مثقفون يجمعون على أن الخـلـــــــــــــل يكمـن فـي المنهـج التعليمي

وسائل التواصل الاجتماعي.. مــــــــرآة تعـكـس عقـوق اللغــة الأم

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

- وسائل التواصل الاجتماعي.. مــــــــرآة تعـكـس عقـوق اللغــة الأم(PDF)

بقدر ما يتشبث الجيل الصاعد في الوطن العربي اليوم باللغة الإنجليزية، فإنهم في المقابل يزدرون لغتهم الأم، بل ويبالغون في عقوقها، حتى لم يعد أحدهم ليشعر بالعار من ضعف معرفته بقواعد الإملاء وأسس النحو والصرف وبناء الجملة المفيدة الصحيحة، بل ربما تباهى بأنه ليس معنياً ولا هو خاسر.

وسرعان ما ينصرف عما أشكل عليه من لغة أمه وأبيه إلى مفردات إنجليزية يبلي فيها بلاء حسناً، جراء ما حصده من معرفة أتاحتها له المدرسة فضلاً عن التواصل الاجتماعي مع الأصدقاء عبر الحوار الواقعي والافتراضي معاً. فالإنجليزية - بلا منازع- هي لغة العصر ولسان التعبير الأبلغ والأفصح في عصر الثورة المعلوماتية الراهنة التي تنتظم العالم من أقصاه إلى أدناه.

وفي ظل العولمة الثقافية الجارية حالياً، تحمي المجتمعات ذات الإرث التليد ثقافتها وفي مقدمة أركان ثقافتها لغتها، وتأتي الحماية الخاصة التي تحيط بها فرنسا لغتها ضمن هذا السياق، خشية تغول الطوفان الانجليزي الذي لا يزال يغمر العالم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي.

أما على الصعيد العربي، فإن تمسك المتعلمين ببنت عدنان، لغة الضاد، لم يعد كما كان، حيث تقل بواكيها، بدءاً من البيت الذي أخذ يعتز ويفاخر بأن أبناءه يتعلمون في مدارس أجنبية، وأنهم لا يحسنون العربية بقدر ما يتقنون، وأن ذلك خير لهم ولمستقبلهم.

ولعل مواقع التواصل الاجتماعي التي برزت فيها ظاهرة انتهاك لغتنا والعصف بأسسها وقيمتها ليست هي المسؤولة أساساً عن تلكم المشكلة، وإنما هي التي شكّلت مرآة أو شاشة ناصعة عكست جوانب الأزمة بوضوح وأتاحتها أمامنا على نحو مؤلم بعد أن روجتها، لذلك فيجب البحث عن جذور المشكلة في مكان آخر.

وفي الحقيقة فإن مناهج هذه اللغة الكريمة لم تعد تناسب أو تروق للجيل الراهن، لا شكلاً ولا مضموناً، لذلك فلابد من ناقوس يقرع وباستمرار حتى يتم الالتفات أولاً إلى هذا المنهج باتجاه نفض غباره وتطويره، ثانياً إلى المعلم الكفء المحب للغته والعاشق لجمالياتها وعبقرية مكنوناتها، والذي يبتكر بدوره من الأساليب ما يجعلها مفضلة ومحببة إلى الأبناء.

دولة الإمارات اليوم من الدول القليلة التي تصدت للأزمة، وانتهجت من السياسات وتبنت من البرامج ما يكفي من أجل إعادة الاعتبار للعربية، من ذلك مبادرات الحث على القراءة بالعربية، وتكريم المعلمين، وتنظيم المسابقات لتنشيط الاهتمام بها.. الخ ولكن ماذا عن الدول العربية عامة، لماذا لا تتساءل: ما الذي جعل أبناءنا لا يحسنون حتى مبادئ الإملاء؟ ناهيك عن القواعد النحوية، لماذا خطوطهم رديئة وغير مبينة؟ من المسؤول أولاً سوى المدرسة والمدرس؟ كيف لخريج الجامعة الا يعرف كيف يكتب أبسط الجمل بلغته الأم؟ كيف يجاز وينال الشهادة الأكاديمية خريجاً وهو شبه أمي، لا يفك الخط بشكل صحيح؟

نحن في هذا الملف وفي إطار مشاركة «البيان» في إثراء فعاليات «عام القراءة 2016» نستعرض ملامح ما تعانيه لغتنا الأم من عقوق وانتهاكات واستخفاف أحياناً من جانب بنيها في هذا الزمان انحيازاً وبراً لها.. حملنا هذه الهموم وطرحناها على بعض الكتاب والشعراء فكان هذا الحصاد..

