حبر وعطر

أشعار زايد.. قصائد حكمة وصدق عاطفة وطيب «السّنع»

الشعر بالنسبة لزايد بمثابة لغة يومية وممارسة حياتية | أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

لمشاهدة الغرافيك بالحجم الطبيعي اضغط هنا

 

كثيرة هي السمات الفريدة والثيمات التي تنطوي عليها أشعار المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، إذ طالما مثّلت إبداعاته صورة صادقة وشفيفة لشخصيته، وهو الوطني النبيل الذي التزم بإخلاص ووفاء لقضايا المجتمع وبقي مسكوناً بحب المكان والوفاء لأهله والتعلق بمفردات البيئة. ويتبدى للمبحر والمتعمق في قصائد مؤسس دولة الإمارات، مدى ارتباطه، رحمه الله، بالطبيعة والبيئة والمكان، إذ تنعكس شتى عناصرها في قصائده، مثل: الأمطار والرياح والصحراء، وأيضاً تحضر في روائعه الشعرية مسميات الأماكن، كما نجد فيها شذرات حكمته وملامح حرصه على تعزيز قيم وعادات وتقاليد المجتمع الإماراتي الأصيلة، وذلك بلهجة بدوية سلسة ومحببة، فاستمرت ترددها الألسن وتغنيها الحناجر، وكذا لا تزال تُتداول كحكم وأمثال.

«حبر وعطر» ترصد آراء شعراء وبحاثة متخصصين، حيث يحكون عن قيمة أشعار الشيخ زايد وما تشتمل عليه من قيم وجماليات معطرة بمفردات المكان والبيئة.

 

أجواء القصيدة

عن ذلك قال الشاعر والباحث أحمد محمد عبيد: «قصائد الشيخ زايد اتصفت بأنها معبرة عن الواقع اللغوي في لهجات الإمارات بشكل كبير، ومزدانة بتنوعها وتناولها الموضوعات الجميلة والمهمة، خاصة في وصفه للمطر واستعماله أساليب الشعراء القدامى في التحية والترحيب والاستهلال، إذ جعله هذا ينهل من معين اللهجة البدوية والحضرية معاً، من الكلمات التي تشكل ذخيرة لا يستغني عنها الشاعر في قصائده.

ولعل القصائد ذات الطبيعة البدوية في الحقول الخاصة بسقوط المطر والأنواء والسحب والعشب، وما يشاكلها من ألفاظ، تتجلى بكثرة في قصائده، رحمه الله، وهذا نابع من انتمائه للمكان بكل تفاصيله، فالمكان الشاسع في فكر الشاعر يؤدي إلى أن تكون أجواء القصيدة اللغوية والمكانية والزمانية ممتدة ومترامية وواسعة الدلالة، فالأرض تبدو وتبرز بتفاصيل الحياة فيها وتفاصيل المكان ومسميات المواضع وارتباطها في وجدانه بذكريات ابن الأرض، الذي يتآلف مع المكان منذ طفولته يؤدي إلى ازدياد مساحة الحضور المكاني في وجدانه، وهذا الحضور يتطلب دلالات كثيرة وألفاظاً هي مادة التعبير والإيحاء. ويضيف عبيد: وحتى في قصائد «المشاكاة» تبدو اللغة البدوية حاضرة في أشعار الشيخ زايد، من حيث مطلع القصيدة وموضوعها فترتقي معه لغة الغزل والنسيب والشكوى التي يطرحها من خلال اللهجة في مفردات تقترب من قلب المستمع.

 

قيم ومبادئ

الباحث والشاعر محمود نور، قال إن الشيخ زايد، في أشعاره جسد الكثير من القيم والمبادئ التي آمن بها، وقد تناغمت ومواقفه كقائد وشاعر وفارس ومؤسس لدولة الإمارات العربية المتحدة، فكانت قصائده تنطق بالحكمة، وتعبر عن هواجس وآمال أهله ومواطنيه، لأنه كان يدرك، أن الشعر ما هو إلا تصوير للنفس الإنسانية، والشاعر الحقيقي هو ترجمان لما يدور في نفسه من صدق وشفافية شعور، وعمق تفكير ورؤى.

