مثقفون يدافعون عن أصالة طاقاتهم الخلاقة

كهولة العبقــريـة..الإبــداع أمام عوادي الزمان

■ الجيوكندا.. تجسيد لعبقرية ليوناردو دافنشي تخطت الزمن

ت + ت - الحجم الطبيعي

الزمن له حكمه، والإبداع مرهون بالدماغ، والدماغ عضو كسائر أعضاء الجسم، يتعرض لعامل العمر، ففيم الاستثناء والهروب من الواقع؟.

دعونا أولاً نطابق بين العبقري والمبدع الأصيل، باعتبار أن الفرق بينهما إنما هو فرق مقدار وليس فرق نوع، فالعبقري مبدع بالضرورة حتى لو كان فيزيائياً، غير أن إبداعه بلغ شأواً مفارقاً لما ألفناه من المبدعين.

علماء يقولون إن العبقري النابغة هو من كان حاصل ذكائه 140 درجة فما فوق في مقياس معدل الذكاء «IQ»، هذا ما أفاد به عالم النفس الأميركي لويس ماديسون تيرمان. بينما أظهرت الدراسات العلمية الحديثة أن نسبة ذكاء الفرد قد تتغير خلال مدة لا تزيد على بضع سنوات.

وأوضحت البحوث أن هناك تغيرات دقيقة تطرأ على معدلات الذكاء في مراحل العمر، ما يبين أن معدل الذكاء يستجيب للمؤثرات الخارجية مثل: الإهمال والتقدم في العمر والتغذية وغيرها، بحسب مجلة «New scientist».

ويفرق العلماء بين العمر العقلي والعمر الحقيقي، حيث إن العمر الحقيقي (Chronical Age) هو مدة حياة الشخص مقيسة بوحدات الزمن المعروفة «السنة والشهر واليوم»، والعمر العقلي (Mental age) وهو قدرة الفرد على التفكير بما يتماشى مع عمره الحقيقي .

وأما المعنى الأكثر شيوعاً للإبداع العبقري، فيفيد تمتع المرء بقدر من الذكاء، عالٍ، يساعده على تحقيق منجزات ابتكارية باهرة في حقل من حقول المعرفة أو الفن، وبهذا المعنى تكون أركان العبقرية أربعة: الأصالة، والإبداع، والقدرة على التفكير الخلاق بشكل مستمر، والعمل في مجالات لم تستكشف من قبل مع تحقيق منجز يتسم بالفرادة في نهاية المطاف.

مهما يكن، فإن جل ما يهمنا في الأمر ههنا، إنما هو تشخيص الظاهرة الإبداعية المائزة وهي تحت تأثير عامل السن، وذلك من خلال مراقبة مسار الرحلة الإبداعية لكبار العباقرة خاصة خلال أوجها حيث بروز الأعمال العظيمة التي تعد بصمة بارزة في سجل تاريخهم ومن ثم يبدأ المبدع في تكرار ميزاته وأفكاره اللامعة في صورة منتجات شبه مستنسخة مما تم تحقيقه في مرحلة النضج التي لا يعقبها إلا الذبول.

فهل يشيخ الإبداع العبقري ويهرم رغم ثبوت الموهبة؟، ما دمنا قد ربطناه بالذكاء المرتبط أصلاً بوظيفة العقل «فسيولوجيا الدماغ»، فلابد أن العقل الذي يقل والذاكرة التي تضمر لا يدعان ذريعة لإصرار البعض على أن الأبداع الكبير «العبقري» يبقى متوهجاً، بمواجهة عواصف السن ومهب الزمان مهما تطاول؟

ثم ما معنى الفرضية الجزافية: استمرار شباب الروح والقلب وما ينتج عنهما من أفكار خلاقة تتجدد لتواكب العمر بالألق ذاته والعمق عينه، أو قولهم إن المسألة نسبية تتفاوت بين الناس فهنالك من يقدم للإنسانية في كهولته منجزات مبدعة تفوق غيره كما تتجاوز كل منجزاته السابقة.

