جـــذور

المدافع القديمة والمعمار التراثي.. وثائق ورموز وحكايات

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تخلّفتْ في دولة الإمارات أعداد من المدافع القديمة تتراوح بين 104 و110 مدافع. وهي تنقسم حسب أقطار فوّهاتها، إلى أربعة أقسام: أولاً: المدافع التي تتراوح أقطار فوّهاتها ما بين 3 سم و9 سم.. ومن حيث مادّة الخام، فهي مصنّعة من البرونز، والحديد.

ومن حيث استخداماتها، تبدو المدافع البرونزيّة أقصر في مواسيرها، وهي على الأغلب مدافع بحريّة كانت موضوعة على السّفن إذ إنّ البرونز أكثر مقاومة للصّدأ ولملوحة المياه، وأخفّ وزناً، وأكثر صلادة كما أنّ قطر الفوّهة مناسب لفتحات أبدان السفن. وقصر عدد من هذه النّوعيّة من المدافع ربما له علاقة بارتفاع السّفن، حيث كانت توضع في جوفها، بينما كانت المدافع الأطول توضع على السفن ذات الأحجام الكبيرة، وذات الارتفاع الكبير. إضافة إلى ذلك فإنّ أعداداً من هذه المدافع تحتوي على حلقات معدنيّة مركّبة على مواسير المدافع، وربما هذا يعود إلى تثبيتها على عجلاتها.

أمّا المدافع الحديديّة فهي على الأغلب مدافع أرضيّة، وتتميّز بطول مواسيرها التي تتجاوز المتر بيسير. وهذه النّوعيّة من المدافع كانت مدافع ميدان أو مدافع كانت تنصب على أسوار الحصون. وتتميّز بارتفاع نسبة الحديد في مكوّناتها، وهي مدافع هجوميّة ودفاعيّة، كانت تثبّت على عجلات وكان يجرّها الجنود أو الخيول أو الدّوابّ الأخرى.

12

وهناك، ثانياً: المدافع ذات أقطار الفوهة من 10 إلى 12 سم، وهذه النّوعيّة مصنّعة من الحديد، وهي ترمي بقذائف كبيرة، وذات مرامٍ بعيدة، وهي قوّيّة، صلبة، كانت تستعمل في الحصون وتوضع على الأسوار والقلاع. ثالثاً: المدافع ذات أقطار الفوهة من 12 إلى أقل 14 سم.

وهي مصنوعة من الحديد، وتتراوح فيها نسبة الحديد بين 41 ـ 54 %. وتزيد نسبة الحديد في سبيكتها إذ تصل إلى أكثر من 60 % وهي نسبة عالية، ولعلّها صنعت في مصنع واحد. وتتميّز بطول فوهاتها، وكانت تستخدم في القلاع والحصون والأبراج.

رابعاً: المدافع ذات أقطار الفوهة من 14 إلى 17 سم، وهي مصنّعة من الحديد ونسبته 44.92 %. وتتميّز بطول مواسيرها، ويبلغ بعضها المترين.

استخدامات

تأثّرت الإمارات بصورة عامّة بالأوضاع السياسية والعسكرية التي نشأت، قديماً، بسبب مجيء الأوروبيين إلى المنطقة. وكان من أهم المظاهر العسكرية الأوروبية بناء حصون وقلاع ضخمة لاستخدامها في الدفاع وصدّ المهاجمين وتتحمّل نصب مدافع ضخمة على أسوارها.

وقد أصبحت القلاع والحصون العسكرية جزءاً من العمارة والبيئة الأساسية المحلّيّة. وكانت القلاع تمثّل خطّ الدفاع الأول. وبصورة عامّة، فإنّ الحصون والقلاع وأسوارها وممرّاتها صُمّمت وبُنيت لكي تتلاءم مع نصْب المدافع عليها حسب أحجامها وضخامتها ومداها، ففيها أماكن خاصّة توضع عليها المدافع الثقيلة بحيث تتحمّل أوزانها وتقاوم الجدران والقواعد شدّة القذف وقوة القصف.

وقد حُفرت في الأسوار فتحات خاصّة تخرج من خلالها مواسير المدافع. وتعدّ القلاع - الحصون الحربية - من أهم الآثار في الفترة من القرن السابع عشر إلى القرن التاسع عشر، أي في الفترة نفسها التي صُنعت فيها معظم المدافع التي تم العثور عليها في منطقة الإمارات. وكان يوجد عدد كبير من المدافع تم تدمير معظمها خصوصا في منطقة رأس الخيمة. وتنقسم القلاع والحصون إلى قسمين: قلاع كبيرة ذات أبراج، وقلاع صغيرة.

