شخصية مُلهمة لأبناء الوطن وللمثقفين بمختلف تخصّصاتهم

زايد رمز ثقافي لا يغيب

ت + ت - الحجم الطبيعي

تجسّد اليوم دولة الإمارات العربية المتحدة التي بناها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيّب الله ثراه» بكل وجوهها الحضارية ثقافته التي ترتكز على الإبداع والتميز.

إن شخصية المغفور له الشيخ زايد كانت ولا تزال شخصية مُلهمة لأبناء الوطن عامة وللمثقفين بمختلف تخصصاتهم بشكل خاص، فالكاريزما الجاذبة والسيرة الشخصية له تعجّ بالمواقف والعبر والأفكار التي تلهم المثقف فيستنبط منها مشروعات وأفكاراً جديدة.

ويشهد العالم أجمع لدولة الإمارات اهتمامها الكبير بالثقافة ودعم المبدعين من أبنائها في كل المجالات منذ عهد المؤسس الراحل الشيخ زايد وإلى يومنا هذا وهو ما خلق لها ثقلاً ثقافياً كبيراً وبوَّأها مكانة ثقافية مرموقة بين الأمم والشعوب.

النشأة الثقافية

ورغم أن المغفور له الشيخ زايد نشأ نشأة ثقافية تقليدية في ذلك المجلس الدافئ الذي احتضن أحلامه وتطلعاته في مدينة العين منذ الأربعينيات فإنه تابع كل المستجدات على الساحة الثقافية المحلية والعالمية من خلال نوافذه المفتوحة وراهن دائماً على الجديد لأنه يعتبر الجديد هو المستقبل وهو الغد القادم.

وفي بداية السبعينيات من القرن العشرين ومع بزوغ فجر الاتحاد ومع الإطلالة الأولى للشيخ زايد على شعبه مخاطباً العقول قبل القلوب قائلاً: «إن نشر التعليم واجب قومي، والدولة وفرت كل الإمكانيات من أجل بناء جيل الغد وتعويض ما فاتنا، وهذا الأمر يضع العلم في أعز مكانة وأرفع قدر».

فقبل عام 1971 لم تكن كل هذه المنابر الثقافية موجودة على الإطلاق، واليوم ثمة عشرات المراكز التي تبحث في القضايا الثقافية التي أنشأها؛ لأنه كان مدركاً أن العولمة ستدخل شئنا أم أبينا، ولم يكن يريد أن تأكل هذه العولمة الثقافة والتراث الوطني.. من هنا سعى إلى إيجاد معادلة توازن بين الحديث والقديم وأوجد الجيل الواعي والمبدع والطموح الذي تفاخر به الإمارات.

رجل الثقافة

ولأن زايد رجل الثقافة الأول كانت وزارة الإعلام والثقافة آن ذاك من أولى الوزارات التي شكّلت منذ فجر الاتحاد وساهمت في ترسيخ مفهومه الثقافي.

وما زالت وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع الآن خير داعم للثقافة. ورغم أن العالم صنف الشيخ زايد رجلاً سياسياً متفرداً فإنه رجل ثقافة بامتياز؛ فقد شكلت توجيهاته النيرة انطلاقة متفردة للإمارات نحو آفاق الحاضر والمستقبل، وأضاءت سماء الإمارات بأعظم الإنجازات الحضارية والثقافية والإنسانية، وسطرت أروع ملاحم العطاء والتميز والتنمية الإنسانية الحقيقية في تاريخ الأمم والشعوب.

لقد كان «رحمه الله» محباً للأدب والشعر ومشجعاً للثقافة والفكر، ويعد أحد أهم الرؤساء والملوك والشعراء الذين جمعوا بين المقدرة على تصريف أمور الحكم والدولة وبين الإبحار في عوالم الثقافة والشعر والأدب، وهو المؤسس الذي دان له الشعر كما دانت له السياسة، فالشيخ زايد شاعر له مكانته المرموقة في عالم الشعر يتذوقه وينظمه، خاصة الشعر النبطي الذي يمثل وجدان شعب الإمارات ويعبر عنه.