المناهج ثم المناهج

الأديبة والشاعرة صالحة غابش، المستشارة بالمجلس الأعلى للأسرة، لها رأي آخر، فهي تقر أولاً بكثرة ما بات يتردد ويقلق كثيراً من المثقفين اليوم فيما يتعلق بما تواجهه اللغة العربية من تحديات مستجدة ولا مبالاة عند استخدامها، وتتمثل هذه اللامبالاة في عدم الاعتناء بقواعدها، خاصة مع انتشار استخدام وسائل التقنيات الحديثة وما تتضمنه من طرق سريعة تجعل الحوار المكتوب يصل بأسرع مما يتوقعه أحد، الأمر الذي جعل الرسائل المكتوبة عبارة عن لهجات لا لغة فصحى، وحتى اللهجات فتكتب بصورة خاطئة غالباً رغبة في الإسراع الى ايصال الرسالة.

وتلفت صالحة النظر الى انه حتى المقالات يكتنفها أيضاً الكثير من الأخطاء. وهي ازاء ذلك لا تلوم وسائل التقنيات التي هي وسائل يمكنها ان تحمل وتنشر اللغة العربية في افضل حالاتها بكل أمانة. وتضيف: لكني ألوم المستخدم الذي استسهل أزرار «الكي بورد» فجعل يعبث بها كيفما اتفق.

تلقي صالحة نظرة الى الوراء قليلا لتجد أن المناهج المعتمدة عربيا لتدريس اللغة العربية لا تزال غير فعالة وغير قادرة على استيعاب الطالب للتعاطي بمحبة وشوق مع قواعدها النحوية والإملائية، بل لا يتوفر ضمن هذا المنهج أي احتفاء بجماليات اللغة وفرادة بلاغتها بما يجذب مشاعر الطالب اليها، فلا نسمع الا الشكوى من جانب الطلبة وأولياء الأمور من صعوبتها.

وتكرر: إن العربية اليوم منتهكة بيد أبنائها أنفسهم، سواء داخل الشبكات العنكبوتية أو خارجها.

ومن هنا تنادي غابش بضرورة اسهام الجهات المعنية كافة من أجل إعادة العربية الى رونقها وعزتها في اذهان أبنائها.. ولكن كيف؟

ريادة إماراتية تتصدى

تمضي قائلة: في الإمارات العديد من المشاريع والمبادرات الجادة التي تتصدى لهذه المعضلة منها على سبيل المثال لا الحصر: ميثاق اللغة العربية الذي أطلقه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، ومشروع (لغتي) الذي أطلقه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة. ولكن لابد من تضافر الجهود المدنية مع الرسمية، لابد أن تكون بداية الاهتمام بلغتنا من البيت ومن الوالدين، ثم المدرسة ووسائل الإعلام.

وتتطرق الشاعرة صالحة غابش الى تجربتها الشخصية كمعلمة لغة عربية قبل ان تكون مستشارة اليوم، تقول: هنالك مشكلات تعتور مناهج اللغة العربية، وهي مناهج لا تواكب التطور وآفاق تفكير أطفال اليوم. والابتكار الفعال في هذا المجال واستيعابه ضمن المنهج قليل.

وتضيف أما أنا كصاحبة دار نشر (صديقات للنشر والتوزيع) فقد بادرت بطرح مشروع «مغامرات مسرة في عالم اللغة العربية»، وهي سلسلة قصص صدر منها خمسة أجزاء حتى الآن، وقد قمنا بعرضها في مهرجان الشارقة القرائي للطفل العربي، وتتضمن أساليب حاولنا ان تكون مميزة وجاذبة للطفل كالقصص والشعر القصصي والرسوم التشكيلية، وذلك من أجل تحبيبه وتشويقه وإثارة فضوله المعرفي لصالح أسس وجماليات اللغة العربية، حيث ارفقنا مع الكتاب أقراصاً مدمجة تحوي أغاني تقدم قواعد اللغة وأسسها منغّمة بألحان محببة وممتعة.

