حسين العصفور أعاد صياغة النص برؤية عصرية

«الكراسي» عبثية أوجين يونسكو على الخشبة

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

نحو 66 عاماً مرت على إصدار المؤلف المسرحي الروماني الفرنسي الراحل أوجين يونسكو، لنصه «الكراسي»، ذاك النص الذي شكل نقلة نوعية في مسرح العبث، وجسد على الخشبة عشرات المرات، ما أكسبه شهرة بالغة، لا سيما وأن يونسكو يعاين فيه معاينته لإرهاصات ما بعد الحرب العالمية الثانية، الأمر الذي دعا عشاق «أبو الفنون» إلى منحه لقب رائد الفوضى المقننة.

تواصل إنساني

نص «الكراسي» الذي يراهن فيه يونسكو على ذكاء المشاهد وإن كان نخبوياً، تربع، أول من أمس، على خشبة قصر الثقافة، حيث قدمته فرقة أوال المسرحية البحرينية، التي منحت جمهور مهرجان الشارقة للمسرح الخليجي، فرصة معاينة مسرح العبث واللامعقول، من خلال الرؤية العصرية التي قدمها المخرج حسين العصفور للنص، الذي يتناول تيمة «العبث» من خلال شخصيتي العجوزين اللذين يكابدان العزلة، بسبب فشلهما في التواصل الإنساني، ليعيشا أوهام ظنونهما بقدرتهما على تقديم دور اجتماعي مهم، رغم ضآلة تفكيرهما. فالرجل الكهل يرى في نفسه منزلة إنسانية رفيعة.

ويظن أنه مالك لرؤية إنسانية شاملة قد تهم البشرية جمعاء، إلا أنه لا يستطيع التعبير عن نفسه في طرح رسالته العظيمة، فيختار لذلك خطيباً ليلقيها عنه، وقبل أن يبدأ الأخير بالقراءة يتضح أنه أخرس، لا يستطيع إيصال الرسالة، لأناس أصلاً غير موجودين على الكراسي الفارغة، التي ظلت تنتظر مدعوين لم يصلوا قط.

ورغم صعوبة النص، فإن حسين العصفور تمكن من معالجته بطريقة تتواءم مع طبيعة تقاليد المنطقة العربية، فجاءت المعالجة حاملة للعبثية واللامعقول، وشيئاً من الواقعية والرمزية، فجاء العمل متماسكاً، مصبوغاً بلمسة عصرية، الأمر الذي دعا النقاد خلال الندوة التطبيقية التي أدارها إبراهيم بحر، إلى اعتبار ذلك بمثابة «جرأة عالية» من المخرج للاقتراب من نص ملئ على أخرة بالعبث.

أداء بالغ الجودة

على الخشبة قدم ممثلو العرض أداء بالغ الجودة، بين مدى فهمهم لأدوارهم والنص العبثي، رغم أن المنطقة العربية لم تتعود على هذه النوعية من الأعمال، وفقاً لما قاله المصري أسامة أبو طالب، في معرض مداخلته بالندوة التطبيقية، التي عبر فيها عن انبهاره بالإضاءة وبأسلوب الإخراج الواقعي الذي قدمه المخرج لمسرحية عبثية.

وقال: «المسرحية تدور في الوهم، ومن خلالها نرى ما يدور في أذهان العجوزين، الأمر الذي يحفز فينا الخيال»، مؤكداً في الوقت ذاته أن هذا العرض ليس جماهيرياً حتى في أوروبا نفسها التي عرفت مسرح العبث منذ سنوات طويلة.

«لقد جاء العرض باذخاً على كافة مستوياته، بدءاً من طريقة كتابة النص ومروراً بالممثلين، وليس انتهاء بالسينوغرافيا». بهذا الوصف، قدم المغربي د. محمد أبو العلا مداخلته، التي أكد فيها على أن المخرج حسين العصفور منح الجمهور الفرصة للاطلاع على عرض ينضح بـ«العبث الجدي»، قائلاً: لقد سيطر المخرج على كامل خيوط العرض، محدثاً بذلك توازناً ملحوظاً فيما بينها.

وتمكن من خلال انضباط الحوار والسينوغرافيا من التغلب على أي فجوة يمكن أن يصطدم بها العرض. بينما رأى سعيد كريمي أن عرض «الكراسي» منح فضاء المسرح بالكامل للممثل، ومكنه من تقديم أداء لافت على الخشبة، ولكنه في المقابل اشترط عليه ضرورة أن يكون صاحب خيال واسع، ومالكاً لقدرة استحضار الشخصية وبالتالي تقمصها.

Email