«الأدب المرقمن» يتبنى صالونات إلكترونية تروّج الكتّاب وتحصد اهتمام المتابعين

«وسائل التواصل» منصات تستقطب رواد الإبداع

ت + ت - الحجم الطبيعي

الإعلام الرقمي ثورة إعلامية متنامية الازدهار، تستقطب رواد الإبداع من كتاب وأدباء لدفع أعمالهم إلى النور وحصد اهتمام ومتابعة جمهور الفضاء الإلكتروني الذي باتت منصاته بديلاً عن الصالونات الأدبية والندوات الثقافية في ظل تقاعس العديد من دور النشر عن تبني تلك الأطروحات الفنية لأسباب متعددة، ومنها التسويقية والفنية وما هو أكثر رواجاً، حيث يعتقد كثير من النقاد العرب أن تلك المواقع قد ساهمت بشكل أو آخر في الترويج لنجوم الأدب، كما وفرت وهيأت الفرص النوعية للأدباء الذين تُسد في وجوههم منافذ النشر والقدرة على الوصول إلى القراء في تفاعل مباشر، ولكنها كذلك ساهمت في ظهور «الأدب المرقمن» الذي تنقره مفاتيح الهواة ولا يخضع لسلطة الرقابة ويضرب بعرض الحائط كافة القواعد والضوابط الاحترافية للفكرة والمضمون.

تفاعل مباشر

ويشير ياسر القرقاوي مدير إدارة البرامج والشراكات في وزارة التسامح رئيس مسرح دبي الشعبي إلى أن قنوات التواصل الاجتماعي تمنح الكاتب فرصة التفاعل المباشر والآني مع الجمهور الثقافي، هذه ميزة لا توفرها الملاحق أو الصفحات الثقافية في جريدة أو مجلة. ليس فقط أن يُعلن عن عمل جديد، وهو أمر جليل إذا اكتفيَ به، ولكن أيضاً أن ينشر روابط لمقالاته وحواراته، وكذا ما يجده من صدى نقدي لعمله المنشور.

ولنلاحظ أيضاً أن حسابه المفتوح لأصدقائه ومتابعيه سيجمع كلّ ما نُشر عن العمل، ومختلف أنشطته، من حوارات ولقاءات وندوات وصور، وعلى هذا يُتاح للقارئ أو للمهتم أن يجد في مكان واحد كلّ ما يتعلق بأعمال الكاتب ومساهمته في المشهد الأدبي والثقافي عامة، وأن يبدي فيها الرأي أو يسأل عما بدا له.

ويضيف القرقاوي: كان ذلك التواصل يتم مباشرة، والآن يتم افتراضياً، وبإمكاني القول على نطاق أوسع وأكثر فعالية وحيوية. الفعل الثقافي في العديد من بلدان العالم العربي بوجه عام محدود، أقصد عدد الفعاليات والتظاهرات الثقافية ودرجة انتشارها جغرافياً، ما جعل التواصل المباشر بين الكاتب والجمهور الثقافي محدوداً هو الآخر إلى هذا الحد أو ذاك، وشكّل فيسبوك مثلاً بديلاً معقولاً وفعالاً يتيح تواصلاً مستمراً وتفاعلاً أفضل.

طبعاً، وككلّ شيء لسوء الحظ أو حسنه، فيه الغث والسمين، ولكن غيابه كان سيطرح مصاعب جمة في وجه الكتّاب، وأقصد الشباب منهم خاصة، أن يجدوا سُبلاً للترويج لأعمالهم وأنشطتهم مع بقاء الأطر الثقافية الرسمية هياكل من دون روح تقريباً.

تبادل الأفكار

وفي السياق توضح فرح سيف المهيري مدير قسم النشر والترجمة في هيئة دبي للثقافة والفنون: إن الأسباب التي جعلت من وسائل التواصل الاجتماعي منصة ذات شعبية عالية، هي الرغبة في تبادل الأفكار والآراء والاطلاع على تجارب الآخرين، لأن معظم الناس يحبون الحديث عن أنفسهم، ويشاركون أفكارهم وخبراتهم.

وتابعت: ما زاد من شعبية هذه المنصة هو سهولة قياس تفاعل الناس مما يحقق الرضا الذاتي وتقوية العلاقات عبر العالم الافتراضي، فعندما تنشر مشاركتك وتحصل على إعجاب وتفاعل الناس فأنت تحصل على جرعة كبيرة من الارتياح الشخصي، فمشاركة الآخرين أفكارك يعطي شعوراً جيداً، ويخلق جواً إيجابياً يساهم في الاستمرار للحصول على نفس الشعور في كل مرة، فيتكون لك جمهور تشتاق لتتحدث إليه مجدداً، فإن هذه المواقع تُعَد باباً للتعبير والحديث عن النفس والمعتقدات والقناعات مع الآخرين عوضاً عن الحديث مع النفس، وهناك بالمقابل من يبحث وينتظر المحتوى الأدبي القيم لاكتساب الفائدة.