الطفلة مسرة هي بطلة هذه السلسلة جميعا، وفي مجال تيسير قواعد الإملاء حاولنا أن نقدم رسالة تعليمية سميناها (اكسرها فقط) لتعريف الطفل أن (إليكِ وأنتِ وعليكِ ولكِ) تكتب بالكسرة فقط – اكسرها فقط- وليست هكذا (إليكي، عليكي، أنتي!!) كما قد نرى من عجب في مواقع التواصل اليوم!!.

المفاجأة التي ادخرناها إلى نهاية مطافنا الاستطلاعي هذا جاءتنا من الشاعر سالم بوجمهور القبيسي، رئيس فرع اتحاد كتاب الإمارات في أبوظبي: فهو يرى أن اهتمام أبنائنا الشديد باللغات الأجنبية ليس مشكلة، بل يدعو الى ذلك ويعجب به ويراه ميزة يجب أن نعززها، أطفال في سن الرابعة عشرة يتقنون الانجليزية كما ولدتها أمها؟ هذا شيء جميل ومفرح. ولكن بوجمهور يتساءل ناقدا: لماذاً عجزنا نحن عن تأهيل حتى الخريج الجامعي لناحية إجادة لغته الأم؟ فالخلل إذاً ليس في وسائل التواصل الاجتماعي ولا المشكلة في الجيل الجديد، وإنما في مناهجنا وبرامجنا وخططنا التعليمية والتربوية.

وينادي سالم باعتبار اللغة العربية علماً من العلوم، ونعاملها على صعيد التطوير بالدرجة ذاتها كالفيزياء والكيمياء وغيرهما، لا أن نعاملها كمفردة من المقدسات، حتى تصبح ثابتة لا تتحول ولا تتطور، إنني ادعو الى تطويرها شكلاً ومضموناً، لا شكلاً ومنهجاً فقط، لنذهب الى بنيتها نفسها ونطور، لتجاوز الجمود الذي لحق بها جراء هذا التقديس.

إرثنا التاريخي في نظر سالم بوجمهور يدعم توجهه هذا، فيقول هنالك مدرستان عريقتان شهيرتان إزاء قواعد اللغة العربية هما مدرستا البصرة والكوفة، اظن أن مدرسة الكوفة أيسر من اختها، وهي معترف بها وفصيحة، فلم لا نأخذ بيسرها ونبني عليه ونستبعد تشدد البصرة مثلاً؟

وعن دور مواقع التواصل الاجتماعي في تعزيز المشكلة ومفاقمتها يقول سالم: يا أخي يكفي هذه المواقع شرفاً أنها جعلت الناس تقرأ وتكتب يوميا، كباراً وصغاراً فكيف نلومها، وقد جذبت الناس للقراءة لوقت طويل. صحيح ليس هناك ترشيد وهذا ما يجب ان نجد له حلاً.

ويعتقد سالم أن اللغة العربية بخير حال ولا داعي للتشاؤم، بل هي في انتشار، ويهتم بها اليوم أجانب كثر، وأما مشكلة اهتمام ابنائنا بها فسؤال ليس صعباً، فقط يجب ان نحلل جوانب المشكلة ونخطط لكي تكون محبوبة بالأسباب التي جعلت الانجليزية محبوبة من حيث المناهج والوسائل؟ هل هذا صعب؟.

مع العامية وتعميم الإنجليزية

وأما استخدام الناس للعامية أو اللغة الشعبية فهذا أمر يدعو إليه بوجمهور بشدة، ولا يعتقد ان الاهتمام باللغة المحكية يحتم الانشغال عن الفصحي ولا على حسابها بل هي في نظره شقيقتها، وهو يدعو الى عقد مصالحة بين العاميات العربية واللغة الفصحى بدلاً من محاربة العامية الشعبية التي حفظت لنا الكثير من قيم الهوية والتراث والتاريخ، ويتساءل: لماذا هذه التفرقة بين العامية والفصحى كأنما عدوتان؟.

وأخيراً يتمنى سالم بوجمهور إلى أن يتحول التدريس في مؤسساتنا التعليمية كافة نحو اللغة الإنجليزية (التاريخ والجغرافيا والعلوم..) ما عدا اللغة العربية والتربية الإسلامية فقط، فحينئذ ستكون اللغة العربية في وضع أفضل ويكون أبناؤنا فيها أقوى وأكثر معرفة بقواعدها منهم الآن.

