«راشد.. قائد استشراف المستقبل» سجل زاخر بصفحات مشرقة بالمنجزات عبر مسيرة حافلة

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

«من يتابع ما تحقق على أرض دبي خلال الفترة الماضية من ازدهار وتنمية يدرك دور المغفور له الوالد الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، في تلك الإنجازات؛ فرغم إمكاناته الضئيلة وموارده اليسيرة، استطاع برؤيته الثاقبة وفكره الوثاب وقدراته وطموحاته التي لا حدود لها، أن يقطع مسافات بعيدة ويستشرف المستقبل الذي كان يحلم به للوطن والمواطنين».. بهذه الكلمات افتتح صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، كتاب «راشد.. قائد استشراف المستقبل»، الصادر أخيراً عن هيئة دبي للثقافة والفنون.

افتتاحية الكتاب كانت بمقدمة لمعالي عبدالرحمن بن محمد العويس، وزير الصحة ووقاية المجتمع، وثلاثة أجزاء، وينقسم كل من الجزء الأول والثاني إلى ثلاثة فصول، بينما جاء الجزء الثالث ليسرد اطراد التطور تحت عناوين رئيسة.

التحدي

تحت عنوان «راشد بن سعيد آل مكتوم.. التحدي في الزمن الصعب»، سطّر معالي عبدالرحمن العويس في مقدمته كلمة عبر فيها عن الإجلال والإكبار للشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، ذاك الطود الشامخ في وجه تحديات حقبة صعبة وظروف دقيقة، قهرها ليبني دبي الحديثة، مؤكداً أن سجله، رحمه الله، يزخر بصفحات ثرية مشرقة متواصلة بالمنجزات، امتدت عبر مسيرة حافلة بالعطاء، وأنه كان على قناعة تامة بأن مستقبل الإمارات سيكون أفضل إذا توحّدت، ووضع يده في يد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، ومضى بكل عزيمة لاستكمال حلم الدولة الواحدة، الذي تحقق في الثاني من ديسمبر 1971.

ويسرد العويس تاريخ الشيخ راشد بن سعيد وتوليه حكم دبي في الرابع من أكتوبر 1958، بعد رحيل والده الشيخ سعيد بن مكتوم في العاشر من سبتمبر من العام نفسه.

عمل الشيخ راشد بعد وفاة والده جاهداً على تقوية مركزية دبي ومكانتها التجارية، واهتم بالأسواق ودعم التجار وشجع الاستثمار، وخطط لآفاق بعيدة ورؤى مستقبلية لمدينة ناهضة، كما أنشأ الدوائر لخدمة مواطني الإمارة في تأسيس لنهضة شاملة ستشهدها الإمارة.

وأضاف العويس أن أيادي الشيخ راشد بن سعيد البيضاء ورؤيته الثاقبة لم تزل نبراساً لأبناء الوطن يقتبسون منه الهمة والعزم وقهر المستحيل.

قائد فذّ

قسم الكتاب الجزء الأول، كما ذكر آنفاً، إلى ثلاثة فصول، خصص الفصل الأول للحديث عن دبي ما قبل النفط، والفصل الثاني عن سلالة آل مكتوم الكرام، والفصل الثالث جاء بعنوان «الإرث الصعب».

يذكر الكتاب في فصله الأول من الجزء الأول أن الموقع المميز على ساحل الخليج العربي منح المدينة بركاته التي تمحورت حول الكنز الأزرق المتموج، فكان أهل المدينة يعيشون على خيرات البحر من صيد وبناء سفن وغوص عن اللؤلؤ الذي نال معظم التركيز. وأسهب الكتاب في وصف الحياة الاجتماعية والاقتصادية في حقبة ما قبل النفط وصفاً دقيقاً.

