شخصية العام الثقافية للدورة 35 من معرض الشارقة للكتاب

غسان سلامة: لن أكون محامي إفلاس «اليونسكو»

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

- غسان سلامة: لن أكون محامي إفلاس «اليونسكو» (PDF)

يعد المفكر والأكاديمي اللبناني د. غسان سلامة، وزير الثقافة اللبناني السابق، الذي يشغل منصب عميد معهد باريس للشؤون الدولية وأستاذ العلاقات الدولية في معهد العلوم السياسية (باريس) وفي جامعة كولومبيا (نيويورك)، من أبرز الشخصيات الاستشارية التي ظهرت في كثير من المناطق حول العالم كمستشار أو كمبعوث للأمم المتحدة.

فهو كاتب ومفكر وصحافي وأستاذ جامعي ودبلوماسي وأخيراً شخصية ثقافية عامة سيجري تكريمها في الشارقة يوم الأربعاء المقبل، حيث أعلن معرض الشارقة الدولي للكتاب عن اختياره شخصية العام الثقافية للدورة الخامسة والثلاثين للمعرض التي تقام في الفترة من 2-12 نوفمبر المقبل، وذلك تقديراً لسيرته الأكاديمية وعطاءاته الثقافية الحافلة بالإنجازات والمؤلفات التي شكلت إضافة قيّمة إلى خزانة المعرفة العربية.

في حديثه لـ«البيان» أضاء غسان سلامة نقاطاً كثيرة في شؤون الفكر والسياسة والثقافة، لكن النقطة الأهم أنه اعترف قائلاً: لست مرشحاً لرئاسة اليونسكو، هذا مجرد كلام وتكهنات، وأحاديث تدور هنا وهناك.

استقبلنا غسان سلامة في منزله بالدائرة 16 في حي باريسي راقٍ، فسألناه عن حقيقة ترشيحه لمنصب المدير العام لمنظمة اليونسكو، رد قائلاً:

فعلياً تم الإعلان عن فتح باب الترشح من قبل المجلس التنفيذي يوم 21 أكتوبر الجاري وسيستمر حتى 15 مارس المقبل، لا يوجد أسماء مرشحة حتى الآن، معدل الترشيحات كل دورة من 10 مرشحين إلى 12 مرشحاً، لكن هناك فكرة تقول إن العرب سيكون لهم هذا المنصب هذه المرة، والعرب منذ حوالي عشرين سنة وهم يبكون على حائط المنظمة الدولية رغم محاولات الراحل غازي القصيبي وكذلك فاروق حسني، واليوم هناك سبع دول عربية داخل المجلس التنفيذي لكن لا يوجد توافق بينها على مرشح وحد.

غياب التفاؤل

هذا يعني أنك لست متفائلاً ؟

الظروف العربية السائدة في المنطقة ستؤدي إلى فشل جديد للمجموعة العربية، المرشحون كثر، ولا توجد فرصة لأن يخترق المرشح العربي أياً من المجموعات غير العربية، فضلاً عن أن مسألة الترشيح ليست حكراً على الدولة التي ينتمي إليها المرشح، مثلاً الإسباني فيدريكو مايور، لم ترشحه إسبانيا بل رشحته الأرجنتين!

هل يعني هذا أن غسان سلامة سترشحه دولة أخرى غير لبنان ؟

لم أحسم قراري بعد بشأن الترشح، بسبب وضع المنظمة التي في حالة عجز مالي وبالتالي لن أكون محامي الإفلاس المالي، المنظمة بحاجة إلى 600 مليون دولار لسد العجز المالي. اليونسكو اليوم منظمة يتيمة لا تهتم بها الدول القادرة ولا تدعمها. وإذا شعرت أن هناك نية لإنقاذ المنظمة من الإفلاس سأفكر بالترشح، فضلاً عن أن العرب لا يوجد لهم مرشح وحيد وبالتالي لا أريد أن اكون المرشح رقم ثلاثة أو أربعة في لائحة المرشحين العرب.

التعليم أولاً

ما هو مشروعك الأبرز في حال تبوأت المنصب؟

سأولي التعليم الشأن الأهم لأن التعليم بات ثانوياً، حتى موضوع القراءة يمر من باب تطوير التعليم، علينا أن نطور المدرسة لتصبح القراءة امراً جماهيرياً، وعلينا ألا ننسى أن الحرب في سوريا دفعت الآلاف إلى خارج المدرسة، هؤلاء يمكن لنا أن نعلمهم عن بعد في ظل كل هذا التطور التكنولوجي، نعم سيكون التعليم هدفاً رئيسياً.

