في حوار بمناسبة عام القراءة واحتفاء ملتقى السرد بـ «شاهندة»

راشد النعيمي لـ« البيان »: مستمرون بالجرأة والمغامرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

كان حواراً مختلفاً بكل المقاييس، تحدث فيه راشد عبد الله النعيمي، وزير الخارجية السابق، والأديب الإماراتي الرائد في مجال الرواية، فقد جلسنا إليه في بيته العامر في ضاحية من ضواحي أبوظبي، بمناسبة احتفاء وزارة الثقافة وتنمية المعرفة بروايته الشهيرة «شاهندة» على هامش ملتقى السرد الخليجي الذي عقد منتصف الشهر الجاري في الإمارات، وكذلك بمناسبة عام القراءة الراهن، فالحديث مع رجل مثقف وقارئ نهم ومبدع جريء الفكرة وجميل العبارة مثله يعد كنزاً سعينا لاكتشافه، إلا أنه وكعادته في الجرأة باغتنا بأنه عاشق كبير للاكتشاف والإبداع حتى أثناء عمله السياسي طوال عقود قدم خلالها صورة سمحة للإمارات في الخارج بأفضل وأصدق تعبير، صورة كلها خير وسلام وجمال.

راشد النعيمي، الديبلوماسية روضته شيئاً ما، ولذلك لم يكشف لنا عما يعكف عليه من عمل أدبي نخمن أنه موجود، لأنه أوحي إلينا بالقضية التي تشغل باله وتستحق المعالجة الأدبية، قال: هي قضية تداعيات التحول الاجتماعي وإفرازات الحداثة والانتقال من مجتمع البداوة إلى المدنية في أقصى تجلياتها دون أن يفقد الإنسان توازنه وذاته وانتماءه.

ومما قاله لنا إنه يشعر الآن بالسعادة لأنه ما يزال يعمل ويأمل ويكسب ويتأمل، وأما متعته التي لا تدانيها متعة، فهي كامنة في عادة القراءة التي ما فارقته قط منذ شبابه وحتى الآن.

حدثنا عن المرأة بكلام عجيب وجميل يشبهها، كلام لن تجدوه أدناه نسبة لضيق المساحة، كما لن تجدوا هنا إفادات بهيجة ورائعة أخرى حول الفكر والفلسفة، لأنه فضل ألا نوردها...

أهلاً براشد النعيمي على صفحات «البيان»..

لنبدأ بتشخيص وتوصيف الثقافة الإماراتية.. ما هي وجوه خصوصية الثقافة العربية في الإمارات؟

أشكر صحيفة «البيان» الغراء على هذا الاهتمام، ثم إن مجتمعنا في الأساس يستمد ثقافته من مصدرين أساسيين هما، ثقافة البادية أو البر وثقافة البحر، وفي الحالين هي ثقافة فيها غناء وموسيقى وشعر وتمثيل ونشاط اجتماعي وأحلام كثيرة، كانوا يسعون لتحقيقها، هذه أسس انبنى عليها مجتمع الإمارات منذ أمد بعيد، وذاك ما ندعوه بمجتمع الأصالة الذي أعقبه مجتمع الحداثة، ومعطيات الحداثة، التي تزامنت مع ظهور النفط، شغلت الناس، لأنها طرحت قيماً وشروطاً جديدة، بينها ثقافة السوق واحتياجات الناس وتطلعاتهم التي لا تكف، خصوصاً أنه قد تكاثرت علينا الثقافات من كل مكان مع التحول الاجتماعي والاقتصادي الذي فرضته الظروف الجديدة.

مجتمع الإمارات، مجتمع صغير، ولكنه نشط وفعال، يأخذ بأسباب المدنية المعاصرة على مستويات الحياة كل. وشبابنا اليوم مطلعون على كثير من وسائل ومنابع المعرفة، دون أن نتخلى عن خصائص مجتمع الأصالة، خصوصاً في ظل الدعم الرسمي والمؤسسي للثقافة بمصادرها المختلفة، وهذا مما أثرى حياتنا الثقافية وزاد زخمها المشهود للعيان اليوم.

