«البيان» و«الثقافة والعلوم» تستهلان برنامج ندوتهما الشهرية

«العمل الخيري الثقافي في الإمارات» جذور عـميقة وثمار عصرية تغني المستقبل

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

طالما شكلت الثقافة بحقولها المتنوعة، في دولة الإمارات، محط اهتمام مجتمعي عام، غني ونوعي، انخرطت معه المؤسسات والجهات المدنية غير الرسمية، إلى جانب المؤسسات الحكومية المتخصصة، في جهود ومشروعات رعايتها وتمويل برامجها أو دعم أنشطتها وتحفيز المبدعين في مجالاتها، ما أثمر حالة تنموية فكرية ومعرفية رائدة وفريدة من نوعها، باتت نموذجاً يحتذى، في المنطقة والعالم، بفضل ثمارها وغنى النتائج المتأتية، ذلك خاصة في ظل توسع نطاق مروحة الجهات الداعمة للعمل الثقافي، حيث أصبحت المسألة بمثابة ظاهرة مجتمعية لافتة، تحظى صنوف العمل الإبداعي في خضمها برعاية وتبنٍ خلاقين، تتسابق وتتناغم في رحابهما جهود رجال الأعمال، وكذا قطاعات مجتمعية أخرى.. مع مشروعات ومبادرات الجهات الرسمية. ذلك سعياً إلى الارتقاء بها وتنويع وتجويد أوجهها وفعالياتها.

صحيفة «البيان» وندوة الثقافة والعلوم في دبي، ارتأتا، وانطلاقاً من المكانة والدور الحيويين لهذا التوجه المجتمعي الذي تسطر معه الإمارات أرفع النماذج، أن يكون هذا الموضوع محور نقاش وبحث استهلال برنامج ندواتهما الفكرية التي تعتزمان عبرها، وبدءاً من الشهر الجاري، استعراض وبحث مختلف المسائل والموضوعات التي تمس جوانب التنمية الفكرية والثقافية المجتمعية في الدولة.

إذ أضاءت هذه الندوة الاستهلالية، الموسومة بـ «العمل الخيري الثقافي في الإمارات.. جذور عميقة وثمار عصرية متميزة تغني رؤى المستقبل»، على محاور وتاريخ وآفاق تلك الظاهرة الثقافية المجتمعية البناءة، كافة، مبينة قيمة ما تأتى منها.. وراصدة طبيعة الاحتياجات والخطط والإجراءات المفضية إلى جعلها تتخطى أي عقبات، وذلك عبر باقة مقترحات وتوصيات.

1 .. في مرآة التجربة المحلية:

بدأت الندوة باستعراض أهمية الموضوع المبحوث، والتعريف بمنجزات مختلف الجهات المشاركة. وفي الاستهلال، قال سلطان صقر السويدي:

نيابة عن ندوة الثقافة والعلوم وصحيفة «البيان»، نرحب بالإخوة الحضور، ونشكر لكم مشاركتكم في هذه الندوة والتي تناقش قضية ثقافية مهمة. وهي تعنى في مضمونها ببحث جدوى وأهمية تخصيص ودائع ووهب أموال من بعض الأشخاص المؤمنين بالدور الثقافي في تنمية المجتمع، لدعم العمل الثقافي، ونشر الثقافة والوعي.

وذلك في دولة يرسخ قادتها نهج الخير والعطاء في كل المجالات، ومنها المجال الثقافي. ومن المؤكد هنا، أن ندوة الثقافة والعلوم و«البيان»، يعدان شريكين رئيسين في هذا العمل الثقافي، الذي نتطلع لأن يحقق إسهاماً نوعياً في خدمة الثقافة. ومن جهته، أوضح علي عبيد الهاملي، أن الندوة تمثل باكورة التعاون بين ندوة الثقافة والعلوم وصحيفة «البيان».

وتابع: عندما بحثنا الموضوعات التي سنتطرق إليها، أول ما تبادر إلى أذهاننا هذا الموضوع، ذلك انطلاقاً من مواكبتنا لتوجيهات وفكر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، القاضية بجعل وتسمية عام 2017 عام الخير. واستطرد: إن تاريخ العمل الخيري الثقافي في الإمارات عريق ويعود إلى 1912.. عندما تصدى رجل من وجهاء إمارة دبي، وهو الشيخ أحمد بن دلموك، لمشروع إنشاء مدرسة (الأحمدية). وقد درس في المدرسة الكثير من أبناء دبي، وعلى رأسهم: المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم.