وتعتقد فرح أنه في كل يوم تشهد وسائل التواصل الاجتماعي إقبالاً كبيراً وعزوفاً في ذات الوقت عن الوسائل الورقية، وخاصةً أن مزايا الأولى أكثر ومن دون قيود.

ومن بين هذه المزايا يجد الكتّاب مساحة واسعة للكتابة والمشاركة وتلقّي النقد الفوري والذي قد يفيد في تعديل النص، من دون مواجهة عوائق النشر في المطبوعات الورقية، ومن بين المزايا أيضاً أن جمهور مواقع التواصل الاجتماعي كبير جداً، مقارنة بالجمهور المتابع للصحف الورقية، كما أن النشر الورقي في الصحف يُحَجِم العمل الأدبي، ويبقيه في الحيز المنشور فقط، قد يلقى القليل من الاهتمام من قبل شريحة من القراء، وقد لا يرى النور، كما أن مصيره عاجلاً أو آجلاً التلف عندما ترمى الصحيفة بعد الانتهاء منها، إن غالبية الصحف الورقية أصبحت تنشر محتواها إلكترونياً لجذب أكبر عدد من القراء، لما لهذه المنصة من القدرة الفائقة على الوصول لأكبر عدد ممكن من القراء في زمن قياسي.

وتضيف فرح: إن عملية التوثيق تبقى الهاجس الحقيقي الذي يؤرق الكُتّاب لما يتم نشره، فقد حدث أن بعضاً من كتاباتي تعاد وتنشر وتصلني مرة أخرى وقد أزيل اسمي منها، أمرُ مفرح ومؤرق في الوقت نفسه، حيث تبقى حالة الانتشار هي الهدف الأهم لأصحاب النتاج الأدبي.

واستطردت: لا بد من أن نعترف بأن التحول الكبير الذي يشهده عالم التواصل أثر على الأدب، فقد فتحت مواقع التواصل الاجتماعي الباب على مصراعيه، واغتنم الأدباء والمثقفون الفرصة بشكل إيجابي وفاعل، فأنشأوا حساباتهم الأدبية للترويج عن نتاجهم الأدبي عوضاً عن انتظار النشر الورقي الذي قد يأتي أو لا يأتي، فالكاتب يأخذ بعين الاعتبار حجم النصوص التي تتماشى مع طبيعة مساحة التصفح، فيقدم لك نصاً قصيراً ومحتوى جيداً «مختصراً مفيداً».

وأخيراً فإن مستقبل النشر الأدبي مرتبط بوجود قارئ بغض النظر عن نافذة القراءة، ولكن النشر الإلكتروني في هذه المرحلة هو البارز، ومن الواضح أن مستقبله أقوى في ظل التطور الإلكتروني المتسارع، ولكن ما زال الكثيرون ممن يخطون خطواتهم الأولى في الأدب يفضلون النشر الورقي كخطوة أولى باعتبار أنه الأعرق والأكثر أصالة.

مساحة حرية

وتقول الشاعرة والكاتبة الهنوف محمد: لا شك في أنّ الكاتب صاحب الإصدار الجديد سيعمل على الترويج لكتابه عبر صفحته الشخصية في أي موقع من مواقع التواصل الاجتماعي، ويمكنه حتى الاستعانة بيوتيوب في ذلك، لما لهذه المساحات من رواج واهتمام لدى الكثيرين، كما أنّ مجال الإبداع فيها مفتوح ومساحة الحرية شاسعة في كتابة وقول ما يمكن أن يقدّم الكِتاب بأفضل طريقة.

إلا أنّنا لا يمكن أن نتحدث بالمطلق عن فكرة الاستغناء عن المنابر الثقافية سواء في الإمارات أو خارجها، فمواقع التواصل الاجتماعي تساعد على الترويج للكتاب من خلال ما يكتب عنه هنا وهناك، وما ينشر من تقديم للإصدار الجديد عبر تلك المنابر. كما يمكن للكاتب أن يخبر القراء عن طريق «فيسبوك» مثلاً، أو «تويتر» عن أماكن تواجد إصداره الجديد عبر المكتبات.