»الإيموجي« من الأسباب التي تبعدهم عن لغة الضاد

الأديبة سامية زينل عبد الله، مسؤولة التخطيط البرامجي الثقافي بالمنطقة الشرقية (خورفكان)، ترى أن اللغة العربية بمثابة أُمّ تحولت في هذا الزمان إلى رضيع يحتاج الى الرعاية والدعم، فهذه مفارقة حقاً، لأنها كانت يوماً سيدة لغات العالم، اللغة التي أُنزل بها القرآن، والتي سطرت أسس العلوم ومرجعا ومعينا يغترف منه علماء الشعوب معارف العرب والمسلمين، ها نحن نجدها اليوم تنكمش، وتؤكل حروفها، ويبعثر تعبيرها وسط مواقع التواصل الاجتماعي.

وتضيف سامية زينل: نحن ندرك كم هي أنيقة في معانيها، عميقة في تعبيرها، ومع هذا يتخلى عنها أجيال العرب مرتكزين على لهجاتهم المحلية وغيرها من اللغات المكتسبة من شعوب أخرى.

لقد أصبح المستخدمون لتلك المواقع يميلون للاختصارات والإيماءات المتاحة من إدارات تلك المواقع وذلك للتعبير عن مزاجهم وردود أفعالهم وانفعالاتهم عوضاً عن التعبير الكتابي، لتصبح تلك الرموز والاختصارات (الإيموجي) من بين الأسباب القوية التي تبعدهم عن لغة الضاد، بينما يغفل الكثيرون عن هذا الأمر الخطير، مما يترتب عليه إحداث ضعف ملحوظ في استخدام ونطق هذه اللغة، حتى أصبح الشاب العربي الذي يفترض فيه أن يتحدث العربية بطلاقة شاباً لا يدرك المعنى، ويجعل من حروف بين شفتيه ترتعش وتعبيرها يصبح ضائعاً في متاهة هذا العصر الخاضع للغة التكنولوجيا فحسب.

تساؤلات جادة

وتقول سامية: إن من أهم بواعث هذه المشكلة (ضعف إجادة اللغة العربية اليوم) تخاذل الجيل الجديد في بذل جهود الحفاظ عليها، رغم وفرة التطورات التكنولوجية وظهور مواقع تساهم في تواصل الشعوب مع بعضها، فكيف لم يخدم هذا المعطى اللغة العربية كما يجب، فربما يعود الأمر إلى انجراف المستخدمين لهذه المواقع خلف الكلمات والمفاهيم التي تحمل الهزل في مضامينها أكثر من الكلمات الرصينة، ولقد أصبح مستخدم اللغة الفصحى في نظر أغلب الناس اليوم شخصاً معقداً وينتمي الى الماضي.

وفي نظر سامية فإن مواقع التواصل الاجتماعي على الشبكة العنكبوتية لا تمثل العالم الافتراضي كما يظنه البعض، بل هي تعكس وجود عالم فعلي نتعاطى معه ويؤثر فينا ونؤثر على بعضنا من خلاله أيضاً فكيف يكون افتراضيا على هذا النحو؟، إنه يجمع بين أعداد هائلة من البشر من كافة دول العالم أكثر مما يجمع أي محفل اجتماعي، بشتى اللغات والسلوكيات والمعتقدات، والمستخدم لهذه المواقع إن لم يكن محصناً قوياً وذا ثقافة عالية، وله مبادئ ثابتة، فسينجرف خلف موجات ضخمة تهدد اللغة والسلوك وحتى الفكر.

وتطرح زينل فرضية أخرى حينما تضيف: يعتقد أبناء الوطن العربي أن استخدامهم للغة العربية سيجعلهم بعيدين عن التطورات وكل ما هو جديد في العالم، بحجة أن هناك دولاً عديدة لا تتحدث باللغة العربية، لذا فهم يستخدمون اللغات الأجنبية للتواصل مع الأطراف الأخرى من دول العالم، مما كان له الأثر السالب والمؤسف على لغتهم التي أصبحت هشة ومنبوذة لعدم قدرة أبنائها على استخدام وصياغة مفرداتها على نحو صحيح.

