تردد اسمه في تراجم أدباء العراق مع نعته بـ«الأديب النحرير والمؤرخ الخطير»

سليمان الدخيل الصحافي النجدي الأول

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

سليمان بن صالح الدّخيل اسم لامع من أسماء الرعيل الأول، الذي قاوم الفقر والجوع والأمية المتفشية في قلب الجزيرة العربية، من خلال المغامرة والسفر مع من أطلق عليهم اسم «العقيلات». والعقيلات هم قبائل وأسر نجدية اشتهرت بالخروج من مناطقها في نجد إلى الكويت والعراق والشام ومصر في رحلات، للإتجار في الإبل والخيول، ويـُقال إنهم سموا بهذا الاسم لأنهم تميزوا عن غيرهم من مواطنيهم بلبس العقال.

ورد ذكر الدخيل ضمن العديد من شخصيات العقيلات في الجزء الثالث من كتاب «العقيلات: مآثر الآباء والأجداد على ظهور الإبل والجياد» لمؤلفه عبداللطيف صالح الوهيبي (منشورات مكتبة العبيكان/‏‏‏الرياض/‏‏‏2017)، حيث وصفه المؤلف بصاحب كرم وشجاعة. كما تطرق إلى عمه وصاحب الفضل الكبير عليه جارالله الدخيل، فأخبرنا أنه هو الآخر من كبار رجالات العقيلات، ومن أهل الكرم والشجاعة والوجاهة، وصاحب نفوذ وشخصية قوية، وأنه سافر مع العقيلات إلى الكويت والعراق والشام وفلسطين ومصر والهند. وبسب نفوذه ووجاهته أكرم الملك عبدالعزيز آل سعود، وفادته حينما حل ضيفاً عليه في سنة 1331 للهجرة.

كما نجد في تراجم أدباء العراق مطلع القرن العشرين، تردد اسم سليمان الدخيل مع نعته بـ«الأديب النحرير والمؤرخ الخطير والصحافي القدير» وأنه «يمثل أحد أوجه الإفصاح عن تعددية الأصول والمنابع واختلاف الاهتمامات في الثقافة العراقية عند مفترق القرن المنصرم».

مولده

ولد الدخيل في بريدة حاضرة إقليم القصيم سنة 1873م ابناً لعائلة نجدية كريمة معروفة بالتقوى تنتمي إلى قبيلة الدواسر من الأزد من كهلان من القبائل القحطانية، التي انحدرت في أزمان قديمة من جنوب الجزيرة العربية إلى جنوبي نجد، واستقرت فيه ثم تفرقت في مدن وقرى نجد.

حرص والده على أن يؤسسه على الثقافة العربية والإسلامية، فرباه تربية حسنة، وأدخله أحد الكتاتيب المعروفة لتلقي علوم الشريعة واللغة العربية، فحفظ القرآن وجوّده، وتعلَّم القراءة والكتابة والحساب. وحينما شبّ واشتد عوده قرر الهجرة ضمن من هاجر من قلب نجد إلى المناطق الأكثر تمدناً وخيرات، بحثاً عن حياة أفضل وعلم أنفع.

وهكذا سافر صاحبنا أول الأمر من بريدة إلى الزبير التي كانت آنذاك من حواضر العلم والمعرفة، ومنها انتقل إلى البصرة المجاورة، ومن البصرة انتقل إلى بغداد كي يلتحق هناك بعمه جار الله، الذي كان وقتها وكيلاً لإمارة آل الرشيد في بغداد، وحينما تأكد العم من طموحات ابن أخيه شجعه على السفر إلى الهند لكسب المزيد من العلم والتمرس في الأعمال التجارية، فسافر الدخيل إلى هناك، حيث اشتغل كاتباً لدى التاجر النجدي المقيم في بومباي الشيخ عبدالله بن محمد الفوزان، فتعلم من خلال عمله أصول التجارة كما تعرف في بومباي إلى عدد من أعلام الهند والعرب ونهل شيئاً من العلوم العصرية، غير أن الرجل أبى أن يمضي به العمر وهو مجرد كاتب أجير، فكان قراره العودة إلى العراق، حيث استقر في حي الكرخ أحد أقدم أحياء بغداد، التي احتضنت منذ القدم معظم أهل نجد المهاجرين إلى بغداد.