انعدام الثقة

الحديث عن الحرب في سوريا يقود نحو فريق الأخضر الإبراهيمي الذي عين مبعوثاً للأمم المتحدة، وأنت كنت مستشاراً لكوفي عنان من ربيع 2012 حتى خريف 2014، ما الذي دفع الأخضر لترك الموضوع السوري، ما هو تعليقك على ذلك؟

في الموضوع السوري كان التوافق المحلي مستحيلاً، وكذلك التوافق الإقليمي، وعليه فقد سعى كوفي عنان نحو توافق دولي وخاصة بين الدول الخمس دائمة العضوية وتم التوصل إلى اتفاق جنيف واحد بعد أن تم تعديله وكان هناك منذ البداية نقاط اختلاف بين روسيا وأميركا، ما حدث فعلاً أن كوفي عنان قرأ بيان جنيف 1، ومن ثم فسرت هيلاري كلينتون (كانت وزيرة خارجية آنذاك) بعض النقاط الغامضة في البيان بطريقة مختلفة عن تفسير لافروف، يومها شعرنا أن التوافق قد انتهى، فاستقال كوفي عنان.

فتم تكليف الأخضر الإبراهيمي وكنت إلى جانبه والتقينا معظم السوريين ولكن وجدنا أن روسيا منخرطة أكثر من اللازم وأميركا أقل من اللازم أي لم يكن هناك توازن فضلاً عن دخول الموضوع الأوكراني على الخط والمواجهة التي حصلت كأسخن حرب باردة بين روسيا والغرب عموماً، ثم زاد على ذلك أن اوباما لا يثق ببوتين الذي قال له لن أرسل قوات إلى أوكرانيا وفي اليوم التالي أرسل قواته إلى شبه جزيرة القرم، وكذلك انعدمت الثقة بين ميركل وبوتين، أي أن الرهان على الطرف الدولي كان خاسراً، فاستقلت من فريق الإبراهيمي لأسباب لها علاقة بالجامعة التي كنت أعمل فيها. ومن ثم استقال الإبراهيمي بعد فترة ليست طويلة، الملف كان شائكاً منذ البداية.

ابحثوا عن الفراغ

في شأن متصل أيضاً كيف تفسر ظاهرة داعش؟

قوة الدول من قوة شرعيتها، الشرعية تأتي من عدة نقاط: (التأسيس، الانتخابات، الإنجازات) لذلك الدول التي لديها شرعية منقوصة يصبح لديها فراغ (المثل الفرنسي يقول: الطبيعة تكره الفراغ)، عندما نرى مناطق من الفلوجة شرقاً إلى حلب وحماة غرباً نرى حجم الفراغ الكبير لأن هيبة الدولة منقوصة. وهو حال ولايتين في شرق نيجيريا فارغة من السلطة فظهرت فيها بوكو حرام، اليوم هناك حوالي 50 أو 60 دولة من أصل 193 دولة حول العالم لديها فراغ في الفضاء السياسي والفكري والإداري في كثير من المناطق حيث تستولي فيها حركات متطرفة بأشكالها والدولة عاجزة عن فعل أي شيء حيالها.

لقد حذرنا الأمم المتحدة من هذه الفراغات التي قد تؤدي إلى القاعدة أو داعش أو بوكو حرام أو غيرها، أو تتحول إلى الانفصال كما هو الحال في جنوب السودان، أو أن تبقى في حالة (السِبا) حيث كان المؤرخون في المغرب العربي يقسمون الدول إلى قسمين بلاد المخزن وبلا السِبا، المخزن هي بلاد الإدارة والحكم المباشر والملموس والتي تخزن فيها المواسم، والسِبا وليس فيها حكم مباشر، حيث يمكن أن يحكمها النظام القبلي، الديني أو من يتمكن من السيطرة عليها. لكن السؤال الجوهري هو من سيرث داعش؟.

ترييف المدن

ألا توجد شرعية في تلك المناطق التي تذكرها في سوريا أو العراق او غيرها من الدول؟

لقد جاءت نُخب التحرر العربية بمشروع وطني، ولكنه ظل على ما هو عليه، وجرى الاهتمام في مناطق تواجد النُخب، مثلاً خلال القرن العشرين سكان بغداد زاد عددهم سبع مرات، سكان دمشق زاد عددهم خلال نصف قرن خمس مرات، نحن أمام ظاهرة ترييف المدن ودخلت إليها العصائب وجاء أهل الريف بثقافتهم ونشروها في المدينة، ولو نظرنا إلى الضواحي الجديدة في بيروت أو دمشق أو بغداد لوجدنا أن التكاثر السكاني يحصل نتيجة الأصل الجغرافي، حيث الولادات المرتفعة تكون في تلك المناطق.

