أبحاثه في التاريخ تتناول تعامل حضارات الماضي مع مفهوم الاستدامة

بيتر فرانكوبان: المؤرخ لا يأتي بأجوبة من الماضي

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يعتبر باحث التاريخ البريطاني، بيتر فرانكوبان مدير مركز الدراسات البيزنطية في جامعة أكسفورد، من أبرز الباحثين في الغرب، لكتابته التاريخ القديم برؤية شمولية، تكون بمثابة مرجع يستفيد منه صنّاع السياسة والحضارات.

وحقق له كتابه «طرق الحرير تاريخ جديد للعالم»، الذي أصدره عام 2015، شهرة عالمية، بعد تصدره قائمة أعلى المبيعات، وترجم لأكثر من 12 لغة. ويعتبر بيتر فرانكوبان أن باحث التاريخ الجيد لا يأتي بأجوبة من الماضي.

وبهدف معرفة المزيد عن رؤية الكاتب الذي تناول من خلال التاريخ، انطلاقاً من مرجعيات الشرق، حيث كان مهد مراكز النهضة الثقافية الفكرية في مدن مثل سمرقند والكوفة، وليس في محرابيّ أوكسفورد وكامبردج، والقصد من ذلك، أن التعليم في أوروبا، تجاهل التاريخ القديم الذي يتجاوز حدود أوروبا، التقت به «البيان» خلال حضوره معرض «الشارقة الدولي للكتاب»، الذي اختتم فعالياته مطلع الشهر الماضي.

عوامل الطبيعة

ما موضوع الكتاب الجديد الذي تعمل عليه؟

أنا أعمل اليوم على كتاب أحكي فيه كيف لعبت البيئة وعوامل الطبيعة والجو، دوراً مهماً في تاريخ عدد من بلدان في منطقة الشرق الأوسط إلى وسط وجنوب شرق آسيا والصين، وذلك خلال الـ 1500 عاماً الماضية، وكيف كان لتغير درجات الحرارة عالمياً، أثره ونتائجه على السياسة، الاقتصاد، الفن، السلطة، والمشهد العام.

هل من أمثلة على ذلك؟

كان لتدخل الإنسان أثره في تغير مناخ المنطقة التي يعيش فيها، مثل زراعة الكثير من المحاصيل أو الكثافة السكانية لعدد من المدن، ما يؤدي إلى انهيارها بسبب عدم القدرة على تلبية احتياجاتها من خدمات وغيرها، كذلك تأثر درجات الحرارة بالكثافة السكانية، وبالتالي، التسبب بالجفاف أو الفيضانات اللذين يضربان المحاصيل وموارد المدينة ومصيرها، أو دور التمرد والنهضة. وتكمن الصعوبة في فهم معنى الاستدامة آنذاك.

كما أدرك المجتمع المدني في الماضي، أهمية الحرص في استهلاك مصادرهم، ومن المحتمل أن حساباتهم في الحفاظ على التوازن بين المصادر والحاجة كانت خاطئة، لذا، نجد أن بعض المدن في آسيا، كان أكثر أهمية، وتلعب دوراً في الماضي عما هي عليه الآن، وبالعكس، مثل مدينة ككوالالمبور والشارقة ودبي وغيرهم.

وهناك عوامل أخرى ترتبط بالطبيعة، مثل انفجار البراكين والزلازل والفيضانات وغيرها، أو الحروب بين الشعوب، وتدمير الاقتصاد. وما أناقشه كباحث في التاريخ، إظهار ليس مناقشة أسباب تغير الجو، بل تناول المراحل التي لعب فيها تغير المناخ دوراً بارزاً في انتكاسات أو ازدهار، سواء كانت بفعل أسباب طبيعية أو بفعل بشري.

وبالتالي، دراسة نتائج تأثيرها. دوري كمؤرخ، هو البحث في الماضي على أمل في الحصول على دروس نستفيد منها في الحاضر والمستقبل، كما في كتابي السابق «طرق الحرير».

فهم المستقبل

من في اعتقادك الجهة الي يمكنها الاستفادة من بحثك هذا؟

أنا أكتب عن الأشياء التي أجدها مهمة، ومن قرأ «طرق الحرير»، إما أناس عاديون يحبون التاريخ، أو اقتصاديون يبحثون أو رجال أعمال يحاولون فهم المستقبل من خلال فهم الماضي والحاضر، وبعض صنّاع السياسة في مختلف بلدان العالم. يكفي القول إن الكتاب حقق الأعلى قراءة في الصين واليابان وغيرهما من البلدان. أنا أحاول أن أكتب بحوثاً في التاريخ، والهدف بعيد جداً عن تأليف كتب تتصدر قائمة الأعلى مبيعاً.

أنا باحث أكاديمي ودوري أن اكتب وألقي الضوء على تجارب مهمة نتعلم منها، خاصة في ظل وجود سياسيين في الزمن الحاضر، يعتقدون أنهم يعرفون كل شيء، وهم لا يصغون إلى الخبراء.

مهمة المؤرخ

أنت تقرأ التاريخ برؤية معاصرة وفكر الحاضر صحيح؟

يتخذ التاريخ هويته من مضمون أحداثه، وما كتبه المؤرخون بعد الحرب العالمية الثانية، له مضمون تلك المرحلة وخصوصيتها، ومن الخطر أن نكتب تاريخ الماضي لأجل الزمن الحاضر. لكن القضايا التي أتناولها في أبحاثي الحاضر، معني بها الحاضر، بدوافع تغير المناخ وأثرها فينا وفي أحفادنا من بعدنا، والنقاشات المعنية بالطاقة الصديقة وغاز ثاني أوكسيد الكربون ومفهوم الاستدامة.

من هو باحث التاريخ الموضوعي في زمننا؟

بصفتي أكاديمي في أوكسفورد 20 عاماً، والعمل في البحوث قبلها بعشر سنوات، التعلم وإضافة المزيد من المعرفة، باحث التاريخ الجيد، ليس من يعود من رحلته إلى الماضي بأجوبة، بل أن تشكل الرحلة مجموعة من أفضل التساؤلات والدلالات. وكيف تعاملت المجتمعات القديمة مع مفهوم الاستدامة.

والاطلاع على تجربتها المهمة، وليس كما يعتقد البعض، أنهم كانوا ساذجين وحمقى، لدي نصوص من الفلسفة وعلم الرياضيات والفيزياء وغيرها، تعود إلى ما قبل 500 أو ألف عام، تثبت مدى تقدم علومهم وفكرهم، بما يفوق التوقعات.

تاريخ العرب

يقول بيتر فرانكوبان: «يواجه العالم العربي تحديات عدة، منها كيف يتعامل مع الانفتاح وتقبل الآخر والاختلاف والخطاب الحر، والكثير من المحاور الأخرى، مثل ثقافتهم عن المرأة التي تختلف من بلد عربي إلى آخر كذلك».

 

Email