اللبناني بيار عبود يرسم أجواء درامية بالظلال والنور

"الفوضى".. إبحار للذاكرة في لوحات بقايا الحروب

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يتجلى إبداع الفنان حين يحول الألم إلى حالة فنية من الإبداع، تجمع ما بين التفاعل مع عمق الحالة الإنسانية التي يطرحها، وفي الوقت نفسه ما تحمله من جماليات على مستوى معالجتها، سواء كلوحة أو منحوتة أم عمل تركيبياً وغيرها، مما يترك في الزائر عميق الأثر ليبقى نتاجه راسخاً في الذاكرة.

وأقرب مثال على ذلك الأثر والتفاعل بين العمل الفني والمشاهد، المعرض التشكيلي «الفوضى» للفنان اللبناني بيار عبود الذي افتتح أول من أمس في غاليري «أوف لايت» بمسرح دبي الاجتماعي ومركز الفنون في مول الإمارات.

وفي المعرض، يدرك الزائر منذ بداية جولته أنه أمام تجربة نوعية تدفعه إلى ترك تفاصيل عالمه الخارجي، والإبحار في عالم كل لوحة والتمعن في أجواء تفاصيلها، وما تحركه من مشاعر في داخله، ما بين الماضي والحاضر، والمرتبطة إما بعلاقة الإنسان بذاكرة المكان أو بأحداث عاشها أو يعيشها.

الشارع الخلفي

يأخذ الفنان الزائر في رحلة بين عوالم شكلت جزءاً، أو تشكل، من ذاكرة الوطن العربي، ومنها مثلا: ما تبقى من ركام مبنى طاله الدمار في لوحة ضخمة بالأبيض والأسود وتدرجات الرمادي، ليترجم عبود بريشته عبر هذا العمل، الوجع الإنساني في ملامح ودلالات النور الذي يخترق بقايا بناء، وهناك ساحة مهجورة في الشارع الخلفي تراكمت فيها بقايا ما تركه البشر قبل رحيلهم من براميل صدئة وإطارات، ليصل بعدها إلى حالة مختلفة مع لوحة «تواصل» التي تتداخل وتتلاحم فيها الكراسي الخشبية العتيقة، لتبعث في نفسه حالة متناقضة من المشاعر ما بين الدفء والفقدان والإحساس بالعزلة.

نافذة الألفة

تستمر جولة الفنان في أعماله ضمن المعرض، ما بين الأزقة والذاكرة والحنين ووصولا إلى أمكنة جميلة للزمن الآمن مع لوحة «نافذتي»، والتي تحكي تفاصيلها جماليات بساطة الحياة التي عاشها الفنان يوماً عبر تفاصيل النباتات المركونة على حافتها داخل، إما علبة حليب معدنية أو نصف قنينة مياه بلاستيكية... وغيرها، ليعكس بهذا حنين الذاكرة في جمالية دفء الألوان التي تنبض بالحيوية والحياة.

وتكمن خصوصية أسلوب عبود في استخدامه الدرامي للعلاقة بين النور والظل في إبداعاته، ليعكس بذا حدة الوجع، وفي الوقت نفسه، ليأسر المشاهد بجمالية معالجته لهما، كما يُحسب له إحساسه بنقاء اللون ومعالجته له بما يعكس تراب الأرض وبيئة الشرق. كذلك جرأته في تصميم تكوين اللوحة بمفهوم معماري، يعكس براعته في توزيع الكتل وأحجامها، ليكون للظل والنور دور في تحقيق معادلة التوازن.

استلهام

يقول عبود لـ «البيان» عن الأجواء التي استلهم منها لوحات معرضه: «هذه الفوضى التي جسدتها في لوحاتي جزء من ذاكرتنا، سواء في زمن الحرب الأهلية اللبنانية أو ما يجري حالياً. وتُشكل بحلوها ومرها، جانباً من نشأتنا وألفتنا مع المكان، كما أردت توثيقها كذاكرة للحرب التي علينا ألا ننساها كي لا تعاد مجدداً».

Email