بين العاطفة والمنطق يقف القلم شامخاً ليحاور القلب والعقل، فيغازل الأول ويقنع الثاني، وبين أناقة الأسلوب، ووعي الفكرة، يجد القارئ نفسه أمام روائية من نوع خاص، قصدت القلم فمنحها مداده، واحتضنته فأمدَّها برحيق حبره، وأقبلت عليه بإصرارٍ جعل إصداراتها تتهادى واحداً تلو الآخر، بغزارة إنتاجية كشفت عن فكر خصب، وأرض لا تعترف بمواسم معينة للغرس والحصاد.
فتحية النمر، روائية اعتنقت الكتابة متأخرة بعض الشيء، إلا أن تجربتها الأدبية أثبتت بأن الإبداع لا يرتبط بالزمن، وأن الموهبة الحقيقية لا بد أن ترى النور يوماً ما.
«البيان» تواصلت مع النمر، في حوار ذكرت فيه أن الكاتب ضمير المجتمع، وأيَّدت أن بعض دور النشر المحلية ساهمت في خلق حالة من الفوضى، مستعرضة مشكلة إغراء الرواية الإماراتية ما جعلها المجال الأكثر للتخبط العشوائي.
أسئلة الرواية
بداية، ما المشكلات الحقيقية التي تعانيها الرواية الإماراتية، ومن المسؤول عنها؟
مشكلات كثيرة، أولها أن الرواية أصبحت المجال الأكثر إغراءً وشهوة للولوج والتخبط العشوائي، من غير وجهة محددة ولا موازين واضحة، وثانيها أن الكثير من الموضوعات المطروحة لا يهم الناس، أو يرتبط بالماضي البعيد، رغم أن القارئ يريد أن يرى نفسه ويحس بأوجاعه ويلامس أسئلته فيما يقرأ.
حالة فوضى
طرحت دور نشر محلية إصدارات روائية لأسماء شابة جديدة، إلا أن مستواها تراوح بين الجيد والضعيف، فهل تؤيدين أن بعض دور النشر ساهم في خلق حالة من الفوضى؟
فعلاً، هذا صحيح، ويدهشني حمل بعض الكُتاب الجدد لقب روائيين رغم امتلاكهم لرواية واحدة فقط، وبرأيي أن على الشباب ألا يستسهلوا الأمر ويقحموا أنفسهم في كتابات ونصوص غريبة ليست من الرواية في شيء مُتلحفين بغطاء الرواية، ومطلقين على أنفسهم لقب روائيين، فالتأني مطلوب، والاستمرار في كتابة القصة حتى تكتمل الأدوات أمر مهم للانتقال للخطوة التالية.
جدل
تتعاملين مع الرجل والمرأة على أنهما قطبا الطبيعة الأساسيان، ولا تخشين الخوض في الحديث عن العلاقة بينهما بأسلوبك الراقي، ألا ترين - رغم ذلك - أنكِ قد تثيرين بعض الجدل الذي لا يحمد المجتمع عواقبه؟
لم يحدث ذلك الجدل، والسبب أسلوبي في الطرح، وبرأيي أنه يمكننا أن نعبر عما يثيرنا وما يكتنز في دواخلنا بأدب واحترام دون ابتذال أو خدش للحياء، ثم أنني لا أتبلى على أحد، أو أتطرق إلى ما هو ليس موجود، وفي حال تطرقت لأمور غير مقبولة مجتمعياً ولكنها موجودة، فليس في هذا شيء.
جمالية فنية
تستنكرين الادعاءات التي تعكس المرأة الإماراتية كمظلومة ومقيدة بسلاسل المجتمع، ألا ترين أن الأديبة الإماراتية تساهم في خلق هذه الادعاءات بخوفها واختبائها وراء التلميح، أو لجوئها لمناطق أكثر أماناً كالكتابة للأطفال؟
التلميح أولاً ليس بخوف، بل هو جمالية فنية وأمر مطلوب، وأنا لا أرى الخوف في الكتابات النسوية، والدليل ما تفرزه الأقلام الأنثوية، فنحن لا نكتب إلا ما نشعر به، وهذا موجود ومعروف ولا داعي للخوف منه.
ظمأ
قلتِ في حوار سابق أن الرواية الإماراتية لا تروي ظمأك، لماذا؟
الرواية تروي ظمئي في حال أعطتني المعلومة والخبر، أو واجهتني بالشخصيات المتنوعة وأطباعها، وزودتني بالفائدة والمتعة، أما إذا كانت مجرد كلام مزخرف لا معنى له، أو كانت سطحية، أو تعالج موضوعات لا تهمني، فلا تروقني سواء كانت إماراتية أو عربية أو حتى عالمية.
هل يحق للأديب والفنان ما لا يحق لغيرهما من حيث التعبير تحت مسمى الإبداع، وبغض النظر ما إذا كان صحيحاً أو خاطئاً ؟
حرية التعبير حق لكل إنسان كفله له القانون والدستور، أما بالنسبة للكاتب فالأمر مضاعف، فهو ضمير المجتمع ووجهه الحقيقي الصادق، وعليه التعبير بوعي ومسؤولية وتحري الرقابة الذاتية.
لديك في رصيدك الأدبي أربع روايات، ما جديدك؟
صدرت لي مجموعة قصصية بعنوان «هي ولا أحد» مع مجلة «الرافد» لهذا الشهر، إضافة إلى نصوص بعنوان «رسائل بدون عنوان»، ونص روائي كامل ينتظر الطباعة بعنوان «اختراقات مشروعة».
هل الجهود التي تقوم بها الجهات الثقافية المختلفة في الدولة كافية لدعم الحراك الأدبي؟
الجهود كبيرة والحراك واضح، وحالنا أفضل من غيرنا، ولكن سقف طموحاتنا عالٍ، ونحن الآن في مرحلة يغلب عليها الكم لكننا بالاستمرار سنبلغ مرحلة الكيف والجودة النوعية.
حلم درامي
تحلم فتحية النمر بتحويل أعمالها للدراما والتلفزيون كي تأخذ كامل الأبعاد ويصبح أثرها مرئياً ومشاهداً، مشيرة إلى أن الأمر ليس سهلاً والسبب يعود لمزاجية جهات التنفيذ والعلاقات، ولافتة إلى أن المسألة لا علاقة لها بالجودة، فكثير من النصوص العادية وغير المتميزة في شيء تم تحويلها إلى صورة مرئية والسبب في ذلك العلاقات.

