يؤرخ لـ 17 قرناً ويعتبر حدثاً تاريخياً غير مسبوق في خدمة لغة الضاد

سلطان القاسمي يطلق المجلدات الأولى من «المعجم التاريخي للغة العربية»

ت + ت - الحجم الطبيعي

أطلق صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، المجلدات الأولى من «المعجم التاريخي للغة العربية»؛ المشروع المعرفي الأكبر للأمة، الذي يؤرّخُ للمرة الأولى تاريخ مفردات لغة الضاد وتحولات استخدامها، عبر 17 قرناً «منذ عصر ما قبل الإسلام إلى عصرنا الحاضر»، وذلك في إنجاز غير مسبوق، ولحظة مفصلية في تاريخ اللغة العربية.

جاء ذلك خلال حفل أقامه صاحب السمو حاكم الشارقة، صباح أمس، في مدينة خورفكان بحضور عدد من رؤساء مجامع اللغة العربية، وكبار علماء اللغة العربية والفقهاء في العالم العربي.

ووجه صاحب السمو حاكم الشارقة بهذه المناسبة رسالة إلى أبناء الثقافة العربية والناطقين بلغة الضاد ومجتمع الباحثين والدارسين لمختلف الحقوق الفكرية والعلمية والأدبية رسالة، قال فيها «يطيب لي أن أرحب بكم في بلدكم، أنتم في محضن العربية وموطنها.

في البداية، أتقدم بالشكر الوافر والعرفان الصادق والدعاء الخالص إلى كل الذين أسهموا وشاركوا في تحرير المعجم التاريخي للغة العربية، وفي مقدمتهم اتّحادُ المجامع اللغوية العلمية العربية، تحت رئاسة الشيخ الفاضل الدكتور حسن الشافعي وجميع العلماء اللغويين العاملين معه».

وأضاف سموه «كما أتوجّهُ بالشكر الجزيل لكم، أنتم رؤساء المجامع اللغوية، الذين شاركتم في هذا المشروع، والشكر موصول لأعضاء المجلس العلمي ولأبنائي وبناتي في اللجنة التنفيذية في مجمع اللغة العربية بالشارقة، ولجميع المحررين والخبراء والمقررين؛ فجزاكم الله جميعاً خير الجزاء».

حرص

وتابع سموه: «إنّ مشروع المعجم التاريخي للغة العربية كان حلماً يراودني منذ زمن بعيد، وازداد حرصي على دعمه وإخراجِه لمّا علمت أن المحاولات السابقة جانبها التوفيق لأسباب متعددة فاستخرت الله العلي العظيم أن يعيننا على إنجازه.

ولا زلت أدعو الله عزّ وجلّ أن يوفّقنا ويسدد خطانا إلى حين إتمامه على أكمل وجه إن شاء الله تعالى، فهنيئاً للأمّة العربيّة بهذا المعجم الذي يؤرخ لألفاظ العربية منذ العصر الجاهلي، الذي سبق بزوغ شمس الإسلام، مروراً بالعصر الأموي فالعباسي فعصر الدول والإمارات، ووصولاً إلى العصر الحديث».

وأضاف صاحب السمو حاكم الشارقة «ها نحن أولاء نشهد اليوم في هذه المناسبة الكريمة البهيجة صدور الأجزاء الثمانية الأولى للمعجم التاريخي في ثوبه الجميل، وإخراجه الرائع، نضعه بين أيدي الأمة وبين أيدي المثقفين وعشاق اللغة العربية ينهلون من دلالات ألفاظه، ونصوصه الحية وشواهده التاريخية. لقد حدثتني نفسي كثيراً، وأنا رجل مهتم بالتاريخ:

لماذا لا يكون للعرب معجم تاريخيّ يؤرخ للغتهم؟ هل اللغويون والمعجميون العرب عاجزون عن إنجاز هذا المشروع؟ كلا، أبناء العربية ومحبوها وعلماؤها ليسوا عاجزين عن كتابة هذا المعجم وإخراجه للعالمين،.

وأدركت أن المشروع يحتاج إلى حشد القوى وتحفيز النفوس وتوحيد الصفوف وتنظيم الجهود، وإلى تغطية مادية تناسب المشروع، والحمد لله، لقد وفقنا الله تعالى مع علماء اتحاد المجامع إلى تذليل كل الصعوبات والعوائق، التي كانت تقف أمام المشروع. وما كان حلماً وضرباً من الخيال قبل 80 عاماً أصبح اليوم واقعاً مشهوداً، وكل هذا بتوفيق الله تعالى وكرمه وإحسانه، ثمّ بجهود المخلصين من أمثالكم.

