أصل الحكاية

على مَرّ السنين

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

مضت تلك السنون تتدافع مسرعة نحو الخلاص، لم تشعر مريم بها، تلك السيدة الطيبة، كانت مشغولة، منهمكة في بناء لَبِنات من الاستقرار والراحة لكل عزيز يسكن قلبها. هؤلاء الأعزاء يمسكون يدها بهدوء، هدوء في ظاهرهم، ولكن ليس كل هدوء سكينة، يغزوهم نوع من المشاعر المتداخلة تدور كالمتاهة، هذه المتاهة خرج منها الكثيرون إلا هم.

أما هي فقد أقعدتها أحزان السنين، تنظر إليهم بصمتٍ يكسوه حزنٌ وقلقٌ تجهل نهايته، خطَّ الكفاح وجهها حكايات الزمن العتيق، تلك الحكايات التي كانت ترويها لصغيرتها ميثاء بشغفٍ وحب، لم تتذمر.. لم تشتك يوماً.. ملأت القلوب حباً، إبليس لا يعرف إليها طريقاً، كان يتوه في الأزقة والطرقات القذرة، ويسكن بيوت المقنعة وجوههم، الذين يحفرون الخنادق سرّاً، تلك الخنادق المظلمة التي ردمتها بقوتها، نعم، كانت كالنخلة قوية، وأصيلة.

كل صباح كانت الصغيرة ميثاء تُمسك يدها بشوق لتقبلها بحرارة، وتمسح على رأسها برفقٍ وحنانٍ لعلّ الحزن يمضي وراء خصلات شعرها الناعمة التي أثلجت مبكراً، وتتسأل في حيرة لماذا زارنا ذلك الضيف الثقيل فجأة.. ومن دون موعد؟ لماذا قيّدها عن الحركة والكلام، وأثقلها قعوده ولم يغادر؟!

كانت ترجو أن يغادر ذلك الضيف حاملاً قيوده المشؤومة بعيداً عنها، وكانت تحلم بأنها غير مقيدة.. تتحرك.. تقف.. وتمشي بحرية، وتناديها لتسرد لها تلك الحكايات العتيقة، ولكن، في يومٍ حالك، ضاعت أحلامها بين زحمة الوجوه المقنعة في الأزقة والطرقات الملتوية المحاطة بمنزلها، ذلك المنزل الذي عبثت القطط المشردة بسورِهِ، وقُفّلت أبوابه، فصدأة مفاتيحه، وضجرت أطيافه وحلقت عالياً فتعلقت بأبواب السماء بلا رجعة.

على الرغم من معاناة الوالدة مريم إلا أنها لم تأبه للوجوه المقنعة وخنادقهم المظلمة، ولا للطرقات الملتوية، ولا للأمنيات الضائعة، ولا حتى لزائرها الثقيل وألمه؛ لأنها على يقين بأن الأمل زرعته في قلب الصغيرة ميثاء كما زرعت في حديقة المنزل ذات يوم فسائل النخيل، التي أصبحت عالية صامدة تُعانق شعاع الشمس نهاراً وأثير القمر ليلاً.

حملت ميثاء ذلك الأمل المزروع في قلبها وذهبت به بعيداً، إلى طريقٍ آخر، لا أحد يعلم سوى الوالدة مريم.

 

Email