والقراءة بها والكتابة بالعربية والتعبير بالعربية، والتحديات واضحة، وفي منطقة الخليج العربي أكثر وضوحاً، بسبب تعدد الجنسيات المقيمة بها، وطغيان استخدام اللغات الأجنبية على حساب اللغة العربية، فاللغة عنصر مهم جداً، يكون داعماً لهويتنا العربية في حال قوتها، ويكون عنصراً مهدداً ومضعفاً للهوية العربية في حال النقص والضمور.

وبالنسبة إلى المؤسسات الفكرية، فدورها يبدأ بالتوعية لكي يشعر المواطن بالانتماء، وأريد أن أقول إن ما قامت به دولة الإمارات على هذا الصعيد تجربة رائدة وناجحة لتعزيز روح الانتماء والمواطنة، ويجب علينا الاستفادة منها، وهناك تحديات دائماً لبناء الدولة الوطنية، وهذا شيء مهم، وهناك كذلك الثوابت والقيم، كما هو ملاحظ أننا دخلنا في عصر العولمة والتفاعل، ويظل دوماً موضوع التوفيق بين الانفتاح على الآخرين وفكرة تعزيز الثوابت الثقافية، وكيف نقيم التوازن، فهذا يتطلب جهداً كبيراً، وعلينا أن نقوم بواجبنا ونؤدي دورنا في هذا.

«حضارة واحدة»

ماذا عن المشروعات المستقبلية لمؤسّسة الفكر العربيّ والمبادرات والبرامج التي ستطرحها في 2017؟

مؤسسة الفكر العربي هي مؤسّسة دولية أهلية مستقلّة، ليس لها ارتباط بالأنظمة أو بالتوجّهات الحزبية أو الطائفية، وهي مبادرة تضامنية بين الفكر والمال لتنمية الاعتزاز بثوابت الأمّة ومبادئها وقيمها وأخلاقها بنهج الحرية المسؤولة، وتُعنى بمختلف سبل المعرفة من علوم وتربية واقتصاد وإدارة وإعلام وآداب، في سبيل توحيد الجهود الفكرية والثقافية التي تدعو إلى تضامن الأمّة والنهوض بها والمحافظة على هويتها، وبكل أمانة، المؤسسة اكتسبت موقعاً، وهذا ليس كلامي، بل كلام مفكرين، ولله الحمد، المؤسسة اكتسبت سمعة طيبة ومصداقية، ومعروف عنها أنها غير تابعة لدول ولا حكومات ولا ديانات، بل هي مؤسسة فكرية مستقلة، وكل هذا يرتب علينا مزيداً من المسؤوليات.

هناك نقطة مهمة، ما أشار إليه صاحب السموّ الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز، رئيس مؤسسة الفكر العربي، ورئيس مجلس الأمناء، عندما قال: أدعو إلى نهج جديد، لم يدع العالم العربي فقط، بل دعانا كمسؤولين في المؤسسة إلى نهج جديد، لكي نخدم الرسالة التي أنشئت من أجلها المؤسسة، ولدينا برامج مستمرة، مثلاً صدر التقرير التاسع خلال هذا المؤتمر، في العام المقبل سيصدر التقرير العاشر، وكما تابعتم في الجلسات هناك مطالبات لأن تصدر المؤسسة أكثر من تقرير في السنة، لأن هناك حاجة إلى ذلك، وهناك المؤتمر السنوي للمؤسّسة العام المقبل، سيكون مؤتمر «فكر 16» فعالية ثقافيّة فكريّة بارزة، ومنصّة فريدة لتبادل الأفكار بين نخبة من صنّاع القرار والمفكّرين.