عرب نت

تختم سامية زينل مشاركتها بالقول: لو تفكرنا جدياً حول هذا الانجراف السريع والمخيف من جانب الأجيال الجديدة، نحو اللغات والثقافات الأخرى لتوصلنا إلى حقيقة أخرى تجعلنا ندرك حالة الذوبان الحضاري المحدثة بالأمة العربية في حضارات الأمم الأخرى، ما لم تتم المسارعة الى إنشاء شبكات عنكبوتية مماثلة للإنترنت وبإدارة عربية، لأن الاكتفاء باستخدام تلك المواقع والسير على نهجها وفكر أصحابها، نتيجته وخيمة، وما القضية المطروحة للبحث هنا ونشكر «البيان» عليها لأنها جد مهمة، إلا إحدى تجلياتها وسلبيات هذا الخضوع لشبكة تدار من مكان آخر وبأجندة أخرى.. لذا أكرر أن وجود مواقع للتواصل الاجتماعي من إنشاء وإصدار جهات عربية أمر ضروري يساهم في التأثير بدل التأثر، وستكون اللغة العربية هنا هي سيدة هذه المواقع لا سواها.

ضياع اللغة والهوية الافتراضية

الكاتبة عائشة مصبح العاجل، رئيس قسم الإعلام، في دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة تدخل إلى صلب الموضوع من زاوية مختلفة ومميزة، ففي نظرها أنه قد سنحت الظروف والثقافة والوعي، وغالباً عوامل اقتصادية /تجارية، بدخول التقنيات– التكنولوجيات والانترنت، والمبتكرات الحديثة، من أوسع الأبواب لحياتنا، ووفق احتياجات البشر للتقارب وللوصول للمعرفة والمعلومة، حيث أصبحت ثقافة جديدة تنتهجها شرائح مجتمعية كبيرة، وكأنها أيديولوجية فكرية سيطرت على الفرد بمحض إرادته، أو فرض مشروط بقبوله.

تتخذ هذه العلاقة مع التكنولوجيات أشكالاً وممارسات عدة، خاصة وأن هناك اختلافات في (السن – الثقافة – الوعي – طبيعة المجتمع – الاحتياجات – الجنس)، وغيرها من التصنيفات التي لا بد أن تراعى وتدرس في ضوء نتائج تأثير هذه التقنيات والتكنولوجيات والمبتكرات الحديثة على سلوك ونتاجات الفرد في المجتمعات، وعلى الهوية واللغة وحضارات الشعوب، وعلى الشبكة نفسها وتأثيرها على أفكار ومعتقدات الفرد، وارتباطاته الجماعية وانزياحات وعيه وتشكلاته الجديدة.

وتضيف عائشة العاجل أن النشاطات على شبكة الإنترنت اتخذت أشكالاً وممارسات، وأنتجت استخدامات عدة، كان للفرد اليد الطولى في ذلك؛ خاصة وأنها نتاج ممارسات واحتياجات نشأت لديه من اجل تحقيق تواصل أكبر أو لإرضاء فضول المعرفة عنده، فضلا عن سعي الفرد للخوض في ذاته وفي تفاصيلها وذوات الآخرين من أجل التعرف عليها، كما أنه احتال على فكرة الظهور بشخصه، وقام بانتحال وتقمص أدوار وشخصيات أخرى، اتخذ من فكرها ولسانها وسيلة للإفصاح عن مكنوناته، أو فرصة للتحرر من قيود الفكر والجسد والمكان ومن إكراهات الأنا والآخر، إلى ذات أخرى يجدها ملاذاً آمناً وفكاكاً من قيود افترضها وساعدته على ذلك الثقافة العالمة التي سيطرت على المعتقد البشري وسلامته.

محايثة تطور التكنولوجيا

وتؤكد عائشة العاجل أن الوعي ركيزة أساسية في التعامل مع التقنيات (الألعاب الإلكترونية) والتكنولوجيات والإنترنت (الشبكات الاجتماعية- المنتديات – غرف الدردشة) خاصة أن السوق الحالية تزخر بمنتجات وبشكل مستمر ومتطور محايث لتطور العقل البشري وأخيلته.

