الفعاليات الثقافية والجمهور.. خصام يُفرزه الجمود

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تستهدف الفعاليات الثقافية والفنية وغيرها، الجمهور من مختلف الشرائح، والذي يقيس مدى إقباله نجاح أي فعالية من الفعاليات.

وبالنظر إلى واقع الحال، نجد أن غياب الجمهور عن الفعاليات الثقافية أو الجادة يعد ظاهرة قديمة متجددة، بينما يحضر الجمهور ذاته بشكل أوسع في الفعاليات الفنية والرياضية، في وقت تواجه فيه كل هذه الأنشطة تحدياً جديداً من قبل وسائل التواصل الاجتماعي على اختلافها، بجانب ظهور العديد من المواقع على الشبكة العنكبوتية التي تنشر الكثير من المواد المقروءة والمسموعة، وتستقطب الناس إليها ما يجعلهم مكتفين بالمعلومات التي تغنيهم عن حضور محاضرة، ورغم ذلك يبقى الأثر مختلفاً ما بين هذه الأنشطة.

«البيان» رصدت طبيعة الظاهرة وأسبابها وآليات مواجهتها، من خلال تحقيق موسع مع العديد من المعنيين والقائمين على تنظيم الفعاليات والحفلات. وقد خلص المشاركون إلى أن غياب التجديد والطابع الحيوي في اسلوب ومضمون الفعاليات سبب الجفاء والخصام الحادث بينها وبين الجمهور.

تنوّعقال سيف سعيد غباش، وكيل دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي: الجمهور متنوع بطبيعته، ولكل فعالية جمهورها الخاص، ولذا فنحن في دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي نحرص على تصميم فعاليات تلبي جميع الاهتمامات وكل الأعمار.

وأضاف أن ذلك يبدو واضحاً مما نقدمه على مدار العام من فعاليات تحظى باهتمام الكبار والصغار والباحثين عن الترفيه وكذلك من لديهم شغف تجاه الثقافة، مشيراً إلى أنه على سبيل المثال منذ بداية العام الحالي نظمنا العديد من الفعاليات الجماهيرية مثل مهرجان أم الإمارات، ومهرجان أبوظبي للمأكولات، ومعرض أبوظبي الدولي للكتاب وغير ذبك. وتابع: وقدمت البرامج المصاحبة لكل حدث فعاليات ثقافية ومحاضرات تناقش العديد من القضايا بل وتهتم بمشاركة جميع الأعمار.

وأضاف: نستعد حالياً لمعرض «فن أبوظبي» وهو حدث ثقافي بامتياز يستقطب هواة جمع المقتنيات الفنية والفنانين والنقاد، وتصاحبه جلسات حوارية وندوات فكرية تناقش القضايا التي تخص الشأن الفني، وأوضح أن الفعاليات تحظى باهتمام رواد الحدث الذين يشاركون في الحوار والنقاش.

وأشار غباش إلى الدور الذي تلعبه وسائل التواصل في جذب الجمهور، وقال: نحن في دائرة الثقافة والسياحة-أبوظبي نستوعب ذلك جيداً ونواكبه، ونحرص مع انطلاقة كل فعالية أن نذكر الجمهور بتفاصيل كل فعالية على حساباتنا في مواقع التواصل الاجتماعي، كونها تشهد حراكاً رقمياً موازياً لما تقدمه الفعالية على أرض الواقع، وربما تفوقه من حيث الزخم الجماهيري حيث تقام المسابقات، ويشارك الجمهور لحظاته المهمة خلال تواجدهم في الفعالية، وبذلك يصبحون سفراء ومروجين لها بشكل واسع ويحظى بالمصداقية.

