دبي تفتح ذراعيها للوفود المشاركة والتصفيات تستمر اليوم

تحدي القراءة العربي يرفع حدّة المنافسة بين الطلبة

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يكن المشهد العام في مدرسة البحث العلمي بالورقاء في دبي، صباح أمس عادياً، فقد التقى في أحضانها نحو 250 طالباً وطالبة من وفود تحدي القراءة العربي يمثلون 44 دولة، التي وصلت إلى دبي مساء أول من أمس، قادمة من مختلف دول العالم للمشاركة في الدورة 3 من تحدي القراءة العربي، ورغم اختلاف حكايات الطلبة مع التحدي، إلا أن القراءة ظلّت القاسم المشترك في ما بينهم، لاسيما بعد أن مكنتهم من تجاوز كافة الاختبارات التي وضعتها لجان التحكيم، ليجتمعوا معاً في حضن «دار الحي» من أجل المنافسة على لقب «بطل التحدي» الذي سيعلن الثلاثاء المقبل في الحفل الختامي للتحدي في «أوبرا دبي».

منافسة قوية شهدتها التصفيات نصف النهائية التي انطلقت أمس، وتستمر اليوم بين فئتي المتنافسين من الوطن العربي، وأقرانهم من الجاليات العربية المقيمة في العالم الغربي، الأمر الذي ساهم في تحويل أروقة المدرسة إلى أشبه بمنتدى كبير، يتداول فيه أبطال التحدي الأفكار ويناقشون ما يقرأون، ويتبادلون عناوين الكتب التي اطلعوا عليها، والتي أكدوا للبيان «أنها ساهمت في تغيير شخصياتهم ونقلها لمستويات أعلى»، في وقتٍ أكدت فيه نجلاء الشامسي، الأمين العام لمشروع تحدي القراءة العربي، لـ«البيان» أن التحدي استطاع أن يحقق مشهداً ثقافياً لافتاً على مستوى المنطقة، مشيرةً إلى أن القائمين على التحدي يسعون لأن يكون متجذراً في كل دولة عربية.

خطط طموحة

في دورته 3، استطاع التحدي تجاوز التوقعات كافة، بعد استقطابه أكثر من 10 ملايين طالب، الأمر الذي كشف عن وجود خطط طموحة، مكنت التحدي من تجاوز العقبات. وعن ذلك قالت نجلاء في حوارها مع «البيان»: «منذ أن بدأ تحدي القراءة العربي قبل 3 أعوام، وضعنا خططاً استراتيجية خمسية، ومع وصولنا إلى العام الثالث، استطاعت بلدان عربية تحقيق أهداف التحدي باشتراك 30% من الطلبة، فيما لا تزال بلدان أخرى في طريقها لذلك».

وأكدت وجود خطة طموحة اتفقت عليها كافة الدول المشاركة، فقالت: «لدينا خطة إلى رفع نسبة الاشتراك في التحدي إلى 50%، ونسعى من خلال تبادل الأفكار مع ممثلي الدول المختلفة إلى تحقيق هذا الرقم والوصول إليه»، وعبرت عن سعادتها بالنتائج التي حققها التحدي للآن. وأضافت: «النتائج العامة مُبشّرة، ونتطلع لتحقيق المزيد مستقبلاً»، منوهةً إلى أن النتائج يمكن لمسها على أرض الواقع.

وواصلت: «تمكن التحدي من إحداث نقلة نوعية في المشهد القرائي العربي، وأصبح لدينا تقدم واضح فيه، على مستويات القراءة، وأيضاً على المستوى الإداري، فبعد انطلاقته عربياً أصبح لكل دولة فريق عمل خاص بها، وهي تعد خطوة داعمة للمشروع، الذي نستهدف من خلاله كافة الأجيال المقبلة، علماً بأن المشروع استطاع أن يحقق مشهداً ثقافياً لافتاً، وبناء عليه نتوقع أن ينعكس ذلك بشكل إيجابي على المشهد الثقافي والمعرفي العربي بشكل عام خلال المستقبل».