ولا أدل على ذلك من تجربة النابغة الذبياني الذي كان حكماً مؤتمناً في عكاظ.. فهل هذا مذهب واقعي وعلمي يقتفى أثره، أم هو محض ظنون يعول أصحابها على حالات استثنائية من هنا وهناك؟

ولعله من المهم الإشارة إلى ارتباط العبقريات الضخمة بالأحوال النفسية غير السوية، كما حدث مع فان جوخ وإيرنست همنغواي وكثير من الفلاسفة والشعراء الذين دفعتهم أمراضهم العقلية واضطراباتهم النفسية إلى الاكتئاب والقتل العمد والانتحار«مثالاً:

تجربة عروة بن الورد ومجنون ليلى وبدوي الجبل الخ»، بما يربط توقد القريحة والذكاء الحاد ببيولوجيا الدماغ ووظائف الجهاز العصبي والنفسي الأمر الذي يعيدنا مجدداً إلى مسار: خضوع العبقرية لصروف الزمان وتقدم السن التدريجي، ناهيك عن الأمراض العارضة مثل الزهايمر، فهذا شأن آخر لا يخص المبدعين وحدهم.

على هذا النحو طرحت «البيان» محور الملف: هل الإبداع يذوي وهل علة ذلك ذبول الموهبة وهل ثمة شيخوخة وشيخوخة مبكرة للعبقرية.. فتلقينا الردود التالية:

معايير صارمة:

الشاعر حبيب الصايغ الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب رئيس مجلس إدارة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات: قال إن المبدع الحقيقي لا يشيخ، بل بالعكس فإبداعه مستمد من حياته وحياة الآخرين فهو يتجدد ويتعب ويعيش أزمنة بدايات وبدايات. وأضاف: إن عمر المبدع ليس واحد بل يعيش حيوات عديدة في الحياة نفسها. وتابع عندما أنظر إلى نفسي في الصور القديمة أجد صوراً أخرى، فكل مرحلة لها إبداعها الخاص وفهمها للأمور.

ومن واقع معرفة العديد من المبدعين قال الصايغ: هناك كبار المبدعين الذين سعدت بالتعرف إليهم مثل محمود درويش والجواهري ونزار قباني الذي كنت أرافقه في إحدى المرات بالمصعد إلى مسرح المجمع الثقافي في أبوظبي، لأقدمه في أمسيته الشعرية، وفي كلامه معي حينها قال:

«كلما أدخل على أمسية كأنها المرة الأولى» إذاً بقي لديه ذلك الحرص على أن يبدأ من جديد. وأضاف: قدمت محمود درويش أكثر من مرة وإحداها كانت في التسعينات بالمجمع الثقافي أيضاً حيث قرأ من ديوانه «لماذا تركت الحصان وحيداً» وبه دخل مرحلة الشعر الخالص، وكأنه عمر آخر لمحمود درويش الذي أعتبره من أهم الشعراء العرب.

وقال: إن درويش الذي قدم آخر أمسياته في أبوظبي عام 2007 وأحيا أيضاً العديد من الأمسيات في الجزائر ودمشق ورام الله وجنيف. لاحظت أنه ممكن أن يلقي القصيدة نفسها في كل الأمسيات ولكن هناك تعديل في كلمة ما، وهو ما يدل على إن درويش بقي يتدخل في أعماله.

وأوضح الصايغ: المبدع الحقيقي وهج مستمر، ويشتغل على إبداعه بشكل خاص ليأتي بالجديد ولا يكرر ويضيف. وأضاف: معياري الآن صارم فالقصيدة التي أكتبها أتخيل لو كتبها غيري هل كنت أتمناها فإن كنت فعلاً أتمناها لا أرميها (لأني رميت الكثير من القصائد في سلة المهملات)

وقال: أصبح لدي خوف من النشر، وأنا استغرب من الذين ينشرون كتباً بشكل مجاني، فأنا أتريث قبل إصدار دواويني، ولدي ديوان مخطوط سأصدره قريباً بعنوان «قصائد مهملة» ويضم القصائد التي كنت أستبعدها كلما نسقت مجموعة سأقوم بإصدارها.