وتابع: تعتبر أبوظبي اليوم ملتقى إقليمياً وعالمياً للفعاليات الثقافية التي يقصدها أقطاب الثقافة وقادتها من كل أرجاء العالم. وأضاف: أسهم في ترسيخ مكانة أبوظبي الثقافية، خصوصاً خلال الأعوام القليلة الماضية، افتتاح العديد من الوجهات والصروح الثقافية مثل متحف اللوفر أبوظبي، ومنارة السعديات، التي تقدم للجمهور برنامجاً جماهيرياً يعكس الاهتمام الشعبي المتنامي بالثقافة في الإمارة. وتابع، إن منارة السعديات تحتضن شهرياً قائمة متنوعة من الفعاليات التي تستضيفها وتغطي العديد من الموضوعات في صميم الشأن الثقافي.

جهود ضائعة

من جهته، قال الفنان د. حبيب غلوم العطار المستشار الثقافي في وزارة الثقافة وتنمية المعرفة، قال: أتصور أن المسألة غير مرتبطة بشكل دقيق بفعاليات أو برامج ثقافية، فهناك الكثير من الفعاليات الفنية التي لا يحضرها الكثير من الجمهور، وأضاف، إن الفعاليات الثقافية عامة والأدبية بشكل خاص أصبحت تنفر الناس لأسباب كثيرة منها أن الناس اليوم لا تملك الشغف والتطلع لأن تستزيد من الجوانب الثقافية والأدبية لشعورها بأنها جامدة نوعاً ما.

وذكر العطار أن الفنون أقرب إلى الناس وإن كان هنا الكثير منها من الفعاليات التي لا يحضرها الناس، مثل المسرح الذي يقدم أعمالاً أدبية، ورصينة وجادة، بعكس الأعمال التي تقدم بقالب كوميدي.

وقال: في الفعاليات الثقافية ومنها الأمسيات الشعرية اسم الشاعر هو الذي يستقطب الجمهور، فالصالات تمتلئ إن كان لهذا الشاعر صوت يمثل الناس والعكس صحيح هناك أمسيات لا يوجد إلا القليل جداً في الصالة.

وأضاف: أتصور أن الفنان أو الأديب القادر أن يمثل الناس ويصل لمكنوناتهم ممكن أن يكسب. وتابع: إذاً القصور بالمبدع نفسه إضافة إلى أننا نحتاج إلى أن نفكر بشكل مختلف كمبدعين، وأوضح أن الجمهور يحتاج إلى لون معين ويجب على المبدع أن يضع هذه المسألة بالحسبان، مثل التاجر الذي يرى احتياجات المستهلك ونوعية الأشياء ويحاول أن يوازن بين طموحه كتاجر وبين الذي يريده المستهلك.

وتابع: يجب أن نعمل حساباً مثل التاجر تماماً للحالة التنافسية في السوق. وذكر: على الذين يشتغلون في المسرح التراجيدي الجاد أن يوازنوا في أعمالهم بين هذا وذاك للمحافظة على الخيط الذي بينهم وبين الجمهور.

وقال العطار: نسمع أشياء كثيرة أن الإنسان العربي أو الإنسان عامة يفكر بالأمور السياسية والاحتياجات الاجتماعية، وليس لديه الرغبة بسماع المشاكل ورؤية أعمال جادة. وأضاف: كلها حقيقة يجب ألا نتجاوزها كمبدعين، فالوضع الاجتماعي والسياسي الذي يعيشه الجمهور يجب التفكير به لإيصال المادة أو السلعة التي لدينا.

وأوضح أن المبدعين يحاولون الاستعانة بوسائل التواصل الاجتماعي لكن هذه الوسائل لا تعين إن لم يكن لهذا المبدع اسم ولون معين يمس الجمهور، وإلا لن يأتيه أحد في السينما أو المسرح أو الأعمال الدرامية التلفزيونية التي تقدم ولا تلقى المشاهدة المطلوبة، وأضاف، ان هناك جهوداً ضائعة على مستوى العالم العربي كله، مسرح وتلفزيون وسينما وغناء.

وتابع: وسائل التواصل استطاعت أن تقرر من هو الذي يستحق مشاهدته أو العكس، فالناس يحضرون مسرحية أو فيلماً وينشرون عبر وسائل التواصل بأن العرض جيد أو متدن.