أنت ترصد إذاً الحراك الثقافي المحلي وتقرأ مخرجاته؟

معارض الكتب في الشارقة وأبوظبي، بهذا الحجم، من الكتب ومن الزوار الذين يأتون من خارج الدولة ومن داخلها بمختلف شرائحهم، وهذا الحجم من الإصدارات الحديثة والمتنوعة وهذا العدد من اللغات ومن الأنشطة يجعلك تندهش، لأن هناك دولاً أكبر وأقدم في الأخذ بأسباب الحداثة إلا أنها لا تملك مثل هذا المنجز الكبير، ناهيك عن المهرجانات الثقافية والمسرحية والتراثية وغيرها، الساحة المحلية تمور وتتوهج بإشراقات المعرفة والثقافة وذلك بفضل اهتمام القيادة الرشيدة وتفاعل المجتمع كذلك، وهذه مؤشرات إيجابية مهمة تدل على سرعة استجابة المجتمع لجهود التنمية الشاملة وظهور ثمرات العمل من أجل الإنسان.

أفكار المهندس

حينما قدمت للساحة رواية (شاهندة) أول رواية إماراتية في مستهل السبعينات، بمعنى أنها كتبت في الستينات، لم يكن مجتمع المدينة حينئذ قد تبلور بالنضج الذي يسمح بإنتاج ( رواية) عمل أدبي هو من إفرازات ثقافة المدينة، فمن أين كنت تستمد ثقافتك الشخصية، خارج إطار البحر والبادية؟

دراساتي وقراءاتي تتعلق بصور وتجليات الثقافة عموماً وليس تحديداً تلك المعارف المستمدة من الكتب فحسب، أنا دراساتي كانت في البداية مرتبطة بالعلوم الدينية والعربية، وهي الأساس، وفيما بعد درست الهندسة، وكما تعلم فإن دراسة الهندسة تمنحك قدرة تحديد المعلومة وقيمتها، من حيث الفائدة والضرر، فالمعلومة ليست مفيدة دائماً، بل أحياناً ربما تكون ضارة، ثم أنا أقرأ كثيراً.

في أي مجال؟

في مجال عملي الهندسي مثلًا، وفي المجالات الأخرى التي عملت بها، فقد مارست العمل الإعلامي كذلك، وكان ذلك خلال الستينات مع بداية تأسيس منطلقات النهضة. كانت لدي رغبة شخصية في استزادة المعرفة والكتاب كان رفيقي في كل مكان، وحتى الآن أنا أقرأ كثيراً حتى أنني أتعب أحياناً من كثرة القراءة وطول ساعاتها.

لمن تقرأ ؟

أقرأ كل ما أحصل عليه، بدءاً من تلاوة القرآن الكريم في الصباح الباكر، إلى كتب لها علاقة بالفلسفة، وأجد متعة في قراءاتي المتنوعة.

في مجال الرواية، لمن قرأتَ حتى تدربتَ على فنيات كتابة الرواية؟

الرواية ليست وليدة قراءات سابقة، إنها منظور ورؤية لمجتمع، أنا التقطت تفاصيل مجتمعنا في ذلك الوقت، ربما كان إقدامي على هذا ينطوي على كثير من الجرأة، وربما التجريح، ربما الآن لو أن كاتبا كتب، فلن يستطيع أن يذكر أشياء ليست كلها بيضاء، فلكل مجتمع عيوب، ولكنه غالباً لا يحبذ أن يظهر عيوبه تلك.

لو أنك استقبلت الآن ما استدبرت، فهل كنت ستكتب «شاهندة» بنفس الجرأة التي تناولت بها قضية السلوك الاجتماعي؟

كنا جريئين، ومكتشفين، ومغامرين، ولا زلنا، ولذلك فنحن مستمرون!

رائع !

حياتنا هكذا لن تتطور وتتقدم إلا إذا اكتشفنا وابتكرنا وأبدعنا بشجاعة، ولا بأس من بعض العراقيل والمشاق، فهذا هو قدر المبدعين، ورواية شاهندة لولا جرأتها في الطرح وكشفها العيوب لاندثرت، فهذه هي قيمتها الأساسية ولذلك فهي ما تزال مذكورة وتثير الاهتمام، بسبب المضمون تحديداً.

نقد ذاتي

كيف ترى ( شاهندة) الآن من منظور فني ( تكنيك الرواية)؟

هي بدائية إذا قمت بتطبيق شروط الرواية الحديثة عليها بصرامة، فالرواية معقدة في بنائها الفني، وأما شاهندة فلم تخضع لأي شروط، وإنما جاءت هكذا بصدق، وقيمتها في طرحها وجرأتها وتعريتها للواقع بحذافيره.. ميزتها في بساطتها وعدم تكلفها، ولذلك ظلت مثيرة للجدل وللأسئلة.

