جـــذور

دروب الحج في الأشعار قصص رحلات ومحطات

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

لا شكّ أن الإشارات إلى دروب الحجّ وطرق الأسفار في القصائد والأراجيز، تعدّ من الملامح المهمة التي يمكن الاعتماد عليها حين الحديث عن دروب الحج من الإمارات وعُمان إلى الحجاز، إمّا برّاً أو بحراً.

وناظمو هذه الأبيات يعودون زمنيّاً إلى فترات مختلفة من أطوار التاريخ بصورة عامّة، ولكنّها تشير إلى ما كان يسلكه الأهالي في رحلاتهم نحو إقليم الحجاز والبحر الأحمر. وتأتي أراجيز الملّاح الشهير ابن ماجد على رأس هذه الأقوال، فهو يحذّر في أرجوزته:

«الديرة من باب المندب إلى جدّة». من عبور باب المندب في أوقات معيّنة من فصول السنة، وهي التي تصادف هبوب الرياح العكسيّة العنيفة، مع أنّه نفسه قد خاطر بالإبحار إلى جدّة في أوقات مثل هذه، ولكنّه نجح، بتيسير من الله، ثمّ بسبب خبرته الواسعة ومهارته في الرسوّ في الميناء ثمّ الإبحار منه.

ولأن موسم رحلات السفن الخليجيّة بصورة عامّة، يبدأ من أواخر شهر أغسطس، إلى الخليج العربي لتعود بعد ذلك في رحلاتها إلى اليمن والبحر الأحمر والهند مع شهر أكتوبر ونوفمبر، ووفق حساب النيروز، يكون بداية النيروز العربي.

كما يقول أحمد بن ماجد، في الثالث عشر من نوفمبر، أي في الـ 13 من شهر نوفمبر، لذا ففي مواسم الحج في الشتاء يكون من الصعب الإبحار في البحر الأحمر، ونستدل على ذلك بقول أحمد بن ماجد: «وفترة هبوب الأزيب في اليمن والحجاز هي من التسعين إلى غلق المائة ويسمونها القران».

فالحج في تلك الفترة يتطلب الوصول إلى أقرب ميناء ثم إكمال الرحلة براً. وفيما يبدو فإنّ هذه الأوصاف والتحذيرات كان نواخذة الخليج العربي يأخذونها مأخذ الجدّ والاحتراز، ولهذا فهم على دراية وخبرة بطرق الأسفار البحريّة، وهي خبرة تناقلوها جيلاً بعد جيل.

«..في المخا»

ومن الإشارات الواردة في الأشعار كذلك، ما ورد في «الميميّة الحجازيّة» للشّيخ سعيد بن بشير بن محمّد الصّبحي، أحد كبار علماء وفقهاء القرن الثاني عشر الهجري في المنطقة. وأدرك أواخر عهد الدّولة اليعربيّة. ومن مؤلِّفاته: الجامع الكبير، في الفقه والعقيدة. وقد تُوفّي في نزوى ودُفن بها عام 1150 هــ / 1737 م.. أو عام 1159 هــ / 1746 م.

وقد دوّن الشّيخ أبياته هذه في أرجوزة مخطوطة، وصف فيها رحلة عودته إلى بلده بعد أداء المناسك، وذكر أنّهم ودّعوا البيت في الأوّل من شهر المُحرّم، متّجهين إلى جدّة التي قضوا فيها بضعة أيّام حتى وافوا سفينة أقلّتْهم في 14 من المحرّم، إلى أن وصلوا إلى ميناء المخا باليمن في 22 من الشّهر نفسه، ثم استرسل الشّاعر في وصف مُعاناتِهِمْ في المخا حيث أُصيب أحد رفاقه بمرض الجدري.

وعانوا أشدّ المعاناة من نوخذة السفينة، وأقاموا في المخا أكثر من شهرٍ ونصف الشهر تحت وطأة الحاجة والإذلال، حتى غادروا المخا في ليلة التاسع من شهر ربيعٍ الأوّل، وامتدح قائد السفينة ولطف معشره، وقد سارت بهم السفينة إلى أن رستْ في ميناء المكلّا في التاسع والعشرين من الشّهر نفسه، ثمّ أبحروا يريدون سواحل عمان.

وفي الطريق واجهتْهم عواصف شديدة حتّى أجلاها اللهُ عنهم ثمّ وصلوا جزيرة مصيرة في ليلة الرابع من ربيع الآخر.. وبعد ليلتين، رستْ السّفينة في ميناء صور فاستراحوا في المدينة ثمّ أبحروا منها إلى مسقط التي بلغوها في التاسع من الشّهر نفسه.

1316 هـ

ومن الإشارات إلى دروب الحجّ، ما دوّنه الشيّخ أبو مالك عامر بن خميس بن مسعود بن ناصر المالكي، أحد العلماء والقضاة والفقهاء والشعراء المشاهير، والذي وُلد في وادي بني خالد بمحافظة الشّرقيّة بعمان نحو عام 1280 هـ/1864 م.. وتُوفّي في ليلة الخامس من شهر رمضان سنة 1346هـ / 27 فبراير 1928 م، وله عدّة مصنَّفات في الفقه، إضافة إلى عدد من الأراجيز في الفقه والأدب.