وتابع: كنا نستاء من عبارة «الجمهور عاوز كده» ونقول علينا رفع مستوى الجمهور، ولكننا اكتشفنا بعد عمر طويل في المجال الفني بأن تجربة الفن المصري الطويلة أوصلته إلى هذه القناعة، يجب أن يعمل حساب الجمهور.

وقال: المصريون كانوا على حق، لأننا اكتشفنا أنه علينا أن نلحق بالجمهور وما الذي يريده بالضبط وهذا اعتراف مني كفنان إماراتي للفن في مصر، يجب أن نتعامل أن هناك سلعة نريد أن نسوق لها بمجال الفن مهما كان الهدف، وإلا تبقى رسالتنا لأنفسنا وليس لها أي مريد.

الجمهور مشتّت

الشاعر والباحث محمد نور الدين، عضو اللجنة الثقافية في اتحاد كتاب وأدباء الإمارات- فرع أبوظبي، تحدث عن قلة الحضور في الفعاليات الثقافية، وقال: أعتقد أن المشكلة الرئيسية في تقديم المادة الخام من شعر أو نثر أو رواية، فطريقة ما يقدم الآن هي نفسها قبل 40 سنة، وأضاف أن الموضوع مختلف بالنسبة للغناء مثلاً فهناك شعر وموسيقى وأداء وصوت في وقت يبحث فيه الجمهور عن المتعة، وأوضح أن الناس اليوم مختلفون عن قبل يبحثون عن عناصر الدهشة لذلك تعمد بعض الدول في الفعاليات الثقافية إلى مصاحبة الرسم أو الموسيقى في الأمسيات التي يتم تنظيمها.

وقال تواجهنا مشكلات في نوع المادة وتطويرها للمتلقي بمدة أقصر وهذا ما يتطلب استعداداً وتحضيراً أكبر، يحقق نقلة نوعية في جذب الجمهور، وذكر أن هذا يتطلب ميزانية كلفة مادية قد تعجز عنها بعض الجهات الثقافية، وحتى إن توفر الرصيد المادي قد لا تتوفر الأفكار الجذابة.

ورأى نور الدين أن هذا العصر لم يفرز مشاهير كما كان سابقاً في مجال الأدب. وفسر : من الصعب الآن أن نذكر اسم شاعر ما ونقول إن الناس تعرفه في كل العالم العربي. وأوضح: كان الإعلام يمنح المبدع حقه لكن الآن كل يعمل بجهة مختلفة عن الأخرى، والمتلقي مشتت ما بين الفضائيات والأمسيات ووسائل التواصل الاجتماعي بجانب التشتت في الحركة الإعلامية.

ترويج ترفيهي

تحدثت نوف البوشليبي، نائب مدير إدارة الاتصال - إدارة الوجهات السياحية في شركة ميرال، عن كيفية الترويج لفعاليات جزيرة ياس عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، وقالت: نركز على تعزيز وترويج الفعاليات على مواقع التواصل الاجتماعي عبر عرض جميع الفعاليات المقبلة على منصتنا what’s on yas island.

وأوضحت أن جزيرة ياس تروج للفعاليات التي تستضيفها باعتبارها أهم الوجهات السياحية في دولة الإمارات العربية المتحدة التي تستقطب الناس من أنحاء العالم بهدف الترفيه العائلي والاستجمام والأعمال، وأضافت أن جزيرة ياس تعمل عن طريق استضافة الفعاليات الفنية بالاحتفاء بالتنوع الثقافي الغني في إمارة أبوظبي، وتوفر الجزيرة عروضاً تناسب مختلف الأعمار والثقافات وتستضيف فعالية مختلفة كل أسبوع.

ورأت أن تفاعل الجمهور واستقطابه يتزايد ومن المتوقع أن يصل حضور الفعاليات في الجزيرة إلى مستويات قياسية في عام 2019. وبينت أن جزيرة ياس قد قدمت العديد من المفاهيم الجديدة، مثل الأفلام في الحديقة، ونادي الطعام الاجتماعي، وغيرهما من الفعاليات التي لاقت صدى إيجابياً.