مجالس للشعراء

ويكفي أن باني ومؤسس هذا الوطن هو بالأساس شاعر ومُحبٌّ للأدب ومُخلص للعلم والثقافة، ويحق لكل مثقف إماراتي أن يفخر لكونه من الدولة التي أرسى بنيانها المؤسس المثقف والشاعر الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيّب الله ثراه».

وبفضل اهتمام المؤسس الراحل بالثقافة أنشأ مجالس للشعراء وحثهم على الانضمام إليها وتقديم إبداعاتهم ما أسهم في بروز العديد من المبدعين في مجالات عدة وأسس لوجود بنية ثقافية نشهدها اليوم منتشرة في ربوع الوطن.

وفي مجلسه الخاص كانت تناقش أهم القضايا الثقافية، فكان يحرص على لقاء المثقفين والأدباء والمفكرين والاستماع إلى مطالبهم وإدارة الحوارات الثقافية معهم.

وفي حين كانت مجالس الشعراء تمثل ثقافة الإمارات بأكملها أمر المؤسس الراحل بإنشاء المجمع الثقافي بأبوظبي في فترة السبعينيات ووضعت التصميمات الهندسية للمبنى عام 1977 وافتتح في عام 1981، وسخره المؤسس الراحل من أجل تحقيق رؤيته التي آمن بها والمتمثلة في نشر الثقافة المحلية والتعريف بالثقافات العالمية والانفتاح عليها من أجل إغناء وتطوير الحركة الثقافية في الدولة والوطن العربي بشكل عام.

وبفضل دعم المؤسس الراحل أقام المجمع الكثير من الفعاليات الثقافية والفنية واستقطب الرموز الثقافية من الدول الشقيقة والصديقة، وحضوره شخصياً لهذه الفعاليات يعد نموذجاً وقدوة معبرة عن الشخصية الإماراتية وحرصها على متابعة كل جديد والاطلاع على الخبرات الثقافية المتنوعة.

معرض الكتاب

ومن أهم الأحداث التي مرّت بذلك المجمع كان في عام 1981، حيث تم في ذلك العام إقامة المعرض الأول للكتاب في أبوظبي وقد سُمي ذلك المعرض «معرض الكتاب الإسلامي».

وكان الحدث تتويجاً للجهود المبذولة من المؤسس الراحل وتوجيهاته السديدة للقيادة والمؤسسات التي لها صلة بنشر الثقافة، وحين وجّه الشيخ زايد بتنظيم أول معرض للكتاب وافتتح دورته الأولى سنة 1981 كانت هذه الخطوة هي نقطة البداية نحو الاهتمام بصناعة الكتاب والتشجيع على التأليف والترويج للثقافة.

ويعتبر المعرض إحدى ثمار إسهامات الشيخ زايد بن سلطان الثقافية، ويندرج ضمن توجيهاته الرامية إلى جعل الإمارات وجهة عالمية رائدة للثقافة والفنون وتعزيز مكانة المعرض على خريطة الفعاليات الثقافية والأدبية العالمية.

وحرص الشيخ زايد وولي عهده في ذلك الوقت «صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله» على رعاية الحدث وافتتاح المعرض والاطلاع على ما يضمّه من إنتاج فكري وعلمي وأدبي.

وكان الحدث مهماً، وكان التفاعل معه غير مسبوق، ومن أجمل الذكريات التي حفرت تفاصيلها في القلب والذاكرة قيام المغفور له الشيخ زايد بشراء جميع الكتب التي عرضت في ذلك المعرض الأول وتوزيعها على المدارس ومؤسسات الدولة.

