استقبل الإعلاميين وقدّم محاضرة عن «جذور أدب اللغة العربية»

سلطان القاسمي: دعم التوثيق يحفظ ثقافات الشعوب

حاكم الشارقة متحدثاً خلال المحاضرة | من المصدر

ت + ت - الحجم الطبيعي

أكد صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، ضرورة دعم مراكز التوثيق والمخطوطات المتخصصة والاعتناء بها لحفظ تاريخ وجغرافيا وتراث وآداب الشعوب..

وأشار سموه إلى أن الحركة الثقافية في شبه الجزيرة العربية كان مركزها مدينة «الرها»، حيث مهد الأدب الآرامي، وذلك في الفترة ما بين 132 ق.م إلى 216 م، وكان يقطنها الآراميون والأنباط، وبحثوا في علوم اللغة من بيانٍ وصرفٍ ونحو وخطابةٍ وشعرٍ، وفي علوم المنطق والفلسفة والرياضة وعلوم الطبيعة والفلك والمساحة والطب والأخلاق، والتاريخ والجغرافيا والموسيقى وفي فن القصص. وأوضح سموه أنه من هنا بدأ المركز الأساسي الذي نبعت منه كل اللغات، وكان الأنباط يرسلون الرسائل عن طريق الشعر إلى معارفهم، فيخبرونهم فيها عن حماستهم وشجاعتهم وأحوالهم.

سلطان القاسمي في حديث مع سلطان بن أحمد القاسمي وسلطان الجابر

 

كما لفت سموه إلى أن كلمة «شعر» تعني: خبر وعلم، واشتقت لهذا التركيب من الأبيات، وشعرٌ نبطي تعني: جاءنا خبر وعلمٌ نبطي، والأنباط نقلوا تلك الصورة بالتقسيمات التي كانت موجودة في الأوزان وكذلك في البحور الشعرية، وهو ما شكّل الأساس الذي يرجع له أصل الشعر النبطي الذي تكوّن في مكة والمناطق الأخرى. وبين سموه أن الثقافة ليست مؤقتة، وليست مستوردة، وأنها استنبطت من الإنسان الذي يبقى على الأرض، وتعطيه مفاتيحها.

جاء ذلك في المحاضرة التي ألقاها صاحب السمو حاكم الشارقة خلال استقبال سموه، مساء أول من أمس، نخبة من الإعلاميين في الدولة، والتي جاءت بعنوان (جذور أدب اللغة العربية)، وذلك في مسرح المجاز التابع للمكتب الإعلامي لحكومة الشارقة، بحضور الشيخ سلطان بن أحمد القاسمي رئيس مجلس الشارقة للإعلام، والشيخ خالد بن صقر القاسمي رئيس هيئة الوقاية والسلامة، ومعالي الدكتور سلطان الجابر رئيس المجلس الوطني للإعلام، وعبدالله بن محمد العويس رئيس دائرة الثقافة، وعلي إبراهيم المري رئيس دارة الدكتور سلطان القاسمي، والدكتور خالد عمر المدفع رئيس مدينة الشارقة للإعلام، ومحمد عبيد الزعابي رئيس دائرة التشريفات والضيافة، ومحمد حسن خلف المدير العام لمؤسسة الشارقة للإعلام، وطارق سعيد علاي مدير المكتب الإعلامي لحكومة الشارقة.

وشدد سموه على ضرورة إعادة كتابة التاريخ مع التركيز على الحقائق. كما لفت سموه إلى أنه بدأ الاشتغال على البحوث منذ أكثر من 30 عاماً وهو ما أتاح له الاطلاع على الكثير من المعلومات الحقيقية عبر مراكز البحوث.

وقال في مستهل حديثه: إذا نظرنا إلى اللغة العربية، نجدها وكأنها تنبع من الصحراء، صحراء خالية، ومنْ فيها رُحّلْ، والرُحّلْ لا نعلم لهم ثقافة، فالثقافة، كما هو معروف، تأتي من الاستقرار، والمدن التي تكون عبارة عن حاضِرة، وهي تعني الملتقى. ولذا لا بد أن نبحث في كيفية مجيء هذه اللغة العربية الدقيقة في تصريفاتها وتركيباتها، والتي إذا نظرنا فيها، نجد أن من بعض ما يلفت النظر فيها، أنها تتجمع في شكل حروف معينةٍ لتعطي مدلولاً واضحاً.. وذلك يجعل عند الباحث في اللغة العربية قناعة بأنها لم تأتِ من فراغ، ولا بد أن تكون لها جذورٌ عميقة، تجمعت لتعطي كل هذا التنوع الواسع في الشكل والمعنى والمضمون.

