ولد حب القراءة لدى الشاعرة الإماراتية كلثم عبدالله، منذ التحاقها، وهي طفلة بدروس تحفيظ القرآن الكريم، حيث استجابت أسرتها، آنذاك، لرغبتها الملحة وإصرارها على حضور هذه الحلقات مع أختها الكبرى كطالبة مستمعة، فتعلمت وحفظت تهجئة وكتابة الحروف.. وكيفية الكتابة، حتى أتمت حفظ وإعراب كم لا بأس به من الجمل والكلمات، ذلك بينما هي في السادسة من عمرها.

تعتبر الشاعرة كلثم القراءة ضرورة أساسية وملحة في حياتها، فهي لا تستطيع أن تحيا من دون أن تجد الكتب من حولها، ولشدة حبها للقراءة واللغة العربية، أشد ما يثير إزعاجها خلال حضورها الندوات والمحاضرات أو الأمسيات الشعرية الأخطاء الإعرابية التي يقع فيها المحاضرون.. أو من يلقي كلمة.

وعن بدايات القراءة عندها، قالت كلثم في حديثها إلى «البيان»، إنها قرأت في طفولتها في حقول الأدب، وخاصة قصة سيف بن ذي يزن ورواية «البؤساء» التي هي من القراءات المؤثرة التي لا تزال عالقة في مخيلتها. كما أنها كانت قد نشرت، وهي في الصف الخامس الابتدائي، أول قصيدة لها في مجلة اسمها «آمنه بنت وهب»، والتي تحمل اسم المدرسة التي كانت تصدر منها آنذاك.

سمة

أفراد أسرة كلثم عبدالله يميلون للقراءة تماماً كوالدتهم، وهي لم توجههم لذلك، لكن هذه الألفة تولدت لديهم بعدما اعتادوا رؤية والدتهم أثناء عودتهم من مدارسهم وهي تقرأ، مما ولّد بداخلهم تساؤلاً لم يخفوه عنها إذ بادروا إلى سؤالها ببراءة طفولية، إن كانت تدرس مثلهم، فأخبرتهم بأنها تقرأ فقط، وبأن هذه الكتب للمعرفة. ولم توجههم قط للقراءة أو تحثهم عليها، وما أثار سعادتها، أنها في إحدى المرات أثناء قيامها

بالاطمئنان عليهم عند نومهم، وجدت تحت وسائدهم كتباً كانوا يقرؤونها قبل النوم، وما أشعرها بالبهجة، أنها نقلت حب المعرفة والإطلاع هذا من خلال القراءة، لدرجة أن ابنها أحمد كان دائماً يسألها أن تقرأ له بعض المقالات الفكاهية في إحدى المجلات الأسبوعية التي كانت توزع في دبي. وكان أيضاً يلّح عليها بأن تقرأ له قبل النوم. وما زال ابنها أحمد، حتى الآن، يمتلك هذا الميل للقراءة، خاصة عند توجهه لمعسكر التدريب في عمله، حيث تمنع عنهم الهواتف النقالة وغيرها من وسائل الترفيه، إلا أنه يحمل معه كتباً يقرأها فهي تشعره بالمتعة، ونقل هذه المتعة لزملائه الذين يتبادلون معه المعرفة والقصص من خلال الكتب.

أما ابنتها مزون، الوسطى، فخلال دراستها كانت تشعر بالملل من المناهج وكتب الدراسة، إلا أنها وبفضل اتباعها نصيحة والدتها لها بأن تعتبر المناهج الدراسية مواد لنيل المعرفة وليست مواد دراسية، تفوقت وحصلت على درجة الامتياز في مرحلتها الثانوية. وكانت هذه النصيحة التي أسدتها كلثم لابنتها مبنية على أساس إيمانها أن هنالك مفاتيح لبث حب القراءة للأبناء، من دون أن يكون الضغط أحدها، بل بالترغيب والتحبيب ومن دون إكراه، لأنها هواية والهوايات لابد أن يكون منبعها إحساس داخلي بالحاجة لهذه الهواية ومتعتها أيضاً.

نهج ثابت

تعمد الشاعرة كلثم عبدالله في طقوسها للقراءة، إلى انتهاج أسلوب وطقوس قراءة ثابتة. فغالباً ما تقرأ في المساء وقبل النوم، وربما تستمر في القراءة حتى الفجر، أو قد تكتفي بقدر معين لتكمل في اليوم الذي يليه، أما الأمر الآخر فهو حرصها الشديد على أن تحمل معها أثناء سفرها كتباً، سواء أكان مشوار سفرها طويلاً أم قصيراً، أو حتى أثناء توجهها لأي مشوار ربما يتطلب منها الانتظار. فالكتاب لا يفارق حقيبتها وتستثمر وقت الانتظار بالقراءة، كما توجد مجموعة من الكتب في سيارتها لهذا السبب.

تنوع

تحتوي مكتبة كلثم المنزلية على ما يتجاوز عدده الأربعة آلاف عنوان، تتنوع هذه الكتب بين كتب الإسلاميات وكتب الحموي والمسعودي ومجموعة تفاسير القرآن الكريم بمجموعاتها الكاملة، وهناك ستة مجلدات كاملة في علم الفلك. إذ يعتبر هذا العلم من اهتماماتها المقربة. ويضاف إلى ذلك كتب التفاسير والمعاجم والأدب والشعر ودواوين شعرية كاملة لعدد من الشعراء، كأدونيس ومحمود درويش، والمجموعة الكاملة لكتب الطيب صالح. ولا تقتصر الكتب المتوافرة في مكتبة المنزل لدى عائلة كلثم على حقول معرفية محددة، بل إنها تشمل مختلف صنوف الفكر والثقافة والتاريخ..كما تبين كلثم أن الكتب التراثية والتاريخية الخاصة بدولة الامارات ومنطقة الخليج العربي تحتل مكانة مهمة في مكتبتها، إذ إنها توليها اهتماما خاصا وتشعر بمتعة خاصة وهي تبحر فيها وتستزيد من معلوماتها.

