قضية

«السوشيال ميـديا» ثقافة مفتوحة مجهولة الهويــــة !

ت + ت - الحجم الطبيعي

باتت «السوشيال ميديا» أو ما يمكن تسميته «الإعلام البديل»، أحد أهم التحولات المعاصرة في حياتنا، ولعلها ثقافة مفتوحة مجهولة الهوية تتكئ على جماهيرية زائفة، تعكس من الأخبار غثها وسمينها ورديئها وجيدها، فيكثر ترديدها، وهو ما يرغب فيه جمهور متابعيها ولا سيما منهم الشباب وصغار السن.

ولا يمكن الجزم بأن «السوشيال ميديا» وفي قلبها «فيس بوك – تويتر – انستجرام.. وغيرها»، تنشر ثقافات متردية ولا تثري الفضاء العام بنقاشات تستحق الوقوف أمامها، بل هي أكثر الوسائل انتشاراً وشعبية، رغم مثالب وسلبيات وسائلها، وصرنا بفضلها نتعرف إلى نوعية القراء ومستوياتهم الثقافية وطرائق بحثهم عن الحياة والمعرفة والعلاقات بين البشر.

إذن الأمر يتطلب وعياً جاداً وتقويماً وانتقاءً لأصول التحاور والنقاش، ومقاطعة أصحاب الثقافات الهابطة، وتحفيز الموهوبين من رواد هذا العالم الافتراضي.

 

يقول الدكتور حسن مصطفى - عميد كلية الاتصال الجماهيري بجامعة الفلاح: الحياة البشرية بطبيعتها غير ثابتة ولكنها متحورة ومتفاعلة بصورة مستمرة.

وباعتبار أن «السوشيال ميديا» أحد أهم التحولات الحديثة على كافة الأصعدة، والثقافة بلا شك أحدها، فإنها - «السوشيال ميديا» - كرافد ثقافي قد يحقق الكثير من التداخل المعرفي بين المجتمعات وثقافتهم على اختلاف أشربتها وهو وسيلة تفاعلية أيضاً مع هذه القيم الثقافية باعتبار أن الثقافة خليط مفاهيم متنوعة في عالم متجمع في ساحة «السوشيال ميديا».

وسيلة أم رسالة؟

والحديث عن أن السوشيال ميديا قد تعد مصدراً ثقافياً، فلا بد من تحقيق بعض المفاهيم بخصوصها، وهل هي وسيلة أم رسالة أم كليهما؟ بمعنى هل نتعامل معها باعتبارها ناقلاً لمحتوى رسالي، أم هي رسالة في حد ذاتها؟

الإجابة عن هذا السؤال توضح إذا يمكن اعتبارها مصدراً للثقافة أم لا، وبرأيي أنها وسيلة ورسالة في نفس الوقت، فهي ثقافة في حد ذاتها كرسالة، ومصدر للثقافة كوسيلة للمحتوى. والمقصود هنا أي نوع من الثقافات؟

أصبحنا نتعرف على لغات مختلفة، لهجات مختلفة، أزياء مختلفة، عادات وتقاليد مختلفة، سلوكيات مختلفة، وهنا لا أتحدث عن السالب منها بقدر ما أركز على الإيجابي - إن أحسنا - الاستخدام والمحتوى.

وعن التساؤل عن مدى موثوقيتها كمصدر للثقافة، يقول عميد كلية الاتصال الجماهيري بجامعة الفلاح: هذا يعتمد على درجة الوعي المعرفي لدينا، بمعنى أن إمكانية التحقق من مصداقية المعلومة متوافرة بكثرة، فقط نحتاج إلى رفع مستوى الوعي بكيفية التعامل مع المعلومة وكيفية التحقق من صحتها وذلك بالرجوع إلى المصادر الأصلية.

ولكنها بالطبع لا ينبغي أن تكون المصدر الوحيد لبعض الناس وخاصة الشباب الذين يتلقون كل معارفهم عن «السوشيال ميديا»، وهنالك الكثير من المعلومات المغلوطة والخاطئة التي تعج بها الكثير من حسابات «السوشيال ميديا» والتي قد تستغل لأغراض معينة ولغرس قيم لها مآربها.