ويلاحظ فتحات المدافع، وهي فتحات مستطيلة الشكل ترتفع عن الطابق الأوّل بنحو 30 سم، وتسمح بحركةٍ محدودةٍ لمدفعٍ صغيرٍ. وكان هناك عددٌ كبيرة من هذه الأسلحة يستخدم من فوق الحصون، فمثلاً حصن الفهيدي في دبي كانت المدافع تنصب فوق الأبراج الثلاثة خصوصاً البرج الشماليّ الشّرقيّ الأكثر ارتفاعاً في هذا الحصن.

تقليد

ومن الملاحظ أنّ المدافع القديمة المتبقيّة في الإمارات، لا توجد سجلّات تحفظ تاريخها وتدوّن صناعتها. وبصورة عامّة، لا توجد وثائق متوفّرة حول كثيرٍ منها. وتوجد بعض العلامات والرموز على بعضٍ منها، مثل: I CL، وE CL وH M، ولعلّ هذه الرموز ترمز إلى السفن نفسها، حيث إنّ بعض الحروف ربما يرمز إلى الأسطول، والبعض الآخر يرمز إلى السفن أو ربّما يرمز إلى موقع المدفع في السفينة.

احتمال

ومن المحتمل أنّ عدداً من المدافع قد صُنع في تاريخ واحد وهو العام 1782، نظراً لِتشابها في الأشكال والأحجام والأطوال. كذلك، يوجد مدفع مؤرّخ بعام 1811 وهو موضوع داخل حصن أبوظبي، وقُطر فوّهته حوالي 13.5 سم. وتتشابه معه مدافع أخرى على مستوى الدولة. والتاريخ نفسه مسجّل على مدفع موضوع أمام حصن الشارقة، ويوجد مدفع آخر يحمل تاريخ 1833، وهو موضوع في ميدان الرولة بمدينة الشارقة، ويبلغ قُطر فوّهته 17 سم.

ويوجد مدفع آخر يحمل تاريخ: 1864، وهو موضوع في ميدان الرولة بمدينة الشارقة، ويبلغ قُطر فوّهته 16.5 سم. ومن الجدير بالإشارة إلى أنّ نسبة الحديد تتفاوت في هذه المدافع، وهي تختلف من مدفعٍ لآخر مما يدلّ على اختلاف مصانعها ضمن إطار الإمبراطورية البريطانيّة. ومن اللافت للنّظر أنّ مدافع كثيرة تمتلك خلفيّة يصل قُطرها إلى 50 سم، ولعلّ هذه الزيادة المفرطة في قُطر الخلفيّة هدفها الزيادة في متانة المدفع، كما أنّ مثل هذه المؤخّرة الواسعة تؤدّي إلى ميلان المدفع إلى الخلف، وارتفاع فوّهته إلى أعلى حتى تصيب الأهداف البعيدة.

عوامل

الغالبيّة العظمى من المدافع القديمة في الإمارات تغيّرت أحوالها، وتبدّلت أوضاعها، فلم تعد كما كانت حين صناعتها، نظراً لما حدث عليها من تغييرات، وصبغ باللون الأسود، و«تفلّمات» كثيرة عانت منها، وإضافات من الإسمنت، وكسور أتلفت فوّهات بعضها. كما أنّ كثيراً منها جرى نقله من مكان لآخر، فلا يُعلم مكانه الأصليّ، إضافة إلى أنّ عدداً منها لم يدوّن عنه إلا اليسير من المعلومات. ولا توجد معلومات حول صناعة المدافع في الإمارات، أو أية تدوينات في الخصوص قام بها الأهالي في المنطقة.

«الرقّاص»

من بين القصص النّادرة في شأن المدافع القديمة، أنه كان هناك مدفع ضخم يدعى «الرقّاص»، كان موضوعاً في وسط ساحة الميدان الكبرى في مدينة الشارقة، ويبلغ مداه 11 كم، وسمّي بهذا الاسم لأنّه يهتزّ عند إطلاقه، وكان يستعمل للإعلام عن مواعيد رمضان والأعياد.

1782

تبرز علامة التاج البريطاني على أعدادٍ كثيرة من المدافع القديمة في الإمارات، ممّا يؤكّد أنّها من مدافع البحريّة البريطانيّة في منطقة الخليج العربي، ووجود هذه العلامة على المدافع البريطانية تقليد شائع في المدافع التي صُنعتْ في بريطانيا أو في الهند. ويوجد على أحد المدافع تاريخ هو: 1782، وهذا المدفع موجود الآن أمام حصن رأس الخيمة، وقُطر فوّهته 10 سم، وهو مصنوع من الحديد.

151

هنالك مدفع نادر، له عصا خلفيّة وقاذفة يرتكز عليها في الثلث الأخير، فيما يثبت من طرفه، وقُطر فوّهته 5 سم، وطول ماسورته 151 سم. وهو مدفع برتغاليّ الصنع، ويتماثل مع نماذج أخرى في المتحف العسكري في لشبونة. وقد عثر أحد المواطنين على هذا المدفع بالقرب من المياه الضحلة عند جزيرة الحليلة الواقعة شمال الرمس بإمارة رأس الخيمة.

Email