إيمان

ولفتت نجلاء الشامسي إلى أن التخطيط مستمر بهدف تحسين المشروع عاماً بعد آخر، وأن الفرق المسؤولة تتعامل بمهنية عالية، وهذا نابع من إيمانها بالمشروع وبقدرته على تحقيق مشهد ثقافي معرفي أفضل. وقالت: «أعتقد أنه مع وجود التحدي أصبح بإمكاننا وضع الحلول لمشكلة تراجع القراءة، وخاصة أنه لا يوجد هناك أي سبب مقنع بأن تظل هذه المشكلة قائمة، خاصة أننا نمتلك مخزوناً حضارياً كبيراً يمكننا من التفوق».

رؤية

وفي نظرة مستقبلية لواقع التحدي، بينت نجلاء الشامسي أن القائمين على التحدي لديهم رؤية واسعة وبعيدة المدى، وتقوم على قواعد صلبة، متمثلة في إيمان وزراء التعليم العرب والقيادات التنفيذية في كافة الأقطار العربية بأن التحدي مشروع عربي متكامل.

وقالت: الجميع يسعى لأن يكون التحدي متجذراً في كل دولة عربية، وعند وصولنا إلى العام الخامس، ستقوم اللجان بإعادة تقييمه ونتائجه والواقع أيضاً؛ لوضع آليات عمل جديدة ومتطورة قادرة على مواكبة المشروع ونظرته المستقبلية.

ونوهت أننا سندرس كافة المعايير من جديد، وخاصة أن المشروع يرتبط بمحتوى الكتاب العربي بشكل عام. وأضافت: نعمل بشراكة استراتيجية مع اتحاد الكتاب العرب، لتنشيط حركة النشر العربية، بحيث تكون رافداً أساسياً لدعم تحدي القراءة. وتابعت: «طموحاتنا كبيرة، وطلبتنا يشكلون قاعدة قوية لوضع خطط جديدة، قادرة على حقن طموحاتنا بجرعة أمل كبيرة.

تنوّع

حكاية جميلة للطالب قسام صبيح، بطل فلسطين في التحدي، مع القراءة، الذي أشار إلى أنه استطاع هذا العام إنهاء 170 كتاباً. وقال: هذه ليست المرة الأولى التي أشارك فيها، فمنذ انطلاقته وأنا دائم المشاركة، وبفضل الله حالفني الحظ في هذه الدورة، وفزت بتمثيل فلسطين فيه».

قسام بدا واحداً من عشاق القراءة. وقال: اعتدت القراءة حتى قبل التحدي، الذي وجدت فيه فرصة تحفزني للاستمرار في المطالعة، لدرجة أنني تمكنت العام من إنهاء 170 كتاباً، رغم أن المطلوب مني هو 50 كتاباً، مبيناً أن قراءته كانت متنوعة بين الروايات والتنمية البشرية والفلسفة والسياسة وغيرها.

وأضاف: لقد كان للقراءة تأثير خاص في شخصيتي، بأن ساهمت في صقلها وتقويتها وصناعتها بشكل لافت، وجعلتني أكثر مثابرة وقدرة على اتخاذ القرارات، مشيراً أن التحدي فتح أمامه أبواباً كثيرة وآفاقاً واسعة. وتابع: ساعدني ذلك على المشاركة بتنظيم العديد من معارض الكتب في المدن الفلسطينية وإقامة العديد من الندوات وحلقات النقاش داخل الجامعات والمجمعات الثقافية في فلسطين.