وأوضح: المبدع كلما تقدم به العمر يميل إلى الاختصار والتركيز وإلى خلق انسجام بين الشكل والمضمون، ولا يقول أي كلام فهناك فرق بين من يكتب وهو يتخيل أنه يقرأ أمام جمهور، بل ويتوقف خلال القراءة أمامهم متوقعاً أن يصفقوا له.

عمق ووضوح:

الباحث الأكاديمي البروفسور محمد ياسر شرف قدم شهادة في الموضوع فقال: استخلصت من تجربتي الشخصية ما توصّلت إليه مجموعة عريضة من الدراسات التي تؤكد أن تأثير التقدم في السنّ يختلف من شخص إلى آخر، بالنسبة لما يبدعه من آثار. وأضاف: يتجلى هذا خاصة بالنسبة للذين يتخذون من «الكتابة» أداة تعبير أو بمثابة جسر لنقل أفكارهم ومواقفهم إلى الآخرين، سواء كانوا من القراء العاديين أو الدارسين أو الإداريين.

وأوضح د. شرف: تبين لي أنّ التقدم في السن يرتبط بما يطرأ على القدرة التعبيرية لدى المبدع من تغييرات فيزيولوجية وسيكولوجية وعقلية. فهناك من المبدعين من تصبح هذه القدرات أكثر صقلاً ودقة في الاستخدام عنده، بينما يؤدي التقدم في العمر إلى إضعافها عند مبدع آخر، وينخفض بالتالي مستوى التعبير الفكري في آثاره التي ينتجها.

وقال: تشير تجربتي الخاصة الآن، بعد أن جاوزت كتبي المطبوعة تسعين كتاباً، إلى أنني أصبحت أكثر قدرة على الاختصار والإحاطة ودقة التعبير، دون حاجة إلى كثير محاولات في التوضيح. وأضاف: يأتي هذا بعد أن صرت متأكداً من أنّ مستوى القراء الذين أتوجّه إليهم أصبح أعلى مما كان نظراؤهم قبل ثلاثين عاماً أو حتى عشرة أعوام.

وتابع: شكّلت أعمالي السابقة مصادر مساعدة أحيل إليها القارئ في معالجة عدد من النقاط والمسائل، ولذا فإن كتاباتي المتأخرة زمنياً صارت أعمق، مع احتفاظها بالوضوح.

وذكر: ساعدتني عشرات السنين التي قضيتها في المطالعة والمتابعة أن أكون كاتباً متخصصاً ومبدعاً في الوقت نفسه، رغم أنني اخترت بحسب تخصصي الأساسي في علم الاجتماع أن أتخذ من الأنثروبولوجيا الثقافية ميداناً لأبحاثي الكثيرة، معتمداً على التحليل النقدي بوصفها فاعلية منهجية أعالج من خلالها المشكلات المتنوعة، مع العناية الخاصة بأمور المواقف الفكرية والاعتقادات والأفكار الكبرى أو النظريات.

وأوضح: استطعت أن أسجل في كتبي مجموعة متنوعة من الإبداعات التي لم أسبق إليها، ويستطيع القارئ المهتم أن يطلع على كثير منها عبر صفحتي الاسمية على «فيس بوك» ومتابعة ما تقدمه شبكة غوغل الإلكترونية، التي لا شك أنها ساعدت وستساعد آلافاً من الكتّاب في التغلّب على الآثار السلبية للتقدم في السن.

أهداف سامية:

الروائي علي أبوالريش أكد في بداية حديثه على أن العمر مرتبط بالتجربة، والتجربة أيضاً مرتبطة بالعمر. وقال: لا يمكن أن يخلق الأديب والمبدع من فراغ، بل من التجربة والممارسة العملية والقراءة والتثقيف. واستشهد أبوالريش بمثل صيني يقول «إن أردت أن تعيش سنة أزرع بذرة، وإن أردت أن تعيش لعقد أزرع شجرة، وإن أردت أن تعيش مدى الحياة ثقف الناس».

وأضاف: لا بد لنضوج التجربة من مشاهد إنسانية وأحداث يعيشها المبدع، وتقدم السن يتيح له كل يوم الاستفادة من تجربة تضيف له معلومات وتجارب جديدة في عمره. وتابع إن حزمة التجارب لا يكفي لوحدها لخلق المبدع الحقيقي بل يجب ان يكون هناك هدف في الحياة فالحياة لا تنضج إن لم يضع له أهدافاً سامية ويتحمل مسؤوليتها ويتوجه بها إلى الآخرين.