وأضاف الهاملي: أيضاً، استمر النشاط الثقافي من خلال مجموعة مثقفين رواد عبر المجلات الأولى التي صدرت بجهد شخصي.. وفعلياً، تشكل وصقل قوام العمل الثقافي الأهلي، سواء قبل أو بعد قيام اتحاد دولة الإمارات، وإلى جانب جهود المؤسسات الرسمية، بفضل إسهامات ومبادرات عدد من رجالات ونساء الوطن المثقفين والمخلصين بعطائهم، مثل: سلطان بن علي العويس، شما بنت محمد بن خالد آل نهيان، أسماء المطوع.

نهج راسخ

وقال حسين درويش، إنه، ومن خلال تلك المقدمات، التي أتت في حديثي السويدي والهاملي، تتثبت لنا حقيقة أن تعميم الفائدة بخصوص الموضوع محل النقاش، سيتحقق عبر نشر مضامين ونقاشات الندوة، غاية إيصالها إلى أكبر شريحة من القراء، ومن ثم تحفيز الجهود في الشأن وبذل المزيد من الإمكانات خدمة للعمل الثقافي، وذلك اقتداء بنهج قادة الدولة وطبقاً لرؤاهم في مبادرة عام الخير 2017، والتي تشمل العديد من الأوجه: الإنسانية أو الثقافية.

وأوضح درويش أن كثيراً من الجوائز المرموقة يقوم على فكرة التمويل ورأس المال، مثل: جائزة نوبل، جائزة الشيخ زايد للكتاب، العويس، البابطين. وغيرها من الجوائز التي تمول من خلال أوقاف ثقافية، وهذا أبسط تعبير لتقريب المسافة بين القارئ والفهم الاجتماعي لمسألة الوقف أو الاستثمار الثقافي. فمؤسسات عديدة في الإمارات، تصرف على الثقافة من خلال استثمارات خاصة بها، وتعتبر مؤسسة العويس، نموذجاً حياً لمثل هذا الوقف.

تجربة مُلهمة

بعد ذلك، استعرض د. محمد المطوع، بدايات إنشاء مؤسسة سلطان بن علي العويس ومراحل تطورها، لافتاً إلى أنها كوّنت مجلس أمناء يضم عنصراً نسائياً: الدكتورة فاطمة الصايغ.. وهو مجلس سيستمر بشكل دائم.

وأردف: بدأ الاهتمام بالعمل الثقافي بالدولة منذ ثلاثينيات القرن الماضي، من خلال مجلة العصافير ومجلة المجمع الثقافي.. ثم مجلات الأندية الرياضية والثقافية، حيث برز عبرها، العديد من الكتاب والمثقفين. ووضح المطوع طبيعة وفكرة جوائز مؤسسة العويس، مشيراً إلى أنه لا يتدخل فيها القائمون على المؤسسة.

وقال أيضاً: ما يعنينا هو العمل الثقافي والإبداعي، والذي يخضع لأفكار وتقييمات ودراسات نخبة محكمين، وأتمنى أن تتواصل فيه المؤسسة مع الجيل الجديد، عبر الأنشطة المتنوعة المتخصصة التي تحفز الشباب وتستقطبهم نحو العمل الثقافي.

وأود أن ألفت هنا، إلى أنه كانت بدايات عمل المؤسسة تقتصر على الجائزة فقط، ثم تحولت إلى الندوات والأمسيات والمعارض التشكيلية والأمسيات الموسيقية، بالإضافة إلى تمويل بعض الأنشطة الثقافية، داخل الدولة أو خارجها. ونبع ذلك من كون الراحل سلطان بن علي العويس، رحمه الله، كان من أكثر المهتمين بالعمل الثقافي. إذ أدرك مبكراً، أهمية وجود جائزة تحفيزية للإبداع.

تكافل

وعقّب سلطان صقر السويدي: بخصوص جوائز للشباب وتحفيزهم للانخراط بالعمل الثقافي، فقد تنبه المرحوم سلطان بن علي العويس لذلك، وخصّ ندوة الثقافة والعلوم بوقف وتمويل جيد لجائزة «العويس للإبداع» ضمنها، وهي موجهة لأبناء الإمارات بمراحلهم العمرية المختلفة، وتشمل جوائز للكبار وللشباب.

