«شعار الدولة» لحمدان بن محمد.. أجمل لوحة في حب الوطن وافتدائه

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

قبل الشروع في قراءة هذه القصيدة التي كتبها سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، وليّ عهد دبيّ، رئيس المجلس التنفيذي، سأذهب بالقارئ الكريم إلى قصيدة فخمة الشأن تُجسّد أرقى مشاعر الحب للوطن، وأعمق قِيَم الانتماء إليه كتبها سيد القوافي وأمير البيان صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبيّ، رعاه الله، كي يتعرف معي القارئ الكريم كيف يسري الشعر من الوالد، القائد والفارس والشاعر، إلى ابنه، الشبل الذي تربى في مدرسته وتشرب منه الفروسية والقيادة والتعلق بالشعر، وكيف يتحدر المجد من جبل إلى جبل، فصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد هو صانع وجدان الوطن، وهو الذي فجّر الينابيع الغزيرة، ولن تنسى الأجيال كيف أعطى هذا القائد المقدام ذَوْبَ قلبه لوطنه، وكيف جعل كل ملمح من ملامح الوطن مَعْقَداً للعزّ والفخار.

العلَم لي كان زايدْ رافِعنّهْ

               هو أمانتنا نِعيش ونِرفعهْ

بالدما له نفتدي ونذود عنّهْ

   وفي القلوب وفي المشاعر نزرعهْ

وقد سبق لكاتب هذه السطور التوقف عند هذه القصيدة قبل سنتين ونيّف، من خلال قراءة ضافية أضاءت معالم المجد والانتماء وحب الوطن المتدفقة من حروف هذه القصيدة العذبة الشامخة شموخ العَلم، الصامدة صمود الوطن، وها نحن نعود اليوم لنلتقي مع فارسٍ يسير على طريق الأمجاد والفخار الذي اختطه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، وهو سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد، الذي كتب قصيدة عن «شعار الهوية الإعلامية المرئية» تستلهم هذه الروح، وتنسج واحدة من أجمل اللوحات في حب الوطن وافتدائه بالغالي والنفيس.

لقد شهدت دولة الإمارات العربية المتحدة، في الأيام القليلة الماضية، واحداً من الأحداث المهمة في تاريخ الوطن ومن ملامح تحديد هويته الثقافية من خلال عمل استفتاء عام على اختيار شعار من بين ثلاثة شعارات، تم طرحها بعد تصميمها من قِبل نخبة متميزة من أبناء الوطن، حيث تمّ طرح شعار كلمة الإمارات بالخطّ العربي من خلال تصميم بديع يجسد التلاقي البديع بين كثبان الرمل والبحر ليتخلّق من هذا اللقاء رمز وشعار هوية إعلامية مرئية لدولة تجمع بين أصالة الصحراء وعطاء البحر، ثم شعار النخلة الرامزة لكل معاني الخير والتسامح والأصالة، ثم شعار الخطوط السبعة التي ترمز إلى أربعة رموز عميقة التجذر في وجدان الوطن، فهي ترمز إلى خطوط العَلَم، وتحكي ألوانه الزاهرة الزاهية، وترمز إلى سبعة مؤسسين نذروا أنفسهم لوطنهم، وقدّموا نموذجاً يُحتذى في نكران الذات من أجل مصلحة الوطن، وترمز إلى سبع إمارات توحدت وحققت الحلم بفضل جهود المغفور لهما، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، سقى الله قبورهما شآبيب الرحمة، وأخيراً ترمز إلى سبع منارات هي التجسيد الرائع لأفق الإمارات التي أصبحت منارة كبرى في العالم، فكان أن فاز هذا الشعار الذي شارك في الاستفتاء عليه أكثر من عشرة ملايين شخص من مختلف دول العالم، وأطلقه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وليّ عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بحضور تسعة وأربعين مبدعاً من أبناء الإمارات الذين أسهموا في تصميم الشعارات، فكانت هذه الخطوط السبعة التي أصبحت هوية مرئية إعلامية لدولة الإمارات العربية المتحدة، وجاءت لتكريس مسيرة الدولة المتواصلة من العمل والطموح نحو مستقبل أفضل، فيها أعمق الدلالة على علوّ الهمة وارتقاء الحلم.

وكشاعرٍ يلتقط أجمل الإيحاءات التي تحتفي بمجد الوطن، وبصوته العذب الرخيم، سجّل سموّ الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم هذا الحدث في هذه القصيدة التي نشرها على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي إنستغرام، لكي يظل هذا الحدث عميق الحضور في الوجدان العام للوطن والشعب.

شعار دولة الامارات العزيزة بدا

             كنور شمس إذا بانت تزيح الظلام

والمقصود هنا هي البداية نحو أفق جديد تتواصل به المسيرة الظافرة لهذه الدولة المسارعة في التقدم والإنجاز، فهذا الوطن الطيب المعطاء لم يعرف، بحمد الله، النكوص في مسيرته بل هو يرتقي من مرتبة إلى أخرى بفضل السياسة الحكيمة التي دشّنت واحدة من أرقى العلاقات بين الشعب والقيادة من خلال معادلة واضحة المعالم تقوم على الحب والثقة والحزم والعطاء والحكمة، وها هي المسيرة تزداد ألقاً وإشراقاً مثل نور الشمس التي تضيء مسارات الحياة، وتجعل الطريق واضحاً أمام جميع الراغبين في العطاء للوطن، وتزيح ظلمات الكسل والتراخي وتبعث الحياة والنشاط في النفوس المُحبّة للوطن الراغبة في البذل والعطاء.