وأوضح أبو الريش: من خلال أهدافه يسمي الكاتب الأشياء بمسمياتها وهذا يؤدي إلى نضج العمل وتحقيق التنوير فيتلامس مع تجارب الحياة.

وقال: أعتقد أنه لا توجد كهولة في الإبداع بل كلما مر العمر على الإنسان يختزن الكثير من التجارب والذكريات ويحتفظ بهذه الصور لتصبح أعمالاً أدبية.

أولويات مختلفة:

رأى الفنان الدكتور حبيب غلوم العطار أنه إذا استسلم الإنسان للشيخوخة فإنه سينكسر أمام شبح كبير ولكن المبدع يدرب نفسه على النظر بإيجابية للحياة، وهي نظرة إبداعية فيدرك بقناعة تامة كيف يتعامل مع حياته ومع كل مرحلة من عمره. ويضيف حبيب غلوم أنه كلما تقدم المبدع في العمر سينظر إلى الأمور بواقعية أكثر وهذا الأمر ينطلق أيضاً على المبدعين في مجالات الطب والهندسة.

ومن وحي تجاربه الإبداعية قال: عندما كنا في مرحلة الشباب كنا نذهب للاشتغال في المسرح وغيره ولكن في منتصف العمر لا أجري وراء أي عمل أو أي نجاح لأني عدت بعد هذا العمر إلى كلام الأولوين (مكتوبالك في الرزق) لكن من قبل كنا نعمل من دون تفكير باستعجال ولكن عندما يكبر الإنسان يصبح أهدئ وأكثر بطئاً في السعي وفي اتخاذ القرارات.

وبتكويني لا أفصل نفسي عن طبع الناس عموماً عندما يكبرون ويميلون إلى التأني وإدراك مخاطر الأشياء التي تتحكم في الأداء وإيقاع الحياة أي ينضجون. وأضاف: تصبح حينها اختيارات المبدع أكثر دقة وإبداعه مختلف كنا سابقاً نبحث عن التواجد لكن الأولويات الآن اختلفت لأني أبحث عن الفن المؤثر.

وأوضح: لقد كانت الإمارات في السابق تحتاج إلى إيجاد ساحة فنية ولكن اليوم نحتاج إلى المؤثر في الحركة الفنية ويأتي هذا عن طريق الخبرة.

اكتشاف الذات:

الفنان التشكيلي عبدالرحيم سالم أكد في بداية حديثه أن الشيخوخة لا تترافق مع الإبداع. وفسر كلامه قائلاً: هناك شيخوخة سلبية تكون عند بعض الفنانين الشباب، وهم ما زالوا في سن صغيرة، لم يطوروا بأعمالهم، وهذه هي الشيخوخة الإبداعية.

وأوضح سالم: أغلب الفنانين العالميين المبدعين الذين وصولوا إلى سن متقدم مثل بيكاسو أو شيغال، ازدادت أعمالهم نضحاً. وقال: من خلال تجربتي هناك علاقة بين السن والتجربة التي تحمل مع الأيام نضوجاً إبداعياً، إذ أصبحت أكثر تمييزاً بين ما هو مهم أو غير مهم.

وأضاف: تأثير المعرفة وبالتالي نضوج التجربة نراه منعكساً في تجارب العديد من الفنانين الإماراتيين من أمثال الفنان الراحل حسن شريف، والفنانة الدكتورة نجاة مكي والفنان عبد القادر الريس، إذ أضاف العمر إلى تجاربهم اكتشاف الذات والمعرفة والقدرة على التحكم بالعمل.

وقال: الشباب بالعموم لديهم سرعة في العمل لأنهم لا يبحثون إلا على الجانب الجمالي، الذي لا يضيف شيئاً للعمل الفني، بل يقدم الشكل فقط، الفنان الذي يديه تجربة ووعي يمنح له السن الفرصة لإبراز عمله ونضوج تجربته في الخمسينات. وأضاف سالم: بالقياس إلى تجربتي فأنا في الخمسينات لا أعمل ولا أضع خط أو لون قبل أن يكون هناك فكرة وموضوع.