وأكد د. حسن مصطفى مختتماً أن «السوشيال ميديا» بذلك هي عبارة عن وعاء يحمل في طياته الغث والسمين، وما ندعو إليه دائماً هو تحقيق سياسة الامتناع حتى يكون المتعامل قادراً على التمييز بين الطيب والسيئ وألا يكون سطحي الثقافة ويتلقف كل ما يمكن أن يبث عبرها من دون التحقق.

الأبواب مشرعة

 

وعمّا إذا كانت «السوشيال ميديا» تصلح مصدراً للثقافة، يقول أستاذ الأدب العربي ونقده، الدكتور إياد عبدالمجيد العبدالله:

لا شك في أن «السوشيال ميديا» ساعدت على نشر الكتاب والكتب، وصرنا بفضلها نتعرف على نوعية القراء ومستوياتهم الثقافية، ودقة مناهجهم وطرائقهم في البحث، كما أننا وجدنا أن فئة الشباب وعبر وسائل التواصل المختلفة ليس لديهم سلطة تجبرهم على قراءة كتاب ما أو عدم قراءته فالسبل مفتوحة، والأبواب مشرعة، لا تحدها حدود، وتضبطها ضوابط.

ولكننا سنتحدث عن كيفية الاعتماد على «السوشيال ميديا» أكاديمياً، مشيراً إلى أن شبكة الإنترنت كما نعلم أثرت في مسيرة تقدم البحث العلمي وتنمية المعارف البشرية في العالم أجمع بما تملكه من تقنيات وإمكانيات فائقة.

وفي الوقت نفسه فرضت على الباحثين تحديات جديدة تتطلب منهم مواجهتها والتعامل معها بحذر وذكاء حتى يتمكنوا من الوصول إلى الإفادة القصوى من الكم الهائل من المعلومات المنبثقة عنها.

وتابع العبدالله: ثمة مزايا، تقدمها الإنترنت للباحثين من أبرزها: التقليل من الوقت والجهد اللذين تتطلبهما مهام البحث عن المعلومات، حيث يمكن للباحث التجول في أنحاء العالم خلال ثوان للحصول على المعلومات التي يحتاجها، والتعرف على التطورات والمستجدات في مجاله، وبذلك تساعد الإنترنت على تجاوز الحدود المكانية والزمنية واللغوية للوصول إلى المعلومات.

واستطرد العبدالله، قائلاً: بالرغم من الفوائد الجمة التي تحققها الإنترنت للباحثين إلا أنها لا تخلو من بعض السلبيات التي تؤثر في جودة المعلومات التي تتيحها فيختلط الجيد بالرديء منها، وتتسبب في انخفاض درجة الثقة بها، وإيجاد نوع من الحيرة والقلق للباحثين حيال هذه المعلومات.

ومن أبرز سلبيات الإنترنت التي تمثل عقبة يواجهها الباحثون عند الاعتماد عليها كمصدر للمعلومات، بحسب العبدالله: التضخم المعلوماتي الذي تزخر به الإنترنت فهي تحتوي على مليارات الصفحات وملايين المواقع ما يشكل عبئاً أمام الباحث لانتقاء ما يناسبه ويلبي طلبه ويدعم بحثه بإيجابية، وغياب القوانين المنظمة لحقوق الملكية الفكرية للمعلومات المتاحة على الإنترنت.

وحرية النشر لأي شخص من دون وجود ضوابط علمية، حيث لا تمر المواد المنشورة غالباً على لجنة للقراءة والتحكيم والمراجعة والرقابة قبل نشرها كما هو الحال في المصادر التقليدية.

وبعض مصادر المعلومات يكون المسؤول عنها فكرياً ومادياً مجهول الهوية، وعدم استقرار مصادر المعلومات على الإنترنت فهي ذات طابع ديناميكي ما يجعل من الصعب العثور على هذه المصادر أو معاودة الاهتداء إليها مستقبلاً، وقابلية محتويات هذه المصادر للتغير والتبديل أو الحذف والإضافة.

تناقض ملموس

ويتضح مما سبق كما يقول العبدالله أن الإنترنت وما تحويه من مصادر معلومات تعد بيئة خصبة للباحثين تساعدهم على إثراء المعرفة البشرية في كافة المجالات والتخصصات، في حين تحمل في طياتها شيئاً من التناقض الملموس.