فقر وعشوائيات

أليست هذه ظاهرة عالمية وليست حكراً على المنطقة فقط؟

ما حصل في العالم كان خلال قرنين حيث انتقل عدد كبير من سكان الريف إلى لندن نتيجة الثورة الصناعية بينما ما حصل في دمشق مثلاً انه ارتفع عدد سكانها من مليونين إلى خمسة ملايين خلال أربعين عاماً، الثورة الصناعية في لندن ساعدت في حركة الانتقال المنتظمة إلى مصانع النسيج وغيرها ولم يقابلها لدينا سوى ضعف الاهتمام بالريف وقلة التنمية وانعدام الفرص فانتقل الريف للمدينة حيث احزمة الفقر والعشوائيات وغيرها.

الإمارات حاضرة ثقافياً

في معرض رده على تساؤل «البيان» عن رأيه حول الحراك الثقافي في الإمارات من موقعه كمطلع على الشأن الثقافي، بوصفه وزيراً للثقافة، وأستاذاً جامعياً ومؤلفاً لكتب كثيرة في الشأن السياسي والفكري، وأخيراً شخصية العام الثقافية في معرض الشارقة الدولي للكتاب.. قال:

أشكر الشارقة على اختياري لشخصية المعرض الثقافية، وأشكر الإمارات على هذه الثقة، لأن الإمارات أصبحت حاضرة في الحراك الثقافي بشكل عام مع الجوائز الكثيرة في أبوظبي ودبي والشارقة ولا ننسى حركة النشر الواسعة التي بدأت تشق طريقها في عالم النشر العربي، فضلاً عن أوبرا دبي والمتاحف في السعديات وغيرها.. إضافة لهذا الحراك الطيب جاءت مبادرات القراءة تشي بقرار سياسي لتحريك الجانب الثقافي في رسالة واضحة مفادها أن الدولة تولي الثقافة اهتماماً قوياً وهذا أمر عظيم في أي مجتمع.

تجربة خصبة تثري ساحات السياسة والثقافة والعمل الدولي

ولد غسان سلامة سنة 1951 في لبنان ودرس القانون (جامعة القديس يوسف) والقانون الدولي (جامعة باريس)، ثم حاز درجة دكتوراه في العلوم السياسية (جامعة السوربون) ودكتوراه في الآداب (جامعة باريس الثالثة). وقد أمضى الجزء الأكبر من وقته لاحقاً في تدريس العلاقات الدولية، نظرية وتطبيقاً، في عدد من الجامعات اللبنانية والفرنسية والأميركية.

شغل منصب وزير الثقافة في لبنان بين عامي 2000 و2003، وكلف بمهام خاصة إلى جانب حقيبته مثل تنظيم قمة بيروت العربية والقمة الفرنكوفونية في لبنان، فكان في كلتيهما رئيساً للهيئة التنظيمية وناطقاً رسمياً. عيّن مستشاراً سياسياً لبعثة الأمم المتحدة في العراق (2003)، ثم عيّن بعدها مستشاراً خاصاً للأمين العام للأمم المتحدة (2003-2006).

اختير عضواً في عدد من المنظمات العالمية غير الحكومية ومنها حالياً مجموعة الأزمات العالمية (بروكسيل)، مؤسسة «أوبن سوساييتيه» (نيويورك)، مكتبة الإسكندرية، مركز حل النزاعات (نيويورك) ومركز العمل الإنساني (جنيف). هو أحد مؤسسي الصندوق العربي للثقافة والفنون ويرأس مجلس أمنائه منذ انطلاقته في العام 2007.

له العديد من المؤلفات بالفرنسية والعربية منها: «المجتمع والدولة في المشرق العربي»، «السياسة الخارجية السعودية منذ عام 1945 دراسة في العلاقات الدولية»، «نحو عقد عربي جديد - بحث في الشرعية الدستورية»، «من الارتباك إلى الفعل: التحولات العالمية وآثارها العربية»، «أمريكا والعالم: إغراء القوة ومداها» وسواها. كما له مساهمات كبرى في المجلّات المختصة بالشؤون الدولية.

Email