تجربة »إمبريقية«

وتواصل العاجل رصدها وتحليلها الفلسفي لجوانب المشكلة فتقول: باعتبار أن الأنا ليست كياناً ثابتاً بل هي محصلة نهائية لجملة تحولات معرضة لحتمية التفاعل مع الآخر، وباعتبارها تجربة (إمبريقية empirical ) بمعنى أنها عملية اجتماعية - الإمبريقية هي توجه فلسفي يؤمن بأن المعرفة الإنسانية برمتها يتم تحصيلها أساساً عن طريق الحواس والخبرة: المحرر، حيث ينظر الفرد لنفسه من خلال الآخرين، فتتحول مرآة ذاته إلى ذوات الآخرين وغالباً (نفسيتهم، تجاربهم، أحوالهم الاجتماعية، الاقتصادية، الثقافية)، والتي تسوق الفرد نحوها بشكل ديناميكي للمساوقة والتماثل في أغلب الأحيان، خاصة منصات التواصل الاجتماعي، حيث تجد المستخدمين نسخاً متشابهة سواء في اكتساب الجماليات أو في خسارتها، وأكثر مثالاً يتعاظم أثره سلباً اللغة التي تشكلت وفق الاستخدامات وصار لها أسلوب ومعايير وصفة تختلف عن اللغة الأم، وباختلاف المستخدمين تتلون ضاربة بعرض الحائط القواعد اللغوية وارتباطها بالهوية.

التماهي مع الآخر

كما يتشكل الفرد للتماشي والتماهي مع الآخر، وفق سياقات التحول المستمر والظروف المحيطة به.

تشيّؤ الذات

ليس ثمة نهاية للذات، وإنما هناك دائماً تكامل وتواصل مع الذات الأساس، فالفرد هو ذاته الذي ينتقل في خيالاته نحو عوالم افتراضية تُشيّئ ذاته، وكيانه وتنقله من الواقع وتحرره من الإكراهات التي يزمعها لعالم مثالي في اعتقاده؛ يرضي فكره وثقافته وتطلعاته، ويثري من خلالها وجوده وأدواته، في تحوله إلى إنسان بعقل أداتي، من خلال ما يقدمه، ويُقدم عليه من تفاعلات ترفد ساحة التشاور والتكامل والاستخدامات على الشبكة، بلغة ممسوخة المعالم تتشكل مع كل مستخدم، وتعمل على تشكيل نتاجات جديدة ومبتكرات حديثة كان لاستخدامات الفرد الأثر في ظهورها من خلال تشكلاته الجديدة، وتطور علاقته بالمبتكرات الأمر الذي أدى بشكل واضح الأثر لمسخ اللغة والهوية والكيان الحقيقي للبشر.

أسباب أخرى

من جملة الأسباب التي تؤدي إلى كثرة الأخطاء اللغوية في وسائل التواصل الاجتماعي، السرعة وضغط الوقت في حالة (الدردشة) السريعة والفورية، حيث يؤدي ذلك ــ في حال عدم إتقان الطباعة - إلى ملاحقة الحوار وعدم الحرص على مراجعة النص بما يكفي، فتخرج الكلمات والجمل ملوثة بالأخطاء الإملائية والنحوية حتى إذا كان صاحبها مدركاً للصحيح، خاصة أن كثيراً من المواقع لا تتيح فرصة لتصحيح النص الذي تم إرساله للطرف الآخر، الأمر الذي يزيد الطين بلة.

هل هي مؤامرة؟

كثير من وسائل الأعلام باتت تذيع نشرات الأخبار باللهجة المحلية، وبعض الدول باتت تذاع فيها برامج الأطفال ومسلسلات الدراما الموجهة للطفل العربي باللهجة المحلية أيضاً وعلى نحو متزايد، الأمر الذي لم يكن سائداً خلال العقود الأولى لظهور التلفزيون وقبله الإذاعة، ولا يعرف أحد مبرر هذه الظاهرة التي عزلت الطفل العربي عن الاستمتاع والانجذاب للغة الفصحى والسليمة من خلال استمتاعه في هذه السن التأسيسية بالأفلام والمسلسلات والبرامج والأغاني الشائقة التي تعلق بذهنه مدى العمر، فهل هي مؤامرة حيكت بليل؟.

من مبادرات محمد بن راشد

في أبريل عام 2012 م، أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، حزمة من المبادرات النوعية والمؤثرة لحماية اللغة العربية، حيث أعلن سموه حينئذ، أن تعزيز مكانة اللغة العربية، يمثل مصلحة وطنية رئيسة، لأن الهوية الإماراتية مرتبطة بها «فاللغة هي أداة الفكر.. وهي وعاء الثقافة.. وهي المعبرة عن قيمنا وأصالتنا وجذورنا العربية والإسلامية.. ولا بد لأبنائنا أن يرتبطوا بثقافتهم ومجتمعهم وقيمهم».