كما اهتمّ بنسخ الكتب، وقد سجّل الشّيخ رحلته إلى الحجّ مع الشّيخ عيسى بن صالح بن عليّ الحارثي التي قام بها بين 16 شعبان 1316 هـ و23 محرّم 1317 هــ / 29 ديسمبر 1898 - 2 يونيو 1899 م والشّيخ الحارثي، زعيم عمانيّ مشهور، له جولات في ميدانَ السياسة، ومساهمات في ميدان الفقه، وهو المولود في القابل في 23 ذي القعدة 1290 هــ / 12 مايو 1874 م.

والمُتوفّى بها في 7 ربيع الآخر 1365 هــ / 11 مارس 1946 م. وكان له دور بارز في عهد الإمام محمّد بن عبدالله الخليلي (1920-1954)، وفي أبيات معبّرة، دوّن الشّيخ المالكي قصّة الرحلة برّاً وبحراً حتى الوصول إلى مكّة المكرّمة، وفيها أنّ الركب انطلق من صحار إلى البريمي عبر وادي الجزي، وفي منطقة الجيمي بالعين أكرمهم أهلها الظواهر.

وكان وصولهم إليها في الثاني من رمضان، ثمّ غادروها إلى أبوظبي التي بلغها الركب في السّادس من رمضان حيث التقوا بالشّيخ زايد بن خليفة (1271- 1326 هــ / 1855-1909 م).

وأقام الركب عنده إلى الثاني والعشرين من رمضان، معزّزاً مكرّماً، ثمّ أبحر الركب في سفينة جالبوت أقلّتْه إلى الدوحة التي وافاها في الخامس والعشرين من شهر رمضان، وأقام فيها مكرّماً..ثم غادر الدوحة برّاً إلى الإحساء التي وصلها في السابع من شوّال.

وأقام بها إلى الثاني والعشرين من الشهر نفسه، ومنها غادرها إلى بلاد سدير في نجد ثمّ إلى القصيم التي بلغها في الثالث من شهر ذي القعدة، حيث تولّى إكرامه متولّي البلد من قِبل ابن رشيد، ثمّ توجّه منها إلى المدينة المنوّرة التي وصلها في الثالث عشر من شهر ذي القعدة، وبعدها انطلق منها إلى مكّة المكرّمة مع قافلة الحجّ الشاميّ حتى وصل المدينة المقدّسة في الرابع من شهر ذي الحجّة.

وبعد أداء مناسك الحجّ غادر مكّة في السادس عشر من شهر ذي الحجّة إلى جدّة، وبعد ستّة أيّام وصل جدّة، وأقام بها إلى 23 من الشّهر نفسه، حيث أبحر في سفينة أخذتْه إلى مدينة صور التي وصلها بعد إبحار دام 25 يوماً، ووصلها في شهر المحرّم حيث لاقاه أهلها من البوعلي، فأكرموه، ثمّ واصل طريقه برّاً إلى بلدته: القابل، التي وافاها في ليلة الثالث والعشرين من شهر المحرّم.

9

يذكر الشّاعر موسى بن محمّد الكندي، أحد علماء وفقهاء القرن التاسع الهجري، في ديوان شعر له مخطوط، أنه سلك طريق البرّ على ناقة نجيبة له، قَطعَ فيها الفيافي والقفار حتى وصل إلى حضرموت، واستقلّ سفينة أبحرتْ به إلى زبيد فوصلها بعد عشرة أيّام، ثم انطلق منها برّاً إلى مكّة المكرّمة، ووصلها بعد شهر.

طرق ومواعيد

خصّص الملاح ابن ماجد، أرجوزة في وصف الطريق إلى البحر الأحمر، تحت عنوان «في معرفة دير برّ العرب والحجاز والسِّيام والخليج البربريّ والصومال والرِّيم والزَّنج وجزائر القُمر وآخر برّ السودان والكانم…»، وحدّد فيها مواعيد السفر وحذر من أن تسلك السفن هذه البحار في أوقات محدّدة. كما وصف طرق الإبحار وموانئ البحر الأحمر، بقوله:

والواديين طرف الحـــجاز

الى الجنوب النعش فيها جازان

وساحل الاهمـــاج ثم جده

وتحترف عنهم قليـــــــــل جده

متاعب وصعاب

توجد إشارات كثيرة في الخصوص لدى الشّيخ عبدالله بن عمر بن زياد بن أحمد الشقصي، أحد فقهاء وشعراء وعلماء القرن الثامن الهجري، والذي عمل في نسخ المخطوطات فجمع قدراً كبيراً منها، وله كتاب بعنوان: شرح القصيدة الرائيّة في الصّلاة لأبي نصر فتح بن نوح النّفّوسي، وله كتاب في الحجّ.

وقد ذكر الشّيخ أنّ رحلة حجّه كانت مليئة بالمتاعب والصّعاب التي لاقاها في رحلته البرّيّة ضمن قافلة من الإبل أخذتْه إلى أحد الموانئ دون أن يحدّده، وأنّه ركب سفينة قويّة أبحرتْ بهم في أمواج متلاطمة، عظيمة، حتى بلغتْ بهم ميناء جدّة، ورستْ فيه، ومنه انطلق برّاً لأداء مناسك الحجّ، وزيارة المدينة المنوّرة بعد ذلك.

 

 

Email