ويتابع: الشعر بالنسبة لزايد، كان بمثابة لغة يومية وممارسة حياتية عنوانها حرارة العاطفة، وطيب اللمسة المشحونة بالحب الذي كان يفيض به على الآخرين، فيملأهم ثقة بأنفسهم، وبقائدهم وحكيمهم وربان سفينتهم الذي كان يقودهم إلى شواطئ الأمان والحب والسلام، لقد قرن الشيخ زايد بن سلطان، بين الممارسة العملية، وما كان يصدر عنه من أقوال ونصائح، وأشعار جسدت في مجملها النموذج الفكري المتميز.

مكارم أخلاق

ويحلل نور جماليات وثراء أشعار الشيخ زايد: لقد كتب المغفور له الشيخ زايد بن سلطان في كل أغراض الشعر المعروفة، من المناسبات الاجتماعية إلى الوصف وحب الوطن، وقد كان لأشعار الحكمة لديه نصيبٌ وافر من القصائد التي تحلَّت بمكارم الأخلاق، والتي لا تكاد تخلو من نزعة تأملية في الإنسان والكون واستشراف المستقبل، ذلك لأنها كانت تصدر عن حكمة بالغة وخلاصة معرفة رصينة:

بوصيـك جانِكْ رجْل تِعْلَـمْ

                  إتْـأنّ فـي أمْـرٍ بـتـعنـيـه

اعمل بطيب وزينٍ وْفَـهْـم

                   ومَتْرَى العَدِلْ يعْدِلْ براعيه

وينهي الباحث نور حديثه: تؤكد المصادر على أن الشيخ زايد، رحمه الله، كان معجباً بالشاعر العربي الكبير أبي الطيب المتنبي، وأنه تأثر بشخصيته وبشعره، وكان، رحمه الله، قد قرأ المعلقات كذلك، فأثرت في نفسه وحياته وسلوكه، خاصة تلك الأشعار التي تتسم بالفخر والحماسة والإقدام والحكمة، والتي تتحدث عن حياة البادية والبداوة المقترنة بالحرية التي شكلت ملامح فكره.

 

قيم وجماليات

الشاعر والباحث محمد نور الدين استهل حديثه حول قيمة وجماليات أشعار الشيخ زايد: لا تخلو قصائد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان من الحكمة والنصيحة والحث على مكارم الأخلاق، فحتى وإن كانت القصيدة في أغراض أخرى كالوجدانيات أو الوطنيات أو الردود، فتجدها معبرة عن القيم الأخلاقية وداعية إليها بصورة مباشرة أو غير مباشرة، لأن ذلك مكنون في أعماق فلسفة الشيخ زايد الفكرية قبل أن تكون أسلوب حياة أو فلسفة شعرية خاصة به، فهي تعزز «السّنع» وتهذب السلوك، حيث يقول:

احذر ولا تشتط تندم

                 يا كان تبغي الشي تنضيه

يا كم واحد قبلك ازتم

                يركض ولا يوصل لي يبغيه

ومن الحماقه جسمه انحم

               ومن العيا ما اتقبض يديه

ومترى العيل يتعوض الهم

               ويخسر صديقه لي يخاويه

 

المعاني الطيبة

وفي قصيدة أخرى نرى تأكيداً مجدداً على تعزيز هذه القيم:

حايز سمت ومعاني وحامي كل شرفه

                     بارحب به ثماني لي ميّز موقفه

لي للملا ميزاني عنده ما حرّفه

                     النزه قدره باني والتافه ما اعرفه

تعتز به لاوطاني لي غالي ف شرفه

                    ولي هوّن في المعاني يخسر في موقفه

حيث يشير إلى أن تحقيق التوازن والعدالة بين الملأ بحسن التصرف المبني على القيم والمعاني الطيبة كطريق صحيح لامتلاك نفوس الآخرين وعقولهم، وهكذا تبنى المجتمعات وتزدهر الأوطان.

 

نبض الصورة

 

مثل زايد فالعرب نادر

                      ما وجد مثله و شرواته

من خلق جيدوم ومثابر

                      وحد بطيبه إماراته

كابر خلف لنا كابر

                    من شيوخ المجد وولاته

شعر : هند بنت هلال الظاهري

 

صفحة متخصصة بأخبار الشعراء والشعر الشعبي تصدر كل أحد

Email