أما الشباب فيتسرعون ويريدون ممارسة العمل الفني، ولكن مع العمر هناك جانب إبداعي عالٍ يظهر بين جيل وآخر. وختم عبد الرحيم سالم بالقول:

حينما نقيس الأمر على كل الإبداعات الفنية نلاحظ أن المبدعين الأكثر تجربة هم الأكثر وعياً ونضوجاً، ومن ناحية السن والتجربة رغم أن هناك مبدعين صغاراً ظهرت عبقريتهم الإبداعية في سن مبكرة جداً مثل الموسيقار موزارت الذي عزف على البيانو في عمر الأربع سنوات، ولكن تجربته بالتأكيد أصبحت أكثر نضجاً عندما وصل إلى سن الثلاثينات.

القـــــدرات الأســـاسية للتفكــــيــــر الإبـــــداعي

ثمة قدرات تكفل التفكير الإبداعي وتتحدد في الآتي:

الطلاقة (Fluency)

الطلاقة هي القدرة على إنتاج أكبر عدد ممكن من الأفكار الإبداعية. وتقاس هذه القدرة بحساب عدد الأفكار التي يقدمها الفرد عن موضوع معين في وحدة زمنية ثابتة مقارنة مع أداء الأقران.

•أنواع الطلاقة:

1. طلاقة تصويرية(Figural Fluency): كأن يعطي الفرد رسماً على شكل دائرة ويطلب منه إجراء إضافات بسيطة بحيث يصل إلى أشكال متعددة وحقيقية.

2. طلاقة الرموز أو طلاقة الكلمات (Word Fluency): وهي قدرة الفرد على توليد كلمات تنتهي أو تبدأ بحرف معين أو مقطع معين أو تقديم كلمات على وزن معين باعتبار الكلمات تكوينات أبجدية.

3. طلاقة المعاني والأفكار (Ideational Fluency): وتتمثل في قدرة الفرد على إعطاء أكبر عدد ممكن من الأفكار المرتبطة بموقف معين ومدرك بالنسبة إليه.

4. طلاقة تعبيرية (Expressional Fluency): وتتمثل في قدرة الفرد على سرعة صياغة الأفكار الصحيحة أو إصدار أفكار متعددة في موقف محدد شريطة أن تتصف هذه الأفكار بالثراء والتنوع والغزارة والندرة.

5. طلاقة التداعي (Association Fluency): وتتجسد في قدرة الفرد على توليد عدد كبير من الألفاظ تتوافر فيها شروط معينة من حيث المعنى ويحدد فيها الزمن أحياناً.

المرونة (Flexibility)

المرونة هي القدرة على تغيير الحالة الذهنية بتغير الموقف، وهذا ما يطلق عليه بالتفكير التباعدي. وعكسها الجمود أو الصلابة (Rigidity) أي التمسك بالموقف أو الرأي أو التعصب. ويمكن تحديد نوعين من قدرات المرونة:

1. المرونة التلقائية (Spontaneous Flexibility): سرعة الفرد في إصدار أكبر عدد ممكن من الأفكار المتنوعة والمرتبطة بموقف مثير ويميل الفرد وفق هذه القدرة إلى المبادرة التلقائية في المواقف ولا يكتفي بمجرد الاستجابة.

2. المرونة التكيفية (Adaptive Flexibility): قدرة الفرد على تغيير الوجهة الذهنية في معالجة المشكلة ومواجهتها.

الأصالة (Originality)

الأصالة هي الإنتاج غير المألوف الذي لم يسبق إليه أحد، وتسمى الفكرة أصيلة إذا كانت لا تخضع للأفكار الشائعة وتتصف بالتميز.

الحساسية للمشكلات (Sensitivity of Problems)

القدرة على إدراك مواطن الضعف أو النقص في الموقف المثير، فالشخص المبدع يستطيع رؤية الكثير من المشكلات في الموقف الواحد.