زمن إبراهيم الخليل 1800 ق.م

وتابع سموه سرده التاريخي والبحثي: تتبُّع جذور أدب اللغة العربية، عبارة عن رحلة طويلة في التاريخ وفي تنقلات الجماعات في المناطق المختلفة، تبدأ من العام 1800 ق. م، حيث خرج سيدنا إبراهيم الخليل من بلدة «أور تل المقيّر»، ومما عرف عنه كثرة التفكر في خلق الله سبحانه وتعالى، بعدها رحل إلى بلدة تسمى «حرّان» تقع إلى الشمال، كانت موطن الصابئة الذين كانوا يعبدون النجوم والقمر والشمس، وهي عبادة لم تُقنع سيدنا إبراهيم، فخرج مسافراً مرة أخرى إلى فلسطين، حيث استقر هناك عند البحر الميت مع ابن أخيه سيدنا لوط عليه السلام الذي أصبح نبياً هو الآخر فيما بعد... وأكمل سموه قصة سيدنا إبراهيم الخليل، وإسحق ويعقوب وأبنائه ومنهم يوسف.. إلى جانب قصة أبناء سيدنا إسماعيل الإثني عشر من زوجاته الثلاث.

رحلة أبناء إسماعيل

وسرد سموه قصة «الإسماعيليين»، أبناء سيدنا إسماعيل، الذين انتقلوا من مكة إلى «أيلة» التي كان فيها سيدنا يوسف، وهو ابن سيدنا يعقوب الذي طرده إخوانه، وكذلك أبناء شقيقه، إلى جانب القادمين من الإسماعيليين. ومن هذه المنطقة انتشر هؤلاء، حيث رحل أبناء قيدور إلى دومة الجندل واستقروا بها، بينما رحل أبناء نبط إلى البتراء واستقروا هناك. وكان اسم البتراء في البداية لفظاً نبطياً، ولكن التسمية لاحقاً أخذت الاسم الإغريقي، وتعني الصخر في اليونانية. وتحدث سموه عن قصة رمي سيدنا يوسف في البئر.

أقوام توافدوا على المنطقة

ولفت صاحب السمو حاكم الشارقة إلى اختلاف الروايات في أصل الأقوام الذين أتوا للمنطقة، ففي البتراء كان يوجد أنباط، وهناك أقوام أتوا من بلاد الرافدين وسكنوا بمنطقة تسمى «إِرَمْ»، وتعني الأرض المرتفعة، وهناك قولٌ بأنهم جماعات من الساميين من جنوب العراق اتجهت إلى الفرات الأعلى وسكنت هناك، بينما يقول آخرون إن جماعة من الصحراء السورية باتجاه مصر نزحت من الشمال باتجاه الحدود الغربية، ويذهب آخرون إلى أن أقواماً من شبه الجزيرة العربية نزحوا من هناك.

بلاد الآراميين.. البداية والنهاية

وواصل سموه قائلاً: تبيّن أن الآراميين قومٌ دفعت بهم الإمبراطورية الآشورية في ذلك الوقت، ليستقروا هناك، حتى لا يأتي الرومانيون بأقوام من الشمال من عندهم، وهو الرأي الراجح والصحيح. ونجحت الإمبراطورية الآشورية في تكوين دويلات كان أهمها في دمشق، حيث تكون فيها مجتمع ثقافي سياسي اقتصادي، وبدأ أول تكوين للحضارة الأولية.

وتكونت في دمشق أول نقطة تسمى مركز المدينة، وكانت ملتقى تجارياً وثقافياً، وبدأ المجتمع يتحضر بدلاً من أن يتنقل، وبقوا حاضرين هناك حتى قضت الإمبراطورية الآشورية سنة 612 ق.م على دويلات الآراميين لأنهم خرجوا عن سيطرتها، وذلك بعد أن شنت عليهم عدداً من الهجمات خلال أعوام: 856 ق.م، و740 ق.م، و740 ق.م، و733 ق.م، إلى عام 586 ق.م.

دولة الأنباط 312 ق.م - 106 ق.م

وتحدث سموه عن الوجود التجاري في البتراء، حيث وجد الأنباط، وإن كانوا دون سلطة، بعد أن فقدوها وظلوا يمارسون التجارة. كما تكون لديهم نوع من السُّلطة بعد إزاحة التأثير الآشوري الذي قضى عليه الإسكندر الأكبر.

حملة أنتيغونس لغزو مصر 312 ق.م

وشرح صاحب السمو حاكم الشارقة تفاصيل قوة الأنباط وقدرتهم على هزيمة حملة القائد أنتيغونس السلوقي المقدوني عام 312 ق.م الذي جاء لغزو مصر بعد احتلاله بلاد فارس والعراق.. ولكن الحكم السلوقي بقي، حيث واصلت سلالة أنتيغونس من الأبناء هيمنتها على الحكم، لتصبح هناك قوتان: الأنباط والآراميون من جهة، والمقدونيون الذين جاؤوا من الشمال من الجهة الأخرى.

وواصل سموه قائلاً: حدث خروج في الدولة التي تكونت من السلوقيين، حيث تكونت مجموعة من الآراميين ومعهم الأنباط رحلوا إلى الشمال وبنوا مركزاً اسمه «الرها» (وهي مهد الأدب الآرامي 132 ق.م - 216 م) التي مثلت المطبخ الرئيس والأساسي لكل اللغات والعلوم، حيث تكونت الآرامية وتطورت، والنبطية التي نالت حظاً من التطور أيضاً. وكانت الرها مدينة متقدمة..وكانت قبلة للتجارة تتهافت عليها بلاد فارس والإغريق واليونان.