وبعد 5 سنوات أقيم المعرض الدولي للكتاب وأطلق على ذلك المعرض اسم المعرض الأول للكتاب في أبوظبي، وذلك في عام 1986 بمشاركة 70 من دور النشر، وكان أيضاً معرضاً مهماً، وبعد سنتين أقيم المعرض الثاني للكتاب أي في عام 1988.

وبسبب الظروف التي مرّت بها منطقة الخليج وحرب الخليج الثانية توقف نشاط معرض الكتاب ليستأنف في عام 1993، ومنذ ذلك العام أصبح المعرض يقام سنوياً في رحاب المجمع الثقافي إلى أن تم نقله قبل سنوات قليلة إلى مركز أبوظبي الوطني للمعارض.

تنفيذ الطموحات

إن إرادة الشيخ زايد الماضية دوماً في تنفيذ طموحاته التي يريدها كانت تقف جنبه فيعمل معها سوياً في توفير البيئة الخصبة للمثقفين والأدباء من خلال منجزات ثقافية تعمل على إبراز دور الثقافة فكانت الإنجازات حاضرة وجاءت السحابة المليئة بأمطار الثقافة، ومنها جامعة الإمارات ومن قبلها المدارس شبه النظامية مثل «النهيانية» في مدينة العين، لتهيئة جيل يعي معنى الثقافة والأدب.

ويعتبر تأسيس جامعة الإمارات في عهده النواة الأولى لانطلاق حراك ثقافي في الدولة، فالجامعة باتت المنبر الثقافي الذي استقطب أهم الكوادر العلمية وانطلقت منها مختلف المؤسسات الثقافية..

وجاء تأسيسه نادي تراث الإمارات في الخامس من سبتمبر عام 1993 ليعبر عن فكره ورؤيته المستقبلية للأجيال الشابة في إمدادهم بالعلم والمعرفة وإشباع جانبهم الروحي بالأنشطة والمعارف الثقافية من الشعر والأدب والفن وربطهم بالوقت ذاته بالتراث العريق للأجداد وتاريخ دولتهم.

وكان الراحل الكبير هو مؤسس المسرح في الإمارات، وهو الذي أطلق فكرة تأسيس المسرح الوطني، وأبدى اهتماماً كبيراً بفن المسرح من خلال دعم الفرق الفنية وجمعيات الفنون وغيرها، ما ساهم في تنمية الإنسان والارتقاء بثقافته وذوقه الفني، وكان الشيخ زايد حريصاً على حضور الفعاليات الفنية والاحتفال السنوي بالأنشطة الطلابية في كل إمارة من إمارات الدولة.

بواكير التأسيس

إن منجزات الإمارات الثقافية بالدولة اليوم تعود إلى بواكير التأسيس في عهد المغفور له الشيخ زايد فإنشاء وزارة الثقافة والإعلام أعقبها ازدهار الحركة الثقافية عبر تأسيس العديد من الجمعيات المتخصصة من اتحاد كتاب الإمارات وجمعيات الإمارات للفنون التشكيلية، وازدهرت الحركة الثقافية بشكل كبير في عهده في ظل مبادرات متميزة.

وفي مقدمتها جائزة الشيخ زايد للكتاب، كلها معطيات تدلل على إيمان المغفور له بأهمية الثقافة والفنون في حياة الشعوب.

إن أيادي المؤسس الشيخ زايد امتدت إلى الأدب والفنون والثقافة حتى أصبحت حقيقة وواقعاً ملموساً منذ قيام الاتحاد وبجهوده ازدهرت وأصبحت سمة من سمات دولة الإمارات، وغدت بعد سنوات قليلة من عمر الاتحاد في مصافّ الدول التي يشار إليها بالبنان علمياً وثقافياً..

وقد تحقق كل ذلك لإيمانه بأهمية العلم والثقافة وإنشائه المدارس والجامعات والمؤسسات الثقافية المختلفة التي وجد فيها المبدعون بيئة ملائمة لذلك ازدهرت الثقافة في عهده، إذ كان يرى أن «الثقافة حق للجميع».

Email