وينتقل الكتاب في الفصل الثاني من الجزء الأول للحديث عن آل مكتوم الكرام، فيبدأ بوفاة الشيخ مكتوم بن بطي في 1852م، زارعاً بذرة أسرة من الحكام من أصحاب الرؤى المستقبلية الذين قاموا بدورهم بالمساهمة في التغيير الدائم لدبي وتحولها إلى مدينة عالمية. وذكر الكتاب أن لكل حاكم من حكام آل مكتوم الكرام مساهماته المهمة في النمو التجاري بسياسات حكيمة ذات جدوى، وبترسيخ الأمن وأمان في المدينة التي فازت بقصب السبق في سباق النهضة.

ويصل بنا الكتاب إلى فصله الثالث من الجزء الأول وهو بعنوان: «إرث صعب»، متحدثاً عن العاصفة الخطرة التي شكلها إغراق اليابان أسواق العالم باللؤلؤ المزروع كونه بديلاً رخيصاً للآلئ الطبيعية، ما أثر في أسعار اللؤلؤ الطبيعي التي هبطت بشكل كبير، وأدى إلى موت تجارة اللؤلؤ الطبيعي. لكنّ ولي العهد الشاب آنذاك، لم ينحنِ للأزمة، بل حض ملّاك السفن على العودة إلى عرض البحر لكن لصيد السمك هذه المرة لا للغوص بحثاً عن اللؤلؤ، في حل سريع لأزمة الغذاء، وتوفيراً لكميات يمكن إعادة تصديرها. ولم تكن أزمة اللؤلؤ هي الوحيدة، بل كان الإقليم يموج بتحولات كبيرة أرخت بظلالها على سائر المنطقة. ثم جاء اكتشاف النفط، فكانت دبي ثاني من وقّع مع الشركات البريطانية بحثاً عن النفط بعد البحرين.

«الاتحاد.. ولادة أمة»

ننتقل في هذا السرد التاريخي إلى الفصل الثاني، الذي جاء تحت عنوان «الاتحاد.. ولادة أمة»، وكانت بدايته بالفصل الأول «ظهور السياسي المستنير»، حيث تجلت قدرات الشيخ راشد بن سعيد في حفظ استقرار دبي بعد سنوات صعبة ماجت بالأحداث والمواقف الشديدة التي تخطتها الإمارة بفضل حنكته، رحمه الله.

وقد جاءت الحرب العالمية الثانية لتلقي بظلالها على دبي بعد أن أعلن شاه إيران دعمه لهتلر، ما تسبب في أزمة اقتصادية كان الفضل في حلها للشيخ راشد بعد أن توصل مع البريطانيين لصيغة توزيع للمواد الغذائية على سكان دبي.

بعد الحرب عادت عجلة النمو للدوران من جديد بقيادة الشيخ راشد، الذي كان يحكم دبي فعلياً في عقدي الأربعينيات والخمسينيات بتوجيه من والده، وبعد وفاة الشيخ سعيد وتولي الشيخ راشد لم يكن يهدأ له بال استشرافاً للمستقبل بطموح قلّ نظيره.

يذكر الكتاب أن تطور دبي كان يجري بسرعة لا هوادة فيها، بموارد قليلة لكن بحُسن تسيير وبعد نظر، وقد شكل الشيخ راشد مجلساً للمستشارين الناصحين، كان يتخذ قراراته بعد مشاورتهم.

في الفصل الثاني من الجزء الثاني من كتاب «راشد.. قائد استشراف المستقبل»، وتحت عنوان «بناء تحالفات»، يسلط الكتاب الضوء على التقارب الحاصل بين كل من دبي وأبوظبي أكثر من ذي قبل، مع اهتمام العالم المتزايد بالنفط وصناعاته.

وقد أدرك المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، أهمية هذه الفرصة لتشكيل دولة قوية ذات شأن تجمع شمل بقية الإمارات.

في عام 1968 أقيم الاجتماع الذي حفر في تاريخ الدولة وغرس بذرة الاتحاد الأولى، بين الشيخ زايد والشيخ راشد، وتم الاتفاق على إنشاء نظام فيدرالي يتيح الفرصة لكل من يريد الانضمام إليه من بقية الإمارات. توالت الاجتماعات بعدها إلى أن جاء اليوم المشهود، يوم الثاني من ديسمبر، الذي أعلن فيه قيام دولة الإمارات العربية المتحدة.