قلة من الكتاب اليوم يستطيعون امتلاك الجرأة ذاتها، فهل وجدت نزعة مماثلة اليوم؟

أعتقد أنه من شروط الكاتب، لكي يكون كاتباً حقيقياً، أن يتسم بالشجاعة والمغامرة في الطرح حين يتناول ظاهرة اجتماعية تستحق الرصد والمعالجة عبر التعبير الأدبي النقدي، وإلا فإن الكتابة المائعة السهلة التي لا تعبر عن القضية بقوة نقدية فعالة، هي كتابة لا تبقى.

هنالك كتاب أعتبرهم أكثر «شطارة» في تناول وتقديم الظواهر الاجتماعية بصورة إيجابية أو مجازية كنائية تفهم بطريقة غير مباشرة، هذا ممكن، ولكن في نظري فإن بعض الأمور تحتاج أحياناً إلى تلميح، وبعضها يحتاج إلى تصريح والبعض الآخر لا بد له من تجريح.

لماذا لم تكتب سوى رواية واحدة؟

تقصد أني نشرتُ رواية واحدة.

سأخمن على الفور هنا أنك تمتلك مسودة أو أكثر لروايات أخرى لم تر النور، يسعدنا أن تميط اللثام عن ذلك عبر هذا الحوار.

في الحقيقة أنني عقب نشر «شاهندة» شُغلت عن الثقافة بالسياسة، وقد تعلم أن السياسة تأخذ كل وقتك، فهي لا تترك وقتاً للإبداع الفكري والأدبي، خصوصاً أن للسياسة خصوصيتها الإبداعية أيضاً، فيها ابتكارات، وهناك يكون مطلوباً منك أن تبتكر في كل يوم شيئاً جديداً، علماً بأنه في كل مرة تمر عليك مسألة جديدة تحتاج إلى مواجهتها بروح خلاقة ومبدعة، هذا كله يوجه طاقاتك الإبداعية نحو حقل جديد واسع ومتجدد ويتسم بالتحدي المستمر، فضلاً عن ذلك فقد جعلت ما أجده من وقت فراغ للقراءة، أنا أستمتع كثيراً بالقراءة أكثر مما استمتع بالكتابة.

عصارة تجربة

ما هو تعريفك للكتابة؟

الكتابة الحقيقية وحي، وأمل وهوس، وإلا فستتحول إلى تقرير وتكرار لأشياء سمعها أحدنا أو قرأها من قبل، ولذلك تجد أن أكثر المبدعين تميزاً كانوا يتهمونهم بالسحر وادعاء النبوة وبالجنون أحياناً.

إذا أردنا أن نقارن بين معطيات الساحة الثقافية الإماراتية في الستينات والسبعينات من جهة وواقع الحال الآن، فأي الحقبتين يبدو كتابها ومبدعوها أكثر وعياً وتعبيراً عن قضايا المرحلة وإفرازاتها الاجتماعية، أي الجيلين يتعاطى مع الكتابة كهم ومسؤولية؟

التنوع الثقافي في الوقت الحاضر كثير، ومصادره أيضاً جديدة ومتجددة ومتطورة وهي تعمل على إثراء مجتمعنا، والمتلقي اليوم وعيه وإدراكه أكبر من ذي قبل، وهكذا فإن تفاعل الطرفين، الكم المعرفي وعمق الوعي به لابد أن يفرز منتجاً أكثر غنى، إلا أنه لا بد للمجتمع أن يغربل ويختار الأفضل منه، والملاحظ أن تدفق المعلومات لا يسمح لك أن تفرز وتنتقي بسرعة، ولذلك يبقى المرء في حالة تلقي لكم هائل من المعارف والمعلومات والثقافات التي ترد إليها من كل مكان وتضطر لمجاراتها وتقليدها أحياناً.

ومن المهم أن أذكر أنك في حالة الثقافة لا تستطيع أن تفصل الجرعة المعرفة على مقاس غيرك، فأنت في هذه الحالة لا تملك إلا نفسك، فتأخذ ما يناسبك.

هل حاولت أن تعبر عن مكنوناتك بأشكال تعبيرية أخرى غير الرواية، التشكيل مثلاً أو الشعر الخ؟

كل ما ذكرته أنت يتعلق بشيء واحد دائماً، هو الجمال، فالجمال هو أهم قيمة مكنونة في الأشياء، وكل وسائل التعبير تحاول أن تبحث عن الجمال المخبوء في الأشياء، وعن الأشياء التي تعكر جمال الأشياء أيضاً وذلك بهدف تنقية جوهر الأشياء، وخلال ممارستي السياسة وزيراً للخارجية ( لثمان وعشرين سنة) مررت بأشياء جميلة، وربما أجمل من الرواية.