وتشمل حزمة المبادرات «ميثاق اللغة العربية»، الذي يهدف إلى تعزيز وضع اللغة العربية، والتركيز على مكانتها في المجتمع، وليكون مرجعاً لجميع السياسات والقوانين المتعلقة بحماية اللغة العربية، وتعزيز استخدامها في الحياة العامة، مثل استخدام اللغة العربية في التعاملات الحكومية الداخلية والخارجية، وفي كل الخدمات الحكومية المقدمة للجمهور، وإعطاء الأولوية في البرامج الإعلامية على القنوات المحلية للغة العربية.

كما أعلن عن تشكيل لجنة خبراء عربية دولية، تهدف إلى إعادة إحياء اللغة العربية، كلغة للعلم والمعرفة، وتحديث أساليب تعليمها، وتقديم نموذج عصري لتعليمها. ويترأس اللجنة، الدكتور فاروق الباز، فيما تضم أعضاء بارزين على المستويين العربي من العلماء والكتاب والتربويين، إضافة إلى شخصيات عالمية من الخبراء بأساليب تعلم اللغة العربية واللغات الأخرى، وستكون أولى مهامها، إعداد تقرير يتضمن مقترحات تطوير تعلم اللغة العربية، ويكون مدخلاً لتطوير مناهج اللغة العربية وأساليب تعليمها، وذلك بهدف إحداث تغيير جذري وشامل في هذه الأساليب، ويمكن لكافة الدول العربية، استخدام نتائج عمل اللجنة، وذلك بهدف إعادة مكانة اللغة العربية، كلغة حضارة وعلم وثقافة لهذه الأمة.

قل ولا تقل

قل: هؤلاء السُّيّاح كذا، ولا تقل: هؤلاء السُّوّاح كذا.

قل: الجنود المُرْتَزِقة، والجنود المرتزِقون، وهؤلاء المرتزِقة، وهؤلاء المرتزِقون، ولا تقل: المرتزَقة ولا المرتزَقون، بهذا المعنى.

قل: دحرنا جيش العدو، فجيش العدو مدحور، ولا تقل: اندحر جيش العدو، فهو مندحر، وذلك إذا كان هزْمه وكسْره ناشئين عن خسرانه في الحرب.

قل: هذا الحزب محلول، وهذه الجمعية محلولة، إذا كانا قد نسخ قيامهما بأمر آمر، وقهر قاهر، من غير أعضائهما، ولا تقل: هذا الحزب منحل، وهذه الجمعية منحلة، إذا كان قد بطل قيامهما وزال قوامهما، من تلقاء أنفسهما.

قل: تأكدت الشيء تأكداً، ولا تقل: تأكدت من الشيء.

قل: ملأ الوظيفة الشاغرة، وينبغي ملء الشواغر، ولا تقل: إملاء الشواغر.

قل: تخرَّج فلان في الكلية الفلانية، ولا تقل: تخرج من الكلية الفلانية.

قل: القَطّاع، ولا تقل: القِطاع، ولا القُطاع.

قل: تعرفتُ الشيءَ والأمورَ، وتعرفت إلى فلان، واعترفت إليه، واستعرفت إليه، ولا تقل: تعرفت إلى الشيء والأمر، ولا تعرفت عليهما.

قل: هذا يرمي إلى الإصلاح ويستهدفه، ولا تقل: يهدف إلى الإصلاح.

قل: الشيء الذي ذكرته آنفاً، أو سالفاً، أو المذكور أنفاً، ولا تقل: الشيء الآنف الذكر.

الأخطاء الشائعة في الشبكة

المشكلات اللغوية التي ظهرت وانتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي، يمكن حصرها في ثلاثة محاور:

1 - مشكلة الثنائية اللغوية: وتجلت في استخدام مفردات إنجليزية إلى جانب اللغة العربية، وفي كتابة النص العربي بالأبجدية الإنجليزية، التي عرفت باسم «عربيزي». بمعنى (العربي الإنجليزي).

2 - مشكلة الازدواجية اللغوية، وتجلت في مزاحمة اللهجة العامية للغة الفصحى في النصوص المكتوبة.

3 - مشكلة الضعف اللغوي في مستويات اللغة الإملائية والمعجمية والصرفية والنحوية والتركيبية.

Email