في الفصل الثالث من الجزء الثاني يصف الكتاب الشيخ راشد بأنه «رجل التطوير والحداثة»، وفيه يذكر الكتاب جهود الشيخ زايد والشيخ راشد وإخوانهما لتحويل الإمارات إلى دولة عصرية متطورة بسياسات خارجية حيوية.

إرث للمستقبل

في الجزء الثالث والأخير من الكتاب نقرأ عن مبادرات الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمه الله، التي يمكن اعتبارها أساس البنية التحتية القائمة الآن في دبي، والتي تعد من الأقوى عالمياً، مع رؤية اقتصادية تحدت الزمن وثبتت أمام المتغيرات.

ويذكر الكتاب أنه في العام الأول لحكمه سعى الشيخ راشد لإنشاء مركز طيران مدني دولي في دبي. وبحث حلول وتقنيات الموارد المائية للمدينة وتوفير وحدات سكنية لأهل دبي. وأمر الشيخ راشد، رحمه الله، في 1954 بإنشاء بلدية دبي لتخطط المدينة وطفرتها التي كان يسعى لها. وتم كذلك إنشاء المستشفيات وأولها مستشفى آل مكتوم الذي أنشئ 1949. كما اهتم الشيخ راشد، رحمه الله، بالتعليم فأنشئت المدارس في عهده لكلا الجنسين. ويضيف الكتاب في تعداده لإنجازات الشيخ راشد أنه ورغم نجاح ميناء راشد ونجاحه في جذب التجارة وتحقيق الأرباح، أمر الشيخ راشد ببناء ميناء جبل علي، بتصور خاص كان في ذهنه، ليصبح عند إنجازه أكبر ميناء مُنشأ في العالم.

كما اهتم الشيخ راشد بخور دبي؛ وعياً منه بأن كل تطور فيه سينعكس على ازدهار دبي وأهلها، فوضعت خطة لتوسيعه بدأ تنفيذها في 1959. وفي عام 1974 أصدر الشيخ راشد موافقته على بناء مركز دبي التجاري العالمي، البرج الأطول في الشرق الأوسط في ذلك الحين، واستطاع أن يجتذب المستأجرين التجاريين بكثافة. وفي عام 1971 افتتح المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم مطار دبي الدولي الجديد.

لم يغفل الشيخ راشد، رحمه الله، عن أهمية وجود مؤسسات مالية قوية في المدينة تلبي احتياجات المواطنين والمقيمين من التجار، فكانت البداية بفروع للبنوك الأجنبية، ثم أنشئ بنك دبي الوطني عام 1963.

 

أهم الإنجازات

يذكر الكتاب أن الإنجاز الأكبر الذي أرساه الشيخ راشد، رحمه الله، كان يتمثل في أبنائه؛ فقد غرس فيهم قيم الحكم والإدارة والقيادة وحب الوطن، وحرص الأبناء على مرافقة والدهم والنهل من خبراته في الحكم، وفي عام 1968 عين الشيخ راشد ابنه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رئيساً للشرطة والأمن العام في دبي. وببصيرته المستنيرة أوكل القطاع التجاري لسمو الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم، ولعب الأشقاء دوراً حيوياً في ترسيخ الاتحاد، فكان الشيخ مكتوم، رحمه الله، أحد الأعضاء الفاعلين في المجلس التمهيدي للاتحاد.


تطور الرؤية

يختتم الكتاب سرده للإنجازات الكبيرة للمغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمه الله، بأن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، استقى إلهامه وأخذ برؤيته من والده الشيخ راشد بن سعيد بذات العزيمة الفولاذية نحو جعل دبي ودولة الإمارات في مراكز تليق بها عالمياً.

Email