ثقافة راسخة

في بغداد ازدادت ثقافته ومطالعاته رسوخاً من خلال تتلمذه على يد علماء وأدباء العراق، وفي مقدمتهم العلامة محمود شكري الألوسي. وفي بغداد أيضاً وجد الدخيل أن عمه جارالله قد صار من أصحاب المال والطموحات الكبيرة لجهة تعزيز مكانته التجارية ونفوذه السياسي والترويج إعلامياً لاسمه ونسبه ومكارم أخلاقه، وبالتالي فهو على استعداد لدعمه، فأسس بموافقة وتشجيع عمه داراً للنشر، ومن هذه الدار أطلق في السابع من يناير 1910 العدد الأول من صحيفته «الرياض» كجريدة أسبوعية أدبية، لكنها لم تستمر سوى أربع سنوات.

بعد ذلك أصدر مجلة شهرية سياسية اقتصادية اجتماعية سنة 1912 تحت اسم «الحياة» بالاشتراك مع صديقه العراقي إبراهيم حلمي العمر، لكن المجلة احتجبت بعد أربعة أشهر بسبب قلة القراء. وفي 12 ديسمبر 1931 أصدر الدخيل بالاشتراك مع صديق عراقي آخر هو داوود العجيل جريدة أسبوعية عامة أخرى حملت اسم «جزيرة العرب» ترأس تحريرها بنفسه، قبل أن تتوقف عن الصدور بعد ثلاثة أشهر.

لم يكتف الدخيل بإصدار المطبوعات، ولكنه راح أيضاً يكتب المقالات والدراسات في المطبوعات العراقية الأخرى وفي مقدمتها مجلة «لغة العرب» لصاحبها الأب أنستاس الكرملي، وجريدتا النهضة والزهور البغداديتين، علماً بأن مقالاته ودراساته تلك تراوحت ما بين الدعوة إلى الإصلاح، والدفاع عن توجهات الملك عبدالعزيز في توحيد الجزيرة العربية، والتعريف بتاريخ بعض المناطق والشخصيات والأقوام، فمثلاً نشر دراسة عن «سوق الشيوخ» تطرق فيها إلى موقعها وحدودها وتاريخ بنائها وشيوخها من آل السعدون، وأخرى تاريخية عامة عن «بلد البوعينين» (الجبيل) وأهميتها في صيد اللؤلؤ، وثالثة عن «العرائف» الواردة في لهجة أهل نجد مع تفسير معانيها ودلالاتها اللغوية، ورابعة عن «جزيرة العرب» تطرق فيها إلى أهميتها وديارها وما كُتب عنها، وعن أمراء نجد بدءاً بالأمير سعود بن محمد وانتهاء بالأمير سعود بن فيصل، وخامسة عن «بقايا بني تغلب» أصلاً وتاريخاً، وسادسة عن «تيماء» استعرض فيها تاريخ هذه المدينة السعودية وسكانها وكل ما يتصل بها، وسابعة عن «نجد» تحدث فيها عن موقعها وحدودها وأقسامها وسكانها، وثامنة عن «أصول بعض الأعراب» تحدث فيها عن الشرارات والعونة والصليلات والعوازم والرشايدة، وتوقف طويلاً عند من يسمون «الصُلب» معرفاً بطبائعهم وأساليب معيشتهم وأسرار معرفتهم بالطرق ومصادر المياه والكلأ وإجادتهم لصيد الغزلان والظباء، وتاسعة عن «الخميسية أو لؤلؤة البرية» وهي مدن محافظة المثنى العراقية الواقعة بين سوق الشيوخ والهور الكبير.

دار نشر

من جهة أخرى، لم يكرس الدخيل داره لنشر مطبوعاته سالفة الذكر فقط، وإنما استخدمها أيضاً لإطلاق أو إعادة طباعة مجموعة من المؤلفات في أنساب العرب وتاريخهم. من هذه المؤلفات: «نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب» للقلقشندي، و«عنوان المجد في تاريخ نجد» لابن بشر، و«التبصرة لمتولعي الخمرة» لإبراهيم منيب الباجه جي، و«الفوز بالمراد في تاريخ بغداد» للأب الكرملي.

وإذا ما عدنا إلى صحيفة «الرياض»، نجد أنها استُقبلت استقبالاً حافلاً وأشاد بها الكثيرون من أعلام العراق وغيرهم، خصوصاً أن الدخيل كرس صفحاتها لمهاجمة وانتقاد الأتراك العثمانيين وبرامجهم المتسببة في تخلف وفرقة العرب، لكنها حينما نشرت قصيدة للشاعر محمد أفندي الهاشمي حول ما كان يعانيه المسلمون في تونس والجزائر والقفقاس (القوقاز) من ذل وهوان، معرفاً في الوقت نفسه بالطغاة في إيران ومهاجماً قياصرة روسيا، قامت الحكومة التركية بمقاضاة الدخيل والهاشمي وحكمت على كل منهما بالسجن لمدة ثلاثة أشهر.