قضية راهنة

يوصي راشد النعيمي بأن هناك قضية أهم مما تناولته روايته «شاهندة»، ويتعين الانفعال بها عبر أعمال سردية جديدة يقول: هذا الشخص الذي خرج من بيت شعبي في البادية ليذهب إلى لندن أو نيويورك ليتعلم، ما الذي يحدث له من تأثير ينعكس على علاقته بمجتمعه ؟ هل يأخذ بأيديهم إلى طور جديد أم يعود إلى ماضيه أم يعتزل ثقافياً و لكم حياتكم ولي حياتي؟

ملتقى شاهندة

ملتقى «شاهندة للإبداع الروائي الخليجي» هو منتدى سنوي تنظمه دائرة الثقافة والإعلام بعجمان تحت رعاية سمو الشيخ عمار بن حميد النعيمي ولي عهد عجمان رئيس المجلس التنفيذي بمشاركة نخبة من أهم روائيي ونقاد دول مجلس التعاون الخليجي.

ويشارك فيه الأديب الكبير راشد عبدالله النعيمي والشيوخ وأعضاء السلك الدبلوماسي المعتمدون لدى الدولة ومديرو الدوائر وكبار المسؤولين والمهتمون بشؤون الثقافة.

الملتقى تكريم لراشد عبدالله النعيمي وتقديراً لجهوده الروائية ودعمه للمسيرة الثقافية والأدبية في الدولة..

شاهندة.. ريادة الرواية الإماراتية

رواية "شاهندة" لراشد عبد الله النعيمي هي أول رواية إماراتية صدرت 1971م أول مرة وحظيت بطبعات عدة. تتحدث حكايتها عن الفتاة شاهندة فائقة الجمال التي يتمناها الجميع، اختطفها ووالديها نخاس، وقام ببيعهم، فتبدأ قصة شاهندة من هنا حيث تنطلق محاولات الجميع للحصول عليها. وصفت الرواية التي كُتبت من وحي الحقيقة بالتفصيل تجارة الرقيق والنساء، من خلال استعراض حياة جارية اسمها شاهندة اختطفها التجار من بلدها وباعوها في بلد آخر.

هي فتاة مكتملة الأنوثة في الـ17 من عمرها نزلت بإحدى مدن الساحل بحثاً عن الرزق، لتتلقفها يد أحد النخاسين، بعد فترة اشتد عودها وردت الصاع صاعين لمن باعها ومن استعبدها وانتقمت بشكل قاسٍ من الجميع، فأصبحت (خرّابة بيوت) تنتقم لمجرد الانتقام من مجتمع ترى أنها ضحية له.

رواية (شاهندة) لراشد عبد الله النعيمي، التي صدرت عام 1971، تستحقُّ صفة الرِّيادة الروائيّة لجمعها بين أمرين: أمر لا علاقة للروائي راشد عبد الله به، هو (السَّبْق الزّمنيّ)، وأمر هو الجهد الفنيّ لراشد عبد الله الذي جعل هذا النصَّ الروائيّ يبقى حيّاً بعد كل هذه السنوات على طباعته للمرّة الأولى.

سيرة الأديب بين العمل والأمل

وُلد الأديب راشد عبد الله النعيمي في إمارة عجمان في دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1937 ونشأ فيها. حصل على شهادة الثانوية من دولة قطر، أكمل دراسته الجامعية وحصل على بكالوريوس في هندسة البترول من جامعة القاهرة عام 1967 بالإضافة إلى دراسات في اقتصادات البترول. عين سفيراً عام 1974، وشغل منصب وكيل وزارة الإعلام والسياحة عام 1972، وشغل قبلها مدير دائرة الإعلام والسياحة في إمارة أبوظبي عام 1970.

تدرج قبل عمله في وزارة الخارجية، في عدد من الوظائف والمناصب في دائرة شؤون النفط والصناعة بإمارة أبوظبي، بدأها بشغل منصب نائب مدير شؤون النفط، وأنهاها بتسلم منصب مدير إدارة البترول في تلك الدائرة عام 1970.

شغل راشد النعيمي منصب وزير الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة خلال الفترة 1977-2006

عبر عن أفكاره ورؤاه في عدة مقالات نشرت في الصحف.

أصدر النعيمي عام 1972 كتاباً توثيقياً مهماً بعنوان ( زايد من مدينة العين إلى رئاسة الاتحاد) عرض الكتاب بالقراءة التاريخية مسيرة القائد المؤسس زايد .

Email