أين أخطأت؟

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما تبلغ السبعين من العمر، وما زلت تشعر بتلك الغصة اللعينة التي تكتم أنفاسك وتمنع الكلمات من الوضوح وتجعل صوتك في حشرجة، وكأنك طفل تقاوم البكاء.

عندها، تدرك معنى الزمن الضائع، معنى خسارة الوقت، عمر مضى تحصد فيه الخسائر، وتعدد خلاله الهزائم. تتمتم لا بأس تستمر الحياة، وغداً يومٌ آخر.

لكن الحقيقة تطل بوجهها القاسي، تذكرك دوماً بالآلام المتنوعة التي حفرت تلك التجاعيد على وجهك، تذكرك دوماً بالأحزان المتعددة التي رافقتك بإخلاص. تلك النّهارات الملتهبة من الشّمس السّاخنة، وتلك الليالي الثقيلة بزمهرير الصحراء الذي لا يرحم. جميعها لم تشفع لك ببعض الراحة.

كانت أوقاتك كئيبة، حزينة، مثقلة بالتردد والخوف وأيضاً بالحيرة. لا بداية جديدة تلوح في الأفق، ولا عهد متغير يظهر من اللاشيء، ولا أمل واهن ينبت من بين تشققات الواقع.

الشيء الوحيد المؤكد والماثل بوضوح، كهولة مفرطة في السكون، وعينان تبحثان في اللامكان عن إجابة لسؤال لم تكتب حروفه.

الشيء الوحيد المؤكد، جحود قاسٍ من أبناء فتكوا بقلب دمث بالحب، أبناء تم تغذية قلوبهم بكل شيء عن الحياة، إلا أسمى معانيها، الدفء، الرقة، الحنان، المحبة، والأسرة.

هذا الرجل في كهولته الصامتة، كان يردد، أين أخطأت؟ وبعض الأسئلة أيها الأب الحزين لا إجابات لها، لا كلمات، ولا جمل، ولا أصوات، يمكنها أن تمنحك ما تريد معرفته.

بعض الأسئلة، قدرها أن تبقى محلّقة في عوالم البشرية تنتقل من زمن لآخر، يتردد صداها في الوجود من جيل إلى آخر، دون تفسيرات ولا إجابات أو شروحات، إنها مبهمة، قاسية.

عندما لم يجد الإجابة، سحب عقود عمره السبعة، لينسج في خيالاته صور تلك الطفولة لصغاره، يبحث بين ركضهم وتعثرهم، بين لعبهم وصخبهم، بين ضحكاتهم وبكائهم، عن الخطأ، وجد الفاقة والفقر وبعضاً من البؤس؛ صرخ:

- ليس ذنبي، لم يكن لي يد فيه، لا خيار لي.

ارتد الصمت بقوة لإجابته، فعاد في حيرته ودهشته، أين أخطأت؟ مرهقاً من الأحزان، ومحاصراً من الألم، تعبت الكهولة، تعب قلبه، وروحه تمزقت، كان يريد أن يغمض عينيه أن ينام بهدوء، عندها سمع صوتاً كصوت المياه، كصوت الفضاء، كصوت النقاء، يردد نم براحة وعش الأبدية في سكون، لم تخطئ أيها الرجل العجوز، لقد كنت فارساً نبيلاً في مختلف ميادين الحياة القاسية، نم قرير العين.

Email