تعطي رباعية الوانه لشكله مدى

             في كل لون إلنا قصة وراها مرام

وهذه هي قصة ألوان العلم الأربعة التي جاءت مُرتّبةً في قصيدة سموّه على النحو التالي: الأسود والأخضر والأبيض والأحمر، حيث يرمز كل لون إلى معنى عميق من معاني الحياة في وجدان سموّ الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، وأبناء الوطن الذين يشاركونه هذه الحفاوة الرائعة بهذا الشعار البديع، فهذه الرباعية الزاهية تُعطي المدى الواسع للمعاني الدالة عليها، وفي كل لون قصة ورمز سيوضحها سموّه في المقاطع التالية من هذه القصيدة الجميلة.

الاسود إنسوّد الدنيا في عين العِدا

              والاخضر إنخلّي قلوب البشر في سلام

ويبدو أنّ الإحساس الرائع بالفروسية جعل سموّ الشيخ حمدان بن محمد يبدأ باللون الأسود الدال على الرجولة والاستعداد لحماية الوطن، وتلقين العدوّ الدرس الذي يستحقه، فحماية الوطن مُقدّمة على كل شيء، وقد يتمّ إنجازها بالحرب كما يتمّ إنجازها بالسلام، وهو ما سيتكفّل به اللون الأخضر الذي أصبح شعاراً عالمياً دالاً على محبة السلام ونشر ثقافة التعايش بين الشعوب، والتاريخ شاهد على جهود دولة الإمارات في نشر قِيَم التعايش الآمن وثقافة السلام والتسامح بين الشعوب، وشجرة (الغاف) شاهدة على ذلك، فهذا البيت ليس كلاماً يُقال، بل هو مسار واضح المعالم تسلكه الدولة عن بصيرة ووعي واختيار.

نقاء السريرة

والابيض ويوهنا تكرم من اهل الردى

                  الله كساها بياض من بياض الغمام

أما اللون الأبيض فهو الدال على الوجوه الكريمة المصونة عن أخلاق أهل الردى، فهو إشارة رامزة إلى نقاء السريرة، ونظافة القلب من الحقد والحسد والبغضاء، فهي وجوه قد كساها الله بالفطرة بياضاً يغسل القلب من أدران الأخلاق الرديئة تماماً كما يغسل الغمام وجه الأرض ويجعلها مستعدة لإنبات كل زوجٍ بهيج من الزهر والثمر، وكذلك الإنسان حين يكون أبيض القلب، نقيّ السريرة، فإنه يكون كريم الأخلاق، مستقيم السيرة، وتكون حياته نفعاً للعام والخاص، ويكبر به الوطن ويزهو به الإنسان.

لؤلؤة القصيدة

والاحمر نقول يعلى العمر دونك فدى

                   يا اغلى بلد فخرها يزداد في كل عام

وهذا البيت هو لؤلؤة القصيدة وجوهرتها الثمينة، فيه أصدق تعبير عن الحب الساكن في أعماق القلب، الحب الذي يدفع إلى بذل الروح في سبيل الوطن، فكل شيء يهون في سبيل أن تظل راية الوطن عالية مرفوعة، ولا تنزل الراية إلا إذا خذلها أبناؤها، وكيف يكون ذلك والإمارات أغلى بلد فقد قدمت لأبنائها ما تعجز عنه الأمم، وجعلت إنسانها شديد التعلق بها، عظيم الانتماء إليه.

ثم كانت هذه الخاتمة الرائعة الدالة على أصالة هذا الفارس الشجاع الذي لا ينسى جهود المؤسسين الكبار رحمهم الله، وهو درسٌ تلقّاه في مدرسة والده صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد، الذي علّم الدنيا معنى الوفاء للقادة العِظام الذين سبقونا في مضمار البناء والإنجاز، فظلت ذكراهم عابقة بالقلب، وظلت سيرتهم مصدر إلهام وإبداع لجميع الأجيال:

ويا زايد الخير ما ضاعت جهودك سُدى

                    على خطاك البلد مسيرها للأمام

وهكذا تتواصل حكاية الأجيال، ويرويها لاحقٌ عن سابق حتى تظل قصة الإمارات سلسلة متواصلة الحلقات يرويها الآباء للأبناء، ويحكيها الأبناء للأحفاد، ليظل لنا تاريخ راسخ وجذور ممتدة في عروق هذا التراب الأصيل الحبيب، وليظل صوت الشعر عالياً يحكي قصتنا مع الحياة، ويترنم مع الشاعر صفيّ الدين الحِلّي صاحب البيتين المشهورين اللّذَيْن يلخصان الإحساس الأخلاقي للإنسان الصالح المستقيم:

إنّا لقومٌ أبتْ أخلاقُنا شرفاً

                  أن نبتدي بالأذى مَنْ ليس يؤذينا

بيضٌ صنائعنا، سودٌ وقائعنا

                   خُضرٌ مرابعنا، حُمرٌ مواضينا

Email