علي بن تميم: حوار معرفي راقٍ بين قائد ومثقف

ت + ت - الحجم الطبيعي

الرسالتان المتبادلتان بين صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد وباولو كويلو تشير إلى ذلك التحول الثقافي الخلاق الذي قادته الإمارات، وستتجلى آثاره الإيجابية بعد حين. فالقراءة تصنع صاحبها على مهل، وتنمو به مثلما تنمو شجرة النخيل أو شجرة الزيتون «فمثل كلمة طيبة كشجرة طيبة» هكذا ربط القرآن الكريم بين الكلمة بوصفها جذر الكتاب والشجرة بوصفها نقطة مركزية في الحياة ابتداء من أبينا آدم.

‏‎هذا حوار معرفي راقٍ بين مثقف وقائد وهو ليس حواراً بمفهوم فوكو بين المثقف والسلطة، لكنه حوار بين قائد يؤمن بسلطة الثقافة ومثقف يعيش حياته في ضوء هذا المفهوم، ولذلك يتبادلان رسالتين تذكران بفن الرسالة الأدبية الجميل، وتنعشان في الوقت نفسه قيمة الصداقة. والاثنان مشغولان بتحدي القراءة، عارفان بدورها في صناعة جيل متحرر من أوهام الزيف المعرفي، راغب في ثقافة السؤال، معرض عن التلقين وأحادية التفكير والوثوقية.

تبدو القراءة في هذا الحوار نهراً مقدساً يتطهر من يسبح في مياهه، لكن مياه النهر هذا قوية وهادرة تتطلب سباحين مهرة قادرين على أن يقفوا في وجه هذه المياه العنيفة. ولا غرو في ذلك فنحن أمام صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد الذي يصدر عن إيمان بـ«التحدي والاستجابة» على حد تعبير أرنولد توينبي وأمام كاتب شكل الإبداع لديه هدفاً وغاية وتحدياً. وقديماً ربط أبو الطيب بين الكتاب وظهر الجواد السريع، ليكون الكتاب مصدر قوة معرفية، وقد صار الناس يقولون في هذه الأيام «المعرفة قوة».

 لكن القراءة متعة ولذة فكرية راقية، وهنا أشير إلى فولتير الذي تمنى أن يصاب بفقدان الذاكرة، ليعود فيستمتع بألف ليلة وليلة، مصدر إلهام بورخيس، كما استمتع بها أول مرة. أجل. القراءة رحلة صوب الماضي أو صوب الحاضر أو المستقبل، تمنح المرء أفقاً معرفياً وإنسانياً واسعاً، وتضيف إلى عمره أعماراً جديدة. وقد كانت مصدراً لفتوحات ابن عربي المعرفية التي كانت فيوضات تنبئ عن قراءة واسعة، وحياة ذهنية مركبة نأت به عن رؤى الموهومين.

وهكذا، فإن تحدي القراءة العربي وعام القراءة في الإمارات، كلاهما يصدر عن وعي بأهمية المعرفة وجوهرية القراءة، وما التقاط كويلو وغيره من الكتاب والمبدعين، لذلك إلا من قبيل الاستجابة والتفاعل المرجوين لهذه الخطوات الكبيرة، التي تقطعها القيادة الإماراتية، في زمن يشكل فيه تحدي القراءة، تحدياً لكل الظروف التي تحاول أن تمنع أجيال الشباب العرب من أن يكونوا جزءاً من نهر المعرفة في تدفقه الجارف نحو المستقبل.

Email