خلال محاضرة مثلت ثمرة أبحاث لسموه دامت 18 عاماً

سلطان القاسمي: أحمد بن ماجد من القصيـم ومسكنه جلفار

سلطان القاسمي وإلى جانبه محمد المر وعز الدين ميهوبي | من المصدر

ت + ت - الحجم الطبيعي

أكد صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، أن نسب المؤرخ العربي الشهير أحمد بن ماجد يرجع إلى القصيم، ومسكنه جلفار، مُفنّداً سموه المغالطات التاريخية التي صاحبت سيرة هذا الرجل المتفرد والمهم.

جاء ذلك خلال المحاضرة التي ألقاها سموه بعنوان «أحمد بن ماجد»، بحضور قرينته سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، رئيس المجلس الأعلى لشؤون الأسرة، التي أقيمت مساء أول من أمس بمركز إكسبو الشارقة، ضمن فعاليات معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الـ37.

سرد تاريخي

وقدَّم صاحب السمو حاكم الشارقة خلال المحاضرة ثمرة اجتهادات بحثية ودراساتٍ عديدة قام بها سموه امتدت عبر 18 عاماً من البحث والتقصي في العديد من مكتبات العالم الكبرى المختلفة، ودراسة العشرات من المخطوطات النادرة والهامة التي كشفت عن الموطن الحقيقي وتاريخ رحلات ابن ماجد وسلالته وعشيرته.

وتتبع سموه خلال المحاضرة سرداً تاريخياً ممتعاً، استعان فيه بعدد من الخرائط التاريخية القديمة لشبه الجزيرة العربية لتوضيح الأماكن القديمة وربطها بأسماء اليوم، موضحاً بالأدلة أصل وفصل ونسب أحمد بن ماجد الذي ظلمه التاريخ كثيراً، كما وصفه سموه.

كما كشف سموه عن تجهيزه لكتابة رواية تحكي تاريخ بطولات مُقرنْ بن زامل بن أجودْ، ملك البحرين عند غزو البرتغاليين لمنطقته في العام 1521م واستبساله في الدفاع عن وطنه حتى الموت.

وقد رحَّب سموه في بداية حديثه بالحضور قائلاً: «نرحب بكم في هذا الملتقى، وإني لأشاهد وجوهاً خيّرة نيّرة جاءت لتستقي من بعض ما لديّ من اطلاعٍ ومعرفةٍ، وأدعو الله أن يوفقني في نقلها إلى مستمعيها».

وحكى سموه عن بدايات اهتمامه بالرحالة العربي والمؤرخ أحمد بن ماجد، وعن القصة التي قادته للعديد من الاكتشافات عنه، قائلاً: «هذا الرجل ظُلم كثيراً، وكنت أستاذاً في جامعة الشارقة، وقلتُ إن ابن ماجد لم يكن هو الذي أرشد فاسكو دي جاما، وإنما الذي أرشده شخصٌ مسيحي من منطقة غُوجراتْ يُسمى كَاَنا، فذهب الطلبة إلى الأساتذة الآخرين ورووا لهم الحكاية، فقالوا للطلبة إذا كتبتم ذلك فستكون نتيجتكم في الامتحان صفراً، فرجع إليّ الطلبة، وقلت لهم إن المسألة ليست بالقرارات وإنما بالدراسات، ومنها بدأت رحلتي في عام 2000 للبحث عن ضالتي».

رحلة بحث

وقال سموه: «ذهبت إلى المكتبة البريطانية، حيث كنت قد قرأت هناك كتاباً، وأخذتُ المصدر الذي استقى منه الكاتبُ، وإذا به يكتبُه: مكتبة بلدية بورتو في البرتغال، فذهبتُ إلى هناك، ووجدت مخطوطة دفتر السفينة الذي تُكتب فيه اليوميات، وكانت اليوميات للسفينة الرئيسية لفاسكو دي جاما، وهناك وجدتُ موضوع ابن ماجد الذي ذكرته للطلبة سابقاً، واضحاً كُتب في اليوميات: «طلبنا من الملك ميلندي أن يزودنا بمرشدٍ، فأعطانا الملكُ مُرشداً مسيحياً، وركب معنا».. فكانت المعلومة واضحة أن المرشد لم يكن هو ابن ماجد.