ولدينا برنامج «حضارة واحدة» لترجمة الكتب، ويهتم بقطف ثمار الفكر الأجنبي أينما أينعت، وجَنيها من شجر الفكر أيّاً كانت الأرض التي نبت فيها، أوروبيةً، أميركيةً أم شرقيةً من الصين، والهند، وروسيا، وشمال غرب آسيا، فضلاً عن القارة الإفريقية الزاخرة بالثقافات والإبداعات، وذلك لما فيه منفعة مجتمعاتنا العربيّة، حيث تولي المؤسّسة قضيّة الانفتاح الفكريّ أهميّة قصوى، بخاصّة لجهة الاطلاع على ثقافات العالم، وعلى فكر مختلف الحضارات وإبداعاتها، ونشر الثقافة العربيّة في الخارج، والتواصل مع العقول العربيّة المهاجرة والتفاعل معها، والحرص على التعاون الإنساني والفكري بين الأمم، والتسلّح بالمعرفة كسبيل للتطوّر على الصعد العلميّة والمعرفيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة كافة.

جانبان وضرورة

يوضح العويط في حديثه، أن وسائل التواصل الاجتماعي باتت موضوعاً خطيرً جداً، إذ إنها سيف بحدين، فهناك إمكانيات هائلة توفرها وسائل التواصل الحديثة يمكن استغلالها بشكل كامل في عملية التنوير والتثقيف والتربية وتعزيز القيم الإيجابية. ويضيف: ولكنها أيضاً في المقابل عناصر تهديد تنشر أفكاراً متطرفة، وتسهم في ذلك، هذا موضوع بالغ الدقة وبالغة الأهمية،. المهم كيف نربي الناشئة على السيطرة، كيف تربي الطفل لكيلا يكون مخدوعاً، كيف تحميه من الوقوع فريسة لفكر متطرف، أو أن يكون ضحية الخضوع لسيطرة جهة ما أو أفكار أو شخص معين عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

سيرة

مسيرة حافلة بالإنجازات الثقافية والتربوية

د. هنري العويط، المدير العامّ لمؤسّسة الفكر العربيّ، من مواليد بزيزا (قضاء الكورة – شمال لبنان) في عام 1947، حصل في عام 1969 على الإجازة التعليميّة في الفلسفة، ثمّ نال الإجازة التعليميّة والماجستير والدكتوراه عام 1986 بدرجة الامتياز في اللغة العربيّة وآدابها من جامعة القدّيس يوسف في بيروت. وتولى منصب الأمين العامّ لجامعة القدّيس يوسف عام 1982، ومدير دوائرها الأكاديميّة من عام 1990 إلى 2008. وتولى منصب نائب رئيس جامعة القِدّيس يوسُف للشؤون الأكاديميّة عام 2008 إلى 2014. حصل العويط على عضوية مجموعة من اللجان والهيئات التربويّة والفكريّة. وهو مستشار لدى منظّمة اليونسكو حول قضايا التربية والتعليم العالي في لبنان والعالم العربيّ، والمنسّق العامّ لجوائز الإبداع العربيّ ولجائزة أهمّ كتاب عربيّ (مؤسّسة الفكر العربيّ). وعضو الهيئة الاستشاريّة في "الفكر العربيّ" من 2006 إلى 2014.

برامج

التعلم ركيزة أساسية في خطط وبرامج المؤسسة

أكد هنري العويط أن قطاع التربية والتعليم يشكّل إحدى الركائز الأساسيّة في العمل التنموي والفكري والثقافي لمؤسّسة الفكر العربي، أن المؤسّسة أولت اهتماماً كبيراً بعملية الإصلاح التربوي والتعليمي بمكوّناته المختلفة، فهذا جانب من عملنا. لدينا كذلك جوائز مؤسّسة الفكر العربي، وهي «جائزة الإبداع العربي»، وتُوَّزع في سبعة مجالات مختلفة: (الإبداع العلمي، الإبداع التقني، الإبداع الاقتصادي، الإبداع المجتمعي، الإبداع الإعلامي، الإبداع الأدبي، الإبداع الفنّي)، و«جائزة أهمّ كتاب عربي». كما تمنح المؤسّسة جائزة تقديريّة لشخصيات عربية قيادية كان لها تأثير إيجابي واستثنائي في التنمية والقيادة في مجال عملها. ولدينا برامج الشباب. وطبعاً فإن جميع تلك المشروعات ستشكل موضوعاً للبناء والتطوير والتحديث فيها، لنتابع ترسيخ دور المؤسسة ومكانتها في حقل الثقافة والتنمية المعرفية العربية.

Email