وحول إمكانية تحقيق التوازن بين ما نشر على مواقع التواصل الاجتماعي كونه يمثل قنوات الإعلام الجديد وبين بقاء المطبوعات الورقية والإصدارات في دائرة الاهتمام تعتقد الهنوف أن هذا التوازن لا يمكن تحقيقه في كافة الأوساط الأدبية والثقافية إلا إذا أتت السياسات والمنهجيات الضابطة لتحقيق هذا التوازن، فالمطبوعات الورقية باقية ما بقيت السموات والأرض، لن تحول ولن تزول، وهذا أمرٌ مسلّم به، يبقى الإعلام الجديد وكيفية إخراج النشر والعمل الأدبي بطريقة تفيد الأطراف الثلاثة الكاتب والناشر والقارئ، فالاتفاق بين هذه الأطراف يخدم أولاً وثانياً وثالثاً الساحة الثقافية والأدبية في نشر المحتوى الأدبي الذي يستحق القراءة، ويرتقي بالفكر إلى مستويات وأفق جديدة، والحد من ظاهرة الأدب المرقمن الذي تنقره مفاتيح الهواة ولا يخضع لسلطة الرقابة ويضرب بعرض الحائط كافة القواعد والضوابط الاحترافية للفكرة والمضمون.

بناء الوعي

ويعتقد محمد حسن المرزوقي عضو مؤسس لنادي أصدقاء نويل للقراءة أن الشباب يرغبون في أن يتوافر الإعلام البناء الذي يبني الوعي الحضاري والاجتماعي لديهم بغض النظر عن كونه مقروءاً أو إلكترونياً، فهو يهتم بالرأي العام وتفاعل الناس مع الخبر، ويرى من وجهة نظرة أن هذا التفاعل ينحاز للإعلام الإلكتروني أكثر كونه الأسهل والأكثر انتشاراً بين هذه الشريحة، ويوقن بأن الشأنين رغم اتفاقهما في بعض المضامين إلا أن لكل واحد منهما قالبه الخاص الذي ينبغي أن يتشكل فيه بشكل خاص ومتقن، ويلقى فيه الاهتمام والرعاية الخاصة حتى ينضج ويقدم مواد لها قيمتها وثقلها.

وأشار المرزوقي إلى أن العمل الثقافي والإعلامي له دوره الكبير في تطور المجتمعات، وبحجم جودتهما واستمرارهما برتم يواكب المقاييس العالمية في الأداء، والحضارية في التمثيل الدولي يقاس وعي المجتمع ويعول على تقدمه وتغييره للأفضل، غير أن ما نشاهده الآن من خلط بين وسائل الإعلام المختلفة، ضبابية المعايير تدفع الشباب نحو الإعلام الرقمي لطرح قضاياهم، ويأمل أن يبهرنا الإعلام المقروء بشموليته وجرأته في طرح كل ما يؤرق فئة الشباب ويقدم الأفضل والمميز.

ويضيف: يبقى فيسبوك فضاءً أكثر تفهماً لهموم الكاتب لحريته المطلقة ولتطرفه المطلق كذلك.

ولا يمكن طبعاً أن ننكر الفضل الذي يقدمه فيسبوك للترويج لأعمال الكاتب، وفي اعتقادي أنّ وظيفته لا يمكن أن تتجاوز فكرة الترويج، ومن هذه الناحية أراه الوحيد الآن الذي يقوم بهذه الوظيفة بشكل معقول جداً، ولم يعد مقتصراً على الكاتب بل حتى على الصحفي والناشر والمؤسسات الثقافية والجوائز التي جعلته منبراً لكلّ النشاطات التي تقوم بها، ومع هذا لا يمكن الاستغناء عما تقدمه الصفحات والملاحق الثقافية لأنّها تمثل الجانب المعرفي ولها قراؤها، وبالتالي هناك نوع من التكامل الوظيفي بينها وبين فضاءات التواصل الاجتماعية الأخرى والتي مثلما أسبقت أرى أن مهمتها الأساسية لا تتجاوز الإشهار.