في الأثناء، اندلعت الحرب العالمية الأولى وعمّت الفوضى العراق، فتمكن الدخيل من الهرب والوصول إلى المدينة المنورة، حيث احتمى بالشريف حسين الذي كان وقتها يحاول الاستقلال بالحجاز عن حكم الأتراك. وما بين مكة والمدينة أقام الدخيل فترة من الزمن استغلها في الاطلاع، ونسخ بعض الكتب التاريخية النادرة المتعلقة بتاريخ العرب والعراق. وبعد قيام حكم وطني في العراق شد رحاله عائداً إلى بغداد لمواصلة عمله في التاريخ والأدب والصحافة.

وهكذا دخل الرجل بهذه الإنجازات التاريخية كأول صحفي نجدي. وفي السياق قرأت في كتاب العقيلات سالف الذكر، كلاماً للشيخ السعودي محمد العبودي، مفاده أن: «أشهر أفراد عائلة الدخيل عند المؤرخين والكتاب داخل بلادنا وخارجها، وفي العراق بالذات، سليمان الدّخيل الذي كان- بحق- أول نجدي يشتغل بالصحافة، حيث أقام في بغداد وأصدر مع عمه جارالله بن دخيل جريدة الرياض، وقد نوه بعمله الكتاب الأوائل من أهل نجد، ولكن أكثرهم أهمل دور عمه جارالله في مساعدته على أن يكون الصحفي النجدي الأول».

والحقيقة التي لم يذكرها العبودي، أن الكُتاب الأوائل من أهل نجد أهملوا ذكر سليمان الدّخيل طويلاً فطواه النسيان إلى أن قام الشيخ حمد الجاسر بإحياء سيرته وتذكير الناس بآثاره وبما كتبه عنه العراقيون الذين عاش وسطهم، وفي مقدمتهم الأديب والباحث في التراث د.عبدالله أحمد الجبوري الذي نشر عبر «دار الرفاعي للنشر والطباعة والتوزيع» كتاباً بعنوان «سليمان بن صالح الدخيل الدوسري»، ضمنه سيرة الرجل، وما قام به من جهد في تاريخ الجزيرة العربية الحديث.

إن إحياء الجاسر لذكرى الدخيل أغرى أستاذنا محمد عبدالرزاق القشعمي، بالاهتمام به أيضاً فأصدر عنه كتاباً بعنوان «سليمان بن صالح الدخيل.. صحفياً ومفكراً ومؤرخاً» (دار المفردات للنشر والتوزيع/‏‏‏الرياض/‏‏‏2004).

ومما جاء في كتاب القشعمي أن أول من عرّف بالدخيل كان العلامة الكرملي من خلال صحيفته البغدادية «لغة العرب»، حيث كتب عنه: إنه «شاب في مقتبل الشباب، عمره نحو سبع وثلاثين سنة، عصبي المزاج، بدوي الأخلاق، ولد في القصيم من ديار نجد، وهو من بيت كبير شهير في بلاد العرب باسم الدخيل، وله صلة نسب بأمراء نجد من ابن رشيد وابن سعود، وقد جاب كثيراً من بلاد جزيرة العرب والهند وديار العراق، وله اطلاع عجيب على تاريخ العرب وعوائدهم وأخلاقهم وأيامهم وحروبهم.. إلخ»، علماً بأن صلة النسب المذكورة بينه وبين أمراء نجد أكدها العلامة الجاسر في مقال له في «مجلة العرب» حينما قال: «إن أخوال الملك عبدالعزيز آل سعود من الدواسر، وقد تزوج الملك نفسه إحدى أخوات سليمان الدخيل، كما تزوج الأمير عبدالعزيز بن متعب الرشيد أخته الأخرى».

منهج وآثار

على أن الجاسر والقشعمي لم يكونا الوحيدين اللذين خصا الدخيل بمؤلفات، فقد فعل ذلك أيضاً الدكتور محسن غياض العجيل الأعرجي في كتابه «سليمان بن صالح الدخيل النجدي: الصحافي، السياسي، المؤرخ (الدار العربية الموسوعات/‏‏‏ بيروت/‏‏‏ 2002 )، وفيه أن الدخيل» واحد من الرواد العرب الذين أسهموا في مجالات متعددة توزعتها الصحافة والسياسة والتاريخ والأدب، فكان متمكناً في كل ما طرحه وواثقاً ثقة العالم الجاد».