إدراك التفاصيل (Elaboration)

المحافظة على الاتجاه (Maintaining Direction)

صورة الابتكار

الإبداع حالة عقلية، بشرية، تنحو لإيجاد أفكار أو طرق غاية في الجدة والتفرد، بحيث تشكل إضافة حقيقية لمجموع النتاج الإنساني؛.

كما تكون ذات فائدة حقيقية على أرض الواقع، إذا كان الموضوع يرتبط بموضوع تطبيقي، أو أن يشكل تعبيراً جديداً وأسلوباً جديداً عن حالة ثقافية أو اجتماعية أو أدبية، إذا كان الموضوع فلسفياً نقدياً، أو أن يشكل تعبيراً ضمن شكل جديد وأسلوب جديد عن العواطف والمشاعر الإنسانية، إذا كان الموضوع يتعلق بالنتاج الأدبي وأشكاله.

وبناء على ما سبق فإن للإبداع أربعة مكونات أساسية هي: العمل الإبداعي، العملية الإبداعية، الشخص المبدع، الموقف الإبداعي.

وأما عن سيكولوجية الإبداع: فقد نوه سيغموند فرويد إلى عدد من العمليات النفسية التي تعتبر منشأ الإبداع، منها الصراعات في العقل الباطن والتفريغ الانفعالي والتخيل وأحلام اليقظة ولعب الأطفال وإعاقة القمع النفسي والانسجام بين العقل الباطن والأنا. أما التحليل النفسي الحديث فيركز على ما قبل الشعور في الإبداع.

وكذلك يلعب الحدس دوراً هاماً في الإبداع، وهو حكم عقلي أو استنتاج ليس مبنياً على التفكير المنطقي، إنما على اللاشعور. وينقسم المبدعون إلى مناطقة مثل أينشتين وإلى حدسيون مثل نيوتن ولويس باستور. ويتميز الإبداع في الفن بأنه يعتمد على العقل الباطن أكثر من العلوم على المنطق.

ومن تعريفات الإبداع الأخرى:

• هو الإتيان بجديد أو إعادة تقديم القديم بصورة جديدة أو غريبة.

• التعامل مع الأشياء المألوفة بطريقة غير مألوفة.

• القدرة على تكوين وإنشاء شيء جديد، أو دمج الآراء القديمة أو الجديدة في صورة جديدة، أو استعمال الخيال لتطوير وتكييف الآراء حتى تشبع الحاجيات بطريقة جديدة أو عمل شيء جديد ملموس أو غير ملموس بطريقة أو أخرى.

• المبادرة التي يبديها الشخص بقدرته على الانشقاق من التسلسل العادي في التفكير إلى مخالفة كلية.

•من صور الإبداع:

- أن ترى ما لا يراه الآخرون.

- أن ترى المألوف بطريقة غير مألوفة.

- هو تنظيم الأفكار وظهورها في بناء جديد انطلاقاً من عناصر موجودة.

- إنه الطاقة المدهشة لفهم واقعين منفصلين والعمل على انتزاع ومضة من وضعهما جنباً إلى جنب.

- الإبداع طاقة عقلية هائلة، فطرية في أساسها، اجتماعية في نمائها، مجتمعية إنسانية في انتمائها.

- هو القدرة على حل المشكلات بأساليب جديدة تعجب السامع والمشاهد.

•مراحله:

وأما عن مراحل العملية الإبداعية فقد اتفق المختصون على أن الإبداع يمر بعدد من المراحل هي:

- مرحلة الإعداد: وهي مرحلة جمع المعلومات.

- مرحلة الكمون: وهي تمثل المعلومات وتوليفها شعورياً أو لا شعورياً.

- مرحلة الإشراق: وهي مرحلة خروج شرارة الإبداع وبدء الإبداع.

- التحقيق أوالتنفيذ.

•جوار المبدع:

عندما وضع المشرعون قوانين حقوق الملكية الفكرية المرتبطة بالإبداع، ميزوا بين أصحاب الإبداع والمؤدين له، وعلى سبيل المثال فرقوا بين كاتب الأغنية ومغنيها. ومثال آخر: المؤلف الموسيقي وعازف الآلة الموسيقية.