ليست بديلاً

وفي ما يتعلق باعتبار مواقع التواصل الاجتماعي وسيلة جديدة وبديلة لنشر الإنتاج الأدبي كونها الأسرع انتشاراً يقول فهد علي المعمري مدير قسم الكتابة والنقد بهيئة دبي للثقافة والفنون: بصفة شخصية، أرى أن قنوات التواصل الاجتماعي لا تمثّل ولا تشكّل وسيلة جديدة أو بديلة للنشر الأدبي، من خلال معطيات كثيرة، وجديرة بالتفكير والتقدير والاحترام، فالنشر الأدبي له أصوله من خلال التدقيق والاطلاع عليه قبل الصدور والوقوف على مواطن الخلل والزلل، وتعديله، ولا سيّما من المبتدئين الذين ينصرفون بالكلية إليه، فترى من البعض الغث والسمين، والبعض الآخر حاطب ليل، وتبقى ثلّة قليلة هي التي لا يخشى عليها، ولكن هذه الثلّة لا تشكل كثرة في هذه القنوات، إن النشر يحتاج إلى الكثير من المراعاة لينضج ويخرج عملاً متكاملاً ومتماسكاً، فهناك مراعاة اللغة السليمة، ومراعاة النحو، وقواعد الإملاء، وعلامات الترقيم، والإخراج الطباعي، وهذه المراعاة تصب في إخراج عمل أدبي متكامل له أصوله وفروعه وأدواته، وهذا بطبيعة الحال لا يتأتّى في قنوات التواصل الاجتماعي، ولن يتأتّى، فالكل في هذه القنوات مسؤول عن نفسه وعمله الأدبي فقط، فإن كان جميلاً زاده جمالاً، وإن كان غثّاً زاده غثاثة.

ويضيف المعمري: إن التطور السريع والمتنامي للتقنيات الإلكترونية، بما فيها قنوات التواصل الاجتماعي، دفع الكثير إلى التعامل معها، بيد أن هذا التعامل كان على نصيب وافر من التعاطف، والميلان الكلي له من خلال الكتّاب، ما نتج عنه صداقة حميمة بين الكاتب وبين هذه القنوات التي تقدّم بدورها خدمات كبيرة للكاتب، وأهمها الانتشار السريع، والوصول السهل إلى شريحة كبيرة من الناس، على مختلف ثقافاتهم وإبداعاتهم، وهنا يكمن الدافع الرئيس والمباشر لانتشار هذه الظاهرة، بما أن الانتشار سريع، ويخدم هذا الزمن الذي أصبحت فيه السرعة هي المعيار الأول.

تدفق المعلومات

ومن جانب آخر، يوضح الدكتور عمرعبدالرحمن أنّ شبكات التواصل هي إحدى سِمات عصرنا الحالي، ومن باب مواكبة مجتمعهم، من الصعب أن يتجاهل الفاعلون الثقافيون، والكاتب منهم، دور تلك الشبكات في تبادل المعلومات وتدفقها بين عدد يكاد يكون لا نهائياً من البشر، واستغلال التدفق غير المسبوق في الاتجاهات كافة، من أجل إيصال صوتهم وآرائهم والترويج لإصداراتهم وما يُكتب حولها.

هذا ما هو سائد في العالم بأسره، وفي مجالات عديدة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وفنية وغيرها، كلّ يستغل شبكات التواصل الاجتماعي في الترويج والتواصل وتبادل المعلومات والحوار وفتح آفاق للتواصل مع فئات وجهات لم يكن ممكناً أبداً الوصول إليها بوسائل الاتصال التقليدية كالتلفاز والمذياع والجريدة التي تفتقد لعنصر الاتصال التبادلي أو التفاعلي المباشر والسريع، وهي نقطة ضعف فيها وميزة قوية في شبكات التواصل.

رؤية عميقة

يشير الدكتور عمرعبد الرحمن إلى أن مفهوم الترويج يرتبط عادة بالسلعة، وليس من المعقول أن ننظر إلى الملاحق الأدبية أو الصفحات الثقافية أن وظيفتها الأساسية هي الترويج، قد نتفق على اعتباره أثراً جانبياً لها، ولكن الأصل فيها أنّها تستكتب أسماء من الفضاء الثقافي أو الأدبي لديهم التشبع الكافي بالمواضيع التي يُستكتبون من أجلها، وبالتالي تكون هناك رؤية عميقة وتحليلية للعمل المكتوب عنه، ولهذا أجدني أكثر ميلاً إلى اعتبار الملاحق موجهة إلى الطبقة المهتمة بالبحث في النصوص وقراءتها قراءة واعية، لا على سبيل الترويج لها، إن مشكلة الترويج الحقيقية هي عدم وجود مؤسسات تتعامل مع الكِتاب الثقافي كمنتج يمكن تسويقه، وكسلعة لها أن تحقق ربحاً إذا ما توافرت سياسة إشهارية ذكية، وأقصد هنا الاحترافية التي يمكنها أن توجِّه الذوق العام وليس آراء النخبة فقط.

Email