فلا يسعني في هذا اليوم المبارك الميمون إلا أن أبارك للأمة العربية والإسلامية جمعاء على صدور الأجزاء الثمانية التي ترونها أمامكم، وهي تتعلق بحرفين فقط الهمزة والباء، ونعدكم أننا في الأعوام القادمة القليلة سنقدم للغة العربية ولأبناء العرب عشرات الأجزاء، ويستمتع محبو لغة الضاد بمعجم العربية الأكبر، ويومئذ يفرحُ المؤمنون بنصر الله وتوفيق الله، وما ذلك على الله بعزيز».

مرجع

وتابع سموه: «سيكون المعجم التاريخي للغة العربية المرجع الأكبر والمورد الأعظم، الذي يعود إليه المثقفون والمتخصصون في جميع المجالات، ويعود إليه طلاب الجامعات والأكاديميون، والشعراء والأدباء، وكل من يهوى هذه اللغة، وإني مؤمن بأن هذا المعجم لا يشرح الألفاظ ولا يعرف بدلالات الكلمات ويعطي تواريخ استعمالها فقط، وإنّما يحفظ تاريخ الأمة من الاندثار.

ويصون حضارتها من الزوال، ويخلد مآثر العرب وأيامهم، ويحافظ على الذاكرة العربية من أقصى الجزيرة العربية شرقاً إلى المحيط الأطلسي غرباً، ويؤرخ للنصوص والأشعار، ويثبت الأخبار والأقوال، التي نطق بها المسلمون وهم في بلادهم وراء النهرين وأقاصي آسيا، ويحفظ تاريخ أفريقيا المسلمة التي عني أصحابها بالفقه المالكي وعلوم اللغة ومتونها».

بهجة

وأضاف سموه: «هذا يوم البهجة الكبرى والسعادة الغامرة، وقد كنت أنتظر هذا اليوم منذ أكثر من عقدين من الزمن، وشاء المولى تعالى أن يرى هذا المشروع النور على أيديكم جميعاً في الشارقة التي أحتسبها عند الله حاملة للثقافة العربية، وعاصمة للغة العربيّة، وكرست حياتي لأجعلها موطناً للغة والأدب والمسرح والرواية وجميع الأجناس الأدبية،.

وموئلاً يلجأ إليه أهل الآداب، وعشاق الثقافة ومحبو المعرفة، والحمد لله على توفيقه، وشكراً لكم أنتم يا علماء اللغة وحراسها، وأدعو الله عزّ وجلّ أن يحفظكم ويسدد خطاكم، ويحفظ جميع العاملين في إنجازه، ولا تهنوا ولا تتوانوا، وإنّ بشائر الخير قد أطلّت، وإنّ راية اللغة العربية ستظل خفاقة عالية تناطح السماء لأنّها محفوظة بحفظ كتاب الله العظيم».

مهمة تاريخية

ويحقق صاحب السمو حاكم الشارقة بإطلاقه هذا المنجز، مهمة تاريخية تعود جذورها إلى قرابة 100 عام ماضية، وقدمت في سبيل إتمامها جهود ومحاولات إلا أنها تأجلت وألغيت وجانبها الصواب، وكان من أبرزها تجربة مجمع القاهرة سنة 1936 التي انطلقت تحت إشراف المستعرب الألماني فيشر عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة آنذاك، وتوقفت بعد أن تم إعداد البطاقات الأولى من حرف الهمزة.

وتُؤرّخُ الأجزاء الثمانية الأولى التي تمَّ الكشف عنها لتاريخ المفردات، التي تبدأ بحرفي الهمزة والباء، وجاءت في ثمانية مجلدات تعرض تطوّر وتحوّل معاني المفردات ودلالات استخدامها عبر العصور وحتى اليوم.

ويشارك في إنجاز المعجم، الذي يشرف عليه اتّحاد المجامع اللغوية والعلمية في القاهرة، عشرة مجامع عربية، ويتولى مجمع اللغة العربية في الشارقة إدارة لجنته التنفيذية، ويستند المعجم في إنجازه إلى قاعدة بيانات تم جمعها وأتمتتها ووضع منهجيات وأنظمة الرجوع إليها، خلال الأعوام الثلاثة الماضية لتضم اليوم قرابة 20 ألف كتاب ومصدر ووثيقة تاريخية باللغة العربية، منها نقوش وآثار يعود تاريخها إلى القرن الثالث قبل الإسلام.

شكر

في ختام الحفل الذي شهد الاحتفاء بهذه المناسبة التاريخية المفصلية، تفضل صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة بتدوين كلمة شكر وعرفان للقائمين على الإنجاز، الذي يؤرخ للغة العربية وعلى صفحات الجزء الأول من المعجم خط فيها: «نشكر كل من أسهم في صنع هذا المعجم من إداريين ومحررين ومفكرين، ونتمنى أن تكون تلك الأعمال في ميزان حسناتهم، ويوفقهم الله لإتمام هذا المشروع العظيم».

Email