فكما يمكن للباحث أن يجد معلومات قيمة وموضوعية وحديثة وفريدة لا يمكن أن يحصل عليها من مصادر أخرى بذات السرعة والجهد، يمكن أن يجد معلومات خاطئة وقديمة ومتحيزة لأفكار ومعتقدات ذاتية وبذلك تكون نسبة جودتها أقل بكثير من سابقتها إن لم تكن منعدمة.

هذا التناقض يجعل الباحثين في مأزق حقيقي وحيرة بين مدى إمكانية الاعتماد على الإنترنت كمصدر غني بالمعلومات لا يمكن تجاهله، وبين مدى الثقة بهذه المعلومات ومقدار الجودة التي تحظى بها. وكل هذه الأمور أوجدت حاجة حقيقية إلى التقويم والانتقاء ما يتطلب وجود معايير وآليات محددة مبنية على أسلوب علمي تساعد الباحثين على تقويم مصادر المعلومات المتاحة على الإنترنت، حتى يتمكنوا من الوصول إلى أفضل وأجود المعلومات التي من شأنها دعم وتعزيز البحث العلمي لتشكل بذلك «السوشيال ميديا» فعلاً مصدراً للثقافة.

واختتم مشيراً إلى أنه في الآونة الأخيرة قدمت بعض الجامعات قائمة تتضمن معايير لتقييم مصادر الإنترنت، وهي: المحتوى، المصداقية، التفكير النقدي، حقوق الطبع، الاستشهاد المرجعي، الاستمرارية، الرقابة، الربط، المقارنة، السياق..

في حين وضعت جامعات أخرى عدة تساؤلات تساعد على عملية التقييم، وهي: من المسؤول عن نشر المعلومات التي يقدمها المصدر؟ وماذا يمكن أن يقال عن (محتوى، سياق، أسلوب، تركيب، دقة) المعلومات التي يزودها المصدر، ولماذا نشرت المعلومات التي يزودها المصدر؟

وبذلك يمكننا القول وفق المنهجية العلمية التي اختطتها الجامعات المعتمدة إن المصادر الثقافية ما عادت منفلتة، وإنه وفق نظام معين تعتمده هذه الجامعات باتت تكتشف المصادر الأصيلة من المصادر المبتذلة والمقالات والبحوث غير المعتمدة والمحكمة، وتأييداً لذلك فإن معايير التقييم لصحة المصادر الثقافية في «السوشيال ميديا» وضعتها بعض الجامعات، وباتت معتمدة، وهي: المصداقية، الدقة، المعقولية، الدعم.

 

الأسهل والأرخص

ويقول الدكتور السيد بخيت أستاذ الصحافة والإعلام بجامعة زايد: لا يمكن القطع بأن وسائل التواصل الاجتماعي لا صلة لها بالثقافة والمعرفة، وأنها عنصر دخيل على الروافد الثقافية المعروفة، وأنها تسطح المعرفة وتنشر ثقافات متردية، وتسمم الأجواء العامة، ولا تثري الفضاء العام بنقاشات تستحق الوقوف عليها، فالأمر لدي أن وسائل الثقافة متنوعة.

ولا تقتصر على الأشكال التقليدية من كتب وغيرها، فللثقافة مصادرها المتعددة، وجديدها هو الوسائل التكنولوجية الجديدة ووسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت وغيرها، كما لكل زمان آيته، وآية هذا الزمان «الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي»، فقديماً ولا يزال الكتاب يعد آية كل الأزمنة.

والأمر عندي، أنه لا داعي لاستبعاد وسائل التواصل الاجتماعي من قائمة مصادر الثقافة والمعرفة، فهي أكثر الوسائل وصولاً للجماهير، واتصالاً بهم والأكثر انتشاراً وشعبية وجماهيرية.

وهي الأسهل والأرخص من زاوية التكلفة ووسيلة التواصل، وهي متجددة ومتنوعة وحية وحيوية وتفاعلية ونقاشية وحوارية وعلنية ومكشوفة وتدار في ساحات عامة، وتستقطب الملايين وكل ذلك هو المسعى الأساسي للثقافة، نشر المعرفة وتكوين الرأي ورفع المستوى الثقافي العام وتشكيل الرأي العام.

مرحلة انتقالية

واستطرد أستاذ الصحافة والإعلام بجامعة زايد، قائلاً: نعم هناك الكثير من المثالب والسلبيات في الممارسات التي تتم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، من حوارات متدنية.