وقد تضمن هذا الكتاب آثار الدخيل ومنهجه العلمي وجهاده السياسي وبحوثه النجدية التي شملت جزيرة العرب قبل أن يوحدها الملك عبدالعزيز، وهي كلها مستوحاة مما نشره أنستاس الكرملي في مجلة «لغة العرب» ثم جمعها ونشرها الأخير في كتاب تخليداً للدخيل.

وفي السنوات الأخيرة أصدر سبطه سليمان بن عبدالله التويجري كتاباً عنه بعنوان «صفحات من سيرة جدي سليمان بن صالح الدّخيل»(دار مدارك/‏‏‏دبي/‏‏‏2011)، تحدث فيه ــ ضمن أمور أخرى كثيرة ــ عن جريدة «الرياض» فقال: كانت منبراً من منابر العربية، حيث حملت لواء الدعوة إلى وحدة العرب، فكانت لسان صدق لبعث المجد العربي، كافح فيها عن العرب وأبلى فيها من الدولة التركية التي كانت في ذلك الوقت لا تأبه للعرب، ونشر فيها بحوثاً جليلة عن الجزيرة العربية.

وهذا الكلام مشابه تقريباً لما قاله الأديب العراقي السرياني روفائيل عيسى بـُطي، عن الصحيفة ذاتها، وهو أنها: «خدمت القضية العربية بما أحدثته من كثرة الضجيج والكتابة عن قلب الجزيرة العربية وينبوع العروبة». وهو مشابه وقريب أيضاً من كلام العلامة الكرملي عن الدخيل .آثار

للدخيل آثار غير مطبوعة، اشتملت على المخطوطات التالية: «مختصر كتاب منهل الأولياء ومشرب الأصفياء من سادات الموصل الحدباء» لأمين بن خير الله العمري الموصلي؛ و«حديقة الزوراء في سيرة الوزراء» لعبدالرحمن عبدالله السويدي؛ و«تاريخ إمارات العرب»؛ و«البحث عن أعراب نجد» وهي مجموعة من الأشعار العامية لشعراء نجديين؛ و«القول السديد في أخبار إمارة آل رشيد»، وقد قام الشيخ حمد الجاسر بنشر القسم الثاني منها في عام 1966 لما وجد فيه من فائدة تاريخية بسبب معرفة الدخيل وصلته برجالات تلك الإمارة التي كانت قائمة زمن التأليف سنة 1918، بينما لم ينشر الجاسر القسم الأول من المخطوطة.

نهاية المشوار

بعد مشوار طويل تميز بالكد من أجل الحق وإعلاء كلمة وطنه وعروبته، طرق الدخيل أبواب العمل الحكومي في العراق بدءاً من عام 1921، فعمل بوزارة الداخلية، وراح يتنقل في مؤسساتها، فعُيِّن مديراً لناحية «المحمدية» سنة 1922، ثم مديراً لناحية «بلد»، ثم صار قائمقام «عانة»، فقائمقام قضاء»الجبايش«سنة 1925.

وفي السنة التالية شغل وظيفة مدير تحريرات كربلاء، ولما تقدم به العمر رأت الحكومة نقله إلى وظيفة الملاحظية بمديرية الدعاية العامة للاستفادة من خبرته الثقافية والإعلامية، فبقي فيها إلى أن توفاه الله. المحزن في سيرة الدخيل هو أن حياته انتهت بالعوز والفاقة، فقد اضطر لبيع مسودات مؤلفاته وبحوثه المخطوطة إلى العلامة الكرملي، وكانت وفاته في 27 ديسمبر 1944.

مؤلفات

ترك سليمان الدخيل آثاراً مطبوعة من أهمها: «العقد المتلالئ في حساب اللالئ»، الذي طبعه في بومباي سنة 1910 من أجل التعريف باللآلئ والأصداف وأنواعها وألوانها وقيمتها وحساب أوزانها وكيفية صيدها؛ وكتاب «تحفة الألباء في تاريخ الأحساء»، وهو مؤلف طبعه ببغداد سنة 1920 وتحدث فيه عن تاريخ الأحساء والبحرين والقطيف؛ وكتاب صغير عن دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب من 16 صفحة طبعه في مطبعة الشابندر ببغداد؛ وكتاب«ناظم باشا» وهو عبارة عن رواية سياحية تاريخية اجتماعية حول الحوادث والأعمال الإصلاحية التي جرت في أيام ناظم باشا.

Email