فاعتبروا المبدعين هم أصحاب الحقوق الأصلية لأنهم أحدثوا الإبداع أساساً ككاتب الأغنية واعتبروا المطرب من أصحاب الحقوق المجاورة في مسألة الإبداع من ناحية الأحقية. كما إن حقوق الملكية الفكرية لها طرق لتقييمها.

تعليل الفرادة

* حاول كثير من الباحثين تعليل العبقرية. فزعم بعضهم أن العباقرة ينتمون إلى نوع بشري نفساني بيولوجي مستقل، يختلف في عملياته الذهنية والانفعالية عن الإنسان العادي، كما يختلف الإنسان عن القرد. وقد ذهب غولتون، الذي كان أول من درس العبقرية دراسة نظامية، إلى القول بأنها حصيلة خصال ثلاث هي الذكاء والحماسة والقدرة على العمل.

وحاول أن يثبت أنها ظاهرة مستمرة في بعض الأسر. والإجماع يكاد ينعقد اليوم على أن العبقرية حصيلة الوراثة والعوامل البيئية مجتمعة. وعلى وجه العموم فإن الشخص العبقري هو من يمتلك مواهب تمكّنه من التفوق.

* أصل كلمة عبقرية عند العرب هو اعتقاد قدمائهم بوجود جنّ توحي أخيلة الشعر وأفكاره إلى الشاعر. حيث جعلوا لكل شاعر كبير جنياً يصاحبه ويوحي إليه القصائد. وكانوا يظنون أن هذا النوع من الجنّ يسكنون في وادي عبقر وهو من أودية العرب.

*الملحوظ أن العديد من العباقرة يعانون من الاضطرابات النفسية مثل فينسنت فان غوخ، توركواتو تاسو، جوناثان سويفت، جون فوربس ناش، إرنست همنغواي، وهؤلاء كان اضطرابهم النفسي واضحاً مثبتاً، وربما هذا ما عناه أرسطو فيما سنورده من مقولات تالياً.

* صفات أساسية:

بوجه عام يبدو أن العباقرة يتسمون بثلاث صفات أساسية تميزهم عن غيرهم في التعامل مع أية ظاهرة، مشكلة أو عمل إبداعي.. الخ.

أولاً: العباقرة يتمتعون بعقول منفتحة. فهم ذوو فضول، ولديهم استفسارات، ويتميزون بالمرونة، وهم دائماً على استعداد لتأمل نطاق متسع من الاحتمالات في التعامل مع أي ظاهرة. هذه العقلية المتكيفة تشبه باباً مفتوحاً يسمح بمرور الأفكار إليه من كل اتجاه أو مصدر.

ثانياً: لدى العباقرة طريقة في التعامل مع المشكلات، والقرارات تتسم بالمنهجية. فهو لا يلقي بنفسه في خضم مشكلة كمن يطارد سيارة مارة. بل يتناول المسألة بطرح أسئلة مبنية على بعضها البعض في نظام منطقي، كمن يحل إحدى المسائل الرياضية.

ثالثاً: يعالج العباقرة المشكلات بسلسلة من الأسئلة.

فمثلاً يسأل العبقري نفسه: «ما المشكلة تحديداً؟» و«لماذا تعتبر مشكلة في المقام الأول؟»، ثم يسأل: «ماذا سيكون الحل المثالي لهذه المشكلة ؟»، و«ما الذي يعوقنا عن تحقيق حل كهذا ؟». وإن مجرد القيام بطرح الأسئلة من شأنه أن يفتح أبواب العقل، ويوسع من مدى الخيارات أمامك. ويرفع من مقدرتك الإبداعية، كما يحفز خيالك.

*رأي العباقرة:

- أرسطو طاليس: لم توجد عبقرية عظيمة قط دون لمسة جنون.

- إيمانويل كانط: مع تقدم العمر تزداد الحكمة وتنقص العبقرية.

- جورج برنارد شو: العبقرية هي استعادة الطفولة قصداً من خلال الإبداع.

- توماس أديسون: العبقرية 1 % موهبة و99 % مثابرة!

- آلبرت آينشتاين: الفرق بين الغباء والعبقرية هو أن للعبقرية حدوداً.