وأخبار غير صحيحة، وشائعات كاذبة، وألفاظ غير لائقة، وممارسات تستهدف نشر الكراهية والتحيز والعنصرية والطائفية والإرهاب وغيرها، بيد أن ثمة وسائل تواصل اجتماعي هادفة وقنوات فيديوية مستنيرة وتعليمية، وصفحات تستهدف نشر المعرفة في مجالات تخصصية، وتغريدات تحفز الذهن العام وترفع المعنويات، ومدونات تكشف عن مواهب مدفونة.

وأضاف: إن ما نمر به هو مرحلة انتقالية طبيعية، ناجمة عن جدة الوسيلة والهوس بالتواصل وعدم معرفة أصوليات وأخلاقيات التواصل الاجتماعي الثقافي عبر الفضاء الإلكتروني، وقلة المعرفة بأصول الحوار وأدبياته.

وهي أمور يمكن تطويرها وتحسينها من خلال نشر ثقافات أكثر وتعليم المستخدمين بأصول التحاور والنقاش، وتعرية الصفحات المزيفة ومقاطعة أصحاب الثقافات الهابطة، وتحفيز الموهوبين والناجحين والمساهمين الجادين في نشر المعرفة والثقافة.

 

سلاح ذو حدين

«السوشيال ميديا» في رأي الأديب المصري محمد جمعة، صارت الملجأ القريب للتواصل والنشر لأنها المكان الوحيد الذي يستطيع الإنسان أي إنسان من خلاله التعبير عن رأيه بتلقائية وبكل سهولة ويسر، وفي «فيسبوك» خاصة وجد الشباب ضالتهم في هذا العالم الافتراضي الذي يمكن أن نسميه الإعلام البديل، أو إعلام «النشر الحر».

ولكن: هل يمكننا أن نثق بـ«السوشيال ميديا» كمصدر للثقافة؟ في الحقيقة يجب أن نستبعد ذلك تماماً.. عندما نتفهم حقيقة انعدام الرقابة على ما ينشر عبر وسائل التواصل، ورغم ما تقدمه تلك الوسائل من خدمات حققت رواجاً ولاقت قبولاً عند الكثيرين منا، فليس من المستبعد وجود الكثير من المغالطة وعدم المصداقية .

ولذا فأنا أرى أن مصادر الثقافة الموثوق بها كالصحافة ووسائل الإعلام الرسمية «مسموعة ومرئية»، والكتب الموثقة ستبقى المصدر الحقيقي للثقافة والتعرف على الأخبار وكل جديد في مجالات الحياة المختلفة وتبقى وسائل التواصل الاجتماعي لما وضعت له أصلاً وهو «التواصل الاجتماعي» مع الكثير من المتعة والترفيه وليس مصدراً موثوقاً به للثقافة.

 

عصر السرعة

وترى رهف قدورة - مهندسة طيران - أن «السوشيال ميديا» في وقتنا الراهن، تعد مصدراً رئيساً للثقافة وتناول أبرز الأخبار المحلية والعالمية.

ويرجع ذلك لتزايد استخدام الهواتف المحمولة والاعتماد عليها للحصول على كل ما نريد الحصول عليه في الوقت والمكان اللذين نريدهما، فالمستخدمون لديهم رغبة كبيرة لقراءة الأخبار وكسب المعلومات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يعد فيسبوك وتويتر الأكثر قوة واستخداماً في الأخبار العالمية.

وأضافت رهف: الحصول على المعلومات أو الأخبار لم يعد قاصراً على الطرق التقليدية كالتلفاز والصحف التي لم تعد ملائمة نوعاً ما لعصر السرعة الذي نعيشه.

حيث العديد من المؤسسات الإعلامية القديمة تكافح للعثور على مسار مربح في عصر الإنترنت، مشيرة إلى أن «السوشيال ميديا» تعد سلاحاً ذا حدين، فالحصول على المعلومات عبر وسائل التواصل الاجتماعي يحتاج مزيداً من الوعي والحذر لعدم الوقوع بفخ الإشاعات والمعلومات المغلوطة وذلك يتطلب مجهوداً أعلى.

وتابعت: لم يعد استخدام «السوشيال ميديا» قاصراً على فئة الشباب فقط، حيث إن العديد من الفئات العمرية التي تتراوح من ٤٠ - ٦٠ عاماً صاروا يستمدون معلوماتهم منها كبديل عن الطرق التقليدية.

 

Email