الرغبة في الحصول على لقب بطل التحدي، شكلت حافزاً قوياً لآية حميد، بطلة التحدي على مستوى هولندا، لأن تتحمل تعب السفر والتنقل بين المطارات، والتي قالت عن تجربتها: سمعت عن التحدي المرة الأولى من خلال مدرستي العربية في هولندا والتي أذهب إليها في نهاية الأسبوع، ولم يكن لدي سوى أقل من نصف عام للاستعداد للتحدي، حاولت جاهدة الاطلاع على أكبر قدر ممكن من الكتب، والتي اخترت منها نحو 17 كتاباً تم اختباري فيها، مبينة أن قراءتها كانت متنوعة بين كتب في السياسة والأدب والعلم والدين.

وواصلت: لم يكن التنويع في الكتب عملية سهلة في هولندا، بسبب عدم توافر المراجع والكتب العربية بكثرة، ولتجاوز هذا التحدي سعيت للحصول على الكتب من خلال الإنترنت، عبر تحميلها والاطلاع عليها، وأعتقد أن هذا كان من أفضل الحلول بالنسبة لي. آية أكدت أن القراءة ساهمت كثيراً في تغيير شخصيتها. وقالت: كان للكتب تأثير قوي في شخصيتي ونفسيتي، بأن أصبحت أقوى ومعرفتي أوسع، وقوت في نفسي الجرأة، فضلاً عن مساعدتي على ضبط أعصابي والتحكم في وقتي.

شغف

وبقدر شغف آية في القراءة، كان شغف العراقي معمر معيوف، بطل التحدي في إسبانيا، والذي أشار إلى أن سبب مشاركته في التحدي نابع من حبه الكبير للقراءة. وقال: وجدت في التحدي فرصة وحافزاً كبيراً للاستمرار في القراءة، حيث تمكنت بفضل التحدي من إنهاء 45 كتاباً هذا العام، تنوعت في تخصصاتها من الفلسفة والتاريخ والتنمية البشرية وغيرها، مشيراً إلى أن القراءة ساهمت في صقل مهاراته وزادت من بحر معرفته، وصقلت من شخصيته. وأضاف: من خلال القراءة تعلمت أشياء جديدة لم أكن أدركها قبلاً، فالقراءة تصقل عقل الإنسان وتنمي مواهبه.

5

مع انتهاء التصفيات نصف النهائية، التي تختتم اليوم، يتأهل 5 طلبة متميزين إلى المرحلة النهائية، حيث سيتم اختيار بطل تحدي القراءة العربي بدورته 3 في الحفل الختامي الذي سيقام في «أوبرا دبي» يوم الثلاثاء المقبل. وكان تحدي القراءة العربي لهذا العام شهد مراحل تصفيات عديدة متدرجة شملت عدة مستويات بدأت من تنافس الطلاب على مستوى الصف ثم المرحلة الصفية في كل مدرسة، ثم على مستوى المناطق التعليمية والمديريات والمحافظات، وصولاً إلى اختيار العشرة الأوائل، وتتويج فائز بتحدي القراءة على مستوى كل دولة.

من جهة أخرى، تتنافس في دورة العام الجاري 5 مدارس على لقب المدرسة المتميزة في تحدي القراءة العربي، بعد تأهلها لمرحلة التصفيات النهائية للفوز بجائزة بقيمة مليون درهم في تحدي القراءة العربي 2018، وهي مدرسة «مجمع السلام» من السعودية، ومدرسة «الإخلاص الأهلية» من الكويت، ومدرسة «بنات العودة» الأساسية من فلسطين، وثانوية «عبدالحميد دار عبيد سيدي علي» من الجزائر، وثانوية «الوحدة» الإعدادية من المغرب.

01

شهدت تصفيات اليوم الأول، منافسة نخبة من أبطال التحدي على مستوى الوطن العربي، حيث ضمت المجموعة الأولى كلاً من شمسة جاسم النقبي من الإمارات، ومحمد خالد حسين من الأردن، وهيلة عبدالله العنزي وعمر معيض القرني من السعودية، وقسّام محمد صبيح من فلسطين، فيما ضمت المجموعة الثانية كلاً من ندى عنقال من الجزائر، وعمر النور آدم محمد من السودان، وأماني عبدالباقي بن علي من تونس، ومحمد الشيخ ولد سيد الأمين من موريتانيا، ومريم الحسن امجنون من المغرب.