2 واجب وطني واحتضان لازم :

اختارت أسماء المطوع، في بداية مشاركتها بالنقاش، التعريف بصالون الملتقى ونشاطاته، فقالت: إنه صالون نسائي يرمي إلى تشجيع القراءة والمعرفة. ويعد الصالون من أوائل الصالونات الثقافية النسائية في الدولة، إذ تأسس منذ ما يقارب الـ 22 عاماً.

وقد جاد في عطائه الثقافي وغناه المعرفي، في وسط شريحة واسعة من النساء، عبر الندوات والأمسيات الثقافية وطباعة الكتب وتوزيعها وتمويل المكتبات. ما أفرز نتائج مهمة.

وأكدت إثرها، أن مفهوم الوقف الثقافي كبير وواسع، يشتمل نشاطات عديدة، بينها دعم العمل الثقافي، وهو بالفعل، أكبر من اقتصار الحديث عنه على نشاط الصالونات الثقافية.

دور تنموي وريادة نسائية

وركزت د. عزة هاشم، في مستهل حديثها، على تعريف وتوضيح تاريخ الأوقاف وأشكال تطورها، مبينة أنه نقلت الحملات الصليبية هذا النشاط من مجتمعاتنا إلى مجتمعات الغرب، ليلعب الوقف بمعناه، والذي بدأ عروبياً وإسلامياً، دوره التنموي الكبير بتاريخ الغرب. واستطردت: تشي القراءة المتفحصة بدور بارز للنساء في دعم الأوقاف، ومن بينها دعم برامج الثقافة والوعي المجتمعي، حتى اعتبر البعض تاريخ الأوقاف في العالم العربي، تاريخاً مؤنثاً.

رعاية وتواصل

وبدأ باسل محمد مشاركته في محاور الندوة، بتبيان تاريخ وتطور مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث.

وتابع: لقي المركز منذ انطلاقه تشجيعاً منقطع النظير من قادة دولة الإمارات العربية المتحدة، وعلى رأسهم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه.

والمركز يعمل على نشر رسالته، عبر التعاون مع الوزارات بالدولة، خصوصاً وزارة الثقافة وتنمية المعرفية.. وأثمرت جهود المركز في تحقيق وسد حاجات آلاف الباحثين من داخل الدولة وخارجها، حتى أصبح يمثل منارة مضيئة في سماء دولة الإمارات والعالم.

نمط سلوكي متأصل

«ثقافة الخير متجذرة في الضمير المجتمعي العام الممتد منذ الأجيال الأولى التي نشأت على أرض الإمارات، والوقف الديني والثقافي في الدولة، أحد المظاهر التي تعكس ثقافة العطاء والخير بمجتمعنا».

هكذا بدأت د. منى الفلاسي مداخلتها، مبينة بعدها أن التطوع وفعل الخير أحد الأنماط السلوكية التي تتفرد بها المجتمعات العربية، وخاصة ذات الطابع الصحراوي، حيث كان التكافل الاجتماعي من أهم مظاهر اللحمة المجتمعية، وتلك الجذور ضاربة في عمق الشخصية الإماراتية.. ووضع أسسها الحديثة، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.

وسار على خطاه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وأخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة. إذ قادوا مسيرة العطاء والخير التي توّجت بـ «عام الخير».

وأضافت: كان للثقافة نصيبها الكبير بالمشاريع الوقفية بالدولة. وطبعاً، هناك في مدينة العين نموذج حي للمؤسسات الداعمة لثقافة الطفل وتنميتها، تتمثل بمؤسسات الشيخ محمد بن خالد آل نهيان الثقافية والتعليمية، التي تقدم أنشطة وجوائز عديدة تبني ثقافة الطفل، وهي قائمة على فكرة الوقف الخيري.

3 مفاهيم مغلوطة تحتاج التصويب:

وقالت د. منى الفلاسي، عن طبيعة الدور والأهمية التي يحوزها الوقف الثقافي في المجتمع: إن التنمية لا يمكن أن تسير في طريقها بالجهود الحكومية فقط، فالجهود المجتمعية حجر زاوية يكتمل به البنيان من أجل التنمية.

ومن هنا، كان للوقف الثقافي الدور الفعال في استكمال البنيان الثقافي للمجتمع الإماراتي. وفي الشأن، قال سلطان صقر السويدي: علينا تصويب الفهم المحدود والمجتزأ في عالمنا العربي للوقف، إذ ينظر إليه كونه يقتصر على بناء المساجد أو مراكز تحفيظ القرآن فقط. ولكنه في الحقيقة، مفهوم يتسع للثقافة والخدمات التعليمية والصحية.

