وداعاً صديقي

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

غداً سأستقبل صديقاً جديداً. لا أرجوك لا تظن أنني سأخونك. لكنها الحياة يا صديقي. فكم نحن بحاجة إليكم. وكم ستتوقف حياتنا إن اختفيتم. فأنتم غُرف قلوبنا التي لا يراها أحد.

وأخيراً.

ها أنا أجلس وحدي هنا. لا أحد بجواري. لقد انتهى كل شيء. انتهى أمام عيني. شاهدت ألفاظه الأخيرة تتقطع أمامي. كم كنت غبياً. بل أحمق. طلب مني مراراً حمله إلى طبيب جيد. لكنني كنت أفضل دائماً أن أطلب له صديقي الدكتور الموهوب. عاشق طب الحيوانات. لم أكن أعرف أنه لا يعلم إلا في البهائم فقط. ولكن ما جدوى ذلك كله. انتهى كل شيء بسرعة. كأن الموت لا ينتظر أن يفوت على نفسه لحظة السعادة التي يرى فيها جسدي يرتطم على الأرض باكياً. ولم لا فلقد كان صديقي الوحيد الذي طالما كنت أسهر أحكي له قصصي. ويومياتي.

آه كم هي كثيرة اللحظات التي لجأت إليه فيها طالباً منه الوقوف بجانبي من الحياة المحزنة التي أعيشها. كان مؤنس الوحدة. تعذب كثيراً. مات موتاً لم يشهده أحد. أنا السبب. لماذا لم أضع له برنامجاً للحماية. أو نورتن فايرس كما يقولون. آخ لو أجد هؤلاء الأشرار الذين يصنعون سموم الموت بأيديهم ويتلذذون برؤية جهازي العزيز وبقية زملائه يتعذبون. بلا رحمة منهم ولا شفقة. أي نوع من القلوب يملكون. ماذا سيفعلون لو فقدوا عزيزاً لهم. جهازاً غالياً جديداً بالأمس قد اشتروه، أو صديقاً مثالياً عاش معهم منذ طفولتهم. أو إصداراً حديثاً من إصدارات الوندوز؟ كيف سيودعون صاحبهم العزيز الذي أودعوه ذكرياتهم. صورهم. قصصهم. يومياتهم. مواضيعهم. ألعابهم وكل خاصتهم فيه. ثم وبسهولة يموت أمام ناظريهم وتموت معه كل تلك الأشياء.

ماذا أفعل بخردتك الآن يا صاحبي. نفسي لا تسمح أن أرمي بقاياك الميتة هنا. أما من حفرة تستقبلك فأريح ضميري. أريد أن أضعك في مكان آمن. أن أفعل أي شيء لخدمتك يا عزيزي.

ليتني أستطيع أن أعيد لك الروح من جديد. ولكن هيهات هيهات فما عادت الأرواح البشرية تستطيع فعل شيء لك يا عزيزي. ماذا أفعل بالأقراص الصغيرة خاصتك هل أحتفظ بها. لأستخدمها في جوف غيرك. وكيف لي فعل ذلك يا عزيزي. غداً سأستقبل صديقاً جديداً. لا أرجوك لا تظن أنني سأخونك. لكنها الحياة يا صديقي. فكم نحن في حاجة إليكم. وكم ستتوقف حياتنا إن اختفيتم. فأنتم غرف قلوبنا التي لا يراها أحد.

كيف حالك يا عزيز. هل الموت يفعل فعله بك الآن. هل عذاب نزع الروح مؤلم. كما عندنا نحن البشر. اسمح لي يا صديقي أن أضع هذا القماش فوق رأسك. فما عادت عيناي تطيقان رؤية جثتك الصغيرة هكذا. وهذه الأسلاك المطوية هناك. سوف أحملها للصديق الجديد. لأنه يحتاجها. أما أنت يا صديقي. فستغادر منزلي اليوم. لا تقلق. لن تذهب لأي حفرة. لن أرميك في أي مكب للقمامة، بل سأحتفظ بهيكلك المتبقي في غرفة أخي الصغير. ليضمك مع باقي ألعابه وداعاً صديقي، وداعاً.

• كاتبة إماراتية

Email