- آرثر شوبنهاور: المهارة تصيب هدفاً لا يمكن لأحد أن يصيبه، أما العبقرية فتصيب هدفاً لا يمكن لأحد أن يراه إلا العبقري نفسه.

- بنيامين فرانكلين: العبقرية دون تعليم كالفضة في المنجم.

العقــــل.. منبع الابتكار والأفكار الخلاقة

العقل يختلف عن الدماغ؛ لأن الأخير عضو مادي له وظائف فسيولوجية في الجسم من بينها العقل، بينما العقل نفسه إنما هو «عملية Process» معالجة تحليلية للمعلومات تؤدي إلى الإدراك ثم الخلق، وبالتالي فإن العقل هو مركز التفكير لدى الإنسان.

وإذا كان العقل هو المصنع الذي يلتقط المواد الخام (من خلال قنوات اتصاله بالعالم الخارجي من بصر وسمع ولمس وشم وتذوق) فيختبرها ويحللها ثم يفرزها ويوزعها على خلايا الدماغ التخزينية، فهو إذاً منبع الابتكار والأفكار الخلاقة الجديدة، وهو بالتالي عنصر هام من عناصر العملية الابداعية في الإنجاز.

• مقولات حول العقل:

- العقل عقلان متلازمان دائماً: غريزي فطري وآخر مكتسب «الإبداع في تطور المكتسب» والغريزي يشمل الحيوان والإنسان. وقد أثبت العلم الحديث أن هنالك عقلاً حسياً مرئياً لا بد له من التكامل مع قرينه العقل اللفظي السمعي لتتكون الرسالة .

- العقل ثلثه فطنة وثلثاه تغافل «معاوية بن أبي سفيان»

- الإصابة بالظن ومعرفة ما يكون تتحقق بما قد كان «عمرو بن العاص».

- العاقل ليس من عرف الخير من الشر، بل هو من عرف خير الشرين «عمر بن الخطاب».

• كيف يعمل عقل الإنسان؟

لكي نتحدث عن عملية عقل الإنسان، فلا بد من التحدث عن مكونات «دماغ الإنسان»، وهناك نظريات كثيرة في ذلك. وبإيجاز: يتكون دماغ الإنسان في العموم من منطقتين إدراكيتين رئيسيتين:

1- المنطقة اليمنى «ذات العمليات الإدراكية المرئية الشكلية»

يقسم علماء الفيزيولوجيا الدماغ بتفصيل أنواع المناطق الإدراكية الذي يختص بها هذا الجانب بـ: المنطقة الحسية ومنطقة التخيل، ومنطقة السماع، ومنطقة الإبصار، ومنطقة الضحك، ومنطقة التذوق، ومنطقة التسمية.

وعموماً تتحكم المناطق اليمنى من الدماغ بتحريك الجزء الأيسر من الجسم، وتتحكم بالوظائف المرتبطة بالحدس والانفعال والإبداع واستخدام الخيال والتأمل. يحتوي هذا الجانب على القدرات التخطيطية، والشعورية الحدسية.

2- المنطقة اليسرى «ذات العمليات الإدراكية السمعية واللفظية».

يقسم علماء الفيزيولوجيا الدماغ بتفصيل أنواع المناطق الإدراكية الذي يختص بها هذا الجانب بـ: منطقة حركة الأطراف، والمنطقة الحركية-النفسية، ومنطقة تعبير الوجه، والمنطقة الفكرية، ومنطقة التكلم، ومنطقة التكبير، ومنطقة الشم، ومنطقة التفسير، ومنطقة الخبرات الجسمية.

وعموماً تتحكم المنطقة اليسرى من الدماغ بتحريك الجزء الأيمن من الجسم، وتقوم بالدور التحليلي، وضبط الكلام، والتفكير النقدي والتحليلي والمراكز العصبية التي تضبط الحبال الصوتية واللسان والشفتين.

تربط هاتين المنطقتين حزمة من الأنسجة العصبية يطلق عليها «بالجسم الجاسئ» حيث يتم دمج عمليات المنطقتين معاً، بحيث يتكامل الإدراك الحسي المرئي مع قرينه اللفظي السمعي، لينتج من ذلك رسالة واحدة أو تعلماً مفيداً معبراً.

 

Email