«هذا وقته»

وقال ياسر القرقاوي: الموضوع مهم جداً، وهذا وقته في "عام الخير"، غاية ترسيخ مفهوم الوقف الثقافي، والذي ترادفه كلمة الاستثمار الثقافي، إلا أن كلمة الوقف هي الأقرب لثقافتنا العربية الإسلامية.

وبحكم وجودي وعملي لسنوات طويلة بميادين الثقافة، وضمن مؤسسات وجهات متنوعة، أستطيع التأكيد أن ما تؤديه هيئات العمل الثقافي غير الرسمية، مركزي وجوهري في عملنا الثقافي المجتمعي. كما لفت القرقاوي إلى أن «وزارة الثقافة» تشجع وتواكب أعمال كافة الجهات الداعمة للعمل الثقافي.

4 دور الإعلام:

بين سلطان صقر السويدي، أن التقنيات الحديثة أحدثت طفرة في عالم المعرفة. واستطرد: أتساءل: هل الإعلام مواكب للعمل الثقافي والحراك الاجتماعي.. وهل يواكب تلك النظرة المستقبلية من قبل القادة؟ وماذا عن التشريع ودوره في تفعيل الوقف الثقافي ...؟

ولفت إلى أنه في الإمارات، القيادة الحكيمة استشرفت آفاق المستقبل عبر تسمية كل عام بمبادرة تنموية محددة، ذاك حتى تصل في النهاية إلى تعميق مفاهيم تفي حيوياً بأغراض بناء المجتمع.

وفي السياق، قال علي عبيد الهاملي: الإعلام في وقت من الأوقات، كان لاعباً جيداً ومصدراً رئيساً في الساحة لرفد ومواكبة مبادرات دعم الثقافة، التي يطلقها رجال الأعمال والمؤسسات المجتمعية العامة.

لكن تراجع دوره حالياً، لدخول وسائط جديدة على الساحة الإعلامية بقوة، باتت أكثر تأثيراً، وأهمها وسائل التواصل الاجتماعي.. ولا بد من أن نتوجه للإعلام الاجتماعي عبر الإعلام الرسمي، لكونه أكثر مصداقية. وبخصوص المستقبل، لا توجد دولة بالعالم تتحدث عن المستقبل وتعمل لأجله كدولة الإمارات، وتعتبر القمة الحكومية الخامسة التي عقدت هذا العام، نقلة نوعية في الحديث عن المستقبل.

توصيات ومقترحات

خلص المنتدون إلى جملة توصيات ومقترحات، أبرزها:

العمل الخيري الثقافي حجر زاوية في مشروع التطوير الاجتماعي ولا بد من تعزيز حضوره ليرفد مسيرة العمل الثقافي، وجوب توافر التحفيز الرسمي الحكومي للمنخرطين في ميدان هذا العطاء عبر سن تشريعات ناجعة، تعميق التنسيق بين جهات العمل الثقافي الخيري، ضرورة وعي الجهات الرسمية لأهمية زرع ثقافة الوقف بكل جوانبه" وخاصة الثقافي" بنفوس الأجيال الجديدة، إيجاد ميثاق للتعاون بين المؤسسات الرسمية المعنية بالثقافة ومؤسسات الوقف الخيري الثقافي، مأسسة العمل الثقافي المجتمعي بحيث لا يقتصر العمل الثقافي على وجود صاحب الاستثمار أو الوقف المالي.

المشاركون:

سلطان صقر السويدي رئيس مجلس إدارة ندوة الثقافة والعلوم في دبي.

علي عبيد الهاملينائب رئيس مجلس إدارة ندوة الثقافة والعلوم، رئيس مركز الأخبار في مؤسسة دبي للإعلام.

د. محمد عبد الله المطوعأمين عام مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية في دبي.

د. منى بوفروشة الفلاسيأمين سر وعضو مجلس إدارة مجلس الشيخة شما بنت محمد للفكر والمعرفة (العين).

ياسر القرقاويمدير الأنشطة في وزارة الثقافة وتنمية المعرفة.

حسين درويشرئيس قسم الثقافة والمنوعات في صحيفة «البيان» (مدير الندوة).

أسماء صديق المطوعمؤسس صالون الملتقى في أبوظبي.

د. عزة جلال هاشممنسق أكاديمي وعضو في صالون الملتقى.

باسل محمدرئيس شعبة الإعلام في مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث في دبي.

Email