1981

يوجد في المكتبة ركن كامل يحتوي على الكتب المهداة من الكتاب، ويضم ما يقارب الـ 250 إهداءً، وتولي كلثم هذا القسم اهتماماً خاصاً لما للإهداءات من أهمية بالغة لديها، كما تقول. فهو تعبير عن التقدير من الكاتب للقارئ، وحرص من القارئ أن يحصل على كتاب المؤلف.. واهتمامه بأن يقرأ ما كتب. وتشكل لها هذه الكتب الإهداءات متعة وعلاقة خاصة، فهي تحرص كثيراً على المحافظة عليها وعدم التخلي عنها.

وهناك هواية أخرى ترتبط بالكتابة، وهي اقتناء الكتب القديمة التي تعد لغتها صعبة، ككتاب (تذكرة داوود الأنطاكي)، الكتاب الشامل لكل المعارف والعلوم الدينية والعلمية والثقافية وحقول الأدب والأنساب.

ووصلها كإهداء من الشيخة سلامة بنت حمدان في عام 1981، حيث تطرق الكتاب في إحدى أقسامه إلى طريقة لعلاج التهاب الجيوب الأنفية باستخدام العود الهندي، وباتباعها لهذه الطريقة في عام 1991، والتي كانت تعتمد على الاستنشاق لمدة ستة أيام، وذلك حين عانت من تلك المشكلة، لم يعاودها هذا الألم مذاك. وفي هذا السياق، تؤكد الشاعرة الإماراتية كلثم عبدالله، أن الكتاب نبع ثر ينطوي على فوائد حياتية وثقافية وصحية وقيمية متنوعة، لا تقف في حدودها على المنفعة المباشرة أو الآنية، بل يتعدى ذلك إلى آفاق وأبعادج مستقبليىة أرحب وأوسع.

سيف بن ذي يزنأما أقدم الكتب في مكتبتها فهو كتاب، يعود لوالدها، رحمه الله، وهو يتناول سيرة البطل اليمني سيف بن ذي يزن الحموي، كانت قد احتفظت به بعد وفاة والدها، وتلف غلافه بينما تميل ألوان صفحاته إلى اللون البني. وتشير كلثم إلى أن والدها كان قارئاً جيداً وكاتباً أيضاً، وعند طباعتها لديوانها الشعري الأول، كتبت في الإهداء بأنها كم كانت تتمنى أن يكون موجوداً ليطلع عليه.

«بيني وبيني»

تعكف الشاعرة كلثم عبدالله، حالياً على إنجاز كتاب موجه لكل الأعمار بعنوان (بيني وبيني)، ومجاله في التنمية الذاتية، فبعد حصولها على شهادة مدرب تنمية ذاتية من بريطانيا، شعرت بمدى حاجة الفرد للمفردات الإيجابية في حياته ومدى تأثيرها على النفس الإنسانية، وهو سيكون بما يقارب الثمانين صفحة، حيث تحتوي كل صفحة على مفردة، تتحدث عنها وعن مدلولاتها في القرآن الكريم والسنة النبوية.. وفي العلم أيضاً، كما تفسر مدى تأثيرها على النفس البشرية وانعكاسها على طاقتنا الإيجابية في الحياة اليومية، حيث سيكون هذا الكتاب ذو الحجم الصغير نسبياً، بمثابة رفيق للإنسان يحمله معه أينما كان.

تأثير

تقول كلثم عبدالله، إن العلم بحر واسع وكبير، والمعرفة والثقافة ليستا حكراً على أحد، فهما ثروة إنسانية عامة وزاد للعقول، وبقدر ما ينهل المرء من المعارف والعلوم من الكتب، بقدر ما يملك من الأفق الواسع والرحب في التعامل مع الآخرين، وبقدر ما يملك من المفردات التي لا يملكها غيره ممن لا يقرأ، أما تأثير القراءة على أبنائها وأسرتها، فهي ترى أن تأثير القراءة عليهم كبير جداً، فالاتزان والعقلانية تتضح في تصرفاتهم وقراراتهم، فالقراءة عموماً تغلب الجانب العقلاني في حياتنا وتصرفاتنا، أكثر من العاطفي، وهو ما جعل أفراد أسرتها يميزون الصح من الخطأ.

أراقبهم من بعيد

تحكي كلثم عن الميل التلقائي الذاتي لدى أبنائها نحو القراءة:

لم أكن بحاجة لتوجيههم في عوالم القراءة وحبها، ولكنهم يحرصون على مشورتي وسؤالي عن ما يقرؤون. أنا أراقبهم من بعيد وأعلم أن خياراتهم في القراءة ليست جامحة بل توجهاتهم مناسبة لتوجهات الأسرة. أما والدهم فبحكم عمله في تخصص الجيولوجيا، فهو يميل للكتب التي تناسب هذا التوجه، إذ إنه يقرأ في علوم الزراعة والنباتات.. وكل ما يتعلق بالجيولوجيا.