ووصف سموه الحركة الثقافية في مركز الرها قائلاً: كان أهل الرها من الآراميين والأنباط قد بحثوا في كل علوم اللغة ..وفي علوم المنطق والفلسفة والرياضة والعلوم الطبيعة..وغيرها. ومن هنا بدأ المركز الأساسي الذي نبعت منه كل اللغات.

أقسام الشعر الآرامي

وقال سموه: الأدب آنذاك، كان يتمثل في القصيدة والأغنية، وكانت القصيدة عند الآراميين والأنباط في مركز الرها عبارة عن خطاب شعري بأسلوب قصصي حماسي، يتألف من أشعار ذات وزنٍ واحد، يشبه ما لدينا الآن، بينما بحور الشعر أو الأوزان كانت ثلاثة..ولديهم التشطير أيضاً. وكانت الأغنية لديهم أصلها تراتيل وتمثل النوع الغنائي، والبحور فيها من 4 إلى 10 مقاطع، والمدهش هو وجود تكرار وتدوير بالشطر الأول الذي يتكرر عند كل فاصلة، وهو نفس الموجود لدينا. وتوجد قصيدة مكتوبة باللغة الآرامية كوثيقة.

نهاية دولة الأنباط

وتابع صاحب السمو حاكم الشارقة: أخذ الأنباط الحضارة من مركز الرها بعد أن أزيلت بعد قضاء الإمبراطور الروماني تراقان عليها سنة 106 م، بعد هجومه على المنطقة التي أزاح منها الأنباط نهائياً، حيث رجعوا إلى موطنهم مكة. واستدل سموه بشرح الآيات الأولى في مقدمة سورة قريش (لإيلاف قريش* إيلافهم رحلة الشتاء والصيف) حيث بيّن أن معنى الآيات الكريمة هو: ألّفنا قريشاً، أي ألفنا بينهم، وإيلافهم تعني جمع اثنين من هنا وهناك. وأخذوا التجارة كمهنة في رحلة الشتاء والصيف لأنهم أدرى بالشام وبالتجارة.

وأضاف: كان الأنباط يرسلون الرسائل عن طريق الشعر إلى معارفهم وجيرانهم، حيث امتدوا إلى الجزيرة العربية وليس الشمال، يخبرونهم فيها عن حماستهم وشجاعتهم.

وعن أصل الشعر النبطي أشار سموه إلى أن كلمة شعر تعني: خبر وعلم، وهي كلمة اشتقت لهذا التركيب من الأبيات، وشعرٌ نبطي تعني: جاءنا خبر وعلمٌ نبطي، والأنباط نقلوا تلك الصورة بالتقسيمات التي كانت موجودة في الأوزان وكذلك في البحور الشعرية، وهو ما شكّل الأساس الذي يرجع له أصل الشعر النبطي الذي تكوّن في مكة والمناطق الأخرى.

وعرج سموه على ذكر الحَواضِر، وهي المدن والأماكن التي كانت تصنع الثقافة، مشيراً سموه إلى دور الملوك الكبير في الاحتفاء بالشعراء وتحفيزهم، منذ أيام الملك المنذر ملك الحيرة الذي جعل من عاصمته الحيرة ملتقى دائماً للشعراء.

التوثيق والتاريخ

وشدد صاحب السمو حاكم الشارقة على أهمية الالتفات إلى دعم وضرورة العناية بمراكز التوثيق والمخطوطات المتخصصة لما لها من أهمية في حفظ تاريخ وجغرافيا وتراث وأدب الشعوب، مشيراً سموه، إلى أنه بدأ الاشتغال على البحوث منذ أكثر من 30 عاماً وهو ما أتاح لسموه الاطلاع على لمعلومات حقيقية كثيرة عبر مراكز البحوث.

«قال» و«قيل»

كما أكد سموه خلال الإجابة عن سؤال خلال المحاضرة، أن الأكثر أهمية ليس التركيز على التاريخ، بل التركيز على ما يحمله ويؤكده من حقائق، لافتاً سموه إلى أنه يجب إعادة كتابة التاريخ.. وقال سموه: إن تزييف التاريخ موجود، والفرق كبير بين (قال) و(قيل).

 

إصدارات قادمة

أعلن صاحب السمو حاكم الشارقة، عن قرب إصدار سموه لكتاب جديد يحوي المحاضرات القيّمة التي قدمها سموه خلال السنوات الماضية، والتي تناولت تاريخ ولغة وتراث وأدب الأمة العربية، بجانب تاريخ المدائن القديمة وصولاً إلى تاريخ صدر الإسلام، إضافة إلى كتب أخرى. جاء الإعلان في معرض رد سموه على سؤال لأحد الحضور أشار فيه إلى أهمية طبع ونشر محاضرات سموه لفائدتها الكبيرة وندرتها وقيمتها العالية .

 

 خرائط تفصيلية عرضها سموه خلال المحاضرة لتقديم إيضاحات إضافية في المحاضرة

 

 

Email