جمهور الفن

العمل في جذب الجمهور إلى المجال الفني مختلف، هذا ما أشار إليه حسام حرابا الذي يمتلك خبرة طويلة في مجال تنظيم الحفلات، ولفت إلى أن خبرته ساعدته على تكوين رصيد من الأرقام يصل إلى 185 ألف رقم اتصال.

وقال: عند تنظيم أي حفل لفنان شهير، مثل: ماجد المهندس ورابح صقر أو نجوى كرم.. وغيرهم الكثير، أرسل رسائل نصية لبعض الأرقام الموجودة لدي إلى أن يصبح عدد الجمهور كافياً لملء القاعة. وأوضح: ننتقي التاريخ المناسب لإحياء حفلة ما بحيث لا تترافق مع موسم الإجازات أو بدء المواسم الدراسية. وقال: في آخر حفل لحاتم العراقي في أحد فنادق دبي طلب الجمهور تمديد الحفلات التي أحياها ليوم إضافي.

وذكر أنه على الرغم من ذلك فإن هؤلاء الفنانين الذين يجذبون الجمهور لا يحققون نسبة مبيعات أكثر من 20% من ألبوماتهم الغنائية بسبب تواجد أغانيهم على العديد من المواقع الإلكترونية. وقال إن هذا الأمر ينطبق أيضاً على مبيعات الكتب، إذ إن المواد المتوافرة على المواقع تغني الناس عن شراء العديد من الكتب.

العلاج بالترفيه

من وحي تجربته كمدير للعلاقات العامة في إحدى الشركات التي تنظم الفعاليات بالتواصل مع وسائل الإعلام والجهة المنظمة، قال أسامة تمبكجي إن الجمهور ينجذب لحضور الفعاليات الفنية الترفيهية أكثر من حضور الأحداث والفعاليات الثقافية بسبب تصوره المسبق بأن الفعاليات الفنية هي أكثر ترفيهاً ومتعة عن غيرها من الفعاليات الثقافية.

وأضاف، ان أفراد الجمهور بغالبيتهم يفضلون الاستمتاع بوقتهم عند حضور حفلات غنائية هرباً من هموم العمل ومشاغل الحياة، وأوضح أن لدى شريحة كبيرة في المجتمع تصوراً مسبقاً بأن حضور الفعاليات الثقافية يتطلب دراية ومستوى عالياً من الثقافة والتحصيل العلمي، على الرغم من أن أغلب الفعاليات الثقافية كمعارض الرسم والنحت والشعر والموسيقى مبنية على الفنون التي تخاطب الروح قبل مخاطبتها للعقل، وبين أن هذا الأمر يتطلب توعية أكثر من قبل القائمين على الفعاليات الثقافية.

ورأى تمبكجي أن لمواقع التواصل الاجتماعي إلى جانب المؤثرين الاجتماعيين ومشاهير الإعلام دوراً كبيراً في الإضاءة على الفعاليات الثقافية والدفع نحو اهتمام أكبر لحضورها. وقال: يجب أن يتم الترويج عبر منصات التواصل الاجتماعي من خلال الجهات القائمة على الأحداث والفعاليات الثقافية بصورة إبداعية.

ومن وقع خبرته أظهر أن الإنفاق على ترويج الحفلات الغنائية «كمثال» أكثر بكثير مما ينفق على المعارض أو الفعاليات الثقافية التي قد تكون بالكثير من الأحيان أكثر إمتاعاً وفائدة للجمهور من حفلات الغناء والتسلية.

ورأى بأنه على مشاهير التواصل الاجتماعي تحمل المسؤولية ورد جميل الشهرة التي هم فيها للمجتمع، ودعوة الجمهور عبر منصاتهم الاجتماعية لحضور الفعاليات الثقافية التي تساهم في تثقيف المجتمع وتطوره الحضاري. وتابع: ولو كانت هذه الدعوة مقابل مردود رمزي أو حتى مجاني.

Email