أما على مستويات الجاليات العربية، فقد ضمت المجموعة الأولى كلاً من رغد هاني شعشاعة التي شاركت في التحدي من باكستان، ومجد هشام طافش من الصين، وغيداء الأسمري المقيمة في الهند، ومنيرة حسن من جيبوتي، وهارون بندر فاضل من ماليزيا، ومعمّر معيوف الحنتوش من إسبانيا، وآية حميد من هولندا، في حين ضمت المجموعة الثانية كلاً من محمد عادل محمد المقيم في إندونيسيا، ورولا الزهراني من إيطاليا، ولويزا صالح من الدنمارك، ومحمد أحمد عبده من السويد، وآية عبدالعزيز الخضري من ألمانيا، وفاطمة كمال عمارة من النرويج، وتسنيم عيدي من فرنسا، ورحمة ياسر أبو الفتح من نيوزيلندا.

شمسة النقبي: أطمح إلى أن أكون رائدة فضاء

لم تتمكن والدة الطالبة الإماراتية شمسة النقبي، بطلة التحدي على مستوى الإمارات، من ضبط دموعها التي سالت بمجرد خروج ابنتها من اختبار لجنة التحكيم، لتبدو تلك دموع الفرحة التي كشفت عن طبيعة النتيجة الجميلة التي حصلت عليها والدة شمسة بعد أن قضت سنوات طوالاً في تحفيز أبنائها على القراءة، لتكون شمسة ثمرتها الأولى في عالم القراءة، الذي لا تكاد حدوده تنتهي في بيت شمسة الذي أسسته والدتها على أعمدة قوية، وحصنته بالقراءة والمعرفة.

تجربة شمسة في تحدي القراءة العربي، بدأت قبل أعوام، مع قطار المعرفة، حيث تشير شمسة إلى أن مشاركتها تطورت كثيراً خلال الأعوام الماضية، حتى استطاعت الفوز على مستوى الدولة في التحدي.

وقالت: كان للفوز تأثير إيجابي في، رغم أنني أعتبر أن الفوز الحقيقي هو قراءة هذا الكم الكبير من الكتب، وما يمكن أن يخلفه من تراكم في الخبرات لدي، ويساهم في تحصين لغتي العربية، ويعزز من قدرتي على النقاش.

تجربة شمسة في التحدي، قادتها إلى دخول عالم أبي الفنون، بأن تولت إخراج مسرحية روميو وجولييت لويليام شكسبير. وقالت: القراءة منحتني القدرة على تحليل النصوص والتوغل فيها وإيصالها إلى المسرح وترجمتها على الخشبة، كما فتحت أمامي آفاق الإعلام وتقديم البرامج واكتساب مهارات التحليل والسرد، والقيادة أيضاً إلى جانب أنها ساهمت في تقوية شخصيتي، وصقلها وتنميتها.

شمسة التي ترغب في أن تكون رائدة فضاء في المستقبل، تغرس علم الدولة على المريخ والقمر، أشارت إلى أن التحدي حفز في نفسها طموح الوصول إلى أعلى المراتب، وتمثيل الدولة ورفع علمها في كافة المحافل الدولية.

وأضافت: نحن على استعداد دائم لأن نكون خير من يمثل الدولة في كل المحافل، ونوهت إلى أن التحدي ساهم أيضاً في تنويع مصادرها ونوعية الكتب التي تعودت قراءتها، لتبعث من خلال البيان برسالة حب إلى والدتها التي ساهمت في فتح الآفاق أمامها.

وواصلت: والدتي لها كل الفضل في ما وصلت إليه اليوم، فهي لم تتوقف يوماً عن تشجيعي وإخواني على القراءة، لدرجة أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، وأصبحت زاداً لا يمكننا التخلي عنه.

Email