وتابع سموه: «وقمتُ بكتابة جزء من هذه المخطوطة والخاص بهذا الموضوع في كتاب، وكان عنوانه: «بيان للمؤرخين الأماجد في براءة ابن ماجد»، وظننتُ أن الموضوع الهام هذا سوف ينتشر وسيصدقه الناس، ولكنني كنت كل مرة أسمع من الشرق ومن الغرب في عالمنا العربي أنهم لم يقبلوا تلك الحقيقة عن ابن ماجد، فقلتُ يجب أن أصبّ القوافي في قوالبها، وما عليّ بعد ذلك إن لم يفهم الآخرون. والحقيقة أن هذا الموضوع تُهمةٌ من تُهم ابن ماجد.

وهناك موضوع أصله أيضاً، وهو: من هو ابن ماجد؟ البعض يقولون إن أصله هندي من غُوجرات، وكتب أحمد اقتداري -وهو كاتبٌ من إيران- يقول: «أحمد بن ماجد، وغيّر اسم جده من النجدي إلى البحري، ونسبهُ إلى بلدةٍ في إيران».

وأكمل سموه: «وبدأت أسعى، ووجدتُ مخطوطة في المكتبة الوطنية الفرنسية، فصورتها، وبدأتُ أدرس فيها، فوجدتها مقسمة إلى ثلاثة أقسام، ووجدتُ أن الكاتب يذكر ابن ماجد في بداية المخطوطة، في جزء المخطوطة الأول والذي عنونه: «الفوائد في أصول علم البحر والقواعد» لأحمد بن ماجد، ولكن من كتب المخطوطة نقل ما كتبه ابن ماجد إلى أن انتهى من الكتابة (يقول ابن ماجد في كتابه: وختمنا هذا الكتاب في عام خمسٍ وخمسين وثمانمائة، هذا الاختصار، وأوصيكم بتقوى الله... ألخ).

وكاتبُ المخطوطة الذي نسخ الكتاب يقول في نهاية كتابه: تم الكتاب بحمد الله وعونه، وحُسن توفيقه، وهو المسمى بكتاب الفوائد في أصول علم البحر، وذلك في اليوم السابع عشر من ربيع الثاني سنة أربعٍ وثمانين وتسعمائة».

وتحدث سموه عن المغالطات التاريخية، شارحاً نسب ابن ماجد الحقيقي وعلاقات القبائل وتحركاتها في المنطقة قائلاً: «إن بني سعد من تميم، وتميم قبيلةٌ في القصيم، إذاً هناك نجدْ والقصيم، إذاً يكون ابن ماجد من هناك؟ ولكن ما الذي أتى به إلى هنا؟ (جلفار)، إذاً لا بد من متابعة الأحداث التي جرت ودفعت بني تميم لهذه الهجرة»، واستعان سموه، خلال المحاضرة، بعدد من الخرائط التاريخية لبيان موقع القصيم على الشاشة الإلكترونية، مشيراً إلى موقعها في خريطة شبه الجزيرة العربية، موضحاً سموه طريقي البصرة وبغداد، متسائلاً: «ما هي صفة القصيم في ذلك الوقت؟ كانت مكاناً تكثر فيه المياه العذبة من الينابيع والعيون والوديان، والأراضي الخصبة والمنتجات الزراعية»، ونوَّه سموه إلى أن طريق البصرة وبغداد كان ملتقى تقاطع الطرق في القصيم، يتم فيه التزوّد بالغذاء والماء، وفي عام 656 هـ، احتل الغزو المغولي بغداد، وانقطع هذا الطريق والملتقى.

ويشرح سموه رحلة بني تميم الطويلة وهجراتها في المناطق المختلفة، كما سرد سموه التغيرات التي أصابت المنطقة بعد غزو المغول، ولفت سموه إلى أن عمان استمرت في حكم سلالة مالك بن فهم إلى أن أتى الإسلام، حيث أن أهل عمان قد أسلموا من تلقاء أنفسهم لإيمانهم واعتقادهم بأن هذا دينٌ سماوي وفي هذه الفترة، كانت عمان طائعة للخلافة الراشدة، حتى كان الخلاف بين سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وسيدنا معاوية بن أبي سفيان، ونأت عمان بنفسها عن هذا الخلاف، ولم تكن هناك سيطرة من قبل الدولة الإسلامية لبني أمية أو العباسيين على عمان إلا في فترة البويهيين، وفي هذه الفترة استطاع البويهيون أن يعبروا الخليج، ويحتلوا أجزاء من عمان لفترة من الزمن.

وأوضح سموه أن قوة أخرى خرجت من البرّ الثاني، وهي جماعة بعضهم يقول عنهم إنهم عجمٌ فرس، وبعضهم يقول إنهم عرب، ولكنْ هناك مصدران مختلفان للرواية: الأول مصدرٌ عماني يقول إن ابن مالك بن فهم عندما اختلف مع إخوانه، قاموا بطرده، فذهب إلى البرّ الثاني وهي منطقة مُكرانْ، وأسس هناك مُلكاً له. وهناك المصدر الثاني في تورن شاه من ملوك هرمز، وكتب نفس هذه القصة. إذاً هذا كتب، وهؤلاء من عمان كتبوا، وبالتالي تكون هناك مصداقية أنهم خرجوا من هناك.

التجارة

وأشار صاحب السمو حاكم الشارقة إلى وجود شخص يسمى سيف الدين نصرتْ سنة 674 هـ أي 1275م، استطاع أن يحوّل التجارة من جميع الموانئ في الخليج ليضعها كلها عنده، ولكن لم يكتفِ بذلك. وكانت عُمان لديها تجارةٌ وأصبحت تابعة له، وقام بغزو كل هذه المناطق، وبيَّن سموه أن دخول هؤلاء الهرامز إلى عمان لا توجد فيه كتاباتٌ تاريخية، مشيراً إلى أنه عثر على مخطوطة بتاريخ عُمان القديم، بها تفصيل لمَنْ حكموا عمان منذ الإسلام. وقرأ سموه جزءاً مما كتب في المخطوطة النادرة.

جلفار

وتابع سموه رحلة البحث عن طرق هجرة بني تميم وبني سعد، قائلاً: «نأتي إلى رأس الخيمة، ونلاحظ أن بني تميم يتواجدون بكثرة، والتاريخ لم يذكر من قبل أن هؤلاء أتوا إلى هنا، فقط كل ما ذُكر عن شط بني تميم وبوشهر. أما بنو سعد فموجودون الآن في مناطق: الغونة، مدحة، الباطنة. وهم من بني تميم.

إذاً أحمد بن ماجد ومن معه كانوا هنا في منطقة جلفار، كما ذكر كاتب المخطوطة سابقاً. ولكني لا أكتفي بهذا المؤرخ فقط، بل أتبعهُ، ولدينا عائلة بني تميم، وعائلة بني سعد، ولكن عائلة آل ماجد نفسه أين هم؟ وقال سموه: «عندما نلقي نظرة على ما حدث في هذا المكان، كيف كان؟ نجد أنه حدث تغيير في هرمز عندما توفي ملك هرمز وكان يسمى تورن شاه، في سنة 1471م، وكان هناك الابن الأكبر له والمفترض أن يكون هو الملك، ولكن أخاه الأصغر طرده، وخرج الابن الأكبر الذي كان يسمى سنغور شاه واتجه إلى عمان، وهناك كان يوجد حاكمٌ يسمى إسماعيل حاكم عمان، وفي الوثائق العمانية يقولون إنه كان يسمى محمد بن إسماعيل، وهنا في الوثائق البرتغالية يقولون إنه إسماعيل.

والعمانيون يقولون إنه لم يذكر أن إسماعيل صار حاكماً، لكن المؤرخ البرتغالي قال إنه كان حاكماً.

بعدها التجأ سنغور شاه إلى الحساءْ، ولكن هناك مقولة تقول إن سنغور شاه قد تزوّج بامرأةٍ عربيةٍ من عمان، وخرج من عمان متجهاً إلى الحساءْ، وطلب من الجُبُور أن يساعده على إرجاع الحكم له، وكان ملك الجُبُور يسمى أجود الجبري، فاشترط عليه أنه إذا أرجع له الحكم في مُلك هرمز، أن يعطيه البحرين والقطيف، فوافق سنغور شاه على ذلك، وأتت القوات ونزلت في رأس الخيمة ومن هناك انتشرت، وكانت قوات الجبري كلها من البُومهير، ووصلوا إلى هرمز وانتزعوا المُلك وسلموه إلى سنغور شاه، لكنهم بقوا هناك في عمان وما تزال بقيتهم إلى اليوم وهم عائلة الجبري».

ونوّه سموه إلى أنه جاء في التاريخ الذي كتبه البرتغاليون «أنه كان هناك تنافس بين الهولة والبومهير على المقاصات، ولكن كان هناك كراهية وعداء موجود بينهم والذي لا نعرف سببه، لكن استطاع البومهير أن يطردوا الهولة من المنطقة والتجأ الهولة إلى أقرب جزيرة والتي كانت تسمى كُوارة مقابل رأس الخيمة، وعندما نزلوا هناك تركوا شيخهم ويسمى موسى (وكوارة تعني باللغة العربية: العُمامة، والبحارة الهولنديون سموها قُبّعة البحّارْ أو عمامة البحّار)، ومن يومها أخذت الجزيرة اسم موسى وهو شيخ الهولة الخارج من جلفار أو من الساحل، بعدها انتقلوا من هناك إلى هرمز، حيث كانوا حلفاء بنى هرمز ضد البومهير، فلما وصلوا إلى هناك نزلوا في جزيرة لاركْ فطردهم البرتغاليون، وقالوا لهم نحن سنحميكم من البلوش الذين يهجمون عليكم، ولكنهم قالوا لهم لا، لا بد أن تكون هذه الجزيرة خالية».

البحث المضني

واختتم سموه مقدماً خلاصة المحاضرة، والبحث المضني والاكتشاف المفيد، قائلاً: «نود فقط أن نعرف مثلما ذكرت في بداية المحاضرة، أين موطن أحمد بن ماجد؟ ونقول إنه من القصيم. وأين مسكنه؟ نقول مسكنهُ جلفار كما قال المؤرخ الذي نقل هذه المخطوطة سنة 895 هـ.

وأين انتشر آل ماجد؟ نقول الآن سلالته وعشيرته البعض منهم موجودٌ عندنا وهم بني سعد، وعيال ماجد الموجودون في الكويت يُعرفون بآل ماجد أو أولاد ماجد وأتوا من كنكون وبندر طاهري والنخيلو، وكلها مكانٌ واحدٌ، وبذلك نكون قد تتبعنا أحمد بن ماجد من بداية خروجه من القصيم إلى أن انتهى في الكويت»، وفي ختام المحاضرة، قدم سموه الشكر للحضور على حُسن الإصغاء، وأجاب سموه على عدد من المداخلات القيّمة.

تعقيب

ورداً على سؤال الدكتور مصطفى الفقي مدير مكتبة الإسكندرية عن أهمية السعي إلى التقريب بين الثقافة والسياسة، قال سموه « اتركوا الثقافة في حالها والمثقفين في حالهم، لأن أصل الثقافة الحقيقة». وفي تعقيب له، شكر وزير الثقافة الجزائري عز الدين ميهوبي صاحب السمو حاكم الشارقة على جهوده الحثيثة في رفع المظلمة التي كتبها التاريخ زيفاً عن ابن ماجد، من خلال البحوث والمراجع والدراسات لتصويب التاريخ.

وحضر المحاضرة الشيخ محمد بن سعود القاسمي رئيس دائرة المالية المركزية، والشيخ سلطان بن أحمد القاسمي رئيس مجلس الشارقة الإعلامي، والشيخ خالد بن عصام القاسمي رئيس دائرة الطيران المدني، والشيخ سالم بن عبدالرحمن القاسمي رئيس مكتب سمو الحاكم.

كما حضر المحاضرة أيضاً، معالي زكي أنور نسيبة وزير دولة، ومعالي محمد المر رئيس مجلس أمناء مكتبة محمد بن راشد، وعبدالله سلطان العويس رئيس مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة الشارقة، وراشد أحمد بن الشيخ رئيس الديوان الأميري بالشارقة، واللواء سيف الزري الشامسي قائد عام شرطة الشارقة، وعبدالله محمد العويس رئيس دائرة الثقافة، وهنا سيف السويدي رئيس هيئة البيئة والمحميات الطبيعية، والمهندس علي السويدي رئيس دائرة الأشغال العامة، وأحمد بن ركاض العامري رئيس هيئة الشارقة للكتاب، والدكتور خالد عمر المدفع رئيس مدينة الشارقة للإعلام «شمس»، وعدد من أصحاب السعادة والمفكرين والأدباء، والمثقفين.

اقرأ أيضاً:

حاكم الشارقة: آمل أن يأتي يوم نجد فيه «العربية» في المركز الأول

سلطان القاسمي يشهد إطلاق شعار وهوية «الشارقة عاصمة عالمية للكتاب 2019»

بدور القاسمي: هدية